top of page

09/11/2022

الاحتجاجات في إيران.. مطالب إصلاح أم دعوة إلى التغيير؟

تختلف‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الشعبية‭ ‬المندلعة‭ ‬حاليًا‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬عن‭ ‬سابقتها‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مظاهر،‭ ‬منها‭ ‬استدامتها‭ ‬فترة‭ ‬أطول،‭ ‬وأن‭ ‬من‭ ‬يقوم‭ ‬بها‭ ‬أجيال‭ ‬تختلف‭ ‬قيمها‭ ‬وطموحاتها‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬الجيل‭ ‬الذي‭ ‬عاصر‭ ‬الثورة‭ ‬الإيرانية‭ ‬عام‭ ‬1979،‭ ‬حيث‭ ‬إنهم‭ ‬أكثر‭ ‬ارتباطًا‭ ‬بما‭ ‬يدور‭ ‬حولهم‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬فيما‭ ‬لم‭ ‬تقتصر‭ ‬مطالبها‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الاجتماعي‭ ‬فقط،‭ ‬أو‭ ‬تقديم‭ ‬بعض‭ ‬المسكنات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬لعلاج‭ ‬أزمات‭ ‬طارئة؛‭ ‬وإنما‭ ‬تملكها‭ ‬اليأس‭ ‬من‭ ‬عدم‭ ‬تعديل‭ ‬سلوك‭ ‬النظام،‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬إيران‭ -‬برغم‭ ‬إمكاناتها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الكبيرة‭- ‬دولة‭ ‬منبوذة‭ ‬عالميًا،‭ ‬متهمة‭ ‬بدعم‭ ‬ورعاية‭ ‬العنف‭ ‬والتطرف،‭ ‬ولولا‭ ‬ذلك‭ ‬لكان‭ ‬بإمكان‭ ‬مواردها‭ ‬أن‭ ‬تجعل‭ ‬مواطنيها‭ ‬ينعمون‭ ‬بمستوى‭ ‬جودة‭ ‬حياة‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬مثيله‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬المتقدمة‭.‬

وعلى‭ ‬خلفية‭ ‬ذلك،‭ ‬كان‭ ‬مقتل‭ ‬الشابة‭ ‬مهسا‭ ‬أميني،‭ ‬بعد‭ ‬تعرضها‭ ‬للتعذيب‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬شرطة‭ ‬الأخلاق‭ ‬الإيرانية،‭ ‬القشة‭ ‬التي‭ ‬قصمت‭ ‬ظهر‭ ‬البعير،‭ ‬أو‭ ‬الشرارة‭ ‬التي‭ ‬أطلقت‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬14‭ ‬سبتمبر‭ ‬2022،‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬مدينة‭ ‬شقز‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬كردستان،‭ ‬لتمتد‭ ‬إلى‭ ‬معظم‭ ‬المناطق،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬العاصمة‭ ‬طهران‭. ‬واكتنف‭ ‬هذه‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬موجات‭ ‬من‭ ‬الإضراب‭ ‬العام،‭ ‬شملت‭ ‬شركة‭ ‬بوشهر‭ ‬للبتروكيمياويات،‭ ‬ومصفاة‭ ‬عبدان،‭ ‬فيما‭ ‬لم‭ ‬تفلح‭ ‬أعمال‭ ‬القمع‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬السلطات‭ ‬في‭ ‬إخمادها‭. ‬وتضامنًا‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الأحداث،‭ ‬خرج‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجاليات‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬عواصم‭ ‬ومدن‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬مظاهرات،‭ ‬مثل‭ ‬ما‭ ‬شهدته‭ ‬العاصمة‭ ‬الفرنسية‭ ‬باريس،‭ ‬ولوس‭ ‬أنجلوس،‭ ‬في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ومونتريال،‭ ‬وطوكيو،‭ ‬وروما،‭ ‬ومدن‭ ‬في‭ ‬كندا‭. ‬وحتى‭ ‬أوائل‭ ‬نوفمبر،‭ ‬ارتفع‭ ‬عدد‭ ‬قتلى‭ ‬أعمال‭ ‬القمع‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بها‭ ‬السلطات‭ ‬إلى‭ ‬133‭ ‬قتيلاً‭. ‬

من‭ ‬جانبه،‭ ‬وصف‭ ‬الرئيس‭ ‬الإيراني‭ ‬إبراهيم‭ ‬رئيسي‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬بـ"المؤامرة‮"‬‭ ‬على‭ ‬البلاد‭ ‬التي‭ ‬تعيق‭ ‬تقدمها‭. ‬فيما‭ ‬حذر‭ ‬رئيس‭ ‬البرلمان‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬تزعزع‭ ‬الاستقرار،‭ ‬وحث‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‭ ‬على‭ ‬التعامل‭ ‬بشدة‭ ‬مع‭ ‬المتظاهرين‭. ‬واستشعارًا‭ ‬للاختلاف‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬سابقتها،‭ ‬صرح‭ ‬العضو‭ ‬البرلماني‭ ‬محمد‭ ‬باقر،‭ ‬بأنها‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬الإطاحة‭ ‬بالحكومة،‭ ‬بينما‭ ‬ما‭ ‬سبقها‭ ‬كان‭ ‬بغرض‭ ‬القيام‭ ‬بإصلاحات،‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬فئات‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬دخولها‭. ‬يأتي‭ ‬هذا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬رفعت‭ ‬فيه‭ ‬المظاهرات‭ ‬شعارات‭ ‬لا‭ ‬للنظام،‭ ‬ودعت‭ ‬إلى‭ ‬تغييره،‭ ‬بل‭ ‬تشديد‭ ‬العقوبات‭ ‬الدولية‭ ‬عليه،‭ ‬فيما‭ ‬اتهم‭ ‬المرشد‭ ‬الأعلى‭ ‬علي‭ ‬خامنئي،‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وإسرائيل،‭ ‬بتدبير‭ ‬هذه‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬التي‭ ‬وصفها‭ ‬بـ‭ ‬أعمال‭ ‬شغب،‭ ‬وعبر‭ ‬عن‭ ‬دعمه‭ ‬الكامل‭ ‬لأجهزة‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬تعاملها‭ ‬معها‭.‬

وفي‭ ‬ظاهرة‭ ‬جديرة‭ ‬بالملاحظة،‭ ‬فإن‭ ‬مشاركة‭ ‬الشباب‭ ‬دون‭ ‬عمر‭ ‬25‭ ‬عاما‭ ‬في‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬قد‭ ‬فاقت‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬الفئات‭ ‬العمرية،‭ ‬وكان‭ ‬مقتل‭ ‬مهسا‭ ‬أميني،‭ ‬عاملاً‭ ‬في‭ ‬تفجير‭ ‬تذمر‭ ‬مكبوت‭ ‬ومتراكم‭ ‬لديهم،‭ ‬وخاصة‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تقييدهم‭ ‬بأيديولوجية‭ ‬محددة،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أتاحت‭ ‬فترة‭ ‬كورونا،‭ ‬ومكوثهم‭ ‬في‭ ‬منازلهم،‭ ‬اتصالهم‭ ‬عبر‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬مع‭ ‬العالم‭ ‬بشكل‭ ‬أوسع‭. ‬وتشير‭ ‬المشاركة‭ ‬الشبابية‭ ‬الكبيرة‭ ‬إلى‭ ‬انتفاضة‭ ‬الأجيال‭ ‬الحالية‭ ‬ضد‭ ‬القوانين‭ ‬والواقع‭ ‬الذي‭ ‬يحياه،‭ ‬فيما‭ ‬فشل‭ ‬النظام‭ ‬التعليمي‭ ‬القائم‭ ‬في‭ ‬إيران،‭ ‬وتسبب‭ ‬هذا‭ ‬الفشل‭ ‬في‭ ‬ابتعاد‭ ‬الشباب‭ ‬عن‭ ‬الدين،‭ ‬وأصبحوا‭ ‬يرون‭ ‬أنفسهم‭ ‬غرباء‭ ‬عن‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬القائم،‭ ‬وغابت‭ ‬سبل‭ ‬الارتباط‭ ‬الجيلي‭. ‬وفي‭ ‬مؤتمر‭ ‬تطور‭ ‬التعليم،‭ ‬لدى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬عبر‭ ‬الرئيس‭ ‬الإيراني‭ ‬إبراهيم‭ ‬رئيسي‭ ‬عن‭ ‬رفض‭ ‬بلاده‭ ‬لخطة‭ ‬التنمية‭ ‬المستدامة‭ ‬2030‭. ‬

وقبل‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الحالية،‭ ‬شهدت‭ ‬إيران‭ -‬منذ‭ ‬قيام‭ ‬الثورة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1979‭- ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬المعارضة‭ ‬للنظام،‭ ‬لكنها‭ ‬كانت‭ ‬أعمالا‭ ‬محدودة‭ ‬النطاق،‭ ‬استطاع‭ ‬النظام‭ ‬إخمادها‭. ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تولى‭ ‬آية‭ ‬الله‭ ‬علي‭ ‬خامنئي‭ ‬القيادة‭ ‬في1989،‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الموجات‭ ‬الاحتجاجية،‭ ‬والمظاهرات‭ ‬المطالبة‭ ‬بتحسين‭ ‬ظروف‭ ‬المعيشة،‭ ‬لكنها‭ ‬أيضًا‭ ‬ظلت‭ ‬محدودة،‭ ‬ولم‭ ‬تنجح‭ ‬في‭ ‬إحداث‭ ‬أي‭ ‬تغيير‭.‬

واستمرارا،‭ ‬جاءت‭ ‬مظاهرات‭ ‬2009،‭ ‬عقب‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬المتنازع‭ ‬عليها،‭ ‬لتصبح‭ ‬أول‭ ‬موجة‭ ‬احتجاجية‭ ‬كبيرة‭ ‬منذ‭ ‬1979،‭ ‬وبرغم‭ ‬نزول‭ ‬الملايين‭ ‬من‭ ‬المحتجين‭ ‬إلى‭ ‬الشوارع،‭ ‬اعتراضا‭ ‬على‭ ‬تزوير‭ ‬الانتخابات‭ ‬التي‭ ‬منحت‭ ‬محمود‭ ‬أحمدي‭ ‬نجاد‭ ‬ولاية‭ ‬ثانية،‭ ‬ورغم‭ ‬استمرار‭ ‬ما‭ ‬سُمي‭ ‬حينئذ‭ ‬بـ"الحركة‭ ‬الخضراء‮"‬،‭ ‬شهورًا،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تفلح‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬أهدافها،‭ ‬وظل‭ ‬قادتها‭ ‬قيد‭ ‬الإقامة‭ ‬الجبرية،‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬لدى‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬الدوافع،‭ ‬وقدرة‭ ‬التعبير‭ ‬عن‭ ‬مطالبهم،‭ ‬لكنها‭ ‬افتقدت‭ ‬أهم‭ ‬خاصية‭ ‬وهي‭ ‬الاستمرارية،‭ ‬حيث‭ ‬شهدت‭ ‬تراجعًا‭ ‬حادًا‭ ‬تسبب‭ ‬فيه‭ ‬القمع‭ ‬الحكومي‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬والكلفة‭ ‬الباهظة‭ ‬التي‭ ‬دفعها‭ ‬المحتجون‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭.‬

علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬اقتصار‭ ‬الحركة‭ ‬الخضراء،‭ ‬على‭ ‬الطبقة‭ ‬المتوسطة‭ ‬المتعلمة،‭ ‬المعنية‭ ‬بالشأن‭ ‬العام‭ -‬حيث‭ ‬كان‭ ‬شعارها‭ ‬أين‭ ‬تصويتي‭- ‬كان‭ ‬حافزا‭ ‬غير‭ ‬مؤثر‭ ‬في‭ ‬تحريك‭ ‬طبقات‭ ‬اجتماعية‭ ‬أخرى‭ ‬كالعمال‭ ‬والفلاحين،‭ ‬والأقليات‭ ‬الدينية‭ ‬والعرقية‭ ‬والبسطاء‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الصغيرة،‭ ‬كما‭ ‬غاب‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الحركة‭ ‬القيادة‭ ‬والتخطيط،‭ ‬فلم‭ ‬يمتلك‭ ‬قادتها‭ ‬الأدوات‭ ‬الكافية‭ ‬لإبقاء‭ ‬المظاهرات‭ ‬مستمرة،‭ ‬ولم‭ ‬يلجأوا‭ ‬إلى‭ ‬تنظيم‭ ‬المؤيدين‭ ‬والتخطيط‭ ‬للخطوات‭ ‬التالية،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يقدموا‭ ‬مستندات‭ ‬حقيقية‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬تزوير‭ ‬الانتخابات،‭ ‬لذلك‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬انحسرت‭ ‬الاحتجاجات،‭ ‬بل‭ ‬إنه‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2013،‭ ‬نزل‭ ‬هؤلاء‭ ‬المحتجون‭ ‬المؤيدون‭ ‬للحركة‭ ‬بالملايين‭ ‬لاختيار‭ ‬حسن‭ ‬روحاني‭ ‬المعتدل‭.‬

وردًا‭ ‬على‭ ‬الانتقادات‭ ‬المتزايدة،‭ ‬اندلعت‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬2018‭ ‬و2019،‭ ‬احتجاجًا‭ ‬على‭ ‬سوء‭ ‬الأحوال‭ ‬المعيشية،‭ ‬وارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬البنزين‭ ‬ثلاثة‭ ‬أضعاف،‭ ‬وكانت‭ ‬عشوائية‭ ‬تمامًا،‭ ‬بلا‭ ‬قيادة‭ ‬أو‭ ‬تنظيم،‭ ‬وبدأت‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬الصغيرة،‭ ‬ولم‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬طهران،‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬مرات‭ ‬قليلة،‭ ‬وقادتها‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬الطبقة‭ ‬العاملة‭ ‬والفقراء‭ ‬والعاطلين‭ ‬عن‭ ‬العمل،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬حشد‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الناس،‭ ‬ولم‭ ‬يتخط‭ ‬المشاركون‭ ‬فيها‭ ‬حاجز‭ ‬العشرة‭ ‬آلاف‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأحيان‭. ‬ومن‭ ‬ثم،ّ‭ ‬فشلت‭ ‬هذه‭ ‬الأعداد‭ ‬في‭ ‬تقويض‭ ‬شرعية‭ ‬النظام‭. ‬ونتيجة‭ ‬للجوء‭ ‬المتظاهرين‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬استخدام‭ ‬العنف‭ ‬وإضرام‭ ‬النيران‭ ‬في‭ ‬المؤسسات‭ ‬والممتلكات‭ ‬العامة،‭ ‬ضعفت‭ ‬إمكانية‭ ‬انضمام‭ ‬المتظاهرين‭ ‬المحتملين‭ ‬إليها،‭ ‬كما‭ ‬أنها‭ ‬أمور‭ ‬ساعدت‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬قمع‭ ‬المظاهرات‭ ‬بشكل‭ ‬سريع،‭ ‬مستخدمة‭ ‬كل‭ ‬وسائلها‭ ‬من‭ ‬اعتقال‭ ‬وتعذيب‭ ‬وسجن‭ ‬مشدد‭ ‬وإعدام‭. ‬

وفي‭ ‬احتجاجات‭ ‬نوفمبر‭ ‬2019،‭ ‬قطعت‭ ‬الحكومة‭ ‬خدمة‭ ‬الإنترنت‭ ‬بشكل‭ ‬كامل‭ ‬لمدة‭ ‬أسبوع،‭ ‬ولم‭ ‬تستمر‭ ‬المظاهرات‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أسبوعين،‭ ‬واتسمت‭ ‬بغياب‭ ‬القيادة‭ ‬المنظمة،‭ ‬والمشروع‭ ‬السياسي،‭ ‬الذي‭ ‬يعبئ‭ ‬الجماهير،‭ ‬رغم‭ ‬استنادها‭ ‬إلى‭ ‬استياء‭ ‬شعبي‭ ‬عميق‭ ‬نتيجة‭ ‬الظروف‭ ‬المعيشية‭ ‬الصعبة،‭ ‬وتصرفات‭ ‬النظام‭ ‬داخليًا‭ ‬وخارجيًا،‭ ‬كما‭ ‬غاب‭ ‬عنها‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬وتوحيد‭ ‬الأهداف‭ ‬والشعارات‭.‬

وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬تنبئ‭ ‬شعارات‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الحالية‭ ‬‮"‬الموت‭ ‬للدكتاتور‭.. ‬لا‭ ‬تخافوا‭ ‬نحن‭ ‬موحدون‭.. ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬عام‭ ‬سقوط‭ ‬خامنئي‮"‬،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬إعلان‭ ‬أصحاب‭ ‬المتاجر‭ ‬مقاطعة‭ ‬الشركات‭ ‬الداعمة‭ ‬للأجهزة‭ ‬الأمنية‭ ‬لأول‭ ‬مرة،‭ ‬ودخول‭ ‬قطاعات‭ ‬حيوية‭ ‬على‭ ‬خط‭ ‬الإضراب،‭ ‬وإلغاء‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬جميع‭ ‬رحلاتها‭ ‬السياحية‭ ‬إلى‭ ‬إيران؛‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬مختلف‭ ‬هذه‭ ‬المرة،‭ ‬وإنه‭ ‬قد‭ ‬يعد‭ ‬أخطر‭ ‬تحد‭ ‬للنظام‭ ‬منذ‭ ‬قيام‭ ‬الثورة‭ ‬الإيرانية‭. ‬ووفقا‭ ‬لمنظمة‭ ‬حقوقية‭ ‬إيرانية،‭ ‬تتخذ‭ ‬من‭ ‬النرويج‭ ‬مقرًا‭ ‬لها،‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬234‭ ‬شخصا‭ ‬بينهم‭ ‬29‭ ‬طفلاً،‭ ‬قد‭ ‬قتلوا‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‭ ‬في‭ ‬حملات‭ ‬القمع‭. ‬

وتعكس‭ ‬حدة‭ ‬العنف‭ ‬جدية‭ ‬التهديد‭ ‬الحالي‭ ‬الذي‭ ‬يواجهه‭ ‬النظام،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الموجة‭ ‬هي‭ ‬ضد‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬ركائز‭ ‬الثورة‭ ‬الإيرانية،‭ ‬وهو‭ ‬البعد‭ ‬الديني،‭ ‬الذي‭ ‬بمقتضاه‭ ‬صدر‭ ‬قانون‭ ‬فرض‭ ‬الحجاب‭ ‬عام‭ ‬1983،‭ ‬وقانون‭ ‬الحجاب‭ ‬والعفة‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬2022،‭ ‬وقد‭ ‬أخذ‭ ‬خطباء‭ ‬المساجد‭ ‬ينددون‭ ‬باستخدام‭ ‬العنف‭ ‬ضد‭ ‬إمام‭ ‬مسجد‭ ‬المدينة‭ ‬في‭ ‬زاهدان،‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬من‭ ‬فوق‭ ‬المنبر‭ ‬إن‭ ‬المرشد‭ ‬علي‭ ‬خامنئي،‭ ‬ومسؤولين‭ ‬آخرين‭ ‬يتحملون‭ ‬المسؤولية‭ ‬أمام‭ ‬الله،‭ ‬وإن‭ ‬الشعب‭ ‬غاضب‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أنحاء‭ ‬البلاد‭ ‬إزاء‭ ‬تصرفات‭ ‬النظام‭.‬

بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬ذلك،‭ ‬تتسم‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الحالية،‭ ‬بتصاعدها‭ ‬وانتقال‭ ‬عدوى‭ ‬التظاهرات‭ ‬بوتيرة‭ ‬سريعة،‭ ‬وانتشارها‭ ‬حتى‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬مدينة‭ ‬كبيرة‭ ‬وصغيرة،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬العاصمة‭ ‬طهران،‭ ‬وكذلك‭ ‬المدن‭ ‬الدينية،‭ ‬مثل‭ ‬مدينة‭ ‬قم،‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬معظم‭ ‬المعاهد‭ ‬الدينية؛‭ ‬ما‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬مدى‭ ‬الاحتقان‭ ‬الشعبي‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬المناطق‭ ‬المحافظة،‭ ‬كما‭ ‬اتسمت‭ ‬بمشاركة‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬المرأة،‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بحرق‭ ‬الحجاب‭ ‬أثناء‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬في‭ ‬تحدٍ‭ ‬واضح‭ ‬للسلطة‭ ‬الدينية،‭ ‬فيما‭ ‬ضمت‭ ‬التيارات‭ ‬الليبرالية‭ ‬والمحافظة،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬العرقيات‭ ‬المختلفة،‭ ‬وتجاوز‭ ‬غضب‭ ‬الجماهير‭ ‬الشرطة،‭ ‬وامتد‭ ‬إلى‭ ‬النظام‭ ‬ذاته‭ ‬مطالبًا‭ ‬بإسقاطه،‭ ‬وسقوط‭ ‬خامنئي‭ ‬وابنه،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يروج‭ ‬له‭ ‬ليكون‭ ‬خليفته‭. ‬

‮ ‬ويؤجج‭ ‬تصاعد‭ ‬الموجة‭ ‬الاحتجاجية‭ ‬الحالية،‭ ‬ما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬الأحوال‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬تردي‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاقتصادية،‭ ‬جراء‭ ‬العقوبات‭ ‬الدولية‭ ‬والأزمات‭ ‬المتلاحقة‭ ‬التي‭ ‬تسبب‭ ‬فيها‭ ‬النظام،‭ ‬حيث‭ ‬يعيش‭ ‬المجتمع‭ ‬تحت‭ ‬ضغوط‭ ‬اقتصادية‭ ‬شديدة،‭ ‬وصلت‭ ‬معها‭ ‬البطالة‭ ‬إلى‭ ‬معدلات‭ ‬مرتفعة،‭ ‬فيما‭ ‬أخفقت‭ ‬الحكومة‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الأزمات‭ ‬المتلاحقة‭ ‬كأزمة‭ ‬المياه‭ ‬وأزمة‭ ‬كورونا،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬اعتماد‭ ‬الحكومة‭ ‬على‭ ‬أذرعها‭ ‬الأمنية‭ ‬للقضاء‭ ‬على‭ ‬الاحتجاجات،‭ ‬وقيامها‭ ‬بقطع‭ ‬الإنترنت،‭ ‬قد‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تصاعد‭ ‬العنف،‭ ‬وزيادة‭ ‬كثافة‭ ‬المظاهرات‭. ‬وبينما‭ ‬ينتظر‭ ‬الإيرانيون‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬حلولاً‭ ‬لتحسين‭ ‬أوضاعهم،‭ ‬فقد‭ ‬نفد‭ ‬صبرهم‭ ‬وامتلكهم‭ ‬اليأس‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬حلول‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬سيطرة‭ ‬النظام‭ ‬القائم،‭ ‬بل‭ ‬غدت‭ ‬الأوضاع‭ ‬القائمة‭ ‬حاليا‭ ‬تشبه‭ ‬مثيلاتها‭ ‬قبل‭ ‬1979‭. ‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬يظل‭ ‬تحول‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الشعبية‭ ‬الراهنة‭ ‬إلى‭ ‬ثورة‭ ‬عامة،‭ ‬مرهونًا‭ ‬بعدة‭ ‬عوامل‭ ‬منها‭ ‬مدى‭ ‬تماسك‭ ‬مؤسسات‭ ‬النظام‭ ‬نفسها،‭ ‬والمدى‭ ‬الزمني‭ ‬لاستمرارها‭ ‬بنفس‭ ‬الزخم‭. ‬ومع‭ ‬ذلك،‭ ‬فإن‭ ‬استمرارها‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬ينبئ‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬ليست‭ ‬مطالب‭ ‬إصلاح،‭ ‬لكنها‭ ‬دعوة‭ ‬إلى‭ ‬التغيير،‭ ‬وأنه‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬استطاع‭ ‬النظام‭ ‬إنهاء‭ ‬التظاهرات‭ ‬بصورة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى،‭ ‬فلن‭ ‬تكون‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬في‭ ‬المدى‭ ‬المنظور،‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬حلول‭ ‬فعلية‭ ‬لمشكلاتهم‭ ‬وعدم‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بالمسكنات‭.‬

{ انتهى  }
bottom of page