06/12/2022
الاقتصاد البحريني على طريق الاستقرار المالي
قبل أن ينصرم شهر نوفمبر2022، عدلت وكالة "استاندرد أند بورز»، للتصنيفات الائتمانية، النظرة المستقبلية لمملكة البحرين، من "مستقرة»، إلى "إيجابية»، بفضل تحسن المسار المالي، وأكدت تقييمي B/B+، وقالت إنها تتوقع أن تواصل الحكومة الإصلاحات المالية لتقليص عجز الميزانية.
ودلالة هذا التصنيف، أن الاقتصاد البحريني الذي كانت قطاعات حيوية فيه، كالطاقة والسياحة قد تأثرت – كغيرها في شتى بقاع العالم – جراء جائحة كورونا، قد وضع أقدامه على طريق التعافي، كما تعني تمتعه بدرجة عالية من المرونة، مكنته من استيعاب الصدمات الخارجية، التي تأثرت بها كل بلاد العالم، وفي مقدمتها خلل سلاسل التوريد، وتداعيات الحرب الأوكرانية.
وخلال الربع الثاني لعام 2022، كان الاقتصاد البحريني، قد حقق نموًا بنسبة 6,95% بالأسعار الثابتة، و22,9% بالأسعار الجارية، متجاوزًا بذلك مثيله في 2019 – العام الذي سبق تفشي جائحة كورونا– ويعد هذا المعدل هو الأعلى منذ عام 2011. وتصدر الإنجاز؛ قطاع الفنادق والمطاعم، الذي سجل معدل نمو حقيقي بلغ 18,13%، وحل في المركز الثاني، قطاع المواصلات والاتصالات بنسبة 15,1%، وفي المركز الثالث قطاع الصناعات التحويلية 7,63%، يليه قطاع التجارة 7,50%، ثم قطاع الخدمات الحكومية 7,1%.
ويرجع تصدر قطاع السياحة، إلى الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لتنشيط هذا القطاع، والتي من بينها؛ إطلاق الإقامة الذهبية في فبراير، لجذب المقيمين والمستثمرين والموهوبين، ما أسفر عن تسجيل الإيرادات السياحية 330,4 مليون دينار، خلال الربع الثاني، مع ارتفاع في عدد السياح بنسبة 38%. وإجمالاً، حقق القطاع غير النفطي خلال الربع الثاني، نموًا بنسبة 9,05% على أساس سنوي، في مقابل انكماش القطاع النفطي بنسبة 2,2% على نفس الأساس، بحسب بيانات "وزارة المالية والاقتصاد الوطني»؛ نتيجة انخفاض كميات النفط المنتجة؛ بسبب أعمال الصيانة في حقل البحرين، وإن كان هذا القطاع، قد حقق بالأسعار الجارية، نموًا بنسبة 51,7%، مدعومًا بارتفاع أسعار النفط عالميًا.
ومقارنة بالربع الأول، تزايدت وتيرة نمو الاقتصاد البحريني، حيث نما بنسبة 5,5% في الربع الأول من عام 2022، فيما سجل القطاع غير النفطي نموًا بلغ 7,8%. وكان الاقتصاد البحريني قد سجل معدل نمو 4,29% في الربع الأخير من عام 2021. وعلى مستوى هذا العام ككل بلغت نسبة النمو 2,2%، فيما تتوقع "وزارة المالية والاقتصاد الوطني»، نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 4,1% لعام 2022، حيث يشهد هذا العام تنفيذ خمس استراتيجيات في خطة التعافي الاقتصادي، التي تم إعلانها في أواخر أكتوبر2021، والتي تمحورت حول أولويات فرص عمل واعدة، لجعل المواطن الخيار الأول لسوق العمل، وتسهيل الإجراءات التجارية، وزيادة جاذبية المملكة لاستقطاب الاستثمارات، وتنفيذ المشاريع التنموية الكبرى.
وكما فعلت دول مجلس التعاون الخليجي للحد من تأثير الأوضاع العالمية على اقتصاداتها، واستمرار معدلات النمو الاقتصادي في الانتعاش، وفي خطوة لاحتواء التضخم نتيجة التطورات العالمية؛ قامت البنوك المركزية في دول المجلس، برفع أسعار الفائدة، متجاوزة 2,25% منذ بداية 2022 حتى نهاية الربع الثاني، استجابة لقرار "مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي»، واتساقًا مع أهدافها في المحافظة على الاستقرار النقدي والمالي، فيما توقع "صندوق النقد الدولي»، أن تنمو اقتصادات دول الخليج بنسبة 6,4% في 2022.
وبشكل أساسي، يرجع ذلك النمو الكبير إلى زيادة إنتاج النفط، وارتفاع أسعاره والأداء القوي للقطاعات غير النفطية. وتوقعت "وزارة المالية والاقتصاد الوطني»، نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4,1% لعام 2022، فيما كانت هذه النسبة 2,2 في 2021، و– 4,9 عام 2020، فيما تبلغ نسبة النمو المتوقعة -بحسب نفس المصدر – بالأسعار الجارية 14,8% في 2022، مقابل 11,9 في 2021، و– 10,2 في عام 2020، وقد أقامت هذه التقديرات على أساس توقع معدل سعر برميل النفط 104,2 دولارات للبرميل في 2022، مقابل 70,9 دولارا في 2021، و41,7 دولارا في عام2020.
وتعد نسبة النمو المتوقعة للاقتصاد البحريني في عام 2022، "جيدة»، مقارنة بتوقعات "صندوق النقد الدولي»، في يوليو للاقتصاد العالمي، حيث قدر الأخير نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 3,2 لعام 2022، بينما كانت في تقديراته في أبريل 3,4%. وجاء خفض التوقعات نتيجة المخاطر المترتبة، جراء ارتفاع مستويات التضخم عالميًا، والحرب الأوكرانية. فيما تراجع الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة 0,6% خلال الربع الثاني، وحقق معدل النمو في منطقة اليورو ارتفاعا بنسبة 0,8%، وبلغ معدل نمو الاقتصاد الصيني 0,4%. وفيما بلغ معدل التضخم في الاقتصاد البحريني 3,2%، فقد بلغ هذا المعدل 9,1% في الولايات المتحدة -وهو أعلى معدل لها منذ 40 عاما – وقفز في الاتحاد الأوروبي بنسبة 8,6%.
ولعل من المؤشرات التي دعمت نمو الاقتصاد البحريني:
- تحقيق بعض الشركات الصناعية الكبرى نموًا كبيرًا في كميات إنتاجها، فارتفع إنتاج مصفاة البحرين بنسبة 40,8%، وشركة غاز البحرين الوطنية بنسبة 9,7%، وشركة ألبا بنسبة 1,2%.
- ارتفاع قيمة عمليات نقاط البيع والتجارة الإلكترونية بنسبة 44,7%، وارتفاع أعداد السجلات التجارية الجديدة للشركات بنسبة 29,2%، وأعداد الشاحنات الواردة والصادرة على جسر الملك فهد بنسبة 2,4%.
- ارتفاع أعداد المعاملات العقارية المسجلة لدى جهاز المساحة والتسجيل العقاري بنسبة 1,9%.
- نمو الودائع من غير المصارف بنسبة 11,7%، والقيمة الإجمالية للقروض والتسهيلات من مصارف التجزئة بنسبة 5,8%، وسجلت الميزانية الموحدة للقطاع المصرفي ارتفاعًا بنسبة 5,6%.
- تزايد القيمة الإجمالية لمعاملات نظام تحويل الأموال إلكترونيًا (فوري وفوري+ وفواتير) بنسبة 31,5%.
وعلى طريق الاستقرار المالي، وتجنيب الاقتصاد البحريني الصدمات النفطية، فقد بينت نتائج الربع الثاني لعام 2022، أن مساهمة القطاعات الاقتصادية غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، قد بلغت 82,9% بالأسعار الثابتة. وشكل قطاع المشروعات المالية النسبة الأكبر مسجلاً 16,9%، وجاء كل من قطاع الصناعات التحويلية، والخدمات الحكومية بنسبة 13,9% لكل منهما، ثم البناء والتشييد 7,1%، فالمواصلات والاتصالات 6,4%.
علاوة على ذلك، بلغ إسهام القطاع النفطي 17,1%، وبلغ متوسط إنتاج حقل أبو سعفة حوالي 155 ألف برميل يوميًا مرتفعًا بنسبة 13,7% مقارنة بالربع الأول، وبلغ المتوسط اليومي لإنتاج حقل البحرين نحو 39,4 ألف برميل، متراجعًا على أساس فصلي بنسبة 0,7%، وبلغ إنتاج الغاز الطبيعي والغاز المصاحب 239,423 مليون قدم مكعب الربع الثاني لعام 2022، بزيادة 3,1% عن مثيلاتها خلال الفترة ذاتها في 2021. وعلى طريق تنفيذ المشاريع الاستراتيجية للقطاع النفطي، بلغت نسبة الإنجاز في مشروع تحديث مصفاة نفط البحرين حوالي 85,2% بنهاية شهر يوليو 2022، فيما يخطط لتحقيق الإنجاز الكامل للمشروع خلال العام القادم.
من ناحية أخرى، أسهم "برنامج التنمية الخليجي»، في تعزيز خطى المملكة على طريق الاستقرار المالي، من حيث تمويله العديد من المشاريع التنموية، خاصة مشاريع قطاع الإسكان، والبنية التحتية الأساسية من طرق وكهرباء وماء وصرف صحي ومواصلات، وخدمات اجتماعية متمثلة في التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية والشباب والرياضة، إضافة إلى أعمال تطوير مطار البحرين الدولي. وخلال الربع الثاني من عام 2022 تم ترسية مشاريع بقيمة 100 مليون دولار، ليبلغ إجمالي المشاريع التي تم ترسيتها نحو 6,1 مليار دولار بنهاية الربع الثاني، بزيادة 8,2% عما كانت عليه بنهاية الربع الثاني لعام 2021.
وبهدف دعم التنويع الاقتصادي، وخلق فرص عمل، انضمت المملكة إلى الشراكة الصناعية التكاملية، لتنمية اقتصادية مستدامة، والتي تضم الإمارات، ومصر، والأردن، وهي الشراكة التي تسعى إلى إنشاء مشاريع صناعية كبيرة، ويمولها صندوق استثماري بقيمة 10 مليارات دولار، تديره شركة ADQ الاستثمارية القابضة في إمارة أبو ظبي.
ومن أجل خفض الانبعاثات الكربونية، وحماية البيئة، ومكافحة آثار تغير المناخ، فقد شرعت "وزارة شؤون الكهرباء والماء»، في تنفيذ مشروع محطة لتوليد الطاقة، بالألواح الشمسية الكهروضوئية، بسعة لا تقل عن 72 ميجاوات.
وتعزيزًا لقطاع السياحة، تم الشروع في تطوير فندقي آفاني، وتيفولي ببلاج الجزائر، ومشروع العنوان ريزدنس مراسي فستيا، ومشروع توسعة الأفنيوز البحرين، ومشروع البوليفارد، وكل هذه المشروعات من المتوقع الانتهاء من إنجازها في 2024.
وفي مجال الخدمات اللوجستية، وقعت شركة "إدامة» في مايو 2022، اتفاقية لمدة 10 سنوات بقيمة 7 ملايين دولار مع شركة "ترايدنت» الكندية للمخازن؛ لتأجير منشأة مساحتها 8137 مترا مربعا في مستودعات سترة الصناعية، للاستجابة للطلب المتزايد على هذه الخدمات من الشركات الدولية للعمل مع منطقة الخليج العربي.
وبنظام البناء والامتلاك والتشغيل، بدأت شركة "هيا» للطاقة وتحلية المياه، العمليات الكاملة لمشروع "الدور 2» للمياه والطاقة المستقلة، بما يعزز إنتاج المحطة ليبلغ 1500 ميجاوات، و50 مليون جالون من المياه المحلاة يوميًا. كما شرعت المملكة في إجراءات مشروع مترو البحرين، بشبكة طولها 109كم، وبتكلفة تقديرية 2 مليار دولار، ومشروع المدينة الرياضية في الصخير.
وعلى طريق الاستقرار المالي أيضًا انخفضت قيمة عجز الميزان التجاري خلال الربع الثاني بنسبة 55,1% من 141,1 مليون دينار في الربع الثاني لعام 2021، إلى 63,4 مليون دينار في الربع الثاني لعام 2022، فيما حققت الصادرات وطنية المنشأ، "نموًا ملحوظًا»، على أساس سنوي بلغت نسبته 43,2%، فيما بلغت قيمة الصادرات النفطية 1,7 مليار دينار، بزيادة قدرها 116,1% عن الربع الثاني لعام 2021.
وعليه، فقد انعكست هذه التطورات الإيجابية على أوضاع سوق العمل. وأوضحت البيانات الصادرة عن "الهيئة العامة للتأمين الاجتماعي»، عن الربع الثاني لعام 2022، ارتفاع أعداد البحرينيين الذين تم توظيفهم في القطاع الخاص بنسبة 4,2%، وفي القطاع العام بنسبة 3,2%، وارتفاع متوسط أجورهم الشهري في القطاع العام بنسبة 5,5% ليبلغ 870 دينارا. وفي القطاع الخاص بنسبة 1,6% ليبلغ متوسط أجرهم الشهري 779 دينارا. فيما تستهدف مبادرات الخطة الوطنية لسوق العمل 2021–2023 توظيف 20 ألف بحريني، وتدريب 10 آلاف سنويًا حتى 2024، ضمن خطة التعافي الاقتصادي الذي يندرج تحت أولوية خلق فرص عمل واعدة، وجعل المواطن الخيار الأول في سوق العمل. وحتى نهاية النصف الأول من عام 2022، تحقق 71,6% من هدف التوظيف، حيث تم توظيف 14321 مواطنا بنسبة ارتفاع 19% عن الفترة المماثلة في 2021، وبلغت نسبة الإنجاز في خطة التدريب نحو 59%، حيث تم تدريب 5891 مواطنا بنسبة ارتفاع 23,9% عن مثيلاتها في 2021.
وكان لابد أن ينعكس هذا التقدم في الأداء الاقتصادي على وضع البحرين في التقارير الدولية، حيث تصدرت دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤشر "الحرية الاقتصادية»، الصادر عن "معهد فريزر»، واحتلت المرتبة 39 عالميًا من أصل 165 دولة. وتصدرت مدينة "المنامة»، مؤشر "الجاذبية المالية للعيش فيها»، فيما احتلت المرتبة 11 عالميًا من 84 دولة في مؤشر "الاستثمار الأجنبي المباشر»، الصادر عن صحيفة "الفايننشيال تايمز»، والذي يحصر الدول التي نجحت في استقطاب ما لا يقل عن 10 مشاريع جديدة، كما احتلت المركز 35 عالميًا بين 191 دولة في "تقرير التنمية البشرية» لعام 2022 الصادر عن "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي».