top of page
25/02/2023
مستقبل العلاقات الخليجية الأوروبية
مع تراجع مستوى ثقة دول الخليج بالولايات المتحدة، كشريك وضامن أمني في الشرق الأوسط؛ فإن جهود أعضاء مجلس التعاون الخليجي -لاسيما السعودية- لتنويع شراكاتهم الدولية في المجالات الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية والثقافية؛ قد نالت اهتمامًا كبيرًا من المحللين والمراقبين. وعلى وجه الخصوص، أدى تعزيز العلاقات التجارية والتكنولوجية مع "الصين"، فضلا عن حماية مصالح سوق الطاقة المتبادلة مع "روسيا"، إلى جعل صانعي السياسة الغربيين يتساءلون عن مستقبل علاقات بلادهم مع دول المنطقة.
ومع افتقار "إدارة بايدن"، الحماسة لمعالجة "تدني سقف التوقعات"، بشأن الشراكة الأمنية طويلة الأمد مع دول الخليج؛ قامت الدول الأوروبية -على صعيد التعاون الثنائي، وتحت مظلة الاتحاد الأوروبي- بتعزيز علاقاتها مع هذه الدول بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة. وفي حين عقدت كل من "فرنسا"، و"ألمانيا"، في عام 2022، اتفاقيات للحصول الغاز الطبيعي من "قطر"، بالإضافة إلى التزامات بمزيد من التعاون مع دول الخليج الأخرى، فقد كشف "الاتحاد الأوروبي"، و"المفوضية الأوروبية"، عن شراكتهما الإستراتيجية مع دول الخليج في مايو 2022 في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية.
وفي واقع الأمر، أعادت زيارة وزير الخارجية السعودي، الأمير "فيصل بن فرحان"، إلى "بروكسل"، في منتصف فبراير 2023، إحياء الاهتمام الغربي بمستقبل العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والخليج. وكتبت "سينزيا بيانكو"، من "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية"، أن الزيارة "مثلت فرصة أخرى للاتحاد الأوروبي لاستكشاف مزيد من التعاون النشط في المشاريع بالمنطقة".
وتمهيدًا لاجتماع الأمير "فيصل"، مع "تشارلز ميشيل"، رئيس المجلس الأوروبي، و"جوزيب بوريل"، منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، أشارت "بيانكو"، إلى الجهود التي بذلها القادة الأوروبيون منذ عام 2021، لتعزيز مكانتهم في الخليج. وعلى الرغم من العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية طويلة المدى لواشنطن في المنطقة؛ فإن "الاتحاد الأوروبي"، يعتبر سياسيًا واقتصاديًا الآن الشريك التجاري الثاني بعد الصين للخليج. ويبلغ حجم التبادل التجاري بين الطرفين 12.3٪ من إجمالي التجارة الخليجية مع العالم، كما عزز الطرفان التقارب عبر "شبكة الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي للطاقة النظيفة"، فضلا عن ازدياد الحوار السياسي بينهما، والتعاون المشترك حول التنويع الاقتصادي.
وعلى وجه الخصوص، أكدت "بيانكو"، على الأهمية المتزايدة للعلاقات بين "الاتحاد الأوروبي"، و"السعودية"، مشيرة إلى أن اندلاع الحرب الأوكرانية في فبراير 2022، "أعاد الاهتمام الدولي بالرياض، مع تسليط الضوء على القيمة الاستراتيجية لمواردها الهائلة من الطاقة في وقت كانت فيه الدول الأوروبية تسعى للتخلص من اعتمادها قصير وطويل الأجل على النفط والغاز الروسي. وأوضح "روبن ميلز"، و"أحمد مهدي"، من "جامعة كولومبيا"، أن السعودية من بين الدول المصدرة للطاقة التي حققت "أكبر النجاحات" بالسوق العالمية في أعقاب مقاطعة الغرب وحظره واردات مصادر الطاقة الروسية. وعليه، نصحت "بيانكو"، أنه في تعاملاتهم المستقبلية مع المنطقة، يجب على صانعي السياسة الأوروبيين "أن يعووا تمامًا التحولات الجيوسياسية التي حدثت في الخليج خلال الأشهر القليلة الماضية"، وعلى الأخص كيفية أداء الحكومة السعودية "لعودتها" للمشهد الدبلوماسي والجيوسياسي.
وبالإشارة إلى الدور الريادي المستقبلي للسعودية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ وثقت "بيانكو"، كيف أنها تمتلك "هدفا"، يتمثل في أن تكون "منفذ الاتصال الأول في المنطقة للقادة والمسؤولين الخارجيين، الذين يرغبون في التحاور بشأن القضايا السياسية والاقتصادية". وفي هذا الصدد، أشارت إلى هدوء الوضع مع منافسيها الإقليميين "تركيا"، و"إيران"، واللتين "تمران بأزمات مالية محلية"، و"تركزان على الاضطرابات الداخلية بهما"، وكذلك مع وجود منافسين إقليميين آخرين ممن يفضلون "العمل مع الرياض، بدلاً من التنافس معها، وهو ما جعل الأخيرة تسعى بنشاط إلى "إظهار رؤيتها الجديدة للمنطقة على أساس الدبلوماسية وفن الحكم الاقتصادي".
وعلى الصعيد الجيوسياسي الأوسع، أشارت إلى قيامها بـ"أدوار متوازنة"، جذبت الاهتمام العالمي إليها من خلال تعاملها الناجح "متعدد الأقطاب"، حيث رفضت الانضمام إلى الغرب أو روسيا أو الصين دوليًا -كما هو موضح- مع ترحيبها بكل من الرئيس الأمريكي، "جو بايدن"، والصيني، "شي جين بينغ"، في المملكة خلال عام 2022.
ومع حُكمها على زيارة الأمير "فيصل"، إلى "بروكسل"، بأنها "فرصة للقادة الأوروبيين لفهم نطاق التعاون الأكثر نشاطًا في المشروعات والمبادرات الإقليمية بينهما"، حددت "بيانكو" مجالات مختلفة للتعاون الاقتصادي والسياسي للمضي قدمًا بشأنها، والتي يمكن تأسيسها في ضوء الاعتماد على العلاقات القائمة.وفيما يتعلق بمصالح الطاقة المتبادلة؛ رأت أنه في حين أن "السعودية"، تعتمد على تنسيق أوجه التعاون مع شركاء "أوبك+" -بما في ذلك "روسيا"- فإنها تعتبر أيضًا من المؤيدين الرئيسيين لـ"مبادرة الشرق الأوسط الأخضر"، كما أنه يمكن للساسة الأوروبيين حثها لدعوة أعضاء "المنظمة"، نحو الانتقال إلى المرحلة التالية من تحول الطاقة"، بدعم من "بروكسل".
وبشكل خاص، دعت "بيانكو"، المفوض الأوروبي للعمل المناخي، "فرانس تيمرمانز"، على "استكشاف فرص العمل، وربطها بمبادرات ملموسة بالفعل"، قبل انعقاد "أسبوع المناخ في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، التابع للأمم المتحدة، وقمة "كوب 28"، التي ستستضيفها الإمارات، وكلاهما سيعقد في وقت لاحق خلال العام الجاري.
من جانبه، أكد "جيامباولو كانتيني"، من "المجلس الأطلسي"، أن التعاون بين الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط، في مجال الطاقات المتجددة، وعلى الأخص "إنتاج واستخدام الهيدروجين الأخضر"، يمكن أن يكون "حافزًا"، لمزيد من الاستثمارات، مشيرًا إلى التعاون بشأن تنفيذ خطط مبادرة السعودية الخضراء لعام 2021، والمتعلقة بإنشاء "أكبر مشروع لتصدير الهيدروجين الأخضر في العالم"، جنبًا إلى جنب مع جهود دول الخليج الأخرى، التي تم "دعمها على مستوى السياسات والتشغيل" من قبل الاتحاد الأوروبي، و"مؤسسات التنمية المالية متعددة الأطراف، وغيرهم من الشركاء الدوليين".
علاوة على ذلك، فإن حالة عدم اليقين بشأن مستقبل صادرات الطاقة الروسية قد تؤدي أيضًا إلى تقارب المصالح الخليجية الأوروبية. ومع إشارة "ميلز"، و"مهدي"، إلى أنه "قد يتعين على دول الشرق الأوسط على المدى الطويل التفكير في مدى استعدادها للخروج من دائرة اهتمام الأسواق الآسيوية المتنامية والرئيسية من خلال التدفقات النفطية الروسية الأرخص ثمنًا التي يتم إرسالها بشكل أساسي إلى الهند والصين، أشار المحللون إلى أن صادرات النفط الخام من المنطقة، تعتبر "الأكثر جاذبية" للعملاء الأوروبيين؛ بسبب إنتاجها الأعلى عالميًا لوقود الديزل، الذي حدث نقص في إمداداته؛ بسبب أوجه القصور في أنظمة تكرير الطاقة.
وفي المجال الاقتصادي، فبالإشارة إلى الإصلاحات المالية والاجتماعية التي قامت بها "المملكة"، لدرجة باتت توصف معها بأنها "المحور الاقتصادي للشرق الأوسط"، في ضوء تمويل صندوق الاستثمارات العامة لعام 2022، استثمارات بقيمة 24 مليار دولار في كل من مصر والبحرين والأردن والعراق وسلطنة عمان والسودان؛ رأت "بيانكو"، أن نجاح مشروع "رؤية السعودية 2030"، يعد "أمرًا بالغ الأهمية"، بالنسبة للدول الأوروبية، لتوفيره "بيئة أكثر قابلية للتكيف والمرونة"، محليًا من أجل تعزيز وسائل التعاون المالي، وكذلك فتح الباب أمام الفرص التجارية والاستثمارية المتبادلة".
وحول السبل الأولية للتعاون على أساس المصالح المشتركة؛ أشارت إلى أن الدول الأوروبية تتمتع "بالخبرة ذات الصلة في مكافحة تجارة المخدرات غير المشروعة"، وهو الأمر الذي رأت أنه سيكون "معززًا للتعاون"، مع دول الخليج بلا شك.
وفيما يتعلق بمجال التعاون الجيوسياسي، أشارت إلى أن "الرياض"، تبدو ملتزمة بمواجهة التهديدات الإيرانية للأمن الإقليمي من خلال تبني "استراتيجية احتواء مزدوجة"، ما بين "ممارسة أقصى ضغط عبر فرض عقوبات جديدة"، و"المشاركة في أية محادثات لخفض التصعيد"، بالتزامن مع "التوصل إلى اتفاق شامل معها"، وهو ما يمكن اعتباره بأنه "نهاية" للمنافسة بينهما. وهنا يجب على القادة الأوروبيين مواصلة الانخراط دبلوماسيًا مع كليهما"؛ لضمان عدم الإقدام على أي تصعيد متبادل".
وبالإضافة إلى مناقشة ملامح السياسة الأوروبية والسعودية تجاه "القضة الفلسطينية"، في بروكسل، أسفر لقاء الأمير "فيصل"، مع "بوريل"، والأمين العام لجامعة الدول العربية، "أحمد أبو الغيط"، عن إجماع على إدانة التوسع الإسرائيلي للبؤر الاستيطانية في الضفة الغربية المحتلة، وكذلك إعادة التأكيد على الالتزام بحل الدولتين. علاوة على ذلك، تم إنشاء مجموعة عمل جديدة لتطوير المقترحات والمشاركة مع الجهات الفاعلة الإقليمية، وبالتالي تفعيل جهود التعاون الجيوسياسية بين الاتحاد الأوروبي والخليج.
على العموم، أكدت زيارة وزير الخارجية السعودي الأمير "فيصل بن فرحان"، إلى "بروكسل"، على تعزيز العلاقات الاقتصادية والاستراتيجية والثقافية بين أوروبا ودول الخليج، لا سيما السعودية، ولا شك أن ذلك مدفوع برغبة أوروبية في العثور على مصادر بديلة لشحنات النفط والغاز الطبيعي التي كان توفرها روسيا؛ في ضوء أن دول الخليج لديها القدرة على خلق "التوازن" للأوروبيين، عبر تلبية متطلباتهم من إمدادات الطاقة.
وفي ضوء هذه الديناميكيات، فإن الصورة الإقليمية والدولية الإيجابية للرياض ستؤثر على صانعي السياسة الأوروبيين خاصة فيما يتعلق بتعاملاتهم المستقبلية مع المملكة. وبشكل خاص، يجب الاعتراف بقوة وضعها الاقتصادي المتقدم، ومكانتها الجيوسياسية، كدولة تتسم بالحيادية وعدم الانحياز في عصر التنافس بين القوى العظمى، حيث تسعى إلى توسيع استخدامها للقوة الناعمة لزيادة نفوذها العالمي، وتحسين علاقاتها مع كافة الشركاء والأطراف الدوليين.
وبالتالي، يجب على القادة الأوروبيين أن يكونوا مستعدين "للتجاوب بفاعلية" مع "حالة الازدهار والقيادة الجيوسياسية الاقتصادية الرائدة للرياض في منطقة الخليج والشرق الأوسط"، خاصة مع الاعتراف بأن المنطقة ستظل حجر الأساس في سعي أوروبا لتحقيق أهدافها الاقتصادية والمناخية المشتركة ومتطلباتها من الطاقة".
{ انتهى }
bottom of page