11/01/2023
مستقبل الحكومة الأسرائيلية الجديدة
شهد عام 2022، «تصاعدًا خطيرًا»، للتوترات والعنف في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي شملت «سلسلة اشتباكات في القدس»، و«استشهاد الصحفية «شيرين أبو عاقلة»، و«عمليات إجلاء قسري واسعة النطاق للفلسطينيين لصالح مستوطنين يهود غير شرعيين»، و«ارتفاع حاد في عدد الشهداء الفلسطينيين على أيدي قوات الأمن الإسرائيلية إلى (146) شهيدا»، وهو ما يمثل تقريبًا ضعف رقم عام 2021؛ بما يجعل هذا العام هو الأكثر دموية منذ 2005؛ وفي ظل هذا المشهد، لا يُمكن القول إن عام 2023، يمنح أي تفاؤل باحتمالية تحسن الوضع.
وبهذا المعنى، تم تقويض دعوات أواخر عام 2022، من قِبل «تور وينيسلاند»، المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط؛ بشأن «حاجة ملحة لتهدئة التوترات بشدة»، بعدما أُعلن عن تشكيل حكومة ائتلافية إسرائيلية يمينية متطرفة، تبوأ فيها مناصب أمنية رئيسية، «قوميون متطرفون»، لطالما انتهجوا وجهات نظر معادية للعرب والفلسطينيين، والذين هم الآن على استعداد لسن سياسات تدعم نهجهم العدواني، مما يعزز فرص اليمين الإسرائيلي المتطرف في زيادة تدهور الأمن الإقليمي.
وبينما أشار رئيس الوزراء، «بنيامين نتنياهو»، إلى أنه «سيضع يديه بقوة على مقاليد القيادة»، للحكومة؛ رأى «بن لينفيلد»، في صحيفة «الجارديان»، أن حكومته «من المرجح أن تفتح الباب أمام سياسات قومية متطرفة من قبل السياسيين الساعين إلى تطرف الدولة، ضد الفلسطينيين في كل من إسرائيل والأراضي المحتلة.وأرجع موقع «ميدل إيست آي»، المحددات الرئيسية لكيفية وصول الأحداث إلى تلك الصورة؛ إلى دور الأحزاب اليمينية المتطرفة، والتي كانت بمثابة «صانعة الملوك»، لإحياء مستقبل نتنياهو السياسي.
ومع فوز «حزب الليكود»، بـ32 مقعدًا في الانتخابات البرلمانية في نوفمبر الماضي، كان دعم حزب «الصهيونية الدينية»، «أمرًا حاسمًا»، في تشكيله للحكومة. ومع ذلك، فإن مثل هذا التحالف السياسي، يوفر بشكل طبيعي لهذه الكتلة القومية المتطرفة، «نفوذًا تشريعيًا كبيرًا»، مما دفع «روس باركان»، في مجلة «نيويورك»، إلى استنكار أنه لا يوجد الآن «وجود معتدل» في الحكومة الإسرائيلية الأكثر يمينًا.
ويُعد من أكثر القوميين المتطرفين «نفوذاً»، الذين يضغطون على «نتنياهو»، ويسعون للتأثير على السياسة الأمنية، هما «بتسلئيل سموتريتش»، و«إيتمار بن غفير»، وكلاهما من قادة الصهيونية الدينية. ووصف «لينفيلد»، الأخير، كوزير للأمن القومي، بأنه «أخطر سياسي في البلاد»، ومن المقرر أن يسعى إلى انتزاع حرس الحدود، ليكون تحت قيادته الشخصية المباشرة. ووفقًا لصحيفة «فاينانشيال تايمز»، فإن وزير المالية الجديد، «سموتريتش»، يُشبه «بن غفير»، حيث إنه «مؤيد قوي لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية»، وكلاهما سيدفعان بنشاط من أجل التوسع الاستيطاني في الأراضي المحتلة، وما يصاحب ذلك من تهميش للفلسطينيين من الناحية القانونية والسياسية.
من ناحية أخرى، تضيف آفاق القيادة لنتنياهو -والتي لا تزال تشوبها مشاكل قانونية ناجمة عن مزاعم بالفساد- بعدا آخر لعدم الارتياح حول المستقبل السياسي لإسرائيل. وأشارت «إيزابيل ديبري»، و«جوزيف فيدرمان»، من وكالة «أسوشييتد برس»، إلى كيفية قيامه منذ ذلك الحين «بحملة ضد نظام العدالة»؛ لتجنب إدانته. ويرى «يائير روزنبرغ»، في مجلة «ذي أتلاتنيك»، أنه في محادثات الائتلاف، «اختار اليمين المتطرف؛ لأنهم كانوا الوحيدين المستعدين للتوقيع على تشريع لإلغاء محاكمته بشأن الفساد»؛ مما يعني أن القضية الفلسطينية في نهاية المطاف، كانت مرهونة بمصلحة نتنياهو الذاتية.
وكدليل على مدى خطورة ذلك، وضعت التيارات اليمينية المتطرفة أنظارها، بالفعل على تغييرات شاملة في القانون والقضاء الإسرائيليين. وأشارت «ديبري»، و«فيدرمان»، إلى أن الحكومة الجديدة، أدخلت بالفعل «تغييرًا وعدت به منذ فترة طويلة للنظام القضائي؛ مما يؤدي إلى إضعاف المحكمة العليا في البلاد»، و«تقويض» المؤسسات الديمقراطية»، من خلال منح الحكومة «سلطات مُطلقة».
وعلى حد وصف «كونور إيكولز»، من «معهد كوينسي»، فإن تقلد القوميين المتطرفين «مناصب عليا» في الحكومة الإسرائيلية، «يُقوض رئيس وزرائها نفسه، ويجعله عرضة لمطالب الشركاء في الائتلاف»، مما يسهل بالتالي «تصعيد السياسات القمعية في القدس والضفة الغربية»، ضد الفلسطينيين. ولابد هنا من تسجيل أن مثل هذه المخاوف قد تحققت «فعليًا»، عقب أيام قليلة من ولايته. فمن بين سلسلة من الخطابات والأفعال التحريضية الفورية، أشارت «إيزابيل كيرشنر»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، إلى أن زيارة «بن غفير»، للأماكن المقدسة في القدس، كانت «استفزازية» عمدًا للفلسطينيين، وأثارت مقارنات بالزيارة السابقة لأرييل شارون عام 2000، والتي أدت إلى اندلاع الانتفاضة الثانية، وبالتالي كانت بمثابة «مؤشر مبكر» على الآفاق المُفزعة للتوترات والعنف في العام الجاري.
وبالفعل، أعلنت الحكومة الجديدة عن خطط لطرد 1000 فلسطيني من منطقة «مسافر يطا»، جنوب غرب الضفة الغربية، وهي خطوة اعتبرتها منظمة «بتسيلم» الإسرائيلية لحقوق الإنسان: «جريمة حرب»، تعتمد على «التهديد العنيف الذي يترك السكان بلا خيار». وعلى صعيد الخطاب العدواني، انعكست المشاعر اليمينية المتطرفة المعادية للفلسطينيين من قبل المشرعين الإسرائيليين على لسان «زفيكا فوغل»، من حزب القوة اليهودية، الذي دعا إلى إخضاع الفلسطينيين «مرة واحدة وإلى الأبد»، في «حرب نهائية».
وفي ضوء هذه الديناميكيات، أشار المعلقون الغربيون إلى أن هذه الانتهاكات والاستفزازات، ستكون محصلتها النهائية، «التدهور المحتمل للوضع الأمني الهش في إسرائيل، والأراضي المحتلة عام 2023». ومن بين التحليلات الغربية، هناك اعتراف واسع، بأن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة هم من سيتحملون وطأة آثار التصعيد الإسرائيلي.
وعليه، كتب «توم بيتمان»، من وكالة «بي بي سي»، أن الفلسطينيين «معرضون بشكل متزايد»، لهجمات المستوطنين والجنود الإسرائيليين منذ انتخابات نوفمبر الماضية. وتوقع «باركان»، أن يكون هناك «مستقبل أكثر قتامة»، لهم في الضفة الغربية. وحذر «ألوف بن»، في صحيفة «هآرتس»، من أن الإجراءات المستقبلية للحكومة الإسرائيلية من المقرر أن «تجعل الوضع الرهيب أكثر سوءًا». ولا يخفى أن التوتر قد انعكس في حقيقة أنه بعد مرور 5 أيام فقط منذ بداية العام الجديد، استشهد أربعة فلسطينيين على أيدي قوات الأمن الإسرائيلية، وآخر تلك الضحايا وفاة طفل يبلغ من العمر 16 عامًا خلال مداهمة في مدينة نابلس.
وفي حين أن الفلسطينيين سيعانون من تصاعد وتيرة العنف؛ يجب أيضًا ملاحظة أن تصعيد الخطاب العدائي والإجراءات المتشددة من قبل السياسيين الإسرائيليين، تهدد أيضًا «أمن إسرائيل»، وهو الأمر الذي أبرزته التحذيرات العديدة من قبل العسكريين الحاليين والسابقين. وذكرت صحيفة «فاينانشيال تايمز»، أن التدخل الواضح لرئيس هيئة الأركان العامة لجيش الدفاع، «أفيف كوخافي»، ضد التغييرات المقترحة في إدارة قوات الحدود، «أكد مدى القلق حيال احتمالات تصعيد التوترات، التي وصلت الآن إلى أعلى الرتب العسكرية». كما انتقد مستشار الأمن القومي السابق، «جيورا إيلاند»، مسألة أن تُدار السياسة «عبر محادثات ائتلافية، تفتقد لآليات التخطيط الاستراتيجي الجاد». فيما وصف وزير الدفاع السابق «بيني غانتس»، أنه من المتوقع أن تضر سياسات الائتلاف الجديد باستقرار الضفة الغربية.
وعلى الصعيد الدولي، أشارت «كيرشنر»، إلى أن سياسات إسرائيل القمعية المتزايدة في الأراضي المحتلة «يمكن أن يكون لها أيضًا تداعيات كبيرة»، على علاقاتها مع الدول العربية التي قامت بتطبيع العلاقات معها، لتصرفات «بن غفير»، الأخيرة المثيرة للاحتقان. وفي ضوء ذلك، رأت صحيفة «الجارديان»، أن انصياع «نتنياهو»، لشركائه في الائتلاف، سيشرعن البؤر الاستيطانية العشوائية غير قانونية حتى من قبل الحكومة الإسرائيلية ذاتها»، وهو الأمر الذي سيوفر «سببا جديدًا»، يدفع المحللين لمقارنة السياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية، بنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا».
ومع ذلك، يجب التأكيد على أنه «لا يزال هناك نقص في المساءلة الدولية ضد الانتهاكات في الأراضي المحتلة». وفي أعقاب تشكيل الحكومة اليمينية المتطرفة والاستفزازات من قبل كبار مسؤوليها؛ أكد وزير الخارجية الأمريكي، «أنتوني بلينكين»، معارضة إدارته الشديدة لـ«أي أعمال من شأنها تقويض آفاق حل الدولتين». في حين أن السفير الأمريكي لدى إسرائيل، «توم نيدز»، وصف تصرفات «بن غفير»، بأنها «غير مقبولة»؛ إلا إصراره على أن «واشنطن»، ترغب فقط في «الحفاظ على الوضع الراهن» -بدلاً من الرغبة الحقيقية في التأثير على التغييرات التي تشهدها السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين- يعتبر «مؤشرا»، على عدم وجود «جهد منسق» لتوفير تأثير خارجي إيجابي للحد من التوترات عبر أية محادثات قد تجريها بلاده. وعليه، انتقد «ألوف بن»، الدول الغربية؛ لأنها لم تقدم سوى القليل من «الانتقادات الشكلية» للسياسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.
واستمرارًا، رأى «باركان»، أنه إذا كانت إسرائيل، ستقدم أي حقوق للفلسطينيين، بما في ذلك احترام «حل الدولتين»، فيجب على واشنطن، أن تعمل «كعنصر ضغط خارجي، يفرض هذا التغيير على أرض الواقع». وفي إشارة إلى الكيفية التي يضمن بها الدعم الأمريكي، «بقاء إسرائيل»، أعرب الباحث عن أسفه لعدم قيام أي حكومة سابقة باستخدام «نفوذها على إسرائيل»، لإحداث تغيير إيجابي في عملية السلام، حيث لم يوجه الرئيس «جو بايدن»، «أي نوع من آليات الردع»، ضد استمرار الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين منذ تنصيبه في يناير 2021.
ومع ذلك، كانت هناك دعوات لاتخاذ بعض الإجراءات الدولية لمحاسبة إسرائيل في «الأمم المتحدة». وأوضحت «كيرشنر»، أن «الجمعية العامة»، وافقت مؤخرًا على قرار «يطالب محكمة العدل الدولية بالتدخل وإبداء رأيها، بشأن الاحتلال الإسرائيلي، وحالة الصراع الراهنة». وأشار «نمرود غورين»، من «معهد الشرق الأوسط»، إلى أنه في حين أن هذا الأمر يعكس عدم قناعة المجتمع الدولي ككل بـ«الرواية الإسرائيلية» حول مبررات استمرار انتهاكاتها للأراضي الفلسطينية، فقد أكد أن أي قرار من تلك المؤسسة الدولية، لن يمثل «بطبيعته أية عواقب تطال»، حكومة نتنياهو، لا سيما وأن العديد من الدول لا يعتبر القضية الفلسطينية ذات «أولوية قصوى على جدول الأعمال الدولي».
وفي ضوء ذلك، فإن الدور الذي أبدته الدول الغربية، مثل «الولايات المتحدة»، ليس بالسابقة الملحوظة، فمع استشهاد «غورين»، أن تصويت «واشنطن»، لدعم إسرائيل في الأمم المتحدة، «يمثل استمرارية» في تبني موقفها الدبلوماسي المعتاد؛ فإن أي تغيير مستقبلي في سياستها تجاه التعامل مع الحكومة اليمينية الجديدة، «من غير المرجح أن ينعكس في أنماط التصويت داخل الأمم المتحدة».
على العموم، تظل توقعات تسوية القضية الفلسطينية في عام 2023، «قاتمة»، لا سيما أن احتمالات حدوث مزيد من التدهور حاضرة بقوة، حيث إن الوجود البارز للقوميين المتطرفين في الحكومة الإسرائيلية والنفوذ السياسي لدى رئيس الوزراء، قد تُرجم بالفعل إلى سياسات من شأنها الانتقاص من حقوق الفلسطينيين من خلال تدابير التوسع الاستيطاني، والتغييرات القضائية. وعليه، رأى «باركان»، أنه بات من المستحيل احتمالية «حل الدولتين»، في الوقت الراهن، كما أشارت مجلة «الإيكونوميست»، إلى أن الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة كان لها تأثير على «تدمير» الآمال المتبقية»، لدى «الفلسطينيين، فيما يتعلق بالحصول على دولة مستقلة في المستقبل القريب.
وفي الوقت نفسه، يتضح أن ما تشهده إسرائيل من تغييرات سياسية وقانونية، تلحق أضرارًا جسيمة بسيادة القانون، وهو ما دفع «ألوف بن»، إلى استنتاج أنها تدخل الآن «مرحلة جديدة تجعلها أشبه بالدول الاستبدادية»، فضلا عن تشبيهه لـ«نتنياهو»، بالرئيس المجري «فيكتور أوربان»، حيث عمل على «تحييد القضاء، وفرض سيطرته على وسائل الإعلام، وجعل من المستحيل على الإسرائيليين التصويت ضده للخروج من السلطة».