24/11/2022
هل يعود "ترامب" إلى "البيت الأبيض" من جديد؟
منذ خسارته الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2020 أمام جو بايدن، تجنب دونالد ترامب، النهج التقليدي لقادة العالم السابقين بالعودة بهدوء إلى الحياة المدنية، وكتابة المذكرات، وتقديم الحكمة لخلفائهم. وبدلاً من ذلك، واصل تنظيم مسيرات وتجمعات عامة في جميع أنحاء البلاد عدة مرات، زاعما أن نتيجة الانتخابات قد زورت، كما تورط في عدد من المشاكل القانونية، أبرزها تحقيق وزارة العدل، حول احتفاظه بمعلومات سرية من البيت الأبيض، بشكل غير قانوني.
ومع استمرار شعوره بالاستياء من طريقة خسارته السلطة، كتبت سوزان غلاسر، في مجلة نيويوركر، إن الرئيس السابق لم يفاجئ أحدا بإعلانه في 15 نوفمبر 2022، محاولته الوصول إلى المكتب البيضاوي مرة أخرى. وسعيًا إلى ترشيح الحزب الجمهوري له، لم يضع أي سياسات أو أجندات جديدة، بل اعتمد على شعاره "اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، لكسب التأييد الشعبي.
وعلى الرغم من تراجع رصيده السياسي مؤخرًا داخل الحزب الجمهوري عقب نتائج الانتخابات النصفية المخيبة للآمال، إلا أنه لا ينبغي التقليل من طموحات ترامب السياسية، حيث إنه في عام 2016 لم يكن منافسًا قويا، قبل تأمين ترشيح الحزب له، ثم استطاع هزيمة منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون. وفي حين يشير المحللون واستطلاعات الرأي إلى انخفاض احتمالات نجاحه وإعادته إلى منصبه، مع مرور عامين من عدم اليقين السياسي والاقتصادي؛ سيكون من غير الحكمة في هذه المرحلة المبكرة أن يُستبعد الرئيس السابق من السباق الرئاسي.
وعند إعلانه ترشيحه لإعادة انتخابه، أعلنت لورين فيدور، من صحيفة فاينانشيال تايمز، أن ترامب، أطلق شرارة البداية في دورة الانتخابات الرئاسية لعام 2024. وفي كلمته، أعلن رغبته في إنقاذ الولايات المتحدة، وعودتها مرة أخرى. ووصفت مجلة الإيكونوميست، محاولته الترشح بأنها للانتقام للبيت الأبيض. وأكدت غلاسر، أنه غير نادم على العنف السياسي، الذي نتج عن رفضه قبول نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وأنه متحد ومصمم على المضي في طريقه، وترديد مزاعمه بشأن تزوير الانتخابات لصالح منافسيه.
وقبل الإعلان رسميًا عن إعادة انتخابه، كان هناك إجماع على تضاؤل مستويات دعمه داخل الحزب الجمهوري. وأشارت فيدور، إلى أن إعادة انتخابه يأتي على الرغم من خسارة العديد من مرشحيه لمجلسي النواب والشيوخ أمام منافسيهم الديمقراطيين، وهي الهزائم التي رأت أنها شجعت مجموعة متزايدة من الأصوات من داخل الحزب الجمهوري للمطالبة بتنحيه.
وعلى خلفية هذه الأحداث، أشارت مجلة الإيكونوميست، إلى أن الجمهوريين خسروا مجلس النواب في انتخابات التجديد النصفي لعام 2018، في ظل حكم ترامب، وخسروا الانتخابات الرئاسية عام 2020، بينما خسر الرئيس السابق في انتخابات عام 2021، وفي عام 2022، يمكن القول إنه أبقى مجلس الشيوخ في أيدي الديمقراطيين من خلال تعزيز حملات مرشحين مُبتدئين. وأشار مايك ليليس، ومايكل شنيل، في صحيفة ذا هيل، إلى عدد الجمهوريين الذين أعربوا عن ترددهم في دعمه علنًا، أو الانفتاح لدعم مرشح آخر، بدلاً من ذلك.
وفي وسائل الإعلام الأمريكية، قامت صحيفة نيويورك بوست -التي كانت في السابق واحدة من أكبر الداعمين لترامب- بمهاجمته عبر تصويره على غلافها في شكل ساخر. وبالمثل، وصفته صحيفة وول ستريت جورنال، بأنه الخاسر الأكبر للحزب الجمهوري، مشيرة إلى سجله المثالي في الهزائم الانتخابية منذ عام 2016. وكتب دان ماكلولين، في مجلة ناشيونال ريفيو، إنه في حين أن فرصته قبل ست سنوات، كانت مواتية، فإن الأمور قد تغيرت الآن في عام 2022، ناهيك عن عام 2024.
وفي إطار هذا الواقع، ظهر منافسون محتملون لـ"ترامب"، بما في ذلك مايك بنس، نائب الرئيس السابق، ولاري هوجان، حاكم ولاية ماريلاند، وغلين يونغكين، حاكم ولاية فرجينيا. ومع ذلك، فإن أبرز منافس هو رون ديسانتيس، حاكم ولاية فلوريدا، الذي أعيد انتخابه مؤخرًا. وفي أعقاب انتخابات التجديد النصفي، وجد استطلاع شركة يوجوف للناخبين الجمهوريين أن 42% يؤيدون ديسانتيس، مقابل 35% يدعمون ترامب. ويتضح الانقسام في نوع الناخب الذي يلجأ إليه كل منهم؛ فإن أولئك الذين يعتبرون أنفسهم جمهوريين بشدة يفضلون ترامب، بنسبة 45%، ويعطون ديسانتيس 43%، بينما الذين يميلون فقط نحو الحزب الجمهوري، يؤيدون ديسانتيس، بنسبة 45%، مقابل 21% لترامب.
وعلى الرغم من أن انتخابات التجديد النصفي، قد أضرت بالمخزون السياسي لترامب؛ إلا أن روبي جرامر، وجاك ديتش، في مجلة فورين بوليسي، أصرا على أنه لا يزال قوة سياسية رئيسية. وأكدت مجلة الإيكونوميست، أنه في مركز الصدارة لترشيح الحزب الجمهوري؛ بسبب ولاء أنصاره المتحمسين، وحذرت من أنه لا ينبغي الاستهانة به.
وأوضحت غلاسر، أنها ليست مقتنعة بأن الجمهوريين سيفصلون أنفسهم عن نفوذه، وأن المعارضة المنقسمة في مصلحته حاليا، نظرًا إلى أنها هي التي أرجعته إلى صدارة المشهد. وخلصت ماجدة روج، وجيريمي شابيرو، من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إلى أنه أيا كان من سيحظى بترشيح الحزب الجمهوري لعام 2024، فمن المحتمل أن يكون مرشحًا متأثرًا بشعار "اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"؛ ما يوضح أن الترامبية لن تختفي في السياسة الأمريكية.
وعند تناول المبادرات السياسية الجديدة التي يرغب في تنفيذها حال عاد إلى المنصب مجددًا. فإنه على الرغم من إشارة إيما آشفورد، من مركز ستيمسون، إلى أن الناخبين تقريبًا غير راغبين في إعطاء أولوية لقضايا السياسة الخارجية في الانتخابات الرئاسية، وأن هذا الأمر وراء تركيز الرئيس السابق أكثر على القضايا الداخلية منذ عام 2021؛ فإنه يظل هناك يقين كامل ومتوقع بشأن ما قد تجلبه إدارة ترامب الثانية إلى مستقبل التحالف عبر الأطلسي، والمنافسة مع الصين، والسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. وبالفعل، كرر الرئيس السابق، أثناء إعلانه حملته الانتخابية، تصريحاته السابقة حول تصوراته لإدارة الولايات المتحدة التي تمر بحالة من التدهور والضعف -على حد وصفه- منتقدا وضعها، موضحا أنها تم الاستهزاء بها، وجعلها تجثو على ركبتيها، بصورة لم يسبق لها مثيل، بسبب ما أسماه نهج جو بايدن، ويسارية المتطرفين.
وبالنسبة إلى حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين، فإن احتمالية عودة ترامب، إلى السلطة باتت مقلقة بشكل كبير، مع إشارة كريستوفر سكالوبا، من المجلس الأطلسي، إلى أنه سيعيد تكرار نظرته المناهضة لحلف شمال الأطلسي. وبشكل خاص، يعد هذا الموقف وثيق الصلة بمستقبل السياسة الأمريكية تجاه الحرب الأوكرانية، مع ملاحظة كل من جرامر، وديتش، أن حصول الجمهوريين على أغلبية مجلس النواب في الانتخابات النصفية الأخيرة، خلق قلقا متزايدا، من أن واشنطن يمكن أن تخفض مساعدتها لـ"كييف". ولا شك أن المناصرين من داخل الحزب الجمهوري لشعار "اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى"، دعوا إلى وقف المساعدات بالفعل، وبدلاً من ذلك، يعطون الأولوية لتعزيز صناعة الدفاع الأمريكية، والتركيز على مواجهة الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. ومع أن الرئيس السابق، تجنب بشكل ملحوظ التعليقات الانفعالية حول مساندة أوكرانيا، فقد طالب في أكتوبر 2022 بـ"التفاوض الفوري السلمي"؛ لتجنب التورط في حرب عالمية ثالثة، مشيرًا إلى اعتقاده بأن هناك أشخاصا في الحكومات الغربية لم يدركوا قوة الأسلحة النووية.
وفيما يتعلق بسياسته الخارجية المستقبلية في الشرق الأوسط، يتوقع المراقبون تكرار سياسات أعوام 2017 إلى 2021، من خلال إعادة تأكيد الدعم لإسرائيل، وغياب المساءلة عن الانتهاكات في الأراضي المحتلة، ورفض المساعي الدبلوماسية لاحتواء الطموحات النووية الإيرانية. فيما أشارت روج، وشابيرو، إلى أنه في حالة انتخاب إدارة جمهورية أخرى؛ فإن كبار مسؤوليها، مثل وزير الخارجية السابق، مايك بومبيو، وسفيرة الأمم المتحدة السابقة نيكي هايلي، الذين قد يعودون إلى المنصب، يعتقدون أن واشنطن يجب أن تحافظ على قيادتها ووجودها العسكري في جميع أنحاء العالم، وينبغي ترجمة ذلك إلى آليات ردع قوية ليس فقط في آسيا، ولكن أيضًا في كل من أوروبا والشرق الأوسط.
علاوة على ذلك، تتيح عودة ترامب، للرئاسة احتمال إصلاح العلاقات الثنائية بين واشنطن والخليج. وفي الوقت الذي اتسمت فيه فترة بايدن بالتوترات مع السعودية، لا سيما بشأن سياسة الطاقة في الأشهر الأخيرة.
ومع ذلك، ليس من المستغرب أن تكون التوقعات أقل تفاؤلاً، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. ففي حين رفض بايدن، التراجع عن قرار سلفه بنقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس، وفشل في محاسبة الانتهاكات في الأراضي المحتلة، وأعاد تأكيد الروابط غير القابلة للتأثر، بين البلدين عند زيارته لها في يوليو عام 2022؛ فإن ترامب يرى أنه أكثر الرؤساء الأمريكيين تأييدًا لإسرائيل في التاريخ، مستشهدًا بقرار نقل سفارة واشنطن إلى القدس، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، وكونه أول رئيس أمريكي يزور حائط البراق. وبهذا المعنى، كتب آرون ميللر، من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، أنه لم يكن هناك الكثير من الأمل لإحراز تقدم جاد في القضية الفلسطينية خلال سنوات ترامب، ولعل عودته في ظل وجود حكومة إسرائيلية يمينية بقيادة بنيامين نتنياهو، تشير إلى احتمالية قوية لمزيد من التهميش الفلسطيني، من دون أدنى مساءلة أمريكية للانتهاكات الإسرائيلية والإجراءات غير القانونية.
على العموم، مع إعلان ترامب ترشحه قبل عامين من سباق الانتخابات الأمريكية، من المهم تأكيد أن سنتين فترة طويلة حقًا في أي دورة انتخابية أمريكية. وأنه بحلول نوفمبر 2024، قد تكون الثورات السياسية لبايدن، وترامب مختلفة تمامًا عما هي عليه الآن. وعلى وجه الخصوص، مع ادعاء الأخير أنه بالنسبة إلى ملايين الأمريكيين، كانت رئاسة بايدن وقتًا مليئا بالآلام والمصاعب والقلق واليأس، فإن شبح حدوث ركود اقتصادي كبير في العام المقبل قد يكون له تأثير كبير في الانتخابات الرئاسية المقبلة. وكما أشارت روج وشابيرو، فإن المنافسات الضعيفة في انتخابات التجديد النصفية، تُظهر مدى استمرار الانقسام في الولايات المتحدة، وبالتالي تشير ضمنيًا إلى أن انتخابات 2024 الرئاسية، ستكون المنافسة بها محدودة، أو ضيقة للغاية.