08/11/2022
الانتخابات النصفية للكونجرس ومصير سياسات إدارة "بايدن"
من المقرر أن يصوت الأمريكيون في انتخابات "التجديد النصفي"، اليوم 8 نوفمبر 2022؛ لتحديد الحزب السياسي، الذي سيكون له التأثير في صنع القرار في "واشنطن". فيما ستكون هذه الانتخابات بمثابة "كشف حساب"، للرئيس "جو بايدن"، من قبل الناخبين للمرة الأولى، وعليه، فقد وصفها "أنتوني زورشر"، في شبكة "بي بي سي"، بأنها "تأييد، أو رفض" له في منتصف فترة رئاسته.
وتشمل الانتخاب النصفية، جميع أعضاء مجلس النواب، البالغ عددهم 435، وما يقرب من ثلث مقاعد مجلس الشيوخ، بالإضافة إلى 36 حاكم ولاية، وستكون نتيجتها أيضًا بمثابة مؤشر رئيسي، حول ما إذا كان يمكن للديمقراطيين أن يستمروا في البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2024. ومع تراجع أرقام استطلاعات الرأي لـ"بايدن"، وما يواجهه الاقتصاد من تضخم، وارتفاع أسعار الوقود، والتحذيرات من ركود قادم؛ يتوقع المراقبون أن يخسر الديمقراطيون السيطرة على مجلس النواب، مع ما يجلبه ذلك من تداعيات على جدول الأعمال التشريعي المحلي لإدارة بايدن.
وقبل هذه الفترات النصفية، كان ميزان الكونجرس، عالقا بين الحزبين الرئيسيين، حيث تنقسم الغرفة العليا بالبرلمان مجلس النواب، إلى 220 مقعدا للديمقراطيين، مقابل 212 للجمهوريين (مع 3 مقاعد شاغرة)، في حين أن مجلس الشيوخ، أكثر تنافسًا، حيث ينقسم أعضاؤه المائة بالتساوي بعدد خمسين مقعدا لكل منهما، ولكن يُمكن اعتبار الأغلبية للديمقراطيين إذا احتسب صوت كامالا هاريس، نائبة الرئيس. وفي ظل هذا التنافس، رأت مجلة الإيكونوميست، أن مخاطر هذه الانتخابات لكل من الديمقراطيين والجمهوريين كبيرة بشكل استثنائي. وأوضحت ليزلي فينجاموري، من المعهد الملكي للشؤون الدولية، أن الإحساس بالضغط يتصاعد بين السياسيين الأمريكيين وأنصارهم قبيل التصويت.
ويعد أوضح مثال على المخاطر المتزايدة خلال هذه الانتخابات، الزيادة الهائلة في معدل الإنفاق على الحملات من قبل كلا الحزبين، والتي بلغت مستوى يتجاوز بكثير الانتخابات المماثلة السابقة. وسجلت مجلة الإيكونوميست، أن انتخابات التجديد النصفي لعام 2022، ستكون أغلى انتخابات غير رئاسية في تاريخ أمريكا. وأضاف جون ماكورميك، في صحيفة وول ستريت جورنال، أنه قبل الأسبوع الأخير من الحملة، بلغ الإنفاق على الدعاية 7.5 مليارات دولار. وبحلول نهاية الانتخابات، توقعت شركة الأبحاث آد إيمباكت، أن يبلغ إجمالي الإنفاق 9.7 مليارات دولار، بزيادة قدرها 144٪ عن انتخابات منتصف المدة لعام 2018.
وانعكاسًا لهذا النهج، رأت مجلة الإيكونوميست، أن الاستقطاب السياسي جعل من الانتخابات لعبة محصلة متساوية المكاسب والخسائر، وهو الأمر الذي أدى إلى تغيير تحليل التكلفة والعائد، للداعمين الممولين، مع تأكيد أن حكم المحكمة العليا لعام 2010، يسمح بالإنفاق غير المقيد على الحملات الانتخابية. وعلى وجه الخصوص، فإن مقاعد مجلس الشيوخ، تجتذب الكثير من المال، في حين تجتذب كل ولاية من الأربع ولايات جورجيا، وبنسلفانيا، ونيفادا، وأريزونا، أكثر من 200 مليون دولار.
ومع إشارة نيك ألين، في صحيفة التليغراف، إلى أن الديمقراطيين يمتلكون حاليًا أغلبية ضئيلة في كل من مجلسي النواب والشيوخ، توقع زورشر، أن يفقد الحزب الديمقراطي السيطرة على غرفة واحدة على الأقل في انتخابات التجديد النصفي. وفي حين توقعت الإيكونوميست، أن المنافسة الانتخابية لمجلس الشيوخ، تبدو وكأنها ذات فرص متساوية، فقد أكدت صحيفة فاينانشال تايمز، أن بايدن، وحزبه في طريقهم لجني الخسائر، مع التضخم والركود الذي يلقي بثقله على الناخبين. وأشار ألين، إلى أنه من المرجح أن يقرر ناخبو ولايات جورجيا، ونيفادا، وبنسلفانيا الحزب السياسي، الذي يسيطر على مجلس الشيوخ.
ومع عدم توقع فوز الديمقراطيين في هذه الانتخابات، سلط المعلقون الضوء على تداعيات كبيرة على إدارة بايدن، في أجندتها المحلية والدولية. وأشار مايكل جرين، من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إلى أن الاستقطاب المتزايد، الذي ظهر خلال هذه الدورة الانتخابية لا يُبشر بالخير للإدارة الحالية. ووفقًا لصحيفة "فاينانشيال تايمز"، فإن الرئيس الأمريكي، الذي بلغت نسبة تأييده في أواخر أكتوبر 43٪، مقارنة بمعدل الرفض البالغ 54٪، ابتعد إلى حد كبير عن مسار الحملة الانتخابية، ما يعكس اعترافًا بأن إدارته تستعد لمواجهة عاصفة سياسية. وأضاف زورشر، أنه في الوقت الذي بدأت فيه رئاسته بإصلاحات للإعفاء الضريبي، والرعاية الصحية، والإنفاق على البنية التحتية، سرعان ما اصطدمت أجندته المحلية بجدار، من الانتكاسات التشريعية، بشأن الإنفاق الاجتماعي، وحقوق التصويت، والسيطرة على الأسلحة والإجهاض، والنتيجة النهائية، هي أن الإدارة الحالية، تفتقر إلى إنجاز بارز واحد، لتتباهى به أمام الناخبين.
وإذا كان الجمهوريون قادرين على السيطرة على أي من مجلسي الكونجرس، فقد توقع فينجاموري، حدوث اضطراب كامل في واشنطن. وأشار ألين، إلى أن المشرعين الجمهوريين سيتمكنون من عرقلة تنفيذ الكثير من الأهداف التي يتطلع إليها الديمقراطيون. وأضاف زورشر، أنه في هذا السيناريو، فإن البيت الأبيض، سيواجه رقابة صارمة من الكونجرس، حيث ركز الجمهوريون بالفعل على سياسات الانسحاب، والهجرة في أفغانستان بالنسبة إلى بايدن؛ باعتبارها أمورًا تتطلب تحقيقًا رفيع المستوى.
علاوة على ذلك، لاحظ جرين، أن الجمهوريين -حال فوزهم بأغلبية مجلس النواب- من المرجح أن يطلقوا سيلًا من الهجمات على الإدارة الراهنة، حيث ستؤدي سيطرتهم على تلك الغرفة إلى إنهاء التحقيقات الحالية في هجوم السادس من يناير على مبنى الكابيتول، في مقابل، تشديد التحقيقات الخاصة بمعاملات هانتر بايدن، التجارية الخارجية. وعليه، يمكن أن تثير هذه الطريقة غضب حلفاء الولايات المتحدة القلقين، بشأن قوة قيادتها.
من ناحية أخرى، توقع المحللون حدوث اضطراب في سياسة بايدن الخارجية، حال تقدم الجمهوريين. وكتب زورشر، أنه حتى الآن، لم تعُد السياسة الدبلوماسية السلسة، التي كان قد وعد بها خلال حملاته الانتخابية. وأثار الانسحاب من أفغانستان، وفشل المفاوضات مع إيران، وتراجع الدعم لأوكرانيا في حربها ضد روسيا، غضب الحلفاء الغربيين.
وأشارت فينجاموري، إلى التداعيات الدولية لهذا التصويت المحتمل، ففي حين أن نتائج الانتخابات النصفية كانت تمر من دون أن يلاحظها أحد تقريبًا، خارج الولايات المتحدة، أصبحت تعد مصدر قلق عالمي، بسبب تأثيرها المتزايد في سياساتها الدولية، منذ عام 2018.
وبتفصيل أكثر، يتوقع المراقبون تغييرا في دعم الولايات المتحدة لأوكرانيا، نظرًا إلى حالة التردد بين النواب الجمهوريين في الكونجرس، على مواصلة تقديم المساعدات العسكرية والمالية لها. وأشار زورشر، إلى أن إرسال المساعدات العسكرية، قد تضاءل في الأشهر الأخيرة، وأكد جرين، أنه بإمكان الجناح اليميني في الحزب الجمهوري أن يهدد بحظر أية إمدادات. وأعلن زعيم الجمهوريين في مجلس النواب، كيفين مكارثي، أنه لن يقدم شيكًا على بياض للأوكرانيين. وتعتبر الولايات المتحدة أكبر مانح للمساعدات المالية والإنسانية والعسكرية للأوكرانيين، وعليه، حذر رئيس لجنة الدفاع بالبرلمان البريطاني، توبياس إلوود، من أن تخفيض الكونجرس الأمريكي مستوى مساعدته، سيمكن الرئيس الروسي، بوتين، من انتزاع النصر.
وفيما يتعلق بالتأثير في السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، أشار ماركوس مونتجمري، من المركز العربي، إلى أن هناك بعض الإجماع، بين الجمهوريين والديمقراطيين على حظر مبيعات الأسلحة لدول، مثل السعودية، جراء قرار أوبك بلس، خفض حصص إنتاجها خلال العام المقبل. واستشهد بأن استمرار خلاف المنظمة مع الولايات المتحدة بشأن سياسة الطاقة، يمكن أن يؤدي إلى سعي الجمهوريين للاستعانة بقانون منع التكتلات الاحتكارية، لإنتاج وتصدير النفط نوبك، وهو التشريع المحتمل أن يدفع الرياض ودولا أخرى إلى رفع دعاوى قضائية بموجب قوانين مكافحة الاحتكار الأمريكية، وبالتالي زيادة توتر العلاقات بين دول الخليج وواشنطن.
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، فمن المعلوم أن إدارة بايدن، أعادت تأكيد دعمها لإسرائيل، ولم تقدم أية إصلاحات من شأنها مساعدة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. وكتب مونتجمري، أن الكونجرس، الذي قد يسيطر عليه الجمهوريون من المرجح أيضا أن يحاول عرقلة أي تحركات يُنظر إليها على أنها ملائمة للفلسطينيين، فضلا عن سن المزيد من القيود أمام أي زيادة في المساعدات المالية لهم، مع احتمالات تقديم دعم سياسي وأمني أكبر لإسرائيل.
أما بالنسبة إلى السياسة الأمريكية تجاه إيران، فقد أوضح مونتجمري، أن إدارة بايدن، ستواجه معارضة موحدة، من قبل الجمهوريين في الكونجرس، بشأن جهودها لاستعادة الاتفاق النووي، لاسيما في ظل تراجع دعم الديمقراطيين للحلول الدبلوماسية مع قيام طهران مؤخرا بقمع الاحتجاجات المؤيدة لحقوق المرأة. وهكذا توصل الباحث إلى أن الجمهوريين من المرجح أن يناهضوا أي صفقة مع طهران، ويسعون للحصول على أصوات لـ"معارضة" أي اتفاق في هذا الصدد.
وعلى الرغم من الخلافات الحزبية العديدة في الولايات المتحدة، فقد رأت فينجاموري، أن سياستها الخارجية سوف تحمل تشابهًا قويًا مع نظيرتها السابقة، حتى لو سيطر الجمهوريون على السلطة التشريعية، حيث من غير المرجح أن تقوم بأية إجراءات أو تغييرات جذرية على السياسة الخارجية، بغض النظر عن نتيجة الانتخابات النصفية، موضحة أن ذلك يرجع إلى أن المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين، أكثر توافقًا، بشأن القضايا الرئيسية، بما في ذلك تأييد مساعدة أوكرانيا، وضرورة تبني موقف أكثر صرامة تجاه الصين.
ومع ذلك، حذرت أيضًا من أن احتمال تفاقم الأزمة السياسية بين الإدارة الديمقراطية الحالية، والجمهوريين في الكونجرس؛ من شأنه أن يرسل إشارات تحذيرية حول المسار المستقبلي للالتزامات الخاصة بسياسة واشنطن الخارجية، فضلا عن احتمالية عودة ترامب، إلى السلطة عام 2024، ونظرًا إلى أن هذه الانتخابات هي الأولى منذ أن اعترض الرئيس السابق على نتيجة الانتخابات الرئاسية لعام 2020، فقد أشارت إلى أنها ستكون بمثابة، اختبارا أساسيا، لقوة الجمهوريين.
وفي إشارة إلى المشاكل الراهنة خلال هذه الدورة الانتخابية، كتبت فينجاموري، أن الولايات المتحدة تواجه انعدام الثقة في خطابها السياسي، وأن 43٪ فقط من الأمريكيين، هم من لديهم الثقة في مؤسساتهم خلال عام 2022. وتوفر التهديدات الداخلية احتمالية زعزعة وعود القيادة الدولية لواشنطن في وقت يلزم فيه وجود قيادة منسقة وحازمة للحفاظ على استجابة قوية وموحدة ضد روسيا، وكذلك سيؤثر الأمر في معالجتها انعدام الأمن العالمي، وأزمات الطاقة، والمناخ، والديون لدى الغرب. وعليه، أكدت أنه من الضروري أن تقوم واشنطن، بإصلاح ديمقراطيتها الخاصة، وإثبات ما يمكن أن يقدمه نظام حكمها لمواطنيها محليًّا ودوليًّا أمام بقية العالم.
على العموم، تعد الانتخابات النصفية، الحالية، بمثابة استفتاء على رئاسة بايدن، ومؤشرًا حيويًا، للنتيجة المحتملة للانتخابات الرئاسية المقبلة، وقد تؤدي النتيجة المتوقعة للتقدم الجمهوري داخل الكونجرس إلى تعقيد جدول الأعمال المحلية والخارجية للإدارة الحالية، حيث سيصبح مستوى الالتزام بالدعم الأمريكي لأوكرانيا موضع شك. كما أنه في ضوء معدل الإنفاق الكبير، والنتيجة المحتملة للعنف السياسي الراهن، من المقرر أن تمر إدارة بايدن، بعامين من الصعوبات السياسية. وربما تكون تلك الصعوبات مرتبطة بالنظرة المستقبلية غير المؤكدة حول ملامح سياستها الخارجية، باعتبارها نتيجة الخلافات الداخلية.