الحلقة النقاشية الحادية عشر: الأحزاب السياسية في العالم العربي.. النشأة والأزمة
21/7/2005
تقوم الأحزاب السياسية بأداء العديد من الوظائف المهمة في النظم السياسية المعاصرة، لاسيما في مجالات الإصلاح السياسي والديمقراطي التي شهدتها - وما زالت تشهدها - العديد من دول العالم الثالث، وفي القلب منها الدول العربية، باعتبارها إحدى القنوات الوسيطة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم وأهم وسائل التنمية والتحديث السياسي والتداول السلمي للسلطة وتعبئة الجماهير وتعزيز مشاركتهم السياسية. ورغم أن هناك اتفاقًا عامًا على أهمية وجود تلك الأحزاب في معظم دول العالم، فإن ثمة تباينات بين تلك الدول من حيث طبيعة وملامح النظم الحزبية التي توجد فيها ومدى فاعليتها، وهو ما يرجع في جانب كبير منه إلى اختلاف ظروف وخصائص التطور السياسي في كل دولة على حدة.
هذا الدور الحيوي والهام الذي تقوم به الأحزاب في النظم السياسية، لاسيما الديمقراطية منها، كان قاصرًا وغير واضح بالنسبة للأحزاب السياسية في العالم العربي، التي عانت ولا تزال الكثير من الصعوبات التي أعاقت أحيانًا تواجدها، وفي أحيان كثيرة فعاليتها وأداءها، وبعض الصعوبات نابع من طبيعة النظام السياسي، والذي فرض بدوره العديد من القيود على تأسيس هذه الأحزاب ونشاطها، والبعض الآخر نابع من البيئة الثقافية والمجتمعية القائمة في المنطقة العربية، علاوة على القيود النابعة من داخل هذه الأحزاب نفسها وترهل هياكلها التنظيمية والإدارية وضعف اتصالها بالجماهير وعدم القدرة على التعبير عن مطالبها وحاجاتها، مما جعلها منعزلة ومهمشة في أغلب الأحيان، وبشكل يجعل من الصعب - من وجهة نظر البعض - إدراجها ضمن الأحزاب السياسية بالمعنى العلمي للمفهوم وكذا بالممارسة الميدانية للتطبيق التي تشهدها النظم الديمقراطية العريقة.
ورغم الاختلاف والتباين في تفسير أسباب فشل النظم الحزبية في العالم العربي، ومن ثم كيفية علاجها؛ حيث يرى البعض ضرورة بل وحتمية تغيير الأطر السياسية والدستورية والتشريعية باعتبارها الأساس في أي توجه نحو تحقيق الإصلاح الحزبي، فيما رأى آخرون ضرورة قيام الأحزاب نفسها بمراجعة أساليب الممارسة وآليات العمل داخلها من دون إغفال ضرورة الإصلاح الشامل، رغم ذلك فإن هناك عددًا من المعايير الثابتة التي يرى الكثيرون أنه لا غنى عن الالتزام بها، إذا ما كانت هناك رغبة جادة في إجراء إصلاح حزبي حقيقي.
ونظرًا للارتباط الوثيق بين قضيتي الإصلاح الحزبي والإصلاح السياسي الشامل، فقد اتجهت العديد من الدول العربية في إطار توجهها نحو تعزيز عملية الإصلاح السياسي والديمقراطي وتعميق المشاركة الشعبية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، إلى مراجعة النظم الحزبية القائمة والعمل على إصلاحها؛ حيث قامت العديد من هذه الدول بإقرار أو تعديل القوانين المنظمة لعمل الأحزاب السياسية لتخفيف القيود المفروضة عليها، من ذلك قيام الحكومة المصرية يوم 16 يونيه 2005 بتعديل القانون رقم 40 لسنة 1977 الخاص بنظام الأحزاب السياسية، والقانون الجديد الذي أقرته الحكومة المغربية في أكتوبر 2004 لتنظيم عمل الأحزاب السياسية، كما تبنت الحكومة الأردنية قانونًا جديدًا لتنظيم عمل هذه الأحزاب وإن كان لا يزال في مرحلة البحث والنقاش من جانب القوى السياسية المختلفة، في الوقت الذي اتجهت فيه بعض دول مجلس التعاون الخليجي التي تحظر الأحزاب السياسية إلى إصدار قوانين تنظم عمل الجمعيات السياسية مثل البحرين، بل وبدأت تظهر بعض المحاولات الرامية إلى الأخذ بالنظام الحزبي في دول المنطقة مثلما حدث في الكويت مؤخرًا.
وقد أثارت هذه الجهود والتحركات - والتي ركزت بشكل واضح على الأبعاد القانونية والتنظيمية - العديد من التساؤلات حول مدى قدرتها على علاج أوجه الخلل والقصور القائمة في النظم الحزبية العربية.
وانطلاقًا من الأهمية البالغة التي حظيت بها قضية الإصلاح الحزبي من ناحية، وتزامنها مع محاولات الإصلاح السياسي والديمقراطي في بعض الدول العربية من ناحية أخرى، فقد رأى مجلس الفكر العربي (المجلس الاستشاري العربي سابقًا) التابع لمركز الخليج للدراسات الاستراتيجية تخصيص جلسته الحادية عشر يوم 21/7/2005 لمناقشة هذه القضية والتي جاء ثمرتها هذا الكتاب: "الأحزاب السياسية في العالم العربي... النشأة والأزمة"، والذي ينقسم إلى ثلاثة فصول:
الأول: الأحزاب السياسية... إطار نظري وبعض النماذج التطبيقية.
الثاني: الأحــزاب السياسية في العــالم العــربي... عوامل الضعف ومحددات الفاعلية.
الثالث: واقع ومعايير الإصلاح الحزبي في العالم العربي.