05/11/2022
جهود مواجهة التغير المناخي ما بين أوروبا ودول الخليج
لا تهدد أزمة الطاقة العالمية الحالية، بتفاقم الانكماش المالي العالمي، وتصعيد المنافسة بين القوى العظمى، وتهديد سبل عيش الملايين فقط؛ لكن كما يقول «ستيف مالكين»، من شركة «بلانيت مارك»، تمثل أيضًا «تهديدًا» للتعهدات البيئية والمناخية، التي أخذتها دول العالم على نفسها خلال السنوات الأخيرة للحد من انبعاثات الكربون الضارة بالبيئة.
ومع محاولة الدول الغربية تقليل اعتمادها على النفط والغاز الروسي ردا على حرب أوكرانيا؛ سعت أوروبا إلى إيجاد مصادر بديلة للطاقة. ومع التوسع في استخدام مصادر الطاقة المتجددة، مثل الشمس، والرياح، فلا تزال «غير منتشرة»؛ ما جعل العديد من الدول يلجأ إلى الأشكال التقليدية للطاقة، مثل الفحم، لتحقيق التوازن بين العرض والطلب، على الرغم من أن ذلك يزيد من انبعاثات الكربون، ويقوض الجهود البيئية العالمية.
وفي ضوء هذه الديناميكيات، ستُعقد قمة «مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ»، ، في شرم الشيخ خلال نوفمبر2022. ويُقصد بها أن تكون استكمالًا للتعهدات الأخيرة لمناقشات المناخ التي عقدت أواخر عام 2021 في «غلاسكو»، مع تركيزها على جهود إزالة الكربون، وقضايا الزراعة، والأمن المائي، والتنوع البيولوجي». ومع ذلك، أشارت شبكة «سكاي نيوز»، إلى أن «أزمة الطاقة والحرب في أوكرانيا والتوترات حول تايوان»، قد أدت إلى تغيير «السياق الجيوسياسي» للقمة بشكل كبير». وبهذا المعنى، أصبح ليس من المستغرب أن يكون مستقبل الاستدامة البيئية، والجهود الدولية المبذولة للتعاون لتحقيق هذه الغاية «موضع شك».
وبالإشارة إلى سعي «الاتحاد الأوروبي»، لتقديم نفسه كقوة عظمى في مجال المناخ»، فقد أشارت «سينزيا بيانكو»، من «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»، إلى إمكانية زيادة التعاون بينه وبين دول الشرق الأوسط، لا سيما الخليجية، بشأن المناخ، والذي يُحتمل أن يكون بمثابة محفز لخفض التصعيد الإقليمي.
وفي إطار هذا الواقع، من المهم أولا تأكيد الوضع البيئي المتدهور في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وكتبت «بيانكو»، أنها «واحدة من مناطق العالم الأكثر تعرضًا لتغير المناخ والتصحر». وحذر «فريدريك ويري»، و«نينار فوال»، من «مؤسسة كارنيجي»، من أن تغير المناخ، «سيؤثر في المنطقة بشكل كبير»، مع ندرة المياه، وارتفاع درجات الحرارة، والتصحر، وهجرة السكان، وانعدام الأمن الغذائي، إضافة إلى «مجموعة من التحديات»، التي يتعين على دول المنطقة مواجهتها».
وترتبط المشكلات البيئية في المنطقة، ارتباطًا وثيقًا بارتفاع درجات الحرارة العالمية، والناجمة عن تفاقم الانبعاثات خلال القرنين الماضيين. وأوضح «ويري»، و«فوال»، أنه «حتى لو اقتصر ارتفاع درجات الحرارة العالمية في نصف القرن المقبل على درجتين مئويتين، «فمن المقرر أن تشهد منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، درجات حرارة تتجاوز هذا المعدل»، مع توقعات بزيادة قدرها 4 درجات بحلول عام 2050».
وفي حين أن الانتشار المتزايد لموجات الحر في المنطقة، وفقًا لتقرير مشترك صادر عن «مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية»، و«الصليب الأحمر»؛ يمكن أن يفرض «ظروفًا تهدد حياة ما يصل إلى 600 مليون شخص»؛ فقد وصفت «بيانكو»، ندرة المياه بأنها «أكثر الشواغل البيئية إلحاحًا في الشرق الأوسط». وأضاف «ويري»، و«فوال»، أن «ما بين 80 و90 مليونًا من سكان المنطقة، سيعانون من أحد أشكال الإجهاد المائي بحلول عام 2025».
ونظرًا إلى ارتفاع درجات الحرارة، وانعدام الأمن المائي، والظروف غير المواتية للحياة، فمن المتوقع أن يؤدي التصحر المتسارع إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في المنطقة، حيث تمثل الزراعة حاليًا «أكبر قطاع مستهلك للمياه في الشرق الأوسط». ولأن معظم دول المنطقة تعتمد بشكل كبير على الواردات الغذائية، حيث يستورد العراق 50%، وتستورد دول الخليج ما بين 80-90%، فمن المرجح أن يؤدي تدهور الوضع البيئي إلى زيادة ضعف شبكات الأمن الغذائي.
ومع تحذير الخبراء الدوليين من الانعكاسات البالغة لتغير المناخ على سكان الشرق الأوسط؛ فإنه يجب اتخاذ «إجراءات فاعلة». وأوضحت «بيانكو»، أنه على الرغم من إهمال ملف السياسة البيئية منذ فترة طويلة، كأولوية مقابل «الأمن السياسي»، فإن تفاقم التغيرات المناخية، يُظهر أن «الارتباط بين القضيتين بات أكثر وضوحًا»، مع الاحتجاجات في إيران والعراق على التلوث، وندرة المياه، و«الهجرة الناجمة عن تغير المناخ». وعليه، أوضح «جيفري ساكس»، من «جامعة كولومبيا»، أن المنطقة ستحتاج إلى «تحول هائل» من أجل «مكافحة مجموعة كبيرة من التأثيرات الناجمة عن تغير المناخ».
وعلى الرغم من أن دول الخليج «قادرة بشكل أفضل للتعامل مع التدهور البيئي»، مقارنة بدول أخرى في المنطقة؛ فقد حرصت على تدعيم «سياسات المناخ الدولية». وينعكس هذا في تعهد العديد منها بخفض مستويات انبعاثات الكربون إلى صافي الانبعاثات الصفري خلال القرن الحادي والعشرين. وقبل «كوب26»، عام 2021، تعهدت «السعودية» بالوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060، مدعومة باستثمارات بقيمة 187 مليار دولار، حيث تخطط لتحويل نصف إنتاجها من الكهرباء إلى مصادر متجددة بحلول عام 2030، وزراعة أكثر من 10 مليارات شجرة لمكافحة التصحر. وأشارت «بيانكو»، إلى كيف أنها أصبحت «نشطة في الدبلوماسية البيئية» من إطلاق «مبادرة الشرق الأوسط الخضراء»، و«استضافة قمة دولية عن التغير المناخي على مستوى الشرق الأوسط في أكتوبر 2021». فيما تعهدت «الإمارات»، بالوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، مدعومة باستثمارات تبلغ 163 مليار دولار. وعلى الرغم من التعهدات المشابهة للعديد من دول العالم المتقدمة للحد من انبعاثاتها؛ فإن الأهداف الموضوعة لا تزال «بعيدة المنال»، لا سيما في سياق إمدادات الطاقة، وأزمة الأسعار في الاقتصادات الغربية.
ويبقى واضحًا، أنه في كل من الغرب والشرق الأوسط، يبدو استهلاك الطاقة «غير متناسب»، مع عدد السكان. وأشار «ويري»، و«فوال»، إلى إسهام منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بنسبة 9.4% من الناتج العالمي للانبعاثات عام 2021، على الرغم من أنها تشكل 6% فقط من إجمالي سكان العالم». في حين أن دولا، مثل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، تعتبر مسؤولة عن 44% من انبعاثات الكربون، على الرغم أنها لا تشكل سوى 14% من إجمالي سكان العالم.
ومع وصول انبعاثات الكربون إلى مستويات مرتفعة في كل من الشرق الأوسط والدول الغربية، فإن هناك حاجة إلى تعزيز التعاون المتبادل مع ضمان أمن الطاقة، والعمل بشأن حماية البيئة بصورة واضحة. وتعليقًا على أن دول الشرق الأوسط «تتحرك ببطء» للتصدي لتهديدات تغير المناخ؛ أوضحت «بيانكو»، أن الدول الأوروبية، «يجب أن تشجع دول المنطقة «للعمل معًا» لأن هذا من شأنه أن يقود إلى «حوار إقليمي»، قادر على تعزيز عمل قضية المناخ، باعتبارها مشكلة عالمية».
ووفق هذا المعنى، أعربت «أوروبا»، عن رغبتها في القيام بذلك، في ضوء البيان المشترك، الذي اعتمدته «المفوضية الأوروبية»، في مايو 2022، بخصوص الشراكة الاستراتيجية مع دول الخليج، والذي يؤكد تعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي والخليج، بشأن «التزامهما للعمل سويا، فيما يخص التخفيف والتكيُف مع تغير المناخ، بما في ذلك الإدارة المستدامة للموارد البحرية، وإدارة المياه، وغيرها من القضايا». وفيما يتعلق بطبيعة الحوافز الأوروبية المعنية بتعزيز التعاون، أوضحت «بيانكو»، أن هذا سيكون بالتشجيع على خلق «علاقات إقليمية أوثق من خلال الحوار المشترك».
علاوة على ذلك، هناك حوافز اقتصادية وسياسية واستراتيجية من شأنها توسيع نطاق التعاون في المجال البيئي، بما فيها نمو حركة التجارة العالمية مع الخليج، والتي بلغت 97 مليار يورو خلال عام 2020. وأوضح بيان الشراكة الاستراتيجية، نية «بروكسل»، «بناء تحالفات ومبادرات تعاون»، والعمل «نحو بناء علاقات أقوى مع دول الخليج»، بشأن قضايا أمن الطاقة وحماية البيئة».
وعلى الصعيد السياسي والأمني، أشارت «بيانكو»، إلى دعم الدول الأوروبية للحوار والتعاون مع منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث «يعتقد صانعو السياسات هناك أن الاستقرار في كل من العراق، وإيران، أمر مهم للحد من تدفقات الهجرة غير النظامية إليهم»، كما أن «التوترات الجيوسياسية، يمكن أن تخلق أرضًا خصبة للجماعات الإرهابية»، لتكتسب نفوذًا بارزا محليًا ودوليًا.
وفيما يتعلق بالإجراءات التي يمكن أن تتخذها أوروبا ودول الخليج، لتعزيز التعاون البيئي؛ توضح «الشراكة الاستراتيجية»، كيف تحرص «بروكسل»، على «تبادل الخبرات»، بما في ذلك «الحد من النفايات، والإدارة المستدامة لها»، كوسيلة «لوضع حد للتلوث البلاستيكي»، فضلاً عن التعاون لتطوير «نظم غذائية مستدامة وصحية وصديقة للبيئة»، وبالتالي «تعزيز الأمن الغذائي العالمي». وعليه، حثت «بيانكو»، على أهمية «البحث العلمي المشترك»، بشأن معالجة التلوث وتحلية المياه والوقاية من العواصف الرملية المدمرة. وكجزء من هذا، أشارت إلى إمكانية «تكرار جديد» لمشروع الاتحاد الأوروبي «إنكونت- جي سي سي2»، والذي كان يهدف، حتى إغلاقه عام 2017، إلى إيجاد قاعدة للتعاون المشترك، لا سيما في مجالات العلوم والابتكار والتكنولوجيا بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج».
علاوة على ذلك، دعا «ساكس»، إلى اندماج دول الشرق الأوسط في «شبكة أوسع»، لنقل الطاقة مع أوروبا، الأمر الذي سيسرع التحول العالمي إلى مصادر طاقة نظيفة ومتجددة مع توفير أمن الطاقة على المدى الطويل لأوروبا». لذلك، أوضح أن المناقشات في قمة «كوب27 «القادمة، يجب أن تركز على تطوير إطار قانوني للتعاون، خاصة أن «الآثار الجيوسياسية لأزمة المناخ»، قادت نحو إدراك أن «كل الدول بما في ذلك الكبرى عليها أن تتعاون، إذا كنا نريد حل الأزمة البيئية بشكل سريع».
ومن وجهة نظر «بيانكو»، فإن «المساهمة الجوهرية» من قبل الأوروبيين في تعزيز العمل المناخي في الشرق الأوسط، تتطلب «تشجيع استثمارات القطاع الخاص في هذا المجال، كوسيلة لإثبات أن الدول لا تزال ملتزمة بتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية، إلى جانب البيئية». وفيما يتعلق بما يمكن أن تقدمه هذه الاستثمارات، أوضحت أنه «يجب على المستثمرين الأوروبيين توجيه جهودهم للاستثمار في محطات تحلية المياه، التي تعمل بالطاقة المتجددة، والمساعدة في «تطوير البنية التحتية لمنطقة الخليج، وإدارة ومعالجة مياه الصرف الصحي.»
وحول الجهود الدبلوماسية الأوروبية والجيوسياسية الإقليمية، كتبت «بيانكو»، أن التشجيع على التعاون داخل الشرق الأوسط، بشأن العمل المناخي، «يمكن أن يعزز أيضًا خفض التصعيد بين دول الخليج وإيران». ففي حين أن تركيز المحادثات بشأن «الخطوط الحمراء» الخليجية، والمتمثلة بالدعم الإيراني لوكلائها ومع ما تبعه من زعزعة الاستقرار إقليميًا، ورؤية طهران للوجود العسكري الأمريكي في المنطقة على أنه يمثل «عقبة أساسية» للتحاور مع الخليج؛ فقد رأت «بيانكو»، أن «الحوار المشترك بشأن معالجة قضايا الأمن المناخي والبيئي من الممكن أن «يدفع نحو عملية خفض التصعيد، لكنها رغم ذلك، أشارت إلى أن عملية الحوار بين إيران ودول الخليج، والتي شملت مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة عام 2021، «لا تزال هشة للغاية».
على العموم، مع استضافة قمة المناخ «كوب27»، في مصر في نوفمبر الجاري، من المقرر أن تستضيف الإمارات الدورة القادمة للقمة عام 2023، بما يعني أن دول الشرق الأوسط، أدركت الحاجة الملحة لمعالجة القضايا البيئية، وتجنب آثارها الضارة، مثل ارتفاع درجات الحرارة العالمية، وما ينتج عنها من «موجات حر، وعواصف رملية، وندرة مياه، وجفاف، وانعدام الأمن الغذائي». ومن ثمّ، رأت «بيانكو»، أن كلا من كوب27 و28، يمكن أن تكونا «فرصة سانحة للمشاركة الإقليمية في حماية الأمن البيئي».
وفي هذا الصدد، يمكن للدول الأوروبية تقديم المساعدة من خلال «التعاون المشترك»، و«تعزيز دور الاتحاد الأوروبي في الحفاظ على التزاماته والتصدي لتداعيات ظاهرة تغير المناخ في المنطقة بشكل متزايد».