top of page
12/2/2019

تأثيرات أزمة فنزويلا على سوق النفط العالمي

رغم التطورات الحادثة في مجال الطاقة والاتجاه القوي لمصادرها المتجددة عالميا، وتبني العديد من دول العالم ومنها دول مجلس التعاون الخليجي لسياسة مزيج الطاقة التي تتنوع بين المصادر المتجددة وغير المتجددة؛ مازال الوقود الأحفوري من نفط وغاز طبيعي يمثل المصدر الرئيسي للطاقة عالميا حيث يسجل النفط الخام 31.7% من إجمالي استهلاك العالم للطاقة، فيما يسجل الغاز الطبيعي 21.6%.
يظهر ذلك بشكل أساسي في الدول النامية التي يعتمد اقتصادها على إنتاج وتصدير النفط الخام، حيث ما زالت هذه السلعة هي سلعة التصدير الأولى، وما زالت ميزانيات هذه الدول تعتمد في تمويل مشترياتها الخارجية من السلع والخدمات واستثماراتها ومشروعاتها التنموية في الداخل بشكل كبير على الإيرادات النفطية، والعملات الأجنبية المتحصلة من تصديرها؛ ولهذا فإن أسعارها تحتل مكانة الاهتمام الأولى لصانعي القرار في هذه الدول. 
غير أن هذه الأسعار، لسلعة تعتبر من أهم سلع العالم السياسية، والتي لا تقل في طبيعتها السياسية عن القمح، قد أصبحت شديدة التأثر بالأحداث السياسية. وفيما أصبح تأمين الحصول على النفط كمصدر رئيسي للطاقة من أهم عناصر سياسات الدول الخارجية، فقط أصبحت أسعاره من أهم ما يشغل قادة وشعوب دول العالم المصدرة للحصول على سعر أعلى، والمستوردة للحصول على أسعار أقل.
وفيما انشغل العالم قبل سنوات قليلة بتأثيرات الأحداث السياسية على إنتاج وتصدير النفط العراقي والليبي، ومن ثم إمدادات الطاقة للسوق العالمي، وأسعار النفط الخام في هذا السوق، فقد انشغل قبل شهور قليلة بتأثيرات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، ثم تأثيرات العقوبات الأمريكية على النفط الإيراني، والآن يتابع، تأثيرات الأزمة السياسية في فنزويلا على سوق النفط العالمي، خاصة أنها تأتي بالتزامن مع تفعيل العقوبات الأمريكية على طهران، وتخفيض الأوبك وروسيا إنتاجهما النفطي ابتداء من أول يناير 2019 بمقدار 1.2 مليون برميل يوميا، وفي الوقت الذي لم يستعد إنتاج النفط الليبي عافيته. 
وترجع جذور أزمة فنزويلا الحالية إلى عام2013 حين تسلم «نيكولاس مادورو» منصب الرئاسة خلفًا لـ«هوجو شافيز»، وسط اتهامات للحكومة الفنزويلية بتزوير الانتخابات، فيما كان سببا في احتجاجات شعبية، ظهرت بشكل واضح في أكتوبر 2016 شارك فيها أكثر من مليون شخص، وفشلت المحكمة العليا في مارس 2017 في السيطرة على البرلمان الذي أصبح في يد المعارضة. وتسببت هذه الأوضاع السياسية المضطربة مضافا إليها العقوبات الأمريكية في تفاقم سوء الأحوال المعيشية، حتى تجاوز عدد اللاجئين منها أكثر من مليون شخص. 
وازدادت الأحداث تعقيدا، في الانتخابات الرئاسية مايو 2018 حين أعيد انتخاب مادورو لولاية ثانية لتقوم المعارضة بتشكيل حكومة وتختار «خوان غوايدو» رئيسا مؤقتا، ويعترف الاتحاد الأوروبي به رئيسًا، وسط معارضة من روسيا والصين وتركيا والمكسيك وبوليفيا. أما أمريكا فإنها لم تكتف فقط بالاعتراف بغوايدو رئيسًا، ولكنها ساندته بحزمة عقوبات جديدة في يناير 2019 شملت تجميد أصول شركة النفط الفنزويلية لدى الولايات المتحدة، والتي تبلغ نحو 7 مليارات دولار، وتجميد أصول أي شركة تشتري النفط الفنزويلي، وامتدت لتشمل حكومة فنزويلا وكل مؤسساتها السياسية والبنك المركزي.
وكان ترامب قد فرض في 25 أغسطس 2017 عقوبات على فنزويلا، تعد الأسوأ والأثقل تأثيرًا منذ 200 عام، مبررا ذلك بقيام الحكومة بحرمان الشعب من المواد الغذائية والطبية، وقمع حرية التعبير بالعنف. وفرضت هذه العقوبات حظرًا على دفع أرباح الأسهم المملوكة للحكومة، واستخدام سندات القطاع العام، بما فيها شركة النفط والغاز الفنزويلية في العمليات التجارية، وقد مثلت هذه الخطوة نوعا من الحصار الاقتصادي، صاحبها تهديد أمريكي بالتدخل العسكري، تسببت في ارتفاع معدل التضخم إلى أكثر من 1600% وفقدان العملة لأكثر من 87% من قيمتها وزيادة الديون الخارجية إلى أكثر من 120 مليار دولار. 
وتعتبر الولايات المتحدة فنزويلا جزءًا من فنائها الخلفي الذي ينبغي أن يكون خاضعًا لنفوذها المنفرد، وقد أدرك ترامب أن تحركه في فنزويلا يضرب بقوة تمدد النفوذ الروسي والصيني فيها، حيث كانت الشركات الروسية والصينية قد نشطت في الاستثمارات النفطية، فضلاً عن أنهما يمثلان أكبر دائنيها، وتستحوذ الصين وحدها على مليون برميل نفط يوميا من صادرات النفط الفنزويلية.
إلا أن العقوبات الأمريكية الجديدة على فنزويلا قد زادت من ارتباك سوق النفط العالمي، ففور الإعلان عنها، بلغت الأسعار أعلى مستوياتها بمعدل 63.63 دولارا للبرميل لخام برنت القياسي، خاصة أن فنزويلا صاحبة أكبر احتياطي نفطي في العالم بواقع 301 مليار برميل (18% من الاحتياطي العالمي)، وتنتج 3.2 ملايين برميل يوميا، وتشكل صادراتها النفطية 95% من إجمالي الصادرات، وتبلغ هذه الصادرات نحو 2 مليون برميل يوميا. الأمر الذي يدفع أسعار النفط إلى أعلى، خاصة مع تواكب لتفعيل العقوبات الأمريكية على طهران، وإن كان هذا الاتفاق، تشوبه توقعات الحذر بسبب أزمة الركود العالمي، الناتج عن الحرب التجارية بين بكين وواشنطن، وانخفاض الاستثمارات في قطاع النفط، واتجاه الإدارة الأمريكية لرفع سعر الفائدة، بما يحفز الاستثمار في الودائع على حساب الاستثمارات النفطية، وهذا الحذر خيم على أسعار العقود الآجلة، حيث تراوحت أسعار النفط الأمريكي الخفيف بين 54.35 – 55.75 دولارا للبرميل، فيما تراوحت أسعار خام برنت بين 62.48 – 63.63 دولارا للبرميل.
وعليه، وضع هذا الموقف المرتبك في سوق النفطي العالمي نتيجة الأحداث السياسية في فنزويلا، دول مجلس التعاون الخليجي، التي يعتمد اقتصادها أساسًا على الصادرات النفطية في وضع المراقب لتطورات هذا السوق، والتحرك من خلال الأوبك مع كبار المنتجين خارجها، لتطوير الإجراءات المؤدية إلى استقرار السوق وتوازنه. وستكون هذه المجموعة على موعد في مارس 2019 لإعادة تقييم الموقف في ضوء تنفيذ 100% من اتفاق خفض الإنتاج، علمًا أن مدة الخفض تمتد إلى 6 شهور ابتداءً من أول يناير 2019 وتستهدف تصريف المخزونات، التي كان لها دور كبير في فائض العرض.
وتقود السعودية أكبر منتجي نفط الأوبك هذا التحرك، وإذا ما شهد العالم صعودًا في وتيرة النشاط الاقتصادي، فإن الأزمة الفنزويلية مع خفض الإنتاج، سيكون من شأنها، طبقًا لتوقعات بنك «كومرتس» أن يصل سعر خام برنت إلى 70 دولارا للبرميل بحلول نهاية 2019. وأن يصل سعر المتوسط على مدى العام 65 دولارًا، فيما يسجل متوسط سعر خام غرب تكساس 60 دولارًا والغاز الطبيعي 3.3 دولارات لكل مليون وحدة حرارية. 
وفي المقابل، إذا استمرت حالة الركود، فإنه ليس من المتوقع أن تؤدي أزمة فنزويلا إلى ارتفاع أسعار النفط، خاصة مع ضعف طلب المصانع الأمريكية وتحول الولايات المتحدة إلى تصدير النفط الخام في 2019. ومن ثمّ، فإن بنك «بي إن باريبا» توقع انخفاض أسعار النفط في النصف الثاني من 2019. وهو توقع دعمه إعلان «معهد البترول الأمريكي»، زيادة المخزونات الأمريكية من النفط بواقع 2.5 مليون برميل في أول فبراير لتصل إلى 448.2 مليون برميل.
وعلى أي حال، تعد هذه الأسعار، سواء عند أدنى مستوى توقع أو أعلى مستوى توقع في 2019. أقل بكثير من أسعار التعادل التي حددتها دول مجلس التعاون الخليجي لصادراتها النفطية، خاصة أن هذه الدول زاد إنفاقها العام بمعدلات كبيرة بلغ متوسطها 11% سنويا للفترة من 2003 حتى بدأ انخفاض أسعار النفط في 2014. لتوسعها في الإنفاق على التنمية البشرية والحماية الاجتماعية، فضلاً عن استثماراتها الضخمة في البنية التحتية والمشروعات الاقتصادية العملاقة، وزيادة الإنفاق الحكومي، مع صعوبة تخفيضه نتيجة هبوط أسعار النفط. 
ومن ثمّ، فإن الإيرادات النفطية، جعلت سعر التعادل في معظم بلدان المجلس يتجاوز 75 دولارا للبرميل، حيث كان تحسب هذه الدول بخفض اعتماد ميزانيتها على الإيرادات النفطية، وزيادة الإصلاحات الاقتصادية، وهو ما تبينه الميزانيات الجديدة، وبرامج الحكومات الخليجية، كما نجده واضحًا في برنامج عمل الحكومة البحرينية 2019 - 2022. 

 

{ انتهى  }
bottom of page