top of page
17/02/2023
توقعات بتباطؤ نمو الاقتصاد البريطاني خلال عام 2023
أدت سلسلة من الصدمات الاقتصادية في عام 2022، من بينها حدوث تداعيات على التجارة والخدمات المصرفية الدولية، وأمن الطاقة؛ بسبب حرب أوكرانيا؛ إلى تحذير العديد من المؤسسات المالية الدولية من حدوث ركود عالمي في عام 2023. وبالفعل، حذر "البنك الدولي"، من أن العالم "يتجه نحو الركود العالمي"، فيما وصف "زاني بيدوس"، في مجلة "الإيكونوميست"، هذا السيناريو بأنه "لا مفر منه".
وعلى الرغم من أن المراقبين الغربيين يعتقدون أن الاقتصاد العالمي سيدخل في حالة ركود خلال عام 2023، مع وجود اعتقاد بأن بعض الاقتصادات المتقدمة تصارع بالفعل حالة الركود؛ فإن التوقعات الصادرة في نهاية يناير الماضي، تشير إلى أن تأثير ذلك، سيكون أقل بكثير مما كان متوقعا. ويشير "صندوق النقد الدولي"، إلى أن الاقتصاد العالمي، سينمو بنسبة 2.9٪ خلال العام الحالي، وهو ارتفاع كبير عن معدل النمو البالغ 0.2٪، الذي توقعه في أكتوبر من العام الماضي.
ومع ذلك، فإن النمو المتوقع لا يشمل جميع الاقتصادات. وبصرف النظر عن روسيا، التي تواجه مجموعة من العقوبات الغربية؛ فإن "المملكة المتحدة"، هي الاقتصاد الرئيسي الآخر، الذي صدرت توقعات اقتصادية "قاتمة"، بشأنه خلال عام 2023. وتوقع "صندوق النقد الدولي"، و"منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية"، ومصرف "جولدمان ساكس"، و"بنك إنجلترا"، أن حجم الاقتصاد البريطاني سيتقلص خلال هذا العام، ويدخل في فترة ركود، ويحدث انكماش لفترتين متتاليتين كل منها تمتد لمدة ثلاثة أشهر. وعليه، وصفتها صحيفة "فاينانشال تايمز"، باعتبارها "رجل العالم المتقدم المريض".
وفي أوائل فبراير 2023، توقع "بنك إنجلترا"، أن اقتصاد المملكة المتحدة، سينكمش بنسبة 1٪ خلال العام، مع ارتفاع معدل البطالة، جنبًا إلى جنب من 3.7٪ إلى 5.3٪. وعلى الرغم من تحسن الإحصائيات التي أصدرها "البنك" سابقًا، فقد توقع انكماشا اقتصاديا، بنسبة 3٪، ومعدل بطالة 6.4٪، وأوضح "كريس جايلز"، في صحيفة "فاينانشال تايمز"، أن البنك يُبقى على توقعات اقتصادية حالية "قاتمة" لبريطانيا.
ومع توقع "البنك" تراجع التضخم خلال العام الحالي إلى 8٪ في يونيو، و3٪ بحلول ديسمبر، فقد أشار "ديربيل جوردان"، و"دانيال توماس"، من شبكة "بي بي سي"، إلى أن معدل التضخم الحالي في البلاد "أكثر من خمسة أضعاف ما يفترض أن يكون عليه". ومع رفع أسعار الفائدة أيضًا إلى 4٪ -وهو أعلى مستوى لها منذ أكثر من 14 عامًا- أوضحا أنه يهدف إلى "تشجيع الناس على إدخار أكثر وإنفاق أقل، مما يساعد على وقف ارتفاع الأسعار بسرعة"، كما استنتجا من آخر تقييم لبنك إنجلترا، أن الركود الاقتصادي في البلاد "من المتوقع أن يستمر لما يزيد على العام بقليل"، وإن كان هذا أقل من "العامين المتصورين سابقًا.
وعلى نطاق واسع، انعكست تقييمات "بنك إنجلترا"، على مؤسسات أخرى. ورأى "جايلز"، أن التقييم "أرسل رسالة صادمة عبر المحيط الأطلسي"، حيث خفض "صندوق النقد الدولي"، من توقعاته للمملكة المتحدة لعام 2023، وتوقع أن يكون اقتصادها هو الاقتصاد الغربي المتقدم الوحيد في مجموعة السبع الذي يعاني انكماشا، بمعدل 0.6٪. ومن وجهة نظره، فإن هذا المعدل سيكون أسوأ من الذي ستشهده روسيا، والذي تتوقع انخفاضًا بنسبة 0.3٪ فقط.
علاوة على ذلك، توقعت "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية"، أن تكون "المملكة المتحدة"، ثاني أسوأ اقتصاد أداءً في العالم عام 2023، في حين توقع مصرف "جولدمان ساكس"، "انكماشًا"، بنسبة 1.2٪ في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي. واقترحت شركة "كيه بي إم جي"، أن الاقتصاد البريطاني سينكمش، بنسبة 1.3٪، ويعاني من "ركود ضئيل نسبيًا، ولكنه طويل الأمد".
وعلى عكس هذه التوقعات، رأى "بول جونسون"، من "معهد الدراسات المالية"، أنه من "الصعب رؤية"، كيف توصل صندوق النقد الدولي، إلى تقديراته بشأن النمو البطيء في الاقتصاد البريطاني". وأصرت "صوفي ييتس"، في منصة "هارجريفز لانسداون"، على أنها يمكن أن تتفوق في الأداء على التوقعات". وفي حين سلط "مكتب مسؤولية الميزانية" بلندن، الضوء على التوقعات بأكبر انخفاض في مستويات المعيشة للبريطانيين، مع انخفاض الدخل الحقيقي المتاح للأسر بنسبة 4.3٪ في الفترة 2022-2023؛ فقد شددت "ييتس" على كيفية استمرار السوق المالية في كونها "قوية جدًا"؛ نتيجة لقراءات معدل الفائدة والتضخم حتى يكون لدينا مسار واضح للخروج من الركود".
وفي حين أن صحيفة "فاينانشال تايمز"، رأت أن توقعات "صندوق النقد"، "مفرطة في التشاؤم"، فقد أقرت بأن اقتصاد المملكة المُتحدة "متخلف بلا شك عن أقرانه". ووفقا للمراقبين، فإنه من المتوقع أن تنمو اقتصادات الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان وكندا، بمستويات متواضعة مقدارها 1.4٪ و 0.7٪ و 1.8٪ و 1.5٪ على التوالي في عام 2023. وعلى الرغم من وصف "بيار غورينشاس"، من "صندوق النقد الدولي"، اقتصادات الأمريكتين وأوروبا، بأنها "مرنة بشكل كبير"، فقد حث "البنك الدولي"، على توخي الحذر، بشأن أن الاقتصاد العالمي لا يزال "قريبًا من ركود محتمل"، لا سيما وأن توقعات النمو الخاصة بها قد انخفضت من 3٪ إلى 1.7٪ فقط، كما أن اقتصادات الصين والولايات المتحدة وأوروبا، "تمر بفترة من الضعف".
وفي أوروبا، توقع "جان هاتزيوس"، من بنك "جولدمان ساكس"، "انكماشًا"، للاقتصاد الألماني بنسبة 0.6٪ في عام 2023، ورأى أن كلاً من المملكة المتحدة، ومنطقة اليورو يشهدان بالفعل ركودًا، يجرى العمل على معالجته من خلال "الزيادة الهائلة في قيمة فواتير الطاقة المنزلية بهما، "مقارنة بالاقتصادات الأوروبية المتقدمة الأخرى.
أما بالنسبة لسبب معاناة الاقتصاد البريطاني؛ فقد أشار "هاتزيوس"، إلى أن ذلك يرجع إلى "أزمة الطاقة"، و"سوق العمل المضطرب". وبالمثل أكد "غورينشاس"، أن اعتماد المملكة المتحدة الكبير على الغاز الطبيعي لتلبية احتياجاتها من الطاقة، هو ما يبرر التوقعات الاقتصادية الأسوأ التي ستشهدها الفترة القادمة. وأوضحت "جيني ريد"، من قناة "سي إن بي سي"، أنه منذ الإفصاح عن التوقعات الاقتصادية السابقة لصندوق النقد الدولي، والمتعلقة بالمملكة المتحدة، عانت البلاد من "اضطراب موازناتها إبان فترة رئاسة ليز تروس للوزراء"، واتجهت لخطة جذرية لتعزيز النمو"، لكن انعكس الأمر بسرعة بعد حالة الفوضى التي ألقت بظلالها على الأسواق المالية العالمية".
وعند تقييم التأثيرات طويلة المدى لذلك، أشار "أندرو بيلي"، من بنك "إنجلترا"، إلى التداعيات المستمرة لوباء "كوفيد-19 "على أنها "كان لها آثار طويلة المدى أكبر مما كان متوقعًا، خاصة فيما يتعلق بنقص وبطء المعروض من العمالة"، مؤكدا أن عدد الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 16 و64 عامًا ممن لا يبحثون عن عمل قد ارتفع منذ بداية الجائحة في عام 2020، وهو الأمر الذي أثر على "المملكة المتحدة بالسلب"، مقارنة بغيرها من البلدان والاقتصادات المتقدمة.
وفي ضوء أزمة الإنتاج طويلة الأمد الحالية، انتقد "تيم هارفورد"، في صحيفة "فاينانشيال تايمز"، "جودة الإدارة بالشركات البريطانية، معتبرًا إياها الأسوأ ضمن مجموعة الدول الصناعية السبع"، فيما وصف تلك الشركات بـ"بخل الإنفاق على أوجه الاستثمار"، مشيرًا إلى أن هذا الإنفاق هو أيضًا في أدنى مستوى له على مدى العقود الأربعة التي سبقت وباء "كوفيد-19"، وبالإشارة إلى كيفية "انهيار البنية التحتية للطاقة والنقل"، انتقد اهتمام السياسيين البريطانيين، "بالإعلان عن الخطط أكثر من حرصهم على التخطيط لتنفيذها على أرض الواقع".
من ناحية أخرى، أكد المراقبون أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قد فاقم من حجم المشاكل الاقتصادية الحالية في البلاد. وأشارت صحيفة "فاينانشيال تايمز"، إلى أنه في حين أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "ليس السبب الوحيد لضعف أدائها الاقتصادي، فإنه بلا شك كان عاملاً مهمًا في ذلك، حيث انخفضت الاستثمارات التجارية؛ "بسبب حالة عدم اليقين السياسي والاقتصادي، وإقامة العديد من الحواجز والقيود مع أكبر شريك تجاري لها". وعلى الرغم من ذلك، رفض "هارفورد"، فكرة أن استفتاء 2016، يمكن أن يكون سبب "الأداء الضعيف للإنتاجية"، والذي بدأ بالفعل "عام 2007"، حينما بدأ الاتجاه التنازلي طويل الأجل لاقتصاد المملكة.
ومع تأكيد "جيمس سميث"، من مؤسسة "ريزولوشن"، أن البريطانيين "يعيشون في ظل حالة ركود طيلة 20 عامًا"، وهي "الحالة الاقتصادية الأسوأ، منذ سنوات ما بين الحربين الأولى والثانية"؛ فإن السؤال الأساسي للمحللين، هو كيف يمكن أن يتم حل المشاكل الاقتصادية، وتعزيز مستويات النمو بالنهاية. ومع تحدث وزير المالية البريطاني، "جيريمي هانت"، عن حاجة حكومته إلى مقاومة تمويل "أية إنفاقات إضافية، أو تجنب تنفيذ أية تخفيضات ضريبية من خلال مزيد من الاقتراض" على أساس الاعتقاد بأن هذا الأمر "سيؤول بأسعار الوقود إلى التضخم في الوقت الراهن".
وبدوره، أفاد "هارفورد"، بأنه إذا أمكن تحسين "معدل نمو الإنتاجية"، فسيصبح حل جميع المشكلات الأخرى أسهل، معترفًا بأن التحدي الحقيقي يكمن في كيفية تحقيق ذلك، مستشهدا بالعديد من الأسباب التي أدت إلى تفاقم الحالة الاقتصادية، مثل "الضرائب، والقواعد التنظيمية، وعدم المساواة بين المواطنين، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي". وعليه، اقترح عددا من الحلول، تتضمن "اقتفاء أثر نظام ضريبي حديث لزيادة الإيرادات الإضافية، وتحسين العلاقات السياسية مع الدول الأوروبية، وإزالة القيود التجارية، و"تطوير قواعد تخطيط مرنة لخلق فرص عمل ومنازل أرخص وأفضل جودة"، مؤكدًا في الوقت ذاته أن التركيز على السياسات قصيرة الأجل من قبل السياسيين في العقد الماضي، قد أدى إلى "تراجع" حالة الاقتصاد".
على العموم، تشير أحدث التوقعات الاقتصادية للمؤسسات المالية الدولية، إلى نمو الاقتصاد العالمي بشكل أبطأ بكثير، مما هو مرغوب فيه. وعند النظر إلى المملكة المتحدة، فإن التوقعات تشير إلى أن اقتصادها هو الوحيد من بين مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، الذي سيتقلص خلال عام 2023؛ الأمر الذي لا يهدد فقط سمعتها كمركز للتمويل العالمي، بل يهدد أيضًا سمعتها كنموذج جيوسياسي رائد للدول الأخرى يجب اقتفاء أثره.
وفي ضوء إشارة "هارفورد"، إلى أن الأداء الاقتصادي لبريطانيا على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية، كان "كارثيًا"، حيث كانت الضرائب مرتفعة، ومرافق الخدمات العامة "منهكة"، وتزايدت الإضرابات من قبل الموظفين العموميين، و"مكافحة الملايين من أجل تغطية نفقاتهم"؛ فإنه من الواضح أن حكومة "ريشي سوناك"، تواجه معركة شاقة لإصلاح اقتصاد البلاد، وإقناع المجتمع الدولي بنجاحها في جذب المزيد من الاستثمارات وتمويل مجال الابتكارات.
{ انتهى }
bottom of page