top of page
5/4/2019

نظام العمل المرن بين المراجعة والتثبيت

يعتبر نظام العمل المرن الذي أطلقته مملكة البحرين في 24 يوليو 2017 هو الأول من نوعه في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهو نظام متطور لإدارة تدفق العمالة الوافدة غير النظامية إلى سوق العمل في المملكة، وفيما يحمي هذا النظام حقوق العمالة، فإنه في نفس الوقت يعزز المرونة التي يطلبها القطاع الخاص، فلم تعد هذه العمالة مطاردة، أو سائبة، وإنما تم تقنين أوضاعها، وهو ما خلق درجة عالية من التنافسية في سوق العمل، وحقق المرونة التي يبتغيها صاحب العمل.
والتصريح المرن عبارة عن تصريح رسمي نظامي، يسمح للشخص المؤهل بالعمل والإقامة في المملكة من دون صاحب عمل «كفيل» مدة سنتين قابلة للتجديد، ويتم ذلك بعد الوفاء بعدد من الإجراءات أبرزها أن تكون إقامته نظامية، وألا يكون لديه سوابق أمنية، وأن يسدد لهيئة تنظيم سوق العمل البحرينية رسمًا إجماليا قدره 449 دينارا، تتضمن تصريح العمل مدة سنتين، ورسوم الرعاية الصحية ومبلغ تأمين تذكرة السفر ورسوم تمديد الإقامة التي تدفع مرة واحدة، كما يتم دفع 30 دينارا شهريًا كرسوم عمل، ويمنح العامل المستفيد من هذا النظام البطاقة الزرقاء الخاصة به والتي تجدد كل 6 أشهر، بصورة تمكنه من العمل في جميع الوظائف غير المهنية الاعتيادية سواء بدوام كلي أو جزئي ولدى صاحب عمل أو أكثر.
وأثناء مشاركة المملكة في الجولة الأولى للمفاوضات حول العهد الدولي من أجل الهجرة الآمنة والمنظمة والمنتظمة، والتي تنظمها الأمم المتحدة في مقرها الرئيسي بنيويورك، يوم 24 فبراير 2018. قدم وفد البحرين ممثلاً في رئيس هيئة تنظيم سوق العمل، أسامة العيسى استعراضًا لمشروع إصلاح سوق العمل ومبادراته في المملكة، وآخرها تصريح العمل المرن، الذي تم اعتماده كأفضل الممارسات في إدارة أسواق العمل الوافدة في اجتماع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا. وكانت هذه اللجنة قد دعت المملكة ممثلة في هيئة تنظيم سوق العمل في نهاية 2017 إلى اجتماعها في تايلاند، كما دعت الهيئة إلى حضور اجتماع موسع في مارس 2018 لما يعرف بمسار كولومبو للدول المصدرة للعمالة.
وعلى الرغم من أن هذا النظام قد لقي ترحيبًا من المجتمع الدولي إلى الحد الذي جعله أفضل الممارسات، باعتباره النظام البديل عن نظام الكفيل، ويستهدف تصحيح تشوهات سوق العمل؛ فإنه وكأي نظام جديد، قبل أن يتم تثبيته، يخضع للتقييم على فترات قصيرة لتلافي سلبياته. 
وبناء عليه، قامت هيئة سوق العمل بعقد اجتماعات تعريفية بهذا النظام، تستهدف العمال وأرباب الأعمال، لشرح النظام ومزاياه. ومنذ إطلاقه في يوليو 2017 حتى مايو 2018 كانت الهيئة قد منحت 5000 فرصة عمل مرنة، وقد حقق التقييم الأولي لهذا النظام نتائج إيجابية، إذ لم تقع أي مخالفات أو تجاوزات للقانون للعمالة التي حصلت على الرخص، فيما تستهدف المملكة وفق تصريح رئيس هيئة سوق العمل في مايو 2018 منح 50 ألف فرصة عمل مرن خلال عامين.
وفيما يعالج هذا النظام تشوهات سوق العمل، وقضية العمالة السائبة، ويحقق التوازن بين طرفي عملية التشغيل العامل وصاحب العمل، إلا أنه تعرض منذ إطلاقه لانتقادات عديدة جعلت وضعه متأرجحًا بين المراجعة والتثبيت، ففي ورشة العمل التي كان الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين قد عقدها بالتعاون مع الاتحاد الدولي للنقابات في 26 سبتمبر 2018. تم الدعوة إلى حوار تشارك فيه جميع الأطراف المعنية من أطراف الإنتاج والمجتمع المدني، وفي الوقت الذي عبر فيه الاتحاد عن مخاوف العمال؛ فإن غرفة تجارة وصناعة البحرين عبرت عن مخاوف التجار من منافسة أصحاب رخص العمل المرنة الزرقاء لهم، وأن المتضرر الرئيسي هم المواطنون أصحاب المشروعات المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة. وطبقًا لرئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين، فإنه بسبب هذا النظام فإن ما يقارب من 85% من هذه المؤسسات قد أصبح مملوكًا للأجانب، ونوهت الغرفة في هذه الورشة أنها بصدد إعداد دراسة حول الآثار السلبية لهذا النظام.
وفيما كان المحور الرئيسي لانتقادات الاتحاد أن هذا النظام يقلص فرص العمل المتاحة للعامل البحريني، وقدرته التفاوضية، كما يضعف من تنافسية العمالة النظامية، حيث إنه لا يفرض أجرًا ثابتًا أو عقودا تنظم حقوق العمال؛ فقد كان المحور الرئيسي لانتقادات غرفة التجارة والصناعة هو مزاحمة أصحاب العمل المرنة لأصحاب الأعمال البحرينيين.
ويفتح هذا النظام -منذ إطلاقه- الباب للتقييم والتصحيح بالإنصات إلى الأصوات الناقدة، سواء من قبل العمال الذين يرون أن النظام يعزز من مزاحمة العمالة الوافدة لهم في فرص العمل المتاحة، أو من أصحاب الأعمال، الذين يتحملون كلفة استقدام العمالة الوافدة وإقامتها وتدريبها وسكناها، ثم بعد ذلك تتركهم إلى عمل آخر، بل تزاحمهم بالقيام بعمل منافس، بعد أن يكونوا قد اكتسبوا الخبرة والمعرفة والمهارة اللازمة لتأسيس عمل مستقل، ويكون الضحية هو صاحب العمل البحريني، والعامل البحريني. كما يتساءلون عن وضع هذا النظام في سياسة البحرنة، وجعل العامل البحريني خيارًا مفضلاً لدى صاحب العمل، في الوقت الذي نجد فيه أن معظم وظائف القطاع الخاص تذهب للعمالة الوافدة.
وفي الوقت الراهن تحتل العمالة البحرينية المرتبة الثالثة في الترتيب في إجمالي حجم العمالة في القطاع الخاص، ففيما يبلغ حجم هذه العمالة نحو 597 ألفا بينهم نحو 531 ألفا من الذكور، ونحو 66 ألفا من الإناث، يبلغ حجم العمالة البحرينية نحو 91 ألفا، بينهم 61 ألفا من الذكور، و30 ألفا من الإناث، وفي المرتبة الأولى تأتي العمالة الهندية بواقع نحو 224 ألفا، ثم العمالة البنغالية بواقع نحو 155 ألفا، وبعد العمالة الوطنية تأتي العمالة الباكستانية بواقع نحو 45 ألفا، ثم الفلبينية بواقع 31 ألفا، تليها النيبالية بواقع نحو 15 ألفا، ثم تأتي بعد ذلك العمالة العربية وعلى رأسها العمالة المصرية بواقع نحو 6 آلاف، وأيضًا نجد أن هذا النظام يفتح الباب أمام العمالة التي استغنت عنها دول خليجية أخرى، والتي تزيد من الضغط على المرافق والخدمات التي تقدمها الحكومة لجميع السكان، وتزيد من الخلل في التركيبة السكانية لجهة الوافدين، خاصة إذا ما تطور هذا النظام ليشمل أيضًا «الضيافة» المرنة أي السماح لمن هو صاحب تصريح عمل مرن باستضافة أسرته وذويه.
غير أن نظام العمل المرن الذي أقره مجلس الوزراء البحريني في 20 سبتمبر 2016 والذي جاء يعالج مشكلة العمالة الوافدة السائبة أو غير النظامية، والذي قدر عددها وقت بدء العمل بهذا النظام بنحو 48 ألف شخص، قد وضع ضوابط تحد من آثاره السلبية، حيث يمكن للعامل الوافد غير النظامي أن يصحح وضعه، ويمكنه من العمل المؤقت لدى أي صاحب عمل أو فرض في أي مهنة لا تتطلب ترخيصًا احترافيا لمزاولتها. وحدد النظام الفئات التي تستفيد منه في 3 فئات، أولا: العمالة غير المجددة تصاريحها بعد انتهائها. ثانيا: العمالة التي لم تغادر المملكة بعد إلغاء تصريح العمل الصادر بشأنها. ثالثا: العمالة التي انتهى تصريح عملها بناء على شطب السجل التجاري الذي كانت تعمل فيه فيما لا يتم قبول العمالة الهاربة، أو العمالة النظامية التي تعمل لدى صاحب عمل، أو العمالة المنزلية، وحددت هيئة تنظيم سوق العمل سقف العمالة المنضوية تحت هذا النظام شهريا، بهدف مراجعة ومعالجة أي أثر سلبي على سوق العمل وفقًا للأدوات القانونية والإجرائية.
فيما أكد وزير العمل والتنمية الاجتماعية، في لقائه مع غرفة تجارة وصناعة البحرين في فبراير الماضي حرص الحكومة على خلق فرص عمل مناسبة للعمالة الوطنية، من خلال فرص الاستثمار النوعية، وأن تراخيص العمل المرنة لا تشكل منافسة للمواطنين إذ تقتصر على الأعمال غير الاحترافية فقط، ولا يسمح لحاملها بمزاولة أي نشاط تجاري، ويتم ترحيل أي مخالف للقانون.
وبالرغم من هذا التوضيح فإن مجلس النواب البحريني كان قد وافق يوم الثلاثاء 12 مارس 2019 على مقترح مستعجل طالب فيه الحكومة بإلغاء نظام التصريح المرن للعمالة الأجنبية، للأضرار التي ألحقها سواء بفئة التجار أو العمال. وطرح الموضوع للنقاش في الجلسة الخامسة عشرة للمجلس في 26 مارس الماضي، لاستيضاح سياسة الحكومة شأن نظام العمل المرن، الصادر بشأنه قرار وزير الداخلية رقم 108 لسنة 2017. فيما دعا النائب الثاني لرئيس مجلس النواب المتضررين من هذا النظام إلى التواصل معه وباقي النواب من أجل توضيح معاناتهم ووضع الحلول المناسبة، ودعا المعنيين من أصحاب الأعمال والاقتصاديين، إلى التواصل مع المجلس من أجل الوقوف على جميع أبعاد هذا النظام وتأثيراته المحتملة ووضع مقترحات لمعالجتها، كما كانت كتلة الأصالة الإسلامية قد تقدمت بطلب لعقد مناقشة عامة حول الموضوع، وافق المجلس على عقدها بعد أن أصبح هذا الموضوع في صدر أجندة أعضاء المجلس والمجتمع البحريني بأسره. وفي ضوء هذا يستمر العمل بنظام العمل المرن للعمالة الوافدة في المملكة بين المراجعة والتثبيت حتى يتم استقراره عند الوضع الأفضل.

 

{ انتهى  }
bottom of page