top of page
11/ 6

العدد 47 خريف 2006

 

افتتاحية العدد: مخاطر جولة رايس الشرق أوسطية 

جولة وزيرة الخارجية الأمريكية "كونداليزا رايس" بالشرق الأوسط التي بدأتها يوم 2/10/2006 بزيارة جدة؛ حيث التقت العاهل السعودي الملك "عبدالله بن عبدالعزيز" ووزير خارجيته الأمير "سعود الفيصل", ثم القاهرة؛ حيث عقدت يوم 3/10/2006 اجتماعًا مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى مصر والأردن، فيما اصطلح على تسميته مجموعة 6+2 ثم امتدت لتشمل إسرائيل والأراضي الفلسطينية لتنتهي بزيارة مفاجئة للعراق، كانت جولة مثيرة للعديد من التساؤلات والتكهنات حول حقيقة دوافعها وأهدافها!

فبرغم العديد من الموضوعات التي طرحتها "رايس" خلال زيارتها للمنطقة مثل إحياء عملية السلام، والوضع في العراق ولبنان؛ بالإضافة إلى الملف النووي الإيراني، يرى فريق من المراقبين أن الدافع الأساسي وراء تلك الجولة هو البحث عن مخرج من "المستنقع العراقي", وإقامة تحالف عربي مؤيد لواشنطن فيما يتعلق بالإجراءات والخطوات القادمة التي تنوي اتخاذها حيال إيران.

عزز من هذه الرؤية تصريحات "رايس" وعدد آخر من المسؤولين الأمريكيين, وهي تصريحات استفزازية لا تخدم الصالح العربي؛ حيث صرح "فيليب زيليكو" أحد المستشارين المقربين من رايس أن الإدارة الأمريكية تأمل في تشكيل "تحالف بنَّاء" يضم الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين الرئيسيين وإسرائيل والدول العربية المعتدلة لإفشال "تحالف الشر" الذي يضم -وفقًا له- "حركة حماس" و"حزب الله" و"سوريا" ومن قبلهم "إيران"، أما رايس فقد أكدت في تصريحاتها أن بلادها تأمل في صياغة علاقة جديدة مع حلفائها العرب المعتدلين مشيرة أن الشرق الأوسط ينقسم بشدة بين معتدلين ومتطرفين، وأن الصراع بين هذين المعسكرين ليس سهلاً ومؤقتًا، وإنما هو صراع معقد طويل الأمد، وأن مواجهة القوى المتطرفة التي تأتي على رأسها إيران ثم حركتا "حماس" و"الجهاد" الفلسطينيتان وحزب الله اللبناني لن يكون ممكنًا من دون دعم تلك الدول المعتدلة، ولم تجد رايس حرجًا في تسميتها حصرًا في: السعودية، مصر، الأردن، والديمقراطيات الجديدة كالعراق ولبنان والأراضي الفلسطينية.. على الرغم من أن الأخيرة مازالت تعاني من الحصار الذي تفرضه عليها الولايات المتحدة، وهو الحصار الذي تفاقمت مضاعفاته إلى حد تجويع الشعب الفلسطيني.

وحسنًا فعل وزير الخارجية المصري "أحمد أبو الغيط"  حينما نفى تلك التكهنات وأكد أن هذه المحاور والتقسيمات غير واردة بالمرة، إلا أنه كان لافتًا للنظر استضافة مصر للاجتماع الذي يعد الثاني بين مصر والأردن ودول مجلس التعاون الخليجي مع وزيرة الخارجية الأمريكية، حيث إن الاجتماع الأول عقد بنيويورك على هامش اجتماعات الدورة 61 للجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر 2006 وركز بشكل أساسي على الحاجة إلى تحريك عملية السلام، ولقد أشار إلى هذه اللقاءات بقوله.. إنها لقاءات قد تسمح بمساهمة عربية في تشكيل الفكر الأمريكي وصياغة الأفكار التي يمكن للولايات المتحدة أن تتبناها لدفع عملية السلام.

وبالرغم من هذا النفي الرسمي إلا أن فريقًا مهمًا من المراقبين يرى أن وزيرة الخارجية الأمريكية مصرة على إيجاد موقف عربي صلب في مواجهة إيران تمهيدًا لتصعيد محتمل ضدها في مجلس الأمن، وأنها مستعدة لبذل جهود خاصة خلال هذه الجولة في اتجاه عملية السلام مقابل الاستجابة العربية للمطالب الأمريكية بشأن إيران.

ويمكن القول إن هناك عدة ملاحظات حول زيارة "رايس" وما تردد عن تشكيل محور عربي – أمريكي، أهمها:

1-    أن نجاح جولتها أو فشلها في تحقيق أهدافها يتوقف على مدى تعاون السعودية ومصر مع الخطة الأمريكية، والتي تتلخص في تكوين تحالف من الدول العربية المعتدلة مقابل إحياء عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.

2-    أن التحالف الجديد الذي أعلنت واشنطن أنه يرتكز على 3 دول رئيسية هي مصر والسعودية والأردن، بالإضافة إلى باقي دول مجلس التعاون الأخرى، تهدف من ورائه توفير الغطاء العربي والإسلامي لأي هجمات تعتزم شنها ضد كل من إيران وسوريا و"حزب الله" وحركة "حماس".

3-    تشير خبرة التجارب السابقة إلى أنه في كل مرة تخطط واشنطن لشن حرب في المنطقة ضد دولة عربية أو إسلامية تلجأ إلى حيلة عملية السلام وإطلاق التصريحات المتفائلة في هذا الخصوص، وفي هذا الشأن فإن ما تطرحه "رايس" من أفكار أمريكية تتعلق بالقضية الفلسطينية ليس له مصداقية، ولا توجد أي ضمانات لتنفيذها، وذلك على غرار وعد بوش قبيل غزو العراق عام 2003 بإقامة دولة فلسطينية بحلول عام 2005، وهو الوعد الذي ذهب أدراج الرياح واستبدله بوعد آخر رحّل قيام الدولة إلى 2009 أي في العام الذي سيغادر فيه البيت الأبيض!!.

ويرى فريق من المحللين أن هناك عدة دلائل ومؤشرات تصب في ناحية تشكيل المحور الأمريكي - العربي ضد إيران، أهمها .. أن هناك عدة مخاوف خليجية وعربية بشأن البرنامج النووي الإيراني قد تدفع باتجاه إقامة هذا التحالف, أبرزها:

(أ) المخاوف البيئية: وتتمثل في الأخطار البيئية التي قد تترتب على الأنشطة النووية الإيرانية وتنذر بحدوث "تسرنوبل" إيراني! سواء أكانت هذه الأنشطة: بغرض إنتاج الطاقة أو أي أغراض أخرى، لاسيما وأن المفاعلات الإيرانية تقع على مسافات قريبة من هذه الدول.

(ب) المخاوف السياسية: ويقصد بها التخوف العربي وفي مقدمته دول الخليج العربي من استغلال إيران نشاطاتها النووية تحت ستار إنتاج الطاقة سلميًا والنجاح في امتلاك السلاح النووي ليصبح الخليج محاصرًا نوويًا من إسرائيل وإيران ومن ورائهما باكستان والهند والصين، وهو تخوف طبيعي ومشروع؛ لأن امتلاك الفرس للسلاح النووي سيغير كثيرًا من موازين القوى في منطقة الخليج ليس من خلال آلية الاستخدام المباشر للسلاح النووي، ولكن من خلال آلية الردع والتهديد غير المباشر، ولاسيما عند حدوث أي توترات سياسية أو عسكرية بين طهران ودول الخليج.

ورغم تلك المؤشرات التي تصب في اتجاه قيام هذا المحور أو التحالف إلا أن هناك عدة معوقات قد تعوق قيامه، منها:

1-أن القضية الأساسية بالنسبة للعرب هي القضية الفلسطينية وتخطئ الإدارة الأمريكية إذا اعتقدت أن إيران هي المشكلة.

2-أن دول الخليج ترفض عسكرة أزمة الملف النووي الإيراني مع الولايات المتحدة، ففي هذه الحالة فإنه سواء انطلقت الضربات الاستباقية من القواعد الأمريكية في دول الخليج أو من تركيا أو من إسرائيل أو من دول آسيا الوسطى فإن رد الفعل الإيراني المباشر سيكون ضرب القواعد الأمريكية في دول الخليج، وربما يصل التصعيد إلى ضرب المنشآت البترولية في المنطقة، وهو الأمر الذي سيلحق كارثة بدول الخليج، وبالعالم أجمع.

3-هناك مؤشرات تأتي من دوائر أمريكية ولا تتوقع فيها أن تسفر جولة "رايس" عن حدوث خطوات هامة لدفع السياسات الأمريكية في الشرق الأوسط، وأن الاجتماعات التي صاحبت الجولة هي بمثابة مشاورات لتقييم الوضع القائم في المنطقة.. لا أكثر ولا أقل.

4-أن معظم الاتجاهات الشعبية في الدول العربية ومنها دول الخليج لا ترى خطورة في البرنامج النووي الإيراني على الأمن العربي، بل ترى فيه سلاحًا نوويًا إسلاميًا في حال نجاح طهران في الوصول له، وبدلاً من مقاومته ترى تلك الآراء ضرورة التحاور مع إيران والتعاون معها والاحتذاء بها في هذا المجال، باعتبارها موازنًا للقوة الإسرائيلية، وباعتبار أن الدول العربية تستطيع أن تضبط أهداف وتوجهات هذا البرنامج، كما أنه على المستوى الرسمي فإن الدول العربية عمومًا ودول مجموعة 6+2 خصوصًا ترى ضرورة حل الأزمة النووية الإيرانية عبر الطرق السلمية والمفاوضات.

ومع ذلك، فإن أخطر ما في جولة رايس بالمنطقة هو السعي الأمريكي لضم إسرائيل صاحبة السجل المليء بالإجرام والإرهاب إلى محور "المعتدلين الجدد"، وهو الأمر الذي رأى البعض أنه بدأت عملية التمهيد له في نيويورك عندما التقت وزيرة الخارجية الإسرائيلية "تسيبي ليفني" بعشرة من المسؤولين العرب على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2006.

ومن إفرازات جولة "رايس" أيضًا أن المحور (المزعوم) ينطلق ضمنًا من إصرار أمريكي على استخدام الخلافات المذهبية كأدوات في إدارة أزمات المنطقة من خلال الترويج لمقولة  شيطانية, وهي أن تزايد النفوذ الإيراني في المنطقة يحمل في طياته مدًا شيعيًا, ويمثل بالضرورة خطرًا على المسلمين السنة، الأمر الذي يستدعي إنشاء تحالف سني في مواجهته.

إن الخطورة الأكبر لهذا المشروع تتمثل في صرف الانتباه العربي عن قضيته الأساسية وهي القضية الفلسطينية إلى قضية أخرى وهي قضية البرنامج النووي الإيراني، ما قد يؤدي إلى استفزاز إيران واستعدائها وتحويلها إلى عدو محتمل للعرب.

ويبدو جليًا بعد انتهاء جولة "رايس" أن المردود النهائي لها كان سلبيًا في ضوء الشواهد التالية:

(1) الرفض العربي للطرح الأمريكي والذي يحاول تقسيم المنطقة إلى دول معتدلة وأخرى شريرة، وهو ما اتضح خلال اجتماع "رايس" مع وزراء خارجية الدول المعتدلة – حسب الوصف الأمريكي- والذي أبدى فيه هؤلاء الوزراء رفضهم القاطع لإقامة "محور" في مواجهة إيران وسوريا وحزب الله وحركة حماس؛ لأن مثل هذا المحور سوف يعمق الانقسامات ويزيد التوترات في المنطقة.

(2) الإصرار العربي على أن القضية الفلسطينية هي الأساس، وهي سبب كل التوترات والأزمات التي تشهدها المنطقة، ومن ثم فإن الأولوية يجب أن تكون لحل هذه القضية، وهذا يعني أن على واشنطن أن تتحرك في اتجاهه، دون أن تحاول –مسبقًا- إيهام العرب بأن إيران -رغم أنها تمثل مصدر قلق لهم- هي الخطر الأكبر على أمن واستقرار المنطقة... بل إن إسرائيل هي الخطر الأكبر. 

(3) السياسة الأمريكية في العراق عمقت الانقسامات بين الفرقاء العراقيين حتى وصلت العلاقة بينهم إلى مرحلة أصبحت فيها الثقة شبه منعدمة ، وعلى ذلك فلن تفلح زيارات "رايس" أو غيرها في إعادة هذه الثقة أو وأد طموح الاستقلال والانفصال لدى البعض وبالذات الأكراد الذين اختلقوا أزمة مع الحكومة في بغداد بشأن اقتسام الثروة النفطية ووجدوها فرصة للتهديد بإعلان استقلال إقليمهم.

(4) إضافة إلى فشل "رايس" في إحداث انفراجة على الساحة الفلسطينية, فإن الإشادات الأمريكية المتكررة من بوش ورايس برئيس السلطة الوطنية الفلسطينية في وقت يبدو الأخير عاجزًا عن إحياء عملية السلام أو التعامل مع الأزمة السياسية الداخلية, وما رافق زيارة "رايس" من وعود بدعم الحرس الرئاسي وتوليه الإشراف على المعابر اتصالاً بتفسيرات أمنية مواكبة، قد يقود ذلك كله إلى تشجيع الاقتتال الفلسطيني-الفلسطيني وتفجير التصادمات الدموية بين فرقاء الساحة الفلسطينية، لينتهي الأمر بتصفية القضية الفلسطينية.. لا بحلها. 

وختامًا، لا يمكن النظر إلى جولة رايس في الشرق الأوسط إلا في إطار ما دأبت عليه الإدارة الأمريكية كلما تعرضت لأزمة سواء في الداخل الأمريكي أو في المنطقة، فهي على الصعيد الداخلي مقبلة على انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر القادم وتواجه انتقادات عنيفة بسبب سياستها في العراق وأفغانستان، بينما في الشرق الأوسط تواجه بحسب ما سبق أزمة ثقة خصوصًا بعد حرب لبنان، ومن ثم فإنها تسعى إلى تهدئة الأجواء في الداخل وفي منطقة الشرق الأوسط من خلال اللعب من جديد على وتر تحريك عملية السلام ومواجهة الخطر الذي يمثله امتداد النفوذ والتأثير الإيراني فيها، ويبدو أن ذلك هو ما بدأت تفطن إليه الدول العربية، ومن هذا المنطلق كان إصرارها على ضرورة أن تقوم واشنطن باتخاذ خطوات جادة للوصول إلى تسوية مقبولة للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي باعتباره السبب الرئيسي والمزمن لمشاكل المنطقة واحتكمت في إصرارها إلى خبرة الماضي التي أبانت أن لقاءات أمريكية مع أطراف عربية من قبيل لقاء القاهرة لم تسفر عن نتائج ملموسة تحقق المصالح العربية, بل على العكس كانت لها تبعات سلبية على النظم المعنية في علاقاتها مع الشارع العربي المتشكك في حقيقة النوايا الأمريكية؛ فالولايات المتحدة - كقوة عظمى- تحكمها في تحركاتها الخارجية اعتبارات تتعلق بإستراتيجيتها الكونية, وكقوة فاعلة في المنطقة تنطلق من أولوية المصالح الإسرائيلية على غيرها من الاعتبارات.

 

العدد 46 صيف 2006

 

افتتاحية العدد: مجلس التعاون بعد 25 عامًا من إنشائه 

منذ حصولها على الاستقلال، ودول مجلس التعاون الخليجي تدرك أنها كدول صغيرة تعيش في بيئة إقليمية مضطربة، تعج بالطامعين الدوليين والإقليميين، لن تستطيع مواجهة التحديات والمخاطر المحدقة بها والنهوض بجهود التنمية، إلا من خلال العمل الخليجي المشترك الذي كان بمثابة الخيار الاستراتيجي لهذه الدول .. عزز من ذلك التطورات الخطيرة التي شهدتها المنطقة منذ سبعينات القرن الماضي والتي خلقت قناعة لدى قادة دول الخليج الست بحتمية العمل المشترك، بداية من توقيع اتفاقية "كامب ديفيد" عام 1978 وما تلاها من تجميد عضوية مصر في الجامعة العربية، التي كان ينظر إليها باعتبارها حامية للعروبة ولأمن الخليج، ومحاولات العراق بعد غياب مصر فرض هيمنته على المنطقة، ثم اندلاع الثورة الإسلامية في إيران وتبنيها لمبدأ تصديرها، ثم نشوب الحرب العراقية-الإيرانية (1980) والتي شكلت تهديدًا مباشرًا للأمن الخليجي.

أي أن الهاجس الأمني كان هو المحرك الرئيسي لإنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية، الذي رأى النور في 25 مارس 1981 بعد أن وقع قادة دول كل من الإمارات والبحرين والسعودية وعمان وقطر والكويت على وثيقة تأسيسه، ولكن لتحقيق التعاون الأمني كان لابد من تعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية  وهو ما أكدته بوضوح وثيقة تأسيس المجلس.

ولم يكن الطريق سهلاً وممهدًا؛ حيث واجه المجلس منذ نشأته وحتى اليوم العديد من العقبات السياسية، بداية من حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران والتي حاول "صدام حسين" تصويرها على أنها حرب طائفية وهو ما رفضته دول المجلس رغم وقوفها إلى جانب العراق.. وفاءًا لالتزاماتها القومية، لكنها في نفس الوقت.. سعت إلى إبقاء جسور التعايش مع إيران مفتوحة، وعمدت بكل الوسائل إلى إنهاء هذه الحرب بما يحفظ ماء وجه الدولتين المتحاربتين، وتحركت دوليًا في هذا الاتجاه وكان لها ما أرادت.

 وبدلاً من أن يرد "صدام" الجميل لدول المجلس التي أخرجته من محنته رغم أن موازين القوى كانت تميل لغير صالحه، فاجأ الجميع بغزو الكويت، الذي مثل ضربة قاصمة للعمل العربي المشترك، إلا أن دول المجلس أثبتت قدرتها على التصدي للعدوان وتحرير الكويت بوقوفها صفًا واحدًا... وبعد التحرير، أعادت دول المجلس ترتيب أمورها الداخلية وسمت فوق جراحها، ووقفت إلى جانب الشعب العراقي وحاولت تخفيف وطأة المعاناة التي عاشها بسبب الحصار الذي فرض عليه والذي استمر قرابة الـ 13 عامًا.. ثم جاءت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وما تلاها من تطورات بداية من تصاعد الهجمة الغربية ضد العرب والمسلمين، مرورًا بغزو واحتلال كل من أفغانستان والعراق، وانتهاءً بتصاعد حدة المواجهات بين إيران والغرب على خلفية أزمة البرنامج النووي لطهران- جاءت لتلقي بتأثيراتها وتداعياتها المباشرة على المجلس الذي يحاول أن يتعاطى معها ولكن بما يحفظ مصالح وأمن واستقرار دوله وشعوبه.

ورغم كل هذه العقبات التي واجهها المجلس.. استطاع تحقيق إنجازات عدة لكنها متواضعة على صعيد تعزيز التعاون والتنسيق بين بلدانه في بعض المجالات.. فعلى المستوى الداخلي استطاع أن يخلق شبكة من المصالح ، أساسها الروابط المشتركة ووحدة الهدف والمصير، عكستها الاتفاقيات المشتركة الموقعة بين دوله، والتي من أهمها: اتفاقية الدفاع الخليجي المشترك؛ إنشاء وتطوير قوة درع الجزيرة كنواة للجيش الخليجي الموحد؛ الاتفاقية الخليجية لمكافحة الإرهاب؛ الاتفاقية الاقتصادية الموحدة؛ الاتحاد الجمركي؛ الاتفاق على العملة الموحدة المقرر طرحها للتداول العام 2010.. وضع العديد من الأنظمة والقوانين المتماثلة في المجالات المختلفة كالتعليم والصحة والقضاء وغيرها.

وعلى المستوى الخارجي، عمل المجلس كبوتقة لمزج الرؤى والتصورات المختلفة لدوله في محاولة للتقريب فيما بينها وتوحيد مواقفها ورؤاها تجاه القضايا الإقليمية والدولية، في الوقت الذي سمح بهامش من حرية الحركة للدول الأعضاء في اتخاذ القرارات السيادية التي تراها وبما لا يتعارض مع المصالح والثوابت الخليجية والعربية. 

وقد أثبتت خبرة الـ 25 سنة الماضية من عمر المجلس أنه يمثل أكثر من إضافة للعمل العربي المشترك؛ حيث وضعت دول المجلس كل إمكاناتها السياسية والاقتصادية في خدمة قضايا الأمة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي لم تتوان عن دعمها سياسيًا وماليًا، فساهمت في إنشاء العديد من المشاريع الكبرى التي استفاد منها الشعب الفلسطيني في الداخل، وقامت بتمويل أنشطة بعثاته الدبلوماسية في الخارج، وساندت صموده، ووقفت بجانب ما كان يعرف بدول الصمود والتصدي أو دول المواجهة، وقدمت لها كل ما تستطيعه من مال وتجهيزات عسكرية، وسخرت لها كل ما تتمتع به من علاقات دولية متميزة. ولعبت أيضًا دورًا محوريًا في إنهاء الحرب الأهلية في لبنان وإعادة بنائه من جديد، كما كانت الدول الست سباقة في دعم قرارات العمل العربي المشترك سواء على مستوى القمم أو على المستوى الوزاري، ولم تتأخر أي منها عن دفع مساهماتها في ميزانية الجامعة العربية.

وكان الدعم الاقتصادي الذي قدمته دول المجلس للدول العربية هو الأبرز، وذلك من خلال المشاريع التنموية التي أقامتها، والقروض الميسرة التي منحتها لهذه الدول، وقيامها بفتح المجال أمام العمالة العربية التي ساهمت بدورها في بناء أوطانها وخفضت من حدة الضغوط الاقتصادية والاجتماعية المفروضة على دولها، من خلال ضخ هذه العمالة للتحويلات المالية في اقتصاديات بلادها.. في تطبيق عملي لفكرة توزيع الثروة التي نادى بها البعض.

ولم يكن لهذا العمل الخليجي المشترك أن يكتب له النجاح دون أن يقوده ملوك أو رؤساء أو أمراء وزراء ذوو مصداقية وحضور فاعل على الساحتين الداخلية والخارجية، ويتابع قراراته.

العدد 45 ربيـع 2006

 

افتتاحيـة العــدد: فتــح وحمــاس فرقـاء الأمـس شـركاء اليـوم

في الخامس والعشرين من شهر يناير2006 جرت الانتخابات التشريعية الفلسطينية في أجواء شهد لها الجميع بالشفافية والنزاهة.. وهي شهادة تضيف إلى رصيد السلطة الفلسطينية، ولا ينكرها عليها أحد. وكأي انتخابات ديمقراطية .. فلقد جاءت نتائجها تعبيرًا حرًا عن إرادة ناخبين .. وهي إرادة تحترمها كل النظم الديمقراطية .. فهي مرجعية الاحتكام. ولقد أعطت هذه الإرادة الأغلبية المطلقة لحركة "حماس" وبنسبة تقترب من حوالي 56.06% (74 مقعدًا من إجمالي مقاعد المجلس التشريعي والتي تبلغ 132 مقعدًا)، وهي أغلبية تمنحها وفقًا للقانون الفلسطيني حق تشكيل الحكومة. وبالفعل فلقد قام الرئيس الفلسطيني بتكليف الحركة بتشكيل الحكومة.

ولكن القواعد القانونية شيء .. والقواعد السياسية شيء آخر، فلقد سعت "حماس" سياسيًا إلى تشكيل حكومة "وحدة وطنية" واعتذرت منظمة "فتح" عن المشاركة .. وقد يكون لها حساباتها وتقديراتها، وهي حسابات وتقديرات تقبل بها القواعد السياسية، ولكنها قواعد تقبل أيضًا بأن "حماس" قد أصبحت شريكًا في السلطة الفلسطينية، وعلى الشريك الآخر (الرئيس الفلسطيني ومنظمة فتح) أن يبحث عن نقاط الاتفاق وتفعيلها .. وأن يتجنب نقاط الاختلاف ويهمشها، حتى لا يضل مؤشر البوصلة على الطريق إلى الهدف السياسي الذي ناضل من أجله الشعب الفلسطيني وهو هدف تحرير الأرض وإقامة الدولة.

ولكن - للأسف - فعلى ما يبدو فإن منظمة "فتح" - أو معظم من فيها - قد استسلمت لمشاعر إحباط اختلت بها توازناتها بعد خسارتها للانتخابات، ومن المفهوم - ضمنًا - أن تستشعر الأطراف التي خسرت الانتخابات بعض الإحباط.. فهذا يحدث في كل الانتخابات النيابية في العالم.. فلا أحد يبدو سعيدًا إذا خسر، ولكن من المفهوم - أيضًا - أن القواعد السياسية تعلو بالهدف السياسي فوق مشاعر الإحباط وتدعو الجميع.. (من خسر ومن ربح) إلى التعامل معًا من أجله، كما تدعو الطرف الخاسر إلى مراجعة الذات.. وهو ما لم تفعله "فتح"؛ فخسارة انتخابات برلمانية لا تمثل نهاية العالم لحزب أو لحركة أو لمنظمة .. ففي الممارسة الديمقراطية لابد وأن يعرف الجميع الخسارة والربح، ولكن العجز أو الامتناع عن مراجعة الذات هو الخطأ الاستراتيجي الذي يقع فيه الطرف الخاسر للانتخابات، فالمراجعة - مهما كان حرجها - تضيف إلى الرصيد السياسي لصاحبها.. لأنها تعزز مصداقيته في العمل السياسي وتضاعف من ائتمان الثقة فيه.

وفي حديث المراجعات.. فإن على منظمة "فتح" أن تعترف بأن فوز حماس في الانتخابات لم يأت من فراغ .. فهناك أقاويل ترددت في الشارع الفلسطيني حول فساد بعض رموز المنظمة في السلطة.. وذهبت الأقاويل لتتداول سفرياتهم وامتيازاتهم ورفاهيتهم المعيشية ونزاهتهم أيضًا بينما كانت السلطة تبدو عاجزة عن تدبير متطلبات الحياة اليومية والضرورية لمواطنيها، وفي حديث المراجعات أيضًا .. فإن على منظمة "فتح" أن تعترف بأن النتائج السياسية لمسار "أوسلو" لم تسجل نقاطًا على طريق الهدف الكبير للشعب الفلسطيني، فعلى الرغم من مفاوضات واتفاقيات أبرمتها السلطة مع إسرائيل، وعلى الرغم من تنازلات قدمتها السلطة إلى إسرائيل، فلقد كانت المحصلة السياسية لمسار "أوسلو" سلبية وكانت المحصلة بسلبياتها حاضرة أمام المواطن الفلسطيني وهو في طريقه إلى صناديق الانتخابات، وكان شاخصًا أمامه - أيضًا - عدم وفاء إسرائيل بتعهداتها وعدم احترامها لتوقيتات زمنية معلنة لقيام الدولة الفلسطينية .. ليبدو الأمر وكأن الإعلان قد تم تأجيله إلى أجل غير مسمى، وكان المواطن الفلسطيني وهو في طريقه إلى صناديق الانتخابات.. يشاهد وعلى مرمى البصر سورًا عازلاً تواصل إسرائيل بناءه، وترسم به حدودها، من جانب واحد، وتحتجز القدس الشرقية وراءه، بينما السلطة تعلن قبولها بخريطة الطريق.. وإسرائيل تفرغها من مضمونها، بل وتفرغ التسوية السياسية كلها من مضمونها.

لم تكن المفاجأة - إذن - هي فوز "حماس"، ولكن المفاجأة كانت في رد فعل "فتح"، فبدلاً من مراجعة الذات ذهبت إلى وضع عراقيل على طريق حكومة "حماس" .. عراقيل يضيق بها هامش المناورة السياسية لـ "حماس" ولـ"فتح" معًا، وتسلب من الاثنين أوراقًا يمكن توظيفها في خدمة القضية الفلسطينية، فإذا كانت إسرائيل تطلب من "حماس" الاعتراف بالاتفاقيات الموقعة مع السلطة .. فهذا يبدو منطقيًا ومفهومًا من وجهة النظر الإسرائيلية، ولكن أن تطالب "فتح" باعتراف حماس باتفاقيات وقعتها إسرائيل ولم تحترمها.. فهو أمر يدعو إلى وقفة للتساؤل السياسي، فمن مصلحة الهدف السياسي للقضية الفلسطينية .. أن يبقى لـ "حماس" هامش مناورة محسوس ومتسع يمكن توظيفه لمساءلة إسرائيل عن مدى احترامها للاتفاقيات الموقعة بينها وبين السلطة الفلسطينية، خاصة وأن "حماس" التزمت موقفًا عقلانيًا .. فهى لم تعلن عدم اعترافها بهذه الاتفاقيات، ولكنها تساءلت عن جدية الالتزام الإسرائيلي بها.

وإذا كانت إسرائيل تطلب اعتراف "حماس" بها .. فإن هذا يبدو - أيضًا - منطقيًا ومفهومًا من وجهة النظر الإسرائيلية، ولقد سبق للسلطة الفلسطينية (ممثلة في منظمة فتح) الاعتراف بالوجود الإسرائيلي، وكان الاعتراف هو جزء من "بناء الثقة" في بداية التفاوض وفقًا لمرجعية "أوسلو"، ولكن مع تطور المفاوضات في سياقها الزمني وأطوارها المتعاقبة .. فإن الضرورة السياسية تقضي بالانتقال من مرحلة "بناء الثقة"إلى مرحلة "إقرار الثقة" وذلك من خلال تعيين حدود هذا الوجود حتى تكتمل صيغة الاعتراف السياسي وشروطه، وهو ما تطالب به "حماس".. فهي لم ترفض الاعتراف من حيث المبدأ .. ولكنها تساءلت عن الحدود التي سوف يستقر فيها الاعتراف، أو على حد تعبير "إسماعيل هنية" لمحطة تليفزيون "سي. بي.إس" الأمريكية في 16/3/2006، عندما صرح لها قائلاً: " إنه يتمنى أن تأتي اللحظة التي يدخل فيها البيت الأبيض ليوقع اتفاق سلام مع إسرائيل بشرط أن توافق إسرائيل على قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية"، وعندئذ.. فإن مطالبة "فتح " لـ"حماس" بالاعتراف بالوجود الإسرائيلي دون تعيين حدوده في الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل بترسيم حدودها من جانب واحد .. يضع السلطة الفلسطينية كلها (فتح وحماس) رهينة لعقد الإذعان الإسرائيلي, وليس من الحكمة السياسية أن يضع المرء نفسه رهينة إذعان، وأكثر من ذلك .. فإن ما قاله "هنية"، وما التزمت به حركة "حماس" لا يتناقض مع البرنامج الانتخابي للرئيس الفلسطيني، والذي انتخبه على أساسه الشعب الفلسطيني؛ فالبرنامج اعتمد التسوية السياسية مع إسرائيل .. ولأن تعيين الحدود هو جوهر التسوية، فإن موقف "حماس" لا يتناقض مع برنامج الرئيس، وبالتالي فلا يوجد ما يبرر افتعال خلاف من جانب "فتح" .. يضع شرعية الرئيس في زاوية تناقض مع شرعية الحكومة.

افتعال "فتح " للخلاف مع "حماس" قد يذهب بمضاعفاته السلبية إلى محاذير ومحظورات .. تهدد، سياسيًا، مكتسبات الشرعية الدولية التي حصل عليها النضال الفلسطيني عبر سنوات من العمل السياسي والمسلح، خاصة عندما تعمد "فتح" إلى خلق تناقض بين شرعية منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني وشرعية حكومة "حماس"، بدعوى أن حركة حماس ليست عضوًا في المنظمة. وبالاستقراء السياسي.. فإن التناقض سوف يعطي الآخرين - وبعضهم يتربص - مسوغًا لنقض اعترافه بشرعية منظمة التحرير أو لتسويف اعترافه بشرعية حكومة "حماس".. أو للنقض والتسويف معًا، لتتراجع القضية الفلسطينية خطوات إلى الوراء.. وربما إلى نقطة الصفر سياسيًا، وبالمواءمة الموضوعية .. فإن على "فتح" أن تتوقف أمام الملاحظتين التاليتين:

1- أنها وليست حركة "حماس" هي التي قامت بإلغاء بعض صلاحيات منظمة التحرير الفلسطينية، وأعادت نقلها إلى الجهاز السياسي والإداري للسلطة؛ فهي التي قامت بإلغاء الصندوق القومي الفلسطيني واستبدلته بوزارة المالية، وهي التي عمدت إلى محاولة نقل تبعية السلك الدبلوماسي من رئيس الدائرة السياسية لمنظمة التحرير.. إلى رئيس السلطة، وخلفت المحاولة، وفي مايو 2005، خلافًا بين رئيس الدائرة "فاروق القدومي" ورئيس السلطة "أبو مازن" بعد اجتماع الأخير في مدينة "رام الله" مع السفراء الفلسطينيين في الخارج... وغير ذلك كثير.

2- أن حركة "حماس" لم تعترض - من حيث المبدأ - على الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، ولم تمانع - من حيث المبدأ - في الانضمام إلى المنظمة، وفي الحالتين لم تفرض شروطًا، ولكنها طالبت بتفعيل المنظمة لتكون ممثلاً لكل الفصائل السياسية والفلسطينية في ظل مستجدات جديدة مغايرة للنشأة الأولى للمنظمة، وما طالبت به وافق عليه مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد في القاهرة في العام الماضي، بل وانتهى المؤتمر إلى قرار بتشكيل لجنة مكلفة بوضع أسس التفعيل وتضم: رئيس المجلس الوطني، ومن أعضاء اللجنة التنفيذية للمنظمة، وأمناء جميع الفصائل.. بالإضافة إلى بعض الشخصيات الوطنية المستقلة، ولكن اللجنة لم تجتمع حتى الآن. وكم كان المرء يتمنى على "فتح" أن تدعو إلى انعقاد اللجنة .. قبل أن تجاهر بإشكالية التناقض، حفاظًا على المنظمة، وحفاظًا على القضية، وحفاظًا على وحدة المصير لفلسطينيي الداخل وفلسطينيي الشتات.

لقد كان جميع المخلصين للقضية الفلسطينية يأملون ألا يكون انفعال "فتح" هو رد فعلها على عقلانية "حماس"، فكلاهما شريك للآخر في السلطة .. "فتح" في رئاسة السلطة و"حماس" في حكومة السلطة، وعندما أعلنت "حماس" عن"فتح" باب الحوار مع كل القوى السياسية في الداخل.. فإنها أكدت على رغبتها في التعاون والتنسيق الكاملين مع الرئيس الفلسطيني.. فلماذا - إذن - رد الفعل التصادمي من جانب " فتح"؟!، وعندما عمدت "حماس" إلى "فتح"، باب الحوار مع كل القوى الإقليمية - العربية وغير العربية - فإنها لم تخصم من الحلفاء الإقليميين لفتح ولكنها أضافت إليهم حلفاءها ليتعمق الظهير الإقليمي المساند للقضية الفلسطينية .. فلماذا - إذن - رد الفعل التصادمي من جانب فتح؟!، بل وذهبت "حماس" تطرق أبواب الحوار مع كل القوى الدولية .. وبعض الأبواب كانت مفتوحة لها.. والبعض كان موصدًا أمامها بدعاوى ساقتها ظلمًا وتحيزًا الولايات المتحدة ودول أخرى.. وكان أولى بهم جميعًا احترام إرادة شعب عبرت عن نفسها في انتخابات ديمقراطية على بقعة في عالم عربي تتهم أمريكا أنظمته بعدم الديمقراطية، وأيضًا كان أولى بمنظمة "فتح "أن تساعد "حماس" على عبور الأبواب الموصدة، وأن تعزز مصداقيتها لدى أطراف دولية؛ تجنبًا لأزمة اتصالات فلسطينية - دولية قد تتجمد فيها القضية الفلسطينية، وتتجمد فيها المعونات الدولية؛ وتزداد بذلك معاناة الشعب الفلسطيني، وتجنبًا لقيود حركة قد يجد الرئيس الفلسطيني نفسه أسيرًا لها.. عندما تتحلل أطراف دولية من وعودها له بدعوى أن حكومته مرفوضة دوليًا، وبمعنى آخر.. واحتكامًا إلى البراجماتية السياسية .. فإن اتصالات تجري بين أطراف دولية و"حماس" وعبر قنوات ... إحداها قناة "فتح"، سوف تعزز مركز القوة للرئيس الفلسطيني، وسوف تمنحه آفاقًا أكثر رحابة للحركة .. (إقليميًا ودوليًا)، وسوف تعزز مركزه التفاوضي مع إسرائيل، وسوف تجبرها على التعامل معه كشريك سلام.. فإسرائيل تراهن الآن على تناقض الخلاف بين شريكي السلطة الفلسطينية.. (فتح/الرئيس، وحماس/ الحكومة) حتى تسقط عن كليهما صفة شريك السلام، وتنفرد وحدها بفرض إرادتها .. أحادية الجانب وأحادية البعد.. كعقد إذعان على الجميع، ونتمنى على "فتح" أن تقطع الطريق على الرهان الإسرائيلي.

وبعد .. فحماس وفتح لا يجمعهما سياسيًا خيار الصفر.. حيث أحدهما بديلاً للآخر، ولكن تجمعهما سياسيًا معادلة الصفر.. حيث فشل أحدهما هو فشل للآخر .. والعكس صحيح، فالهدف السياسي الكبير لكليهما، ولكل الشعب الفلسطيني، في تحرير الأرض وإقامة الدولة .. هو هدف لا يقبل بالتجزئة، وبالتالي .. فإن الجهد السياسي وراء الهدف لا يقبل هو الآخر بالقسمة، وعندئذ فإن العقلانية السياسية - وليست الانفعالات التصادمية لفتح - هي ضمان المعادلة، وهذا هو درس السياسة لكل حركات المقاومة .. ودرس التاريخ أيضًا.

العدد 44 شتاء 2006

افتتاحية العدد: البركان السوري

 

شهدت الفترة الأخيرة تصاعدًا خطيرًا في حدة ما اصطلح على تسميته "الأزمة السورية" والتي يتم توصيفها تارة على أنها "أزمة نظام" وتارة أخرى باعتبارها نتيجة من نتائج "نظرية أمريكية جديدة" في التعامل  مع المنطقة العربية. وعلى صعيد آخر، تثار عند طرح "المسألة" السورية العديد من المعايير من قبيل "عدم الإفلات من العقوبة" و"عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول" وضرورة "احترام وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة بحذافيرها". ويطرح كل ذلك مجددًا الجدل حول "ازدواجية المعايير" وتخبط المجتمع الدولي في تحديد قواعده القانونية بما تتطلبه من أن تكون "عامة" و"مجردة". وفى خضم هذا التعقيد الذي يحيط بالملف السوري بأبعاده المتنوعة، يجدر التركيز على مجموعة من النقاط التي من شأنها إلقاء الضوء على أبرز مكونات الأزمة بشقها السوري وتبعاتها العربية ودوافعها الدولية.

أولاً:  سوريا في مواجهة الخارج:  "حلقة في سلسلة":

1 ـ في الوقت الذي مثل فيه الإرهاب الدولي التحدي الرئيسي الذي واجهه العالم في مطلع القرن الجديد، برزت على السطح ملفات أخرى تتعلق بكل من الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان، باعتبارها عناصر مهمة يترتب على غيابها أو انتهاكها توفير بيئة خصبة للعنف الذي يمكن استثماره من قبل تنظيمات ذات توجهات إرهابية. وإذا كان من الطبيعي بل والمنطقي أن تولى النظم القائمة بالمنطقة أهمية خاصة للتعامل مع هذه الأبعاد لترسيخ مسيرتها نحو الديمقراطية، بما يعنيه ذلك من إبعاد شبح الإرهاب عنها، فإن أحد المدخلات القادمة من النظام الدولي الوليد فرض على المنطقة التعامل مع طرح جديد لهذه الملفات في إطار ما أطلق عليه مجازًا "الشرق الأوسط الجديد". 

وقد دار المقترب الأمريكي فيما يتعلق بما أطلق عليه "إرساء الديمقراطية" في المنطقة حول محورين رئيسيين : الأول ذو طابع نظري أطلق عليه مصطلح "نظرية الدومينو"، والثاني ذو طابع عملي استند إلى  التواجد الفعلي للقوات الأمريكية في المنطقة وما يمكن أن يضفيه ذلك من درجة عالية من الجدية على مطالب واشنطن لدول المنطقة بضرورة التأقلم مع "الواقع الجديد" والاستجابة لمنطق "التغيير". وفى حقيقة الأمر، لم يخف القادة الأمريكيون منذ بداية تعاملهم مع الملف العراقي نيتهم في تحويل العراق إلى "مرآة" للديمقراطية في المنطقة. وقد أوضح ذلك الرئيس بوش بقوله أن "عراقا محررا" يمكنه أن يظهر الدور الذي يمكن أن تلعبه "الحرية" في تغيير هذا الإقليم – ذو الأهمية الاستراتيجية ـ بما تحمله معها من آمال، وتقدم لملايين الأشخاص. وطبقًا للرئيس الأمريكي فإنه بالنسبة لدول أخرى في المنطقة فإن نظام جديد في العراق سيكون نموذجًا ساطعًا ومؤثرًا للحرية! واستنادًا إلى نظرية "الدومينو الديمقراطي"، التي شقت طريقها في الأوساط المحافظة الجديدة المقربة من البيت الأبيض، فإن التغييرات في بغداد سيكون لها تأثير "عدوى إيجابية" على الدول المجاورة من إيران إلى سوريا. أما في حالة عدم اقتناع النظم القائمة في هذه الدول بضرورة التغيير ومسايرة الواقع الجديد، فإن على الولايات المتحدة ألا تتردد في توجيه تهديدات مستترة تتعلق بإمكانية التدخل لتغيير الأوضاع. وفى هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن منظري هذا المقترب ـ وعلى رأسهم "بول وولفويتز" و "جون بولتون"- أوضحوا علنًا، خلال عام 2003، أن طموحات واشنطن لا تتوقف فقط عند بغداد، حتى وإن كان استخدام القوة العسكرية ليس على أجندة التحرك فيما يتعلق بالنظم الأخرى.  

2 ـ أن التوجه الأمريكي لإعادة تشكيل خريطة الشرق الأوسط أضحى توجهًا ثابتًا، وان تطلبت ترجمته على أرض الواقع الوقت والمثابرة من قبل منفذيه، الذين قاموا بترتيب ملفاتهم الخاصة بكل دولة على حدة، سواء في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، أو أسلحة الدمار الشامل، أو الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولا ينتظرون إلا التوقيت المناسب للتحرك على أساس الملفات التي يمكن استثمارها في لحظة معينة بدعم وتأييد داخلي أو دولي أو كليهما.

3 ـ وفيما يتعلق بسوريا على وجه التحديد فإنها وجدت نفسها في مواجهات متعاقبة مع "جارتها الجديدة" الولايات المتحدة والتي تمركزت آلتها العسكرية في العراق بعد أن أطاحت بنظامه البعثي. وقد تمكنت دمشق ـ بدرجة أو بأخرى ـ من التعامل مع التحديات الجديدة التي وضعتها وجهًا لوجه مع الإدارة الأمريكية، فإزاء الاتهامات المتعلقة بحيازتها أسلحة دمار شامل فتحت سوريا الملف الإسرائيلي مطالبة بإعلان منطقة الشرق الأوسط خالية من تلك الأسلحة على أن يشمل ذلك الترسانة النووية للدولة العبرية، وفيما يخص قضية تسرب "المقاتلين" عبر الحدود السورية إلى العراق لتوجيه ضربات إلى القوات الأمريكية، بذلت دمشق جهودًا كبيرة لضبط الحدود بين الدولتين. وفيما يخص تواجدها العسكري في لبنان، انسحبت القوات السورية كاملة من مناطق تمركزها هناك. وفى المقابل، جاءت عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق "رفيق الحريري" لتزيد المواجهات تعقيدًا، فلم تعد تقتصر منذ ذلك الحين على مواجهة أمريكية ـ سورية، وإنما أضفى عليها الطابع الدولي من خلال قرارات صادرة عن مجلس الأمن الدولي وفقًا للفصل السابع من ميثاق المنظمة الدولية. وقد حمل ذلك معه العديد من التطورات  من قبيل تدويل الأزمة وتعدد أطرافها الخارجية في وقت أطلت المعارضة الداخلية برأسها مثيرة ملفًا آخر اتصل بقضية "الديمقراطية". وقد كان من شأن تلك العناصر أن تضع البلاد على حافة بركان قد تمتد آثاره إلى جوار هش مثقل بالتوترات.

ثانيًا: سوريا في مواجهة نفسها: "الإسراع بعملية تآكل النظام من الداخل":

1 ـ إن "المسألة السورية" بالشكل الذي تطرح به حاليًا تتمحور أساسًا حول تضييق الخناق حول النظام السوري من خلال استخدام "لجنة التحقيق الدولية" في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق "رفيق الحريري" والتي تهدف إلى كشف الحقيقة عن المتورطين في تلك الجريمة. وبعبارة أخرى وقياسًا على "النموذج العراقي"، أوكلت إلى "لجنة التحقيق الدولية" مهمة "البحث عن المعلومات" كما سبق وأن أوكلت إلى "لجنة التفتيش الدولية" عملية البحث عن "أسلحة الدمار الشامل" في العراق، بما يعنيه ذلك من إمكانية المساس بـ "هيبة" الدولة السورية، من خلال طلب "استجواب"، أو بلغة أكثر دبلوماسية "الاستماع" إلى شهادة، رأس النظام السياسي في دمشق، كما سبق وأن أصرت "لجنة التفتيش الدولية" على تفتيش "القصور الرئاسية" في العراق!.

2 ـ إن الضغط المتكرر على النظام من البيئة الخارجية، وعملية تشتيت جهوده في السعي لإيجاد "مخرج" من أزمته مع المجتمع الدولي، قد يفسح المجال للقوى المناهضة له، سواء كانت في الداخل أو الخارج، لتسديد ضربات إلى النظام بشكل يضعه بين "المطرقة" الخارجية و"السندان" الداخلي، في إطار تصير فيه أية "ردود فعل" عنيفة من قبله تجاه القوى المعارضة مبررًا لتكثيف الضغوط الخارجية في عملية تغذية مستعادة تحمل في طياتها عواقب وخيمة. وقد برز بالفعل مؤخرًا العديد من المؤشرات التي تصب في اتجاه ضغوط المعارضة على النظام، ومنها "إعلان دمشق" الصادر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي عن جميع أطياف المعارضة السورية، الإسلامية والقومية واليسارية، والمتضمن اتفاقًا على السعي لإحداث "تغيير سياسي" في البلاد والانتقال بها من "النظام الشمولي" إلى "النظام الديمقراطي والتعددية الحزبية". وفضلاً عن ذلك، فإنه في إطار عملية التفاعل مع التطورات الأخيرة، تعالت أصوات "الإخوان المسلمين" مطالبة بتغيير النظام ومرحبة بالاستعانة بالخارج للإطاحة بالنظام، شريطة أن يكون ذلك في شكل الدعم السياسي وبعيدًا عن احتمالات التدخل العسكري أو فرض عقوبات اقتصادية على سوريا.

3 ـ فتحت "المسألة السورية" نافذة جديدة للهجوم على النظام القائم أطلت منها رؤوس خصومه القدامى من قبيل "رفعت الأسد" شقيق الرئيس السوري الراحل "حافظ الأسد" وعم الرئيس الحالي "بشار الأسد". ويذكر أن "الأسد" الأب كان قد نفى، عام 1985، شقيقه الأصغر "رفعت" الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الجمهورية وأصدر قرارًا بحل "سرايا الدفاع" التي كان يتزعمها ولعبت دورًا مركزيًا في قمع الإخوان المسلمين في سوريا عام 1982. وفى خضم الأزمة التي يمر بها النظام، دعا "رفعت الأسد" في 17 يونيو/حزيران 2005 إلى عزل ما سماه "سلطة الأمر الواقع" في البلاد بالطرق السلمية. وقد أعلنت مؤخرًا اللجنة المركزية لحزب "التجمع القومي الموحد" الذي يتزعمه "رفعت الأسد" أن الظروف التي تجتازها سوريا تتطلب العمل على وضع قرار "رفعت الأسد" العودة إلى البلاد موضع التنفيذ.

4 ـ أتاحت "الأزمة" الفرصة لتصفية الحسابات على الملأ بين بعض رموز "الحرس القديم" ونظام الرئيس "بشار الأسد". وقد مثلت شخصية من أقدم على ذلك، وتوقيت رسالته ومضمونها ضربة قوية للنظام السوري. فقد تعلق الأمر بنائب رئيس الجمهورية السابق "عبد الحليم خدام" سيء الذكر والذي قضى ما يقارب من أربعة عقود في المناصب العليا للدولة نصفها كنائب لرئيس البلاد. أما عن التوقيت فقد جاء في خضم موجة من الشبهات أحاطت بالدور السوري في عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق "رفيق الحريري" شملت كبار رجال الدولة وفى مقدمتهم الرئيس ذاته. وفيما يخص المضمون، فانه جاء ليصب في خانة وضع النظام في قفص الاتهام. فبعد أشهر من ابتعاده عن الحياة السياسية والرسمية في سوريا، واختياره الإقامة بالعاصمة الفرنسية في أعقاب المؤتمر القطري لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي انعقد في منتصف عام 2005، عاد "خدام" إلى مسرح الأحداث من خلال توجيهه انتقادات لاذعة للنظام السوري منذ أواخر ديسمبر/كانون الأول 2005. وقد تمثلت خطورة تلك الانتقادات فيما تضمنته من تأكيدات على أن "الرئيس بشار وغيره من كبار المسؤولين هددوا رئيس الوزراء اللبناني قبل  اغتياله"، الأمر الذي تلقفته لجنة التحقيق الدولية بسرعة مطالبة بحزم "بالاستماع" إلى الرئيس السوري شخصيًا، فضلا عما تضمنته من اتهامات للرئيس "بشار" "بالتفرد بالسلطة مما أدى إلى تردى وضع البلاد سياسيًا واقتصاديًا"، وهو ما كان له صدى في صفوف المعارضة السورية التي رحبت بتلك التصريحات باعتبارها تصب في مصلحتها، وان كانت قد تحفظت على شخصية "خدام" بسبب "تاريخه السياسي الطويل والمشبوه" في خدمة النظام.

5 ـ أدت العلاقات المتوترة بين سوريا ولبنان في الفترة الأخيرة، إلى تعزيز قوة التيار المعارض لسوريا في لبنان. ويشار في هذا الخصوص إلى دعوة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني "وليد جنبلاط" المعارضة السورية إلى تأمين الدعم الدولي لجهودها للإطاحة بنظام الرئيس السوري "بشار الأسد". وقد برر الزعيم الدرزى ذلك بقوله "إن الأنظمة الديكتاتورية لا تلغى بالكلمات ولا بالعواطف، بل بدعم دولي من خلال المعارضة الداخلية والخارجية"، مضيفا أن "نظام الاستبداد قوي، لكنه سيزول في يوم ما، وعلينا أن نصبر وأن نصمد".

ثالثًا: العرب في مواجهة الخطر: "حتمية تفويت الفرصة":

قدم "النموذج العراقي" مثلاً واضحًا للمصير المظلم الذي ينتظر المنطقة من جراء المخططات الخارجية التي تحاك ضدها. وفى المقابل، ألقت تلك المخططات الضوء على العديد من أوجه القصور في المنطقة وأساليب الحكم فيها. ومع تزايد المخاطر لوصول "قطار التغيير" إلى "محطته الثانية"، فإن المنطقة العربية مدعوة إلى التعامل مع الخطر المباشر (الملف السوري) والخطر المستتر (الملف العربي). وفى هذا الخصوص قد يكون من الضروري التركيز على عدد من المسلمات الرئيسية:

1 ـ ضرورة بروز إدراك حقيقي يلم بالأبعاد المتعددة للموقف في ضوء المعطيات الدولية والإقليمية الجديدة، الأمر الذي يتطلب البدء الفوري في عملية "تقييم ذاتي للأداء" استنادًا إلى معايير موضوعية تقود إلى تصحيح المسار في الدوائر الحساسة التي قد تشكل ثغرات يمكن التسلل منها للمساس بسيادتها واستقلاليتها. ولعل من الأولويات القصوى في هذه العملية الالتزام بأسس "الحكم الرشيد" و "الإصلاح" والعمل على التقليل من مشاعر السخط التي قد تجد طريقها في نفوس الشعوب استنادًا إلى تفشي مظاهر سياسية واقتصادية واجتماعية غير صحية توفر بيئة خصبه للتذمر من جانب، وللتنظيمات "المتطرفة" من جانب آخر.

2 ـ حتمية أن تقف الدول العربية صفًا واحدًا مطالبة بعدم قابلية المعايير للتفسير المزدوج، فإذا كانت قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق "رفيق الحريرى" تتطلب ـ على حق ـ إجراء تحقيق دولي وإنشاء محكمة دولية- في مرحلة لاحقة ـ فإن ملف "المرض الغامض" الذي تسبب في وفاة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، "ياسر عرفات" يقتضي معاملة مماثلة خاصة في وجود "قرائن" تشير إلى أن الأمر كان مدبرًا في ضوء سابق اتخاذ الحكومة الإسرائيلية قرارًا "بتصفية عرفات". وعلى صعيد آخر، فإنه إذا كانت بعض القوى الدولية تطلب إلى سوريا ـ في أزمتها الحالية ـ أن تلتزم بقرارات مجلس الأمن "بحذافيرها"، فانه قد يكون من الضروري اتخاذ نفس الموقف إزاء إسرائيل التي مازالت تحتل جزءًا من التراب الوطني السوري على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي كافة.

3 ـ ضرورة التكاتف العربي مع سوريا التي قد تلجأ إلى إيران وما ذلك من تداعيات أمنية على منطقة الخليج والمنطقة العربية بشكل عام في ضوء خبرة المعاناة العراقية سواء إبان فرض "العقوبات" أو في أعقاب "الاحتلال" والإطاحة بالنظام. ففي كلتا الحالتين كان الشعب العراقي هو الضحية الأولى؛ الأمر الذي لم تقتصر آثاره على الجيل الحالي بل ستمتد لأجيال قادمة سواء في شكل "تعقيدات" نفسية، أو "تشوهات جسدية" أو "تبعات صحية" نتيجة لاستخدام الأسلحة الفتاكة بأنواعها المختلفة والتي وفر العراق حقلاً لتجربتها. 

4 ـ أهمية إقناع النظام السوري بضرورة العمل على إثبات براءته من خلال السعي الجاد للكشف عن خبايا عملية اغتيال الحريري الذي يبرئ نفسه منها، خاصة وأن الغموض يكتنف تلك العملية التي جرت في منطقة تنشط فيها أجهزة المخابرات الأجنبية وتحاك فيها المؤامرات العلنية والمستترة بغية تحقيق أهداف لا يمكن دائمًا وصفها بالنبل. كذلك على النظام أن يقدم على إدخال إصلاحات جذرية على أساليب الحكم بشكل يمكنه من سد الطريق أمام احتمال تصاعد التوترات الداخلية بما يخدم الضغوط الخارجية.

bottom of page