top of page

01/02/2023

قراءة في طرق الاستفادة من قدرات الدبلوماسيين السابقين

تحمل‭ ‬عبارة‭ ‬‮«‬تقاعد‭ ‬وظيفي‮»‬،‭ ‬في‭ ‬أحيان‭ ‬كثيرة‭ ‬الركون‭ ‬إلى‭ ‬الراحة‭ ‬وعدم‭ ‬ممارسة‭ ‬أي‭ ‬مهام،‭ ‬لكن‭ ‬الأمر‭ ‬يختلف‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬السفراء‭ ‬والدبلوماسيين‭ ‬والمستشارين‭ ‬والمسؤولين‭ ‬الحكوميين‭ ‬المتخصصين‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الخارجية،‭ ‬فما‭ ‬اكتسبوه‭ ‬من‭ ‬الخبرة‭ ‬والمعرفة‭ ‬بالسياسات‭ ‬والاتجاهات‭ ‬والشعوب‭ ‬واللغات‭ ‬والثقافات‭ ‬الدولية،‭ ‬وما‭ ‬قدموه‭ ‬للحكومات‭ ‬والمنظمات؛‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬تجاهله‭ ‬بسهولة‭ ‬أو‭ ‬اعتباره‭ ‬غير‭ ‬ذي‭ ‬صلة‭ ‬بالمشهد‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬الحالي‭.‬

وهناك‭ ‬تقليد‭ ‬لدى‭ ‬الحكومات‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬قيام‭ ‬المسؤولين‭ ‬السابقين‭ ‬بالعمل‭ ‬كمستشارين‭ ‬لخلفائهم،‭ ‬سواء‭ ‬بشكل‭ ‬رسمي‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬رسمي،‭ ‬فيما‭ ‬يزداد‭ ‬الطلب‭ ‬على‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬السابقين‭ ‬من‭ ‬‮«‬معاهد‭ ‬البحوث‮»‬،‭ ‬الرائدة،‭ ‬و«مراكز‭ ‬الفكر‮»‬‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬والمملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬وأوروبا،‭ ‬لمشاركة‭ ‬خبراتهم‭ ‬بشأن‭ ‬الشؤون‭ ‬الدولية‭ ‬وإلمامهم‭ ‬بمناطق‭ ‬معينة‭ ‬وأفراد‭ ‬ومجموعات‭ ‬وثقافات‭ ‬وأنظمة‭ ‬سياسية،‭ ‬حيث‭ ‬تتبدى‭ ‬خبراتهم‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬المشورة‭ ‬بشأن‭ ‬تلك‭ ‬القضايا‭. ‬وللأسباب‭ ‬نفسها‭ ‬أيضًا،‭ ‬تسعى‭ ‬الشركات‭ ‬الخاصة‭ ‬ومراكز‭ ‬الاستشارات‭ ‬إلى‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬تحليلات‭ ‬المسؤولين‭ ‬السابقين‭ ‬ذوي‭ ‬الخبرة،‭ ‬الذين‭ ‬بمقدورهم‭ ‬توجيه‭ ‬الجيل‭ ‬القادم‭ ‬من‭ ‬القادة‭ ‬الدبلوماسيين‭.‬

وكما‭ ‬أوضح‭ ‬السير‭ ‬‮«‬إيفور‭ ‬روبرتس‮»‬،‭ ‬السفير‭ ‬البريطاني‭ ‬السابق‭ ‬لدى‭ ‬إيطاليا‭ ‬ويوغوسلافيا‭ ‬وأيرلندا،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬موضع‭ ‬تقدير‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الحكومات‭ ‬والمنظمات‭ ‬والشركات‭ ‬والمؤسسات‭ ‬التعليمية؛‭ ‬كيف‭ ‬تعلم‭ ‬الدبلوماسيون،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مواقعهم‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬أجنبية‭ ‬وبيئات‭ ‬ثقافية‭ ‬مختلفة،‭ ‬‮«‬فن‭ ‬التفاوض‮»‬،‭ ‬لحل‭ ‬النزاعات‭ ‬بشكل‭ ‬أفضل‭ ‬وفهم‭ ‬وجهات‭ ‬النظر‭ ‬البديلة‭.‬

ووفقا‭ ‬لـ‮«‬توماس‭ ‬فليتشر‮»‬،‭ ‬سفير‭ ‬بريطانيا‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2011‭ ‬و2015،‭ ‬فإن‭ ‬سمات‭ ‬‮«‬الذكاء‭ ‬العاطفي،‭ ‬والحس‭ ‬السياسي،‭ ‬والفضول‭ ‬لمعرفة‭ ‬العالم‮»‬،‭ ‬هي‭ ‬أعظم‭ ‬مهارات‭ ‬السفير‭ ‬السابق،‭ ‬وهي‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تطبق‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬الدبلوماسية‭.‬

وفي‭ ‬المجال‭ ‬الحكومي،‭ ‬يعمل‭ ‬السفراء‭ ‬والدبلوماسيون‭ ‬السابقون،‭ ‬كمستشارين‭ ‬رسميين‭ ‬وغير‭ ‬رسميين‭ ‬لسفراء‭ ‬ووزراء‭ ‬حكوميين‭ ‬وقادة‭. ‬ومع‭ ‬تقديم‭ ‬المشورة‭ ‬في‭ ‬أغلب‭ ‬الأحيان‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬التوتر،‭ ‬يمكن‭ ‬للمستشارين‭ ‬غير‭ ‬الرسميين‭ ‬ذوي‭ ‬الخبرات‭ ‬الواسعة‭ ‬تزويد‭ ‬المسؤولين‭ ‬الحاليين‭ ‬بمعلومات‭ ‬وتحليلات‭ ‬وآراء‭ ‬مسبقة‭ ‬دون‭ ‬التقيد‭ ‬بالاعتبارات‭ ‬السياسية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬لدى‭ ‬المعينين،‭ ‬مع‭ ‬قدرتهم‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬المشورة‭ ‬بمهنية‭ ‬وتجرد‭.‬

وفي‭ ‬حالة‭ ‬الوزراء‭ ‬المعينين‭ ‬حديثًا،‭ ‬أو‭ ‬الذين‭ ‬ليس‭ ‬لديهم‭ ‬خبرة‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الجوانب؛‭ ‬يمكن‭ ‬للسفراء‭ ‬والدبلوماسيين‭ ‬والمسؤولين‭ ‬السابقين،‭ ‬تقديم‭ ‬الرؤى‭ ‬والمشورة‭ ‬الضرورية‭ ‬لهم،‭ ‬وإلا‭ ‬سيكونون‭ ‬عُرضة‭ ‬للوقوع‭ ‬في‭ ‬أخطاء‭ ‬غير‭ ‬مقصودة‭. ‬علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فإنهم‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭ ‬يسافرون‭ ‬ضمن‭ ‬الوفود‭ ‬عبر‭ ‬العالم،‭ ‬مستخدمين‭ ‬معرفتهم‭ ‬بالدول‭ ‬والقادة‭ ‬والثقافات‭ ‬واللغات‭ ‬الأخرى‭ ‬كجسر‭ ‬بين‭ ‬البلدان؛‭ ‬مما‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬تحسين‭ ‬العلاقات‭ ‬ودفع‭ ‬أي‭ ‬مفاوضات‭ ‬أو‭ ‬تخفيف‭ ‬الصعوبات‭ ‬الجيوسياسية‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬يتم‭ ‬أيضًا‭ ‬تعيين‭ ‬دبلوماسيين‭ ‬سابقين‭ ‬في‭ ‬الجهاز‭ ‬الحكومي‭. ‬وذكر‭ ‬‮«‬مكتب‭ ‬لندن‭ ‬للمتحدثين‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬جوناثان‭ ‬بأول‮»‬،‭ ‬كبير‭ ‬موظفي‭ ‬مقر‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الأسبق،‭ ‬‮«‬توني‭ ‬بلير‮»‬،‭ ‬عمل‭ ‬دبلوماسيًا‭ ‬في‭ ‬وزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬سابقًا‭ ‬في‭ ‬البرتغال،‭ ‬والسويد،‭ ‬وفيينا،‭ ‬وهونغ‭ ‬كونغ،‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬كونه‭ ‬صاحب‭ ‬‮«‬دور‭ ‬فعال‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬سلام‭ ‬دائم‮»‬‭ ‬في‭ ‬إيرلندا‭ ‬الشمالية‭.‬

ومع‭ ‬وصف‭ ‬السفير‭ ‬‮«‬فليتشر‮»‬،‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬‮«‬أسعد‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬السابقين‮»‬،‭ ‬هم‭ ‬أولئك‭ ‬‮«‬الموجودون‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬صنع‭ ‬القرار‭ ‬بمؤسساتهم،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬مجرد‭ ‬تمثيلها‭ ‬في‭ ‬الخارج»؛‭ ‬تجدر‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬كيف‭ ‬أنهم‭ ‬يشغلون‭ ‬المناصب‭ ‬في‭ ‬‮«‬معاهد‭ ‬أبحاث‮»‬‭ ‬الشؤون‭ ‬الخارجية‭ ‬العالمية،‭ ‬و«مراكز‭ ‬الفكر‮»‬‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬مما‭ ‬يسمح‭ ‬لهم‭ ‬بنقل‭ ‬معرفتهم‭ ‬وفهمهم‭ ‬لقضايا‭ ‬عالمية‭ ‬معينة‭ ‬إلى‭ ‬جمهور‭ ‬عريض‭ ‬من‭ ‬القراء،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬صناع‭ ‬السياسات‭.‬

ويبرز‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬السفراء‭ ‬والدبلوماسيين‭ ‬والمسؤولين‭ ‬الحكوميين‭ ‬والمستشارين‭ ‬الخاصين‭ ‬للشؤون‭ ‬الخارجية‭ ‬في‭ ‬المعاهد‭ ‬الرائدة‭ ‬في‭ ‬بريطانيا؛‭ ‬اسم‭ ‬‮«‬جون‭ ‬راين‮»‬،‭ ‬ذو‭ ‬خبرة‭ ‬33‭ ‬عامًا‭ ‬بوزارة‭ ‬الخارجية،‭ ‬والذي‭ ‬عمل‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬والسعودية،‭ ‬والعراق،‭ ‬وباكستان،‭ ‬والكويت،‭ ‬وهو‭ ‬الآن‭ ‬مستشار‭ ‬أول‭ ‬في‭ ‬‮«‬المعهد‭ ‬الدولي‭ ‬للدراسات‭ ‬الاستراتيجية‮»‬،‭ ‬والسير‭ ‬‮«‬سيمون‭ ‬فريزر‮»‬،‭ ‬المستشار‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬‮«‬المعهد‭ ‬الملكي‭ ‬للشؤون‭ ‬الدولية‮»‬،‭ ‬والمسؤول‭ ‬السابق‭ ‬بوزارة‭ ‬الخارجية‭ ‬والكومنولث،‭ ‬والسير‭ ‬‮«‬أندرو‭ ‬وود‮»‬،‭ ‬الزميل‭ ‬المُشارك‭ ‬لدى‭ ‬‮«‬المعهد‭ ‬الملكي‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬عمل‭ ‬سفيرا‭ ‬لدى‭ ‬يوغوسلافيا،‭ ‬وروسيا،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬السير‭ ‬‮«‬بيتر‭ ‬وستماكوت‮»‬،‭ ‬السفير‭ ‬السابق‭ ‬لدى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وفرنسا‭ ‬وتركيا،‭ ‬وحاليا‭ ‬زميل‭ ‬متميز‭ ‬لدى‭ ‬‮«‬المجلس‭ ‬الأطلسي‮»‬،‭ ‬و«المعهد‭ ‬الدولي‭ ‬للدراسات‭ ‬الاستراتيجية‮»‬‭.‬

وبالمثل‭ ‬في‭ ‬واشنطن،‭ ‬يشغل‭ ‬دبلوماسيون‭ ‬سابقون‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬مناصب‭ ‬الزمالة‭ ‬الزائرة‭ ‬والمتميزة‭. ‬ففي‭ ‬‮«‬مركز‭ ‬الدراسات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والدولية‮»‬،‭ ‬يعمل‭ ‬‮«‬جون‭ ‬ألترمان‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مساعدًا‭ ‬خاصًا‭ ‬سابقًا‭ ‬في‭ ‬الخارجية‭ ‬الأمريكية؛‭ ‬بينما‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬أبرز‭ ‬خبراء‭ ‬‮«‬المجلس‭ ‬الأطلسي‮»‬،‭ ‬يعمل‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬‮«‬دانيال‭ ‬شابيرو‮»‬،‭ ‬السفير‭ ‬السابق‭ ‬لدى‭ ‬إسرائيل،‭ ‬و«دانيال‭ ‬فرايد‮»‬،‭ ‬السفير‭ ‬السابق‭ ‬لدى‭ ‬بولندا،‭ ‬و«ريتشارد‭ ‬ليبارون‮»‬،‭ ‬السفير‭ ‬السابق‭ ‬لدى‭ ‬الكويت،‭ ‬و«جون‭ ‬هيربست‮»‬،‭ ‬السفير‭ ‬السابق‭ ‬لدى‭ ‬أوكرانيا‭.‬

علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬استخدام‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬لتقديم‭ ‬المشورة‭ ‬والتأثير‭ ‬على‭ ‬صانعي‭ ‬السياسات‭ ‬الحاليين،‭ ‬قد‭ ‬مكن‭ ‬الخبراء‭ ‬السابقين‭ ‬من‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬الرأى‭ ‬العام‭. ‬ولعل‭ ‬أحد‭ ‬الأمثلة‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬‮«‬آرون‭ ‬ميللر‮»‬،‭ ‬المفاوض‭ ‬السابق‭ ‬لشؤون‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬لدى‭ ‬‮«‬الخارجية‭ ‬الأمريكية‮»‬،‭ ‬والذي‭ ‬يعمل‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬‮«‬مؤسسة‭ ‬كارنيجي‭ ‬للسلام‭ ‬الدولي‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬‮«‬دانيال‭ ‬كيرتزر‮»‬،‭ ‬السفير‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق‭ ‬لدى‭ ‬القاهرة،‭ ‬ثم‭ ‬تل‭ ‬أبيب،‭ ‬والذي‭ ‬يحاضر‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬‮«‬جامعة‭ ‬برينستون‮»‬،‭ ‬واللذين‭ ‬أشارا‭ ‬بصحيفة‭ ‬‮«‬واشنطن‭ ‬بوست‮»‬،‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬يجب‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬بايدن‭ ‬الرد‭ ‬بقوة‭ ‬على‭ ‬انتخاب‭ ‬حكومة‭ ‬إسرائيلية‭ ‬‮«‬راديكالية‮»‬‭ ‬بقيادة‭ ‬نتنياهو،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬‮«‬أن‭ ‬أي‭ ‬انتهاكات‭ ‬إسرائيلية‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬القدس‭ ‬أو‭ ‬الأراضي‭ ‬المحتلة،‭ ‬قد‭ ‬تؤثر‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬واشنطن‭ ‬في‭ ‬دعم‭ ‬المتطلبات‭ ‬الأمنية‭ ‬لحليفتها،‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬تقدم‭ ‬لها‭ ‬أي‭ ‬أسلحة‭ ‬هجومية‭ ‬أو‭ ‬مساعدات‭ ‬أخرى‮»‬‭. ‬

وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬نشر‭ ‬مقالات‭ ‬الرأي،‭ ‬فإن‭ ‬تقديم‭ ‬التعليقات‭ ‬حول‭ ‬العناوين‭ ‬الإخبارية‭ ‬والتحليلات‭ ‬ذات‭ ‬الصلة‭ ‬في‭ ‬وسائل‭ ‬النشر‭ ‬الرائجة،‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬نيويورك‭ ‬تايمز‮»‬،‭ ‬و‮«‬الجارديان‮»‬،‭ ‬ومجلة‭ ‬‮«‬فورين‭ ‬بوليسي‮»‬،‭ ‬‮«‬فورين‭ ‬آفيرز‮»‬،‭ ‬و«ذا‭ ‬إندبندنت‮»‬،‭ ‬و‮«‬فايناشيال‭ ‬تايمز‮»‬،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬صحف‭ ‬ومجلات‭ ‬أخرى‭ ‬كثيرة؛‭ ‬توفر‭ ‬للمسؤولين‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬السابقين‭ ‬مجموعة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬السبل‭ ‬لمواصلة‭ ‬التأثير‭ ‬على‭ ‬مسار‭ ‬الرأي‭ ‬العام،‭ ‬وصنع‭ ‬السياسات‭ ‬بشأن‭ ‬القضايا‭ ‬الدولية‭.‬

وفي‭ ‬سياق‭ ‬مماثل‭ ‬للتعليقات‭ ‬التي‭ ‬أبداها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬‮«‬ميللر‮»‬،‭ ‬و«كيرتزر‮»‬،‭ ‬فإنه‭ ‬عندما‭ ‬اقترحت‭ ‬رئيسة‭ ‬الوزراء‭ ‬البريطانية‭ -‬آنذاك‭- ‬‮«‬ليز‭ ‬تراس‮»‬‭ ‬نقل‭ ‬سفارة‭ ‬بلادها‭ ‬في‭ ‬إسرائيل‭ ‬من‭ ‬تل‭ ‬أبيب‭ ‬إلى‭ ‬القدس‭ -‬وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬الوضع‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬القائم‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭- ‬انتقد‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬والدبلوماسيين‭ ‬السابقين‭ ‬علنًا‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬وحذروا‭ ‬من‭ ‬تداعياتها‭. ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء‭ ‬السير‭ ‬‮«‬الان‭ ‬دنكان‮»‬،‭ ‬وزير‭ ‬الدولة‭ ‬السابق‭ ‬بالخارجية‭ ‬البريطانية،‭ ‬الذي‭ ‬وصف‭ ‬الاقتراح‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬طائش‭ ‬ويفتقد‭ ‬للمبادئ‭ ‬والقيم‮»‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬القنصل‭ ‬البريطاني‭ ‬العام‭ ‬السابق‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬القدس‭ ‬المحتلة‭ ‬‮«‬فينسنت‭ ‬فيين‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬نصح‭ ‬حكومته‭ ‬بأن‭ ‬بإمكان‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الخطوة‭ ‬‮«‬غير‭ ‬المبررة‮»‬،‭ ‬أن‭ ‬‮«‬تستعدي‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية،‭ ‬وتهدد‭ ‬موقف‭ ‬لندن‭ ‬المتعلق‭ ‬بالمفاوضات‭ ‬الجارية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إبرام‭ ‬اتفاق‭ ‬تجارة‭ ‬حرة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭. ‬

وبالفعل،‭ ‬كانت‭ ‬قوة‭ ‬الانتقادات‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬كبار‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬البريطانيين‭ ‬ذوي‭ ‬الخبرة‭ ‬العالية،‭ ‬مؤثرة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬التي‭ ‬تولاها‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬‮«‬ريشي‭ ‬سوناك‮»‬،‭ ‬والتي‭ ‬ألغت‭ ‬بدورها‭ ‬هذا‭ ‬الاقتراح؛‭ ‬مما‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬التأثير‭ ‬المتزايد‭ ‬والاحترام‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تحظى‭ ‬به‭ ‬نصائح‭ ‬الموظفين‭ ‬والدبلوماسيين‭ ‬السابقين‭ ‬في‭ ‬‮«‬مركز‭ ‬السلطة‭ ‬السياسية‭ ‬البريطانية‮»‬‭.‬

إلى‭ ‬جانب‭ ‬هذا،‭ ‬غالبًا‭ ‬ما‭ ‬يعمل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬السابقين‭ ‬كأكاديميين‭ ‬في‭ ‬جامعات‭ ‬رائدة،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أدوارهم‭ ‬كمستشارين‭ ‬حكوميين‭ ‬وكأعضاء‭ ‬في‭ ‬المعاهد‭ ‬البحثية‭. ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬اللورد‭ ‬‮«‬بيتر‭ ‬ريكيتس‮»‬،‭ ‬الذي‭ ‬عمل‭ ‬كدبلوماسي‭ ‬بريطاني‭ ‬لمدة‭ ‬40‭ ‬عامًا؛‭ ‬وشغل‭ ‬منصب‭ ‬الممثل‭ ‬الدائم‭ ‬لدى‭ ‬الناتو‭ (‬2003-2006‭)‬،‭ ‬ورئيس‭ ‬السلك‭ ‬الدبلوماسي‭ (‬2006-2010‭)‬،‭ ‬ومستشار‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ (‬2010-2012‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬سفيرًا‭ ‬لدى‭ ‬باريس‭ (‬2012-2016‭)‬،‭ ‬وهو‭ ‬الآن‭ ‬أستاذ‭ ‬زائر‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬‮«‬كينجز‭ ‬لندن‮»‬،‭ ‬متخصص‭ ‬في‭ ‬قضايا‭ ‬الصراع‭ ‬والأمن‭ ‬وإدارة‭ ‬الأزمات،‭ ‬وقد‭ ‬استفاد‭ ‬من‭ ‬خبرته‭ ‬بالشؤون‭ ‬الخارجية،‭ ‬جيل‭ ‬كامل‭ ‬من‭ ‬صانعي‭ ‬السياسات‭ ‬والدبلوماسيين‭.‬

وفي‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬معهد‭ ‬بحثي‭ ‬أو‭ ‬أكاديمي‭ ‬هو‭ ‬مسار‭ ‬مشترك‭ ‬للدبلوماسيين‭ ‬السابقين،‭ ‬فمن‭ ‬المهم‭ ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬إمكانية‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬المستويات‭ ‬العليا‭ ‬من‭ ‬المهام‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬والسياسية‭. ‬وربما‭ ‬تكون‭ ‬الحالة‭ ‬الأكثر‭ ‬شهرة‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬حالة‭ ‬مدير‭ ‬‮«‬وكالة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬المركزية‭ ‬الأمريكية‮»‬،‭ ‬‮«‬سي‭ ‬آي‭ ‬أيه‮»‬،‭ ‬الحالي‭ ‬‮«‬ويليام‭ ‬بيرنز‮»‬،‭ ‬فبعدما‭ ‬شغل‭ ‬مناصب‭ ‬دبلوماسية‭ ‬مرموقة‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬33‭ ‬عامًا‭ -‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬سفيرا‭ ‬لدى‭ ‬الأردن‭ ‬وروسيا،‭ ‬ونائب‭ ‬وزير‭ ‬خارجية‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬أوباما‭- ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬أيضًا‭ ‬رئيسًا‭ ‬لمؤسسة‭ ‬‮«‬كارنيجي‭ ‬للسلام‭ ‬الدولي‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬ظل‭ ‬بهذا‭ ‬المنصب‭ ‬حتى‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬حتى‭ ‬رشحه‭ ‬الرئيس‭ ‬‮«‬جو‭ ‬بايدن‮»‬،‭ ‬لمنصبه‭ ‬القيادي‭ ‬الحالي‭.‬

وبالمثل،‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬كان‭ ‬المستشار‭ ‬الحالي‭ ‬لشؤون‭ ‬الأمن‭ ‬القومي‭ ‬والسياسة‭ ‬الخارجية،‭ ‬السير‭ ‬‮«‬تيم‭ ‬بارو‮»‬،‭ ‬سفيرا‭ ‬لدى‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وموسكو،‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬ومندوبًا‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬بروكسل‭. ‬ونتيجة‭ ‬لذلك،‭ ‬ومن‭ ‬واقع‭ ‬تلك‭ ‬الخبرات‭ ‬والتجارب،‭ ‬اعتبر‭ ‬‮«‬بارو‮»‬‭ ‬في‭ ‬وضع‭ ‬جيد‭ ‬لتقديم‭ ‬أوجه‭ ‬المشورة‭ ‬إلى‭ ‬لندن،‭ ‬بشأن‭ ‬كيفية‭ ‬استجابتها‭ ‬للحرب‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬والتعامل‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬مع‭ ‬موسكو‭ ‬في‭ ‬الأيام‭ ‬القادمة،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬تكليفه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬‮«‬ريشي‭ ‬سوناك‮»‬‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2023،‭ ‬‮«‬بالتوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬بشأن‭ ‬بروتوكول‭ ‬أيرلندا‭ ‬الشمالية‮»‬‭. ‬ووفقًا‭ ‬لصحيفة‭ ‬‮«‬الإندبندنت‮»‬،‭ ‬فإنه‭ ‬استطاع‭ ‬استخدام‭ ‬‮«‬شبكة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الاتصالات‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬‮«‬تحقيق‭ ‬اختراق‮»‬‭ ‬في‭ ‬العقبات‭ ‬السياسية،‭ ‬التي‭ ‬عرقلت‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬والمملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬بعد‭ ‬‮«‬البريكست‮»‬‭.‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬نهاية‭ ‬العمل‭ ‬الدبلوماسي،‭ ‬لا‭ ‬يعني‭ ‬بأي‭ ‬حال‭ ‬من‭ ‬الأحوال‭ ‬عدم‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬خبرات‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الدبلوماسيين‭ ‬السابقين‭. ‬وبدلاً‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬المهارات‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬يمتلكونها،‭ ‬والخبرة‭ ‬التي‭ ‬اكتسبوها‭ ‬خلال‭ ‬سنوات‭ ‬عملهم‭ ‬تعد‭ ‬مفيدة‭ ‬للغاية‭ ‬للوزراء‭ ‬والمسؤولين‭ ‬الحاليين‭. ‬وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬جميع‭ ‬أوجه‭ ‬المشورة‭ ‬غير‭ ‬الرسمية،‭ ‬فإن‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬يعمل‭ ‬كأكاديميين‭ ‬وخبراء‭ ‬بارزين‭ ‬في‭ ‬معاهد‭ ‬بحثية‭ ‬كبرى‭. ‬ومن‭ ‬خلال‭ ‬القيام‭ ‬بذلك،‭ ‬فإنهم‭ ‬لا‭ ‬يؤثرون‭ ‬فحسب‭ ‬على‭ ‬سياسة‭ ‬حكومة‭ ‬ما‭ ‬بصورة‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشاركة‭ ‬آرائهم‭ ‬مع‭ ‬صانعي‭ ‬السياسات،‭ ‬ولكن‭ ‬بإمكانهم‭ ‬أيضًا‭ ‬التأثير‭ ‬في‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬فيما‭ ‬يجب‭ ‬أيضًا‭ ‬تأكيد‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لدى‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬المخضرم‭ ‬ثروة‭ ‬من‭ ‬المعرفة‭ ‬وخبرة‭ ‬تؤهله؛‭ ‬ليتم‭ ‬استدعاؤه‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬للقيام‭ ‬بأدوار‭ ‬دبلوماسية‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬خدمته؛‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬هناك‭ ‬ضرورة‭ ‬قصوى‭ ‬للاستفادة‭ ‬بالخبرات‭ ‬والكفاءات‭ ‬لأشخاص‭ ‬طالما‭ ‬أفنوا‭ ‬عمرهم‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬أفضل‭ ‬ما‭ ‬عندهم‭ ‬للارتقاء‭ ‬بمهام‭ ‬عملهم،‭ ‬حيث‭ ‬إن‭ ‬هؤلاء‭ ‬يحتاجون‭ ‬إلى‭ ‬نقل‭ ‬خبراتهم‭ ‬العملية‭ ‬التي‭ ‬مارسوها‭ ‬واكتسبوها‭ ‬خلال‭ ‬مرحلة‭ ‬العمل‭ ‬لكى‭ ‬يمكن‭ ‬الاستفادة‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬أخرى‭.‬

{ انتهى  }
bottom of page