02/12/2022
آفاق الدعم الاقتصادي الخليجي لدول الشرق الأوسط.. رؤية غربية
زخر عام 2022 بالتحديات الاقتصادية للدول المتقدمة والنامية. ومع استمرار تداعيات فيروس كورونا، وارتفاع أسعار السلع والطاقة نتيجة لحرب أوكرانيا؛ ارتفعت معدلات التضخم وأسعار الفائدة، وتوقّع "صندوق النقد الدولي"، أن يتباطأ النمو الاقتصادي العالمي من 6% عام 2021 إلى 3.2% في عام 2022، وهو أضعف معدل نمو منذ أكثر من عشرين عامًا.
وبشكل خاص، تبدو آثار تلك المتغيرات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ورغم توقعات "البنك الدولي"، للمنطقة بأن تشهد معدلَ نمو اقتصادي يبلغ 5.5% في عام 2022، أي أعلى من المتوسط العالمي، فقد أشار أيضا إلى أن هذا يخفي أنماطًا غير متساوية لبلدان المنطقة، حيث من المتوقع وصول متوسط معدل نمو دول الخليج إلى 6.9% في عام 2022، في حين تشهد دول أخرى معدلًا أقل بنسبة 4.1%، سينخفض إلى 2.7% في عام 2023. وعليه، رأى "البنك"، أن بلدان المنطقة تسير في "مسارات نمو متباينة"، وأن الدول المصدرة للطاقة، خصوصًا في الخليج، تقدم فرصًا لتحقيق نمو مالي قوي، في حين أن غيرها تواجه ضغوطًا متزايدة من تحملها فواتير استيراد أعلى للأغذية والطاقة؛ وانخفاض قيمة عملاتها المحلية.
وفي هذا الإطار، أصبح واضحًا دور الدول الأكثر ثراءً بالشرق الأوسط في تقديمها المساعدة الاقتصادية للدول التي تعاني من صعوبات مالية. وبتقديم دراسة حول ما وُصِف بـ"دبلوماسية الإنقاذ"، أوضح "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية"، أن دول الخليج قدمت حزمَ إنقاذ ضخمة للدول التي تكابد ضائقة اقتصادية في المنطقة وغيرها. ورغم التاريخ الطويل للدعم الاقتصادي الخليجي، فإن نقص البيانات حول هذا العامل يجعل من الصعب إدراك الحجم الحقيقي لتدخلات الإنقاذ الخليجية، أو تقييم تداعياتها على الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط.
ووفقا للدراسة، فإنه "خلال العقود الأربعة الماضية طوّرت دول مجلس التعاون الخليجي حزمة كبيرة من الأدوات الاقتصادية والمالية؛ لتشكيل البيئة السياسية والأمنية في منطقتها"، وأدت "دورًا فريدًا"، في إنقاذ البلدان في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بما وصف بأنه "لا مثيل له من حيث الحجم مُقارنة بالمقدم من المانحين الغربيين، ومتعدد الأطراف التقليديين". وبين عامي 1974 و2022، وزّعت هذه الدول نحو 231 مليار دولار على 17 دولة على الأقل في الشرق الأوسط وما وراءه، وهو مستوى يفوق بكثير الأموال التي قدمها "صندوق النقد الدولي"، (81 مليار دولار). وبشكل كبير، يرجع ذلك إلى "السرعة والحجم الذي يمكن للخليج أن يقدم بهما الدعم، عبر إيداع ودائع بالبنوك المركزية ومخصصات الطاقة، مقارنة بالمنظمات المالية الغربية أو متعددة الجنسيات.
وفي تفصيل لذلك، تأتي السعودية كأكبر مانح في ظل أنها الدولة الخليجية الأقوى اقتصاديًّا. وبين عامي 1974-2010 مثلت 72% من أموال المانحين، تليها الإمارات (13%)، والكويت (12%)، وقطر (3%). غير أنه في السنوات بين 2011-2022، ارتفعت الأسهم الإماراتية والقطرية إلى 33% و11% على التوالي، ورغم أن السعودية لا تزال المساهم الأكبر.
ومع حدوث تحولات اقتصادية لدى دول الخليج التي تقدم مساعدات مالية؛ حدث تحول في شكل الدعم المقدم. وأوضح "تشيلسي دولاني"، و"روري جونز"، في صحيفة "وول ستريت جورنال"، أن دول الخليج وجّهت مؤخرًا المساعدات إلى البلدان عبر الاستثمارات التي تقوم بها صناديق الثروة السيادية لديها، خاصة عبر الاستثمار في الشركات والبنية التحتية، ومثال ذلك استثمار "الإمارات"، في شركات الشحن والبنوك والأسمدة المصرية.
علاوة على ذلك، لاحظت "كارين يونغ"، من "مركز سياسة الطاقة"، وجود تغيير في استراتيجيات الإنقاذ الخليجية من "التحويلات المالية"، إلى "التركيز على شراء الأصول في البلدان"؛ لتقديم آفاق أكبر للأمن الاقتصادي، حيث يساعد هذا التحول البلد المستفيد من خلال توفير أمن تجاري طويل الأجل، ويضمن تقديم آفاق أكبر لتحقيق عوائد اقتصادية وسياسية للدولة الخليجية المانحة.
وفي إطار الوضع الحالي لعدم اليقين الاقتصادي العالمي، أشار "المعهد"، إلى "المتغيرات الاقتصادية" الناتجة عن جائحة كورونا، وتداعيات حرب أوكرانيا، وارتفاع مستويات التضخم ودوره في زيادة الطلب الإقليمي على تدخلات الإنقاذ الخليجية. وأوضح "باتريك كوران"، من شركة "تيليمر"، أن البلدان التي كانت ضعيفة بالفعل بسبب الزيادة البطيئة للديون تواجه الآن صدمات خارجية لم تواجهها منذ فترة طويلة، ونتيجة لذلك "يتعين عليها العمل لإيجاد طرق بديلة لتلبية احتياجاتها التمويلية".
وفي عام 2022، قدّمت دول الخليج دعمًا اقتصاديًّا للعديد من البلدان داخل وخارج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وذكرت صحيفة "نيويورك تايمز"، في سبتمبر 2022، أن مصر تلقت أكثر من 22 مليار دولار، عبر تعهدات استثمارية من الخليج. وأودعت "الرياض"، 5 مليارات دولار بالبنك المركزي المصري في مارس، ليصل إجمالي المبلغ الذي قدمته للقاهرة إلى أكثر من 10 مليارات دولار. وأشار "دولاني"، و"جونز" إلى تعهد دول الخليج بتقديم أكثر من 10 مليارات دولار؛ لدعم باكستان في مواجهة الفيضانات المدمرة.
ومن خلال المساعدات المالية الخليجية المقدَّمة منذ عام 1974، أكّدت الدراسة، أن مصر تلقت 35% من هذا الدعم، يليها العراق (29%)، باكستان (12%)، المغرب (6%)، اليمن (5%)، ولبنان (4%)، السودان، والأردن (3%). وفي الوقت الحاضر مع استمرار الدعم وتزايد المزايا التي تجنيها دول الخليج من العائدات الهائلة نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة، أكّد "ديفيد باتر" من المعهد الملكي للشؤون الدولية، أن تخصيص هذه الدول بعض أموالها لحلفائها الإقليميين الأشد احتياجًا لا يمثل مشكلة.
وبالنسبة إلى دول الخليج، فإن المزايا الجيوسياسية التي تحققها من هذا الدعم لا حصر لها. وأكّد "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية"، أن تلك المساعدات المالية تسمح لدول الخليج "بتحقيق أهداف أمنها القومي"، و"حماية مصالحها الأساسية من التحولات في الجغرافيا السياسية للمنطقة". واستشهد "الحسن"، و"لونز" بثلاثة أمثلة رئيسية عزّزت فيها مساعدات الدعم الاقتصادية المصالح الجيوسياسية لدول الخليج؛ منها أولًا: تقديم دول الخليج للعراق "كميات هائلة من حزم الإنقاذ والإغاثة"، خلال الحرب العراقية الإيرانية 1980-1988؛ لمواجهة المخاوف من نوايا طهران الإقليمية في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979. ثانيًا: خلال "اللحظة التاريخية" في أعقاب غزو العراق للكويت عام 1990، استخدمت هذه الدول دبلوماسية الإنقاذ والدعم؛ "لحشد الدعم الدولي لتحرير الكويت"، خصوصًا من مصر وباكستان والمغرب. وفي الآونة الأخيرة، كان الدعم المالي لدول الشرق الأوسط خلال ما سُمي بثورات الربيع العربي عام 2011 واضحًا، حيث قدمت دول الخليج 52 مليار دولار من الأموال إلى مصر والسودان والأردن والمغرب وباكستان واليمن؛ لضمان الاستقرار الداخلي بها.
ومع تعرض اقتصاد الشرق الأوسط حاليًا لصدمة اقتصادية كبرى، أشارت الدراسة إلى "مرحلة جديدة من دبلوماسية الإنقاذ الخليجية"، . ووفقا للعديد من المحللين، فإن الدول الخليجية المانحة تعلّمت من تجاربها في التاريخ الحديث، وعدّلت دبلوماسيتها المالية. وأكّد "الحسن"، و"لونز"، أن تقديم المساعدات الاقتصادية أصبح أكثر عقلانية وحيطة وقابلًا للانعكاس والتغيير، ناهيك عن تخصيصها بمبالغ أصغر من ذي قبل.
وتتطلب مناقشة طبيعة المساعدات الاقتصادية من دول الخليج للمنطقة، تقدير حجم تأثير المساعدات المالية الخارجية من دولة لأخرى، فالدعم المقدم من الغرب والصين هو الأبرز. وبخصوص وصول نظام التمويل الدولي الذي يقوده الغرب إلى الشرق الأوسط، أكّد "صندوق النقد الدولي"، في أكتوبر 2022، أنه قدم قرضًا بقيمة 3 مليارات دولار لمصر. والتزم "البنك الدولي"، بتقديم أكثر من 5 مليارات دولار للمنطقة في الفترة ما بين يونيو 2021 و2022، ووُجِّهَت 4.1 مليارات دولار للبلدان متوسطة الدخل، و814.5 مليون دولار إلى صندوق المؤسسة الدولية للتنمية، و80 مليون دولار أخرى خُصِّصت للتنمية في فلسطين. وتقدم هذه المنظمات ونظيراتها من المؤسسات الأخرى، مبالغ كبرى من الدعم المالي للمنطقة،
ومع ذلك، يُلاحَظ أن الدول الغربية أكثر ترددًا في اتخاذ نفس النهج المباشر للمساعدات المالية الذي تبنته دول الخليج، وبالتالي، فإن النتائج الجيوسياسية التي يمكن التنبؤ بها أن تلك الدول أقل تأثيرًا ونفوذًا على الأوضاع المالية المستقبلية للدول المتلقية للمساعدات.
ومع ذلك، رأى "الحسن"، و"لونز"، أن دبلوماسية الإنقاذ والمساعدات الخليجية ستستمر في إحداث "تداعيات بعيدة المدى" على الدول الغربية، والمؤسسات المالية متعددة الجنسيات، وأشارا إلى أن دول الخليج لطالما تُدعى بانتظام من القوى الغربية؛ لمساعدة دول الشرق الأوسط أثناء الأزمات، فيما لاحظا أن دول الخليج تطالب بضمان أمنها والمصالح السياسية بشكل مستقل عن الأولويات الغربية، ما يعزز الفكرة القائلة بأن شركاء الولايات المتحدة الأمنيين سيسعون إلى مزيد من حرية التصرف واستقلال سياستهم.
وبالفعل، تعد "الصين"، من "الجهات المانحة الناشئة" في المنطقة وشمال إفريقيا. ومن خلال مبادرة الحزام والطريق، اتفقت على عقد الكثير من الصفقات مع نحو 72 دولة في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا وإفريقيا؛ لتعاون اقتصادي أوثق. وأشار "تشارلز دن"، من "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، أنه بحلول يناير 2021، كان قد وُزّع أكثر من 123 مليار دولار على الشرق الأوسط من مشروعات المبادرة.
وفي ظل الانكماش الاقتصادي في السوق المحلية لـ"بكين"، أفاد "جون كالابريس"، من "معهد الشرق الأوسط"، أن المبادرة "تواجه تحديات متعددة"، مع قيام مسؤولي الحكومة الصينية بـ"عملية إعادة تقويم" لاستكشاف سبل جعل المبادرة أكثر استدامة. ومع تدهور الظروف الاقتصادية في البلدان الشريكة بالمبادرة، وتراجع الطلب على المشروعات التي ستُموَّل، فمن غير المؤكد اتضاح مدى التأثير المستقبلي لتلك المبادرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
على العموم، فإن "المكاسب الاستراتيجية الجيو-اقتصادية"، للمساعدات الخليجية لا تقل أهمية عن أيّة مبادرات تتم بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ومع اعتبار أن نظام المساعدات هذا يسهم في تحدي الممارسات التنموية والمالية الراسخة التي وضعها الغرب، فقد أضاف "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية"، أنه رغم أن مستقبل دبلوماسية الإنقاذ والإغاثة في المنطقة، قد تصبح "أكثر استهدافًا وأقل نطاقًا"؛ إلا أنها ستظل مدفوعة برغبة دول الخليج في تعزيز مصالحها واستقرارها الإقليمي ونموها الاقتصادي، وتأكيد مدى استقلال سياستها الخارجية عن "واشنطن"، و"أوروبا"، كجزء من تحول إقليمي جيوسياسي في المنطقة بأسرها.