13/01/2023
توقعات المخاطر والتهديدات العالمية في عام 2023
ترى صحيفة «الإيكونوميست» أن عام 2022، هو الذي «وضع العالم على المحك»؛ مع نشوب «الحرب الروسية الأوكرانية»، و«الاضطراب الاقتصادي العالمي»، و«تصاعد المنافسة الجيوسياسية بين القوى العظمى»، و«مشاكل انعدام الأمن الغذائي»، و«تفاقم أزمة المناخ»، والتي أسهمت جميعها في تداعي المشهد الأمني العالمي. وعليه، تمت الإشارة إلى هذه القضايا، باعتبارها «مؤثرة»، في الشؤون الخارجية لعام 2023، مع إشارة «المجلس الأطلسي»، أيضا إلى وجود «حرب أخرى تهز العالم، وتُعيد ترتيب أوروبا»، تتمثل في «أزمة الطاقة»، و«التضخم المتصاعد»، و«شبح الركود العالمي»، والتي تعد أكبر تحديات للعالم في الأشهر المقبلة.
وبالنسبة إلى الشرق الأوسط، شهدت المنطقة «اضطرابات كبيرة»، وحالة عدم يقين خلال عام 2022، مع إرث «جائحة كورونا»، و«التوترات حول تطلعات إيران النووية»، و«تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة»، و«التساؤلات حيال الدور الأمريكي مستقبلًا»، وما نتج عن ذلك من تقارب ملحوظ في العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الصين ودول الخليج.
وعند النظر لمستقبل المنطقة عام 2023، اعترف التحليل الغربي بالديناميكية، التي وصفها «بريان كاتوليس»، من «معهد الشرق الأوسط»، بـ«التحول المهم»، في مشاركة الولايات المتحدة في الجغرافيا السياسية والأمن في المنطقة. وسلط «ويليام ويشسلر»، من «المجلس الأطلسي»، الضوء على «الزخم الجديد» في «واشنطن»، لتسريع انسحابها من الشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن هذا التحول في السياسة، قد قوبل بتحرك محدود من قبل الشركاء والحلفاء الإقليميين.
ومع ذلك، رأى العديد من الخبراء الغربيين أن هناك فائدة استراتيجية لـ«واشنطن»، في الحفاظ على علاقات أمنية واقتصادية وثيقة مع دول المنطقة. وأوضح «جريجوري جوس»، في مجلة «فورين أفيرز»، أن المصالح الاقتصادية لواشنطن والرياض، «لا تزال متداخلة بشكل كبير»، بما في ذلك تحقيق الاستقرار في سوق الطاقة العالمية، ومواصلة التعاون في القضايا العسكرية والاستخباراتية»، لا سيما فيما يتعلق بالتهديدات الصادرة عن إيران، والجماعات الإرهابية. وبالمثل، أكد «كام بوركس»، في صحيفة «ذا هيل»، أن السعودية تقف كواحدة من «أكثر شركاء الولايات المتحدة الذين لا غنى عنهم» في الشرق الأوسط؛ بسبب «مركزيتها - جغرافيًا، سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا»، وهي العوامل التي تجعلها «في وضع فريد لتقديم المساعدة» لواشنطن في منافستها العالمية.
وفي هذا الصدد، تم التأكيد أيضًا على زيادة المنافسة بين القوى العظمى في الشرق الأوسط، باعتبارها من المرجح أن تكون ذات أهمية دائمة خلال عام 2023. وبيّن «روس هاريسون»، من «معهد الشرق الأوسط»، كيف أن عام 2022، هو الذي أعاد تكثيف التنافس بين الصين والولايات المتحدة؛ وبالتالي، حث المسؤولين في الأخيرة على استيعاب قبول أن المنطقة، قد تغيرت عن شكلها الجيوسياسي السابق، مع احتمال متزايد أن القوى الإقليمية، مثل دول الخليج، ستطالب بأن يكون لها دور في كيفية تطور المنطقة في المستقبل».
يُضاف إلى العوامل السابقة، احتمال تصاعد التوترات بين إيران وجيرانها والغرب، بشأن طموحاتها النووية. واعتبر «ماثيو كرونيغ»، من «المجلس الأطلسي»، أن خطر تحول إيران إلى «قوة نووية»، يبدو «كبيرا»، لدرجة أنه يجب اعتبارها ثاني أكبر خطر في العالم في عام 2023، حيث يرى أنه «من المرجح أن تتجاوز نقطة اللاعودة»، فيما يتعلق بطموحاتها النووية، مشيرًا إلى كيفية «توقف» محادثات فيينا، وهو ما يعني أن اختراقًا دبلوماسيًا لوقف برنامجها النووي، «يبدو الآن أمرا غير قابل للتصديق».
وفي هذا الشأن، يرى «كومفورت إيرو»، و«ريتشارد أتوود»، من «مجموعة الأزمات الدولية»، أن العلاقات بين إيران والغرب، تزداد «توترا»، بشكل خاص عندما تكون الآمال في كبح جماح طهران النووية، «شبه معدومة»، مشيرين إلى أكتوبر 2023، على أنه «شعاع نور» محتمل في هذا الصدد، مع انتهاء عقوبات الأمم المتحدة على الصواريخ الباليستية الإيرانية، وترك «الخيار الوحيد» للغرب لمنع انتشار الأسلحة الإيرانية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وفرض عقوبات سريعة؛ وهي الخطوة التي يتوقعون أن ترد عليها طهران بتخليها عن معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية.
وفي ظل توقعات بحدوث مواجهة مستقبلية بشأن الإجراءات النووية الإيرانية؛ أكد «كروينيغ»، «أننا سننظر إلى عام 2023، باعتباره العام الذي فشلت فيه الولايات المتحدة، والجهود الدولية في ثني «طهران»، عن امتلاك «قنبلة نووية». وبعيدًا عن هذه المسألة، أشار «جيمس ليندسي»، من «مجلس العلاقات الخارجية»، إلى مخاوف «واشنطن»، من أن طهران، «قد تحاول صرف الانتباه عن مشاكلها الداخلية من خلال التصرف بشكل مؤذي أكثر في الخارج».
من ناحية أخرى، فإنه مع استشهاد 225 فلسطينيًا في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال عام 2022، وتشكيل حكومة إسرائيلية يمينية جديدة بقيادة «بنيامين نتنياهو»، تضم شخصيات متطرفة بارزة في مناصب أمنية رئيسية، فليس من المفاجئ أن تزداد التوقعات بتصاعد التوترات والعنف في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومع ملاحظة «بيثان ماكيرنان»، في صحيفة «الجارديان»، أن الأعضاء الرئيسيين في الحكومة الجديدة، «سيحرصون على توسيع المستوطنات غير القانونية في الأراضي الفلسطينية، والتدخل «لتغيير الوضع الراهن»، في الأماكن المقدسة بالقدس؛ أكد «نمرود غورين» من «معهد الشرق الأوسط»، أن المزيد من التصعيد من بين «السيناريوهات المحتملة لعام 2023».
وفي ظل هذا الوضع، سيظل سؤال «كيف سيحاول الغرب تهدئة التوترات»، بلا إجابة، لاسيما، وقد ذكرت شبكة «سي إن إن»، أنه لا يزال غير معروف «كيف ستعمل إدارة بايدن مع الحكومة الإسرائيلية، وما إذا كانت ستتفاعل حتى مع «الوزراء المثيرين للجدل»، مثل وزير الأمن القومي «ايتمار بن غفير».
وعند النظر من منظور عالمي أوسع نطاقًا، أشار المحللون الغربيون إلى ثلاث قضايا رئيسية لعام 2023؛ هي «الحرب الأوكرانية الروسية»، و«احتمال حدوث ركود اقتصادي عالمي»، و«التأثيرات المتفاقمة لتغير المناخ». وبشكل خاص، تمت الإشارة إلى أن الحرب التي تقترب من الذكرى السنوية الأولى لها، وضعت كلا الجانبين الآن في مأزق خلال فصل الشتاء الراهن. ويقف هذا المأزق في تناقض صارخ مع التوقعات الأولية بتحقيق انتصار روسي سريع في ربيع عام 2022. وكما أشار «ليندسي»، فإنه بحلول نهاية عام 2022، لم يكن الأوكرانيون قد «صدوا الهجوم الروسي فحسب»، لكن أيضًا «أصبح لهم اليد العليا في القتال». وعلى الرغم من بعض التفاؤل الغربي الناتج عن انتصار أوكرانيا، إلا أن «إيرو»، و«أتوود»، حذرا من أن الحرب، «لم تنته بعد».
وعليه، من المرجح أن تتغير الصورة الاستراتيجية مرة أخرى خلال عام 2023، متأثرة بالعوامل الخارجية. وأشار «يورن فليك»، من «المجلس الأطلسي»، إلى أن «بوتين»، يمارس سياسة النفس الطويل مع أوروبا»، وأنه «لا يزال بإمكانه الانتصار»، إذا تعثر التماسك الأوروبي. وفي هذا الصدد، أشار «جون هيربست»، من «المجلس الأطلسي»، إلى أنه إذا اكتسب «السياسيون الشعبويون اليمينيون»، نفوذًا سياسيًا أكبر في واشنطن، فهناك احتمال قوي بأن المساعدة الأمريكية لأوكرانيا يمكن أن تتراجع بشكل كبير.
ومع ذلك، يمكن الجزم أنه إذا استمرت المساعدة الغربية والإرادة الأوكرانية القوية، فإن «كروينيغ»، يرى أن «الاحتمال الذي لا يمكن تصوره» في السابق، وهو نصر أوكراني، سيكون «أمرا ممكنا»، حيث إن مثل هذه النتيجة، ستمثل «نجاحًا هائلاً للقيادة الأمريكية في القارة الأوروبية، ولمستقبل الولايات المتحدة»، في ظل النظام الدولي القائم على القواعد».
وعلى الرغم من ذلك، تظل حقيقة واحدة على أرض الواقع، مفادها أن فرص أي من الجانبين لتحقيق اختراق للجمود، «تبدو ضئيلة»، خاصة مع إشارة «ليندسي»، إلى أن الربيع يعد أقرب فرصة يتعين على أي من الطرفين استغلالها لتغيير الصورة الاستراتيجية لهذه الحرب، فإذا لم يحدث ذلك، فقد أكد على تحذيراته من تعرض العالم لمزيد من «تداعيات الحرب الكارثية خلال السنوات القادمة».
وبكل المقاييس، يرتبط وضع النظام المالي العالمي، «ارتباطًا مباشرًا»، بمسار الحرب الأوكرانية خلال عام 2023. ويتوقع «صندوق النقد الدولي»، أن نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي، قد ينخفض من 3,2% في 2022، إلى 2,7% العام الحالي. وشدد الخبراء على توخي الحذر بشأن الآفاق الاقتصادية المحبطة في الاقتصادات الرئيسية والنامية على حد سواء، لاسيما مع تأكيد «ماثيو جودمان»، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، أن الازدهار الاقتصادي العالمي في مرحلة ما بعد كورونا، بدأ «يتلاشى في الاقتصادات الكبرى.
بالإضافة إلى ذلك، من المقرر أيضًا أن تشكل ظاهرة «تغير المناخ»، و«الاحترار العالمي»؛ مخاطر غير مسبوقة في عام 2023، مع تأكيدات «منظمة الأرصاد الجوية العالمية»، أن عام 2022، كان من بين السنوات الخمس الأكثر سخونة على الإطلاق على كوكب الأرض. وأوضحت «كاثي ماكليود»، من «المجلس الأطلسي»، أن «تعثر آليات التكيف مع عواقب الظواهر المناخية»، والتي تهدد بتقليص الجهود العالمية لخفض الانبعاثات، قد تكون التهديد العالمي الأكبر في عام 2023.
وفي هذا الصدد، أشارت «ماكليود»، إلى «الاحتمال القوي بأن يكون هناك تركيز بشأن التكيف مع تلك العواقب المناخية»، ما زال «غير مؤكد»، مما ينتج عنه نوايا غير مقصودة للتراجع عن التخفيف من تداعيات تغير المناخ». وسلطت «لجنة الإنقاذ الدولية»، الضوء على مخاطر عدم كفاية الإجراءات العالمية في هذا الصدد، حيث سجلت تزايد عدد الأشخاص، الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية؛ بسبب تغيرات المناخ، مثل الجفاف، والفيضانات، وأنماط الطقس القاسية الأخرى من 81 مليونًا في عام 2014، إلى ما يقرب من 340 مليونًا بنهاية عام 2022.
وعلى الرغم من أن التحليلات الغربيين قد سلطت الضوء على العديد من المخاطر الأمنية والسياسية والاقتصادية العالمية مع حلول عام 2023، فإنه من الضروري التأكيد على كيفية وجود سبل لطرح «حلول إيجابية». وبينما لا تبدو حرب أوكرانيا قريبة من انتهائها، فقد شهدت الأشهر الأخيرة، وضع الأسس للطرق الدبلوماسية المستقبلية لاستخدامها حال تسويتها. وبالمثل، تم تعزيز العمل الدولي، بشأن ظاهرة «تغير المناخ»، و«معالجة تهديدات الأمن الغذائي، خلال العام الماضي، وإن كان ذلك مع التحذير من أنه سيكون هناك حاجة إلى المزيد لمعالجة الأسباب الكامنة لتلك المخاطر على المستوى العالمي».
وبالنسبة للشرق الأوسط، فإنه خلال 2023، أوضح «كاتوليس»، أن «إدارة بايدن»، ستستمر في مواجهة التحدي المتمثل في موازنة مشاركتها الإقليمية مع قائمة متزايدة من أولويات السياسة الخارجية الأخرى، بما في ذلك «الاضطرابات الإقليمية المنبثقة من إيران»، والانتهاكات الإسرائيلية المستمرة في الأراضي الفلسطينية، والنزاعات الدائرة في سوريا واليمن وهو ما يتطلب اهتمامًا كبيرًا بتسويتها.
على العموم، تبدو التوقعات المتشائمة بين المحللين والخبراء الغربيين، «نتاجا طبيعيا»، لأحداث عام 2022، وأبرزها الحرب الأوكرانية، والانكماش الاقتصادي العالمي، الذي حدث في أعقابها. ومع الأخذ في الاعتبار هذه التجارب الصعبة، خلص «إيرو»، و«أتوود»، إلى أنه في حين أن «الإجابات» على العديد من الأسئلة خلال عام 2023، قد «تبدو بعيدة الاحتمال»، في ضوء الصدمات والدروس المستفادة من في عام 2022، فسيكون من «الصعب رفض ما لا يمكن تصوره» خلال العام الجديد.