18/11/2022
ردود فعل الصحافة الغربية على فوز "نتنياهو" في الانتخابات الإسرائيلية
شهدت الانتخابات العامة الإسرائيلية الخامسة، التي تُجرى خلال أقل من أربع سنوات، عودة "بنيامين نتنياهو"، رئيس حزب الليكود، إلى المشهد السياسي من جديد، فيما وصفته مجلة "الإيكونوميست"، بـ"عودة غير عادية إلى قمة هرم السياسة الإسرائيلية، بعد عام ونصف من إبعاده بشكل دراماتيكي عن السلطة". ومع إعلان فوزه، رأى "باتريك كينجلسي"، في صحيفة "نيويورك تايمز"، أن الرجل البالغ من العمر 73 عامًا، قد حقق بالفعل، "تقدمًا كبيرا" على منافسه رئيس الوزراء المنتهية ولايته، "يائير لابيد".
وتصدرت هذه العودة لـ"نتنياهو" -على الرغم من المحاكمات المستمرة له- وسائل الإعلام الغربية، إلى جانب زعيم اليمين المتطرف، "إيتمار بن غفير"، وحزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف، بقيادة "بتسلئيل سموتريتش"، وقال "جان سمعان"، من (المجلس الأطلسي): إن "تشكيل حكومة ائتلافية مكونة من شخصيات يمينية وقوميين متطرفين هي النتيجة الأكثر ترجيحًا".
وتعليقا على هذا السيناريو، أوضح "دانيال أفيس"، من وكالة "بلومبيرج"، أنه "سيكون لآفاق إحدى الحكومات الأكثر يمينية في التاريخ الإسرائيلي تأثير على الشرق الأوسط، والعالم الأوسع"، بما في ذلك عملية السلام والاتفاق النووي الإيراني.
ويُستشهد بوجود شخصيات يمينية، مثل "بن غفير"، في مناصب رئيسية للحكومة، باعتباره "ذا تأثير رئيسي"، على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة؛ نظرًا لتاريخهم الموثق جيدًا من التصريحات والأفعال والسياسات المعادية للعرب. وبالفعل، توقع المراقبون الغربيون، التوسع غير القانوني المحتمل للمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، بالإضافة إلى زيادة الخطاب العدواني من قبل القوميين المتطرفين الذين يسعون إلى مزيد من إنكار حقوق العرب في كل من إسرائيل والأراضي المحتلة.
ومع فرز ما يقرب من 95% من الأصوات، حصل حزب "الليكود"، بزعامة "نتنياهو"، على 32 مقعدًا في الكنيست، وحزب "لابيد"، "يش عتيد" على 24 مقعدًا، وعليه، علقت مجلة "الإيكونوميست"، أن "حزب الليكود، زاد بالكاد حصته، مقارنة بالانتخابات السابقة في مارس 2021". ووفقا لـ"يولاند كنيل"، من شبكة "بي بي سي"، فإن "النجاح المذهل"، لحزب "الصهيونية الدينية" -الذي ضاعف عدد المقاعد للأحزاب اليمينية- قد سمح لرئيس الوزراء العائد، بتشكيل "حكومة أغلبية مستقرة مع حلفائه القوميين المتطرفين، واليهود الأرثوذكس المتطرفين".
ولهذا السبب، رأى "نيري زيلبر"، من "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، أن "عودة نتنياهو إلى السلطة"، ستكون على رأس الحكومة "الأكثر تطرفا في تاريخ البلاد"، مع توضيح "كنيل"، أنه "كان قادرًا على تسخير التحول إلى اليمين في المشهد السياسي، لتحقيق مآربه بالعودة إلى منصبه". وكتب "رافي بيرغ"، من شبكة "بي بي سي"، أنه استطاع "قلب المشهد السياسي"، بـ"فوز مقنع في الانتخابات"، وأن عودته "ستؤكد الاعتقاد"، بين مؤيديه، بأنه "لا يُقهر سياسيًا"، غير أنها أيضًا تسلط الضوء على المحاكمة الجنائية التي يواجهها بتهمة الرشوة والاحتيال.
وبينما تحدث زعيم الليكود عن تشكيل "حكومة وطنية تهتم بالجميع"؛ أكد المراقبون الغربيون احتمال حصول الشخصيات السياسية اليمينية والقومية المتطرفة على مناصب قيادية في الحكومة الجديدة، وتعزيز السياسات التي ستؤدي إلى تفاقم التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين؛ مما يهدد الأمن الإقليمي. وأوضح "زيلبر"، أن "الطريق الأوضح، وربما الوحيد"، لنتنياهو سيكون تحالفًا مع "شركاء يتبنون نفس النهج"، من "حزب الصهيونية الدينية المتطرف"، الذي يتألف من "فصيل يميني متطرف، ومستوطنين متشددين، وقوميين متطرفين". وعليه، أكد "كينجلسي"، أن "المجموعات والأيديولوجيات المتطرفة التي كانت مهمشة من قبل، قد وجدت نفسها الآن في "خضم الخطاب والنظام السياسي الإسرائيلي".
وعلى الصعيد السياسي المحلي، قارن "زيلبر"، "الانقسامات" في الكتلة المناهضة لنتنياهو -المكونة من 8 أحزاب منفصلة- بـ"التماسك النسبي" للأحزاب اليمينية المؤيدة له. وبشكل كبير، تركز الاهتمام الغربي على شخصية، "بن غفير"، الذي أُدين سابقًا بالتحريض على العنصرية، ومُنع من الخدمة في الجيش. ووصفه "زيلبر"، بأنه "تلميذ الحاخام مئير كهانا، مؤسس حركة كاخ العنصرية". وفي حين أن حزبه "القوة اليهودية"، لم يجتذب سوى 19,000 صوت في انتخابات مارس 2020، وكان "منبوذًا سياسيًا"، فقد اعتبرت "الإيكونوميست"، أن نتنياهو "شرع"، و"أطلق" الصعود السياسي للحزب اليميني المتطرف. وبينما أوضحت "كنيل"، أن "بن غفير"، كان يحاول إعادة تسمية نفسه كسياسي تقليدي في السنوات الأخيرة، إلا أنها أكدت مع ذلك، أنه "لم يغير كل خطاباته المعادية للعرب". ومع تقديره، بأنه "يأمل في الحصول على منصب وزاري بارز"، ربما "يشرف على الشرطة"؛ أشار "زيلبر"، إلى أن القومي المتطرف تعهد خلال الحملة الانتخابية، بـ"تخفيف القواعد التي تحكم استخدام الذخيرة الحية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية”. وبالمثل، أشار "كينجلسي"، إلى أنه "يسعى لمنح الحصانة القانونية للجنود الإسرائيليين الذين يطلقون النار على الفلسطينيين".
وفي ضوء هذه السياسات التي تمثل انتهاكات واضحة لسيادة القانون، ورغبة في وجود نظام عدالة مزدوج، لا يساوي بين الإسرائيليين والفلسطينيين؛ لا يمكن إنكار أن الترقية المحتملة لمثل هذه الشخصية إلى منصب مؤثر داخل الحكومة، يمكن أن يهدد بعدم الاستقرار، واندلاع العنف بين إسرائيل وفلسطين، من خلال التحريض الممارس، والخطاب العدواني من جانبه، باعتباره زعيما سياسيا يمينيا متطرفا، كان مهمشا في السابق.
وبالنظر إلى عدم القدرة على التنبؤ بما يمكن أن يقدمه "بن غفير"، ومدى استعداده لتحريض قاعدة دعمه ضد الفلسطينيين داخل إسرائيل والأراضي المحتلة؛ توقع المحللون بالفعل حدوث صراعات داخل الحكومة الائتلافية حال تنصيبه وزيرًا. ومع تحذير "كنيل"، من أن القوميين الإسرائيليين المتطرفين في الكنيست، قد "تم تقوية شوكتهم"، من خلال نتيجة هذه الانتخابات، وربما "من الصعب السيطرة عليهم مستقبلاً"، فقد ذهبت مجلة "الإيكونوميست"، إلى أن "بن غفير"، يمكنه "إملاء شروطه على نتنياهو"، بشأن السياسة الداخلية". وفي ضوء هذه التوقعات، كتب السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل "دانيال شابيرو"، أن "تماسك" اليمين الإسرائيلي المتطرف خلال الدورة الانتخابية، "سيواجه تحديًا حقيقيًا أثناء توليه زمام الحكم".
وبينما أوضح "كنيل"، أنه إذا كان "تحالف لابيد"، الذي كان يتسم بالتنوع "أيديولوجيًا"، وضمه إلى أحزاب يسارية ووسطية ويمينية وعربية؛ "لم يولِ في نهاية المطاف أدنى اهتمام بطرق حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني"، فإنه ليس مفاجئًا أن يثير النجاح الانتخابي لنتنياهو والأحزاب القومية المتطرفة، مخاوف المحللين بشأن مستقبل خيار حل الدولتين، وأوضاع الفلسطينيين المستقبلية في الأراضي المحتلة.
ومع تعليق "بن غفير"، بعد الانتخابات، بأن الإسرائيليين سيكونون الآن "ملاك الأراضي" الحقيقيين في بلادهم؛ أشار "كينجلسي"، إلى أن كتلته السياسية سترغب أيضا في "تسريع وتيرة الاستيطان"، في الأراضي المحتلة، و"إزالة أي مظهر من مظاهر السلطة الفلسطينية". وأضاف "زيلبر"، أنه "حتى إذا تم تنفيذ جزء بسيط من الوعود التي قطعها مرشحون يمينيون خلال الحملة الانتخابية"؛ فهناك احتمال قوي بأن تقوم الحكومة الإسرائيلية "بإعادة تشكيل"، سيادة القانون وفق مفهومها الأحادي، وبناء "جيش أكثر عدوانية في مواقفه تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية". وبالإضافة إلى هذه السياسات، رأت "باربرا سلافين"، من "المجلس الأطلسي"، أن نتنياهو سيسعى جاهداً "لعرقلة أي آمال أمريكية، بسياسة إسرائيلية أكثر استنارة تجاه الفلسطينيين".
علاوة على ذلك، يشير "سمعان"، إلى أن السياسيين الإسرائيليين اليمينيين المتطرفين في الكنيست، "لم يرفضوا فقط فكرة أي تنازل عن الأراضي للفلسطينيين"، بل جعلوا أيضًا "ضم الضفة الغربية حجر الزاوية في برنامجهم الانتخابي". وأوضح "دانييل أفيس"، في شبكة "بلومبرج"، أن "أي فرصة لحل الدولتين"، تبقى "ميتة مستقبلاً". وبالمثل، خلص "شابيرو"، إلى أن "الحفاظ على خيار حل الدولتين المستقبلي مع الفلسطينيين" أصبح الآن "مستحيلاً".
من ناحية أخرى، استشهد محللون غربيون باحتمال حدوث تغيير جيوسياسي في الشرق الأوسط، بشكل أوسع نطاقًا، جراء تأثير هذه الانتخابات على "المستوى الإقليمي". وأشار "شابيرو"، إلى أن القوميين الإسرائيليين المتطرفين، مثل بن غفير -على عكس نتنياهو- "لن يعطوا الأولوية لتوسيع علاقات إسرائيل مع الدول العربية"؛ وبالتالي، سيكون ذلك "تحديا حقيقيا"، أمام محاولات رئيس الوزراء توسيع نطاق هذه الاتفاقات ضمن ائتلاف مكون من سياسيين معارضين للعرب بشكل علني. ومن وجهة نظر الدبلوماسيين العرب، بمن فيهم دول الخليج، رأى "ريتشارد بارون"، من "المجلس الأطلسي"، أن "تلك الدول قد تقطع تعاونها لضمان تلبية مصالحها على أفضل وجه في ضوء التطورات الجديدة".
وبالإضافة إلى ذلك، كتبت "سلافين"، أن فوز "نتنياهو"، الانتخابي هو أكثر "الأنباء سوءًا للاتفاق النووي الإيراني"، لاسيما في ضوء رفض رئيس الوزراء الجديد تبنى فكرة التعامل الدبلوماسي مع طهران. وفي هذه الحالة، رأت أنه من المتوقع أن "يزيد الضغط" على واشنطن "للعمل مع إسرائيل لإعداد خيارات أكثر عنفًا لمحاولة إضعاف وتأخير برنامج إيران النووي"، بدلاً من مواصلة الحوار الأمريكي المطول معها، بلا جدوى.
وفي إدراك لذلك، كتب "أفيس"، أنه قد حان وقت "التشكيك" في "أوراق اعتماد إسرائيل كدولة ديمقراطية"، بين حلفائها الغربيين، إذا تبنى الائتلاف الجديد "مقترحاته السياسية الأكثر تطرفاً"، لا سيما فيما يتعلق بالتغييرات القضائية في البلاد، والجهود المتضافرة لتجريد الفلسطينيين من الحقوق المدنية وسيادة القانون". وفي هذا الصدد، وصفت "داليا شيندلين"، من "مؤسسة القرن"، رغبات اليمين الإسرائيلي المتطرف لكبح استقلال القضاء في البلاد، بأنها "نقطة تحول محتملة تنذر بإجهاض ديمقراطية إسرائيل"، على حد وصفها.
على العموم، ركزت ردود فعل المحللين والمعلقين الغربيين، ليس فقط على عودة "نتنياهو"، إلى قمة السياسة الإسرائيلية، ولكن أيضًا على صعود مرشحين يمينيين متطرفين، مثل "بن غفير"، والذين يهددون بإثارة التوترات مع الفلسطينيين، بسبب خطابهم العدواني، ورغبتهم في توسيع المستوطنات في الأراضي المحتلة، بما يتعارض مع القانون الدولي، وبما ينذر بتصاعد التوتر في الأراضي الفلسطينية المحتلة.