29/3/2019
الجولان وترامب.. قرار من لا يملك لمن لا يستحق
في خطوة غير مسبوقة تتعارض مع كل حقائق التاريخ وثوابت الجغرافيا وأبسط مبادئ القانون والأعراف الدولية؛ اعترف الرئيس الأمريكي، «دونالد ترامب» رسميا بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان السورية المحتلة، في خطوة أشاد بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووصفها بـ«التاريخية».
وكان «ترامب»، قد أعلن يوم 21 مارس 2019 اعتزامه الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية عليها، قائلا: «لقد حان الوقت بعد مرور 52 عامًا، لاعتراف الولايات المتحدة بالكامل بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان»، معللا ذلك بأن «لها أهمية استراتيجية وأمنية حيوية لإسرائيل وللاستقرار الإقليمي».
وتشكل هضبة الجولان منطقة عازلة بين إسرائيل وسوريا، مساحتها1800 كيلومتر مربع، وهي إحدى الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل خلال حرب 1967. وهي منطقة استراتيجية تطل على شمال فلسطين التاريخية ومناطق في الأردن ولبنان، وتعتبر أرضا زراعية خصبة، وموردا مهما للمياه، ويخضع ثلثاها للسيطرة الإسرائيلية بعد أن ضمتها إلى أراضيها عام1981 في خطوة رفضت دوليا.
وقوبل القرار بردود فعل دولية وعربية رافضة ومستنكرة لافتقاره إلى الدلالة السياسية، والتاريخية، والقانونية، والاستراتيجية، أو الأخلاقية، ومنها روسيا، وفرنسا، وألمانيا، والصين، وبريطانيا ومصر والأردن، وتركيا، وإيران، وفلسطين، ولبنان. والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية، ومجلس التعاون الخليجي، مع التأكيد على أن الجولان أرض سورية محتلة وفق القوانين الدولية، لا سيما قرار مجلس الأمن الدولي 497 الصادر عام 1981. وأن الأمم المتحدة ملتزمة بجميع قرارات مجلس الأمن الدولي والجمعية العامة، التي تنص على أن احتلال الجولان عمل غير مشروع بموجب القانون الدولي، وأن هذا الاعتراف يُمثل «تراجعًا في موقف الولايات المتحدة من الصراع العربي- الإسرائيلي»، ويقلل «من فرص تحقيق السلام في الشرق الأوسط»، ويظهر أن «واشنطن أصبحت العدو الأول الرئيسي للعرب، بسبب دعمها «اللامحدود» والحماية التي تقدمها لإسرائيل»، كما أنه «يفقد الأمم المتحدة مصداقيتها، بسبب انتهاك واشنطن لقراراتها من خلال دعم سياسة الاحتلال وشرعنته وتعميق الصراعات»، ويعتبر «صفعة مهينة للمجتمع الدولي» ويمثل «أعلى درجات الازدراء للشرعية الدولية»، كما أنه «التفاف على مجلس الأمن وانتهاك مباشر للقرارات الأممية»، وأنه لن «يغير من الحقيقة الثابتة التي يتمسك بها المجتمع الدولي بشأن الجولان».
وجاء الإعلان الأمريكي بعد يومين من دعوة نتنياهو دول العالم إلى الاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، معللا ذلك باكتشاف «شبكة إرهابية» لحزب الله في تلك المناطق، زاعما أنه «لولا الوجود الإسرائيلي في هضبة الجولان لكانت إيران في طبريا». كما جاء في وقت يواجه فيه منافسة شرسة في الانتخابات التي ستجري في التاسع من الشهر المقبل؛ الأمر الذي اعتبره محللون إنقاذا له من مقصلة الانتخابات، والتي بات مهددا فيها بقوة، ومحاولة للحصول على أصوات اليهود الأمريكيين. وفي هذا الصدد، اعتبرت صحيفة «الإندبندنت»، أن «موقف ترامب وتزامنه مع الأسابيع القليلة المتبقية على التصويت يهدي نتنياهو، فترة رابعة في المنصب». وقالت صحيفة «لوفيغارو»، إن «الرئيس الأمريكي قدم دفعا انتخابيا هائلا لنتنياهو في سعيه للولاية الخامسة»، وأكدت صحيفة «الغارديان»، إن «الاعتراف بلا شك سيدعم حظوظ رئيس الوزراء الإسرائيلي في الانتخابات المقبلة». وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، أنه بمثابة «هدية لرئيس الوزراء الإسرائيلي، ولكنه يمثل خطرا على منطقة الشرق الأوسط».
فيما تعد الخطوة الأخيرة استكمالاً لعدد من الهدايا التي قدمها «ترامب» لنتنياهو منذ وصوله إلى البيت الأبيض عام 2016. من خلال سلسلة من الخطوات والقرارات التي يناهض فيها الحقوق، ويصطف فيها خلف الباطل، من أهمها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، ووقف الدعم لوكالة تشغيل وغوث اللاجئين «الأونروا»، وإغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، كما أن التسريبات الخاصة «بصفقة القرن» أكدت أنها تحتوي إجحافا كبيرا في حقوق الفلسطينيين، ولا تنص على إقامة دولة مستقلة لهم، بل حكم ذاتي في الضفة الغربية، مع الإبقاء على غالبية المستوطنات الإسرائيلية، وغيرها من القرارات، ليجيء الإعلان الجديد ليدق المسمار الأخير في نعش التسوية السياسية في الشرق الأوسط، التي تتعمد الإدارة الأمريكية الحالية حرفها عن مسارها، ويكون جزءا من خطوات أعادت تشكيل الدور الأمريكي في المنطقة لصالح إسرائيل.
وفي واقع الأمر، لم يكن هذا الإعلان مفاجأة، أو وليد اللحظة، أو مصادفة، بل كان مخططا له بعناية من قبل الإدارة الأمريكية، وخاصة السيناتور الجمهوري، «ليندسي جراهام»، ومستشار الأمن القومي، «جون بولتون»، حيث جاء بالتزامن مع إعداد مشروع قانون في الكونجرس يشرع الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، واستبقته الخارجية الأمريكية في تقريرها السنوي الأخير لحقوق الإنسان، بإسقاط صفة احتلال «إسرائيل» لمرتفعات الجولان السورية، والضفة الغربية، وقطاع غزة، واستعاضت عنها بعبارة «التي تسيطر عليها إسرائيل». فيما كانت «نيكى هيلى»، مندوبة الولايات المتحدة -المنتهية ولايتها- قد صوتت ضد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 16 نوفمبر 2018 والذي أقر بالأغلبية (151 دولة) بسيادة سوريا على الجولان المحتلة، واعتبار كل إجراءات الاحتلال الإسرائيلى فيه باطلة ولاغية، بينما اعترضت عليه الولايات المتحدة وإسرائيل فقط.
ونشرت «كاثي غيلسينان» في مجلة «ذي أتلانتك» تقريرا يفيد بأن السيناتور «تيد كروز» كان يعد خطة العام الماضي لفرض سيطرة إسرائيل على المنطقة، وأن التبرير لذلك يتعلق بإيران التي تقوي نفوذها في سوريا وتهدد الحدود الإسرائيلية، وتمت مناقشتها في وزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومي، وطرحت على مجلس الشيوخ في ديسمبر2018. وكان ذلك قبل أيام من إعلان ترامب نيته سحب القوات الأمريكية من سوريا. ويبين التقرير أنه، مع أن مهمة الجيش الأمريكي المعلنة في سوريا هي هزيمة تنظيم داعش، فإن وزير الخارجية، «مايك بومبيو» قال إن «أمريكا ستبقى هناك حتى يخرج «آخر بسطار إيراني». وتقول «غيلسينان»، إنه مع خروج معظم الجنود الأمريكيين، أصبحت مسألة ضمان كيف يمكن منع وكلاء إيران من البقاء بعيدا عن حدود إسرائيل أمرا أكثر إلحاحا. وتنوه المجلة إلى أن السيناتور «لندسي غراهام»، الذي أيد الخطة ذهب إلى المنطقة، والتقى نتنياهو في وقت سابق من هذا الشهر.
وتاريخيا، تعاملت الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع الجولان على أنها أراض سورية محتلة من إسرائيل. ورد الرئيس رونالد ريغان عام 1981 على ضم الجولان إلى إسرائيل بوقف تعاون استراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل. وفي مقابلة له مع «فوكس نيوز» يوم 22/3 قال «ترامب»، إنه يفكر بعمل هذا منذ وقت طويل «كل رئيس قال إنه يريد عمل هذا ولكنني الرئيس الذي قام به». غير أن قراره لم يتوقف عند خرق السياسات السابقة فقط، لكن أيضا كسر القاعدة الدولية السياسية الثابتة خلال حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، والتي ترفض الاعتراف بضم دولة أراض باستخدام القوة العسكرية، متجاهلا كل القرارات الدولية التي تعترف بسورية الجولان، وأنها أراض عربية لا يمكن تغيير جغرافيتها بإطالة أمد الاحتلال بها، ورفض الأمم المتحدة الاعتراف بسيطرة إسرائيل عليها، وضرورة تقرير مصيرها عبر المفاوضات.
ومن الناحية العملية، فإعلان ترامب لن يغير من الواقع الحالي شيئا، فسيادة إسرائيل على الجولان مسألة خارج الحدود الأمريكية، فهي ليست عقارا أمريكيا ليهبه رئيس أمريكي مهما كان لمن يشاء، وإنما تعني المجتمع الدولي المستند للقرارات الأممية الصادرة بشأنها، كما أنه لا توجد مفاوضات بين إسرائيل وسوريا حاليا، ولن تنسحب إسرائيل منها.
وإذا كان القرار من الناحية العملية لا يمثل أهمية غير أن عواقبه أكثر خطرًا وهو ما يمكن توضيحه فيما يلى:
-هذه الخطوة تعبر عن استعداد ترامب لتغيير التقاليد الدبلوماسية المتعلقة بالشرق الأوسط والتي لم تتغير منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي، وتشكك في موثوقيته لعقد تسويات سلام في المستقبل، باعتباره وسيطًا غير محايد، وتقوض الثقة في إمكانية التزامه بالقانون الدولي. ووفقًا لما قاله «آلان غريش» من «مركز كارنيجي»، فأمريكا أكدت بقرارها الدعم غير المشروط لإسرائيل بل أصبحت طرفًا مباشرًا يؤجج الصراع الإسرائيلي العربي».
- يؤثر على إمكانية تنفيذ خطته للسلام في الشرق الأوسط، ويزيد النفور العربي من إدارته. ووفقًا «دينيس روس» المستشار «بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، فإن ذلك يثير الشكوك حول لجوء أمريكا للتلاعب بالفلسطينيين لخدمة إسرائيل في فترات لاحقة، ومن ثم فلا ثقة في عدالة «صفقة القرن».
- إن اعتراف الولايات المُتحدة بما ضمته إسرائيل يضفي الشرعية على ما استولت عليه من أراض بالقوة، ما يشكل سابقة يمكن تطبيقها بالنسبة إلى ما احتلته من أراضي الضفة الغربية وغيرها»، وبحسب «روبر مالي»، مستشار الشرق الأوسط السابق لباراك أوباما، فإن الاعتراف يمثل «خطوة مشؤومة في وقت تنمو فيه الأصوات داخل إسرائيل بضم أراضي الضفة الغربية».
- يفرض واقعًا مفاده أن أي دولة يمكنها مصادرة أراضي دول أخرى من دون أن تخضع للمحاسبة، وهو ما فعلته كل من موسكو وبكين مؤخرًا بضم أراض لسيادتهما في كل من أوروبا الشرقية وبحر الصين الجنوبي. ووفقًا لـ«أليكس وارد» من «المجلس الأطلسي»، «لا يخفي ما فعله الرئيس، «بوتين» بالدفاع عن حقه في ضم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا».
- قد يشجع أنقرة على تثبيت وجودها العسكري في نقاط المراقبة الـ12 وغصن الزيتون ودرع الفرات في سوريا. إعلان النصر الكامل على تنظيم داعش» شرق سوريا.
- يعزز من مطالبة الأكراد الحكومة السورية بالاعتراف لقبول إدارتهم الذاتية، بالتزامن مع إعلان القضاء على آخر جيوب تنظيم داعش في سوريا.
على العموم، فإن مواقف ترامب تعكس رغبة أمريكية في خلط أوراق الصراع في الشرق الأوسط، وتطيح بكل مبادرات السلام، وبالموقف الأمريكي التقليدي الذي لم يعترف يوما باحتلال إسرائيل للجولان، كما أنها تفتح الباب واسعا في كل العالم أمام شريعة الغاب وأمام فوضى دولية لكي يحتل كل بلد يشعر بالقوة وبالطمع أرض الغير، خاصة في ظل حالة الضعف والتشظي السياسي التي يمر بها عالمنا العربي، والتي تشي بأن هناك فرصة ذهبية لإسرائيل لتعظيم مكاسبها على حساب العرب.