top of page
25/4/2019

لماذا يتوقع الأوروبيون فشل «صفقة القرن»؟

مع قرب الإعلان عما يُسمى «صفقة القرن» دعا 31 رئيس حكومة ووزير خارجية سابقين ينتمون إلى 19جنسية أوروبية في مذكرة إلى الاتحاد الأوروبي، إلى إقرار تأييده لحل الدولتين للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، مطالبين بعدم تأييد الصفقة في حال لم تحترم هذا المبدأ والقانون الدولي، وفي حال لم تكن عادلة مع الفلسطينيين.
وجاء في المذكرة: «أن أوروبا تقف إلى جانب المعايير المبدئية للسلام، وأن عليها أن تتبنى وتدعم خطة تحترم المبادئ الأساسية للقانون الدولي، وتعكس مبادئ الاتحاد الأوروبي، خاصة أن سلاما دائما يستوجب قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، وفي حدود عام 1967. مع تبادل أراض متفق عليه، وأن تكون القدس عاصمة للدولتين، وترتيبات أمنية تستجيب لمخاوف الجانبين وتحترم سيادتهما مع حل عادل لقضية اللاجئين». وفي هذا الصدد، فإن على الدول الأوروبية، «رفض أي خطة لا تستوفي هذه المعايير»، أو تمس جهود صنع السلام السابقة في إشارة صريحة إلى رفض ما يُسمى «صفقة القرن» التي يفترض أن تطلقها إدارة الرئيس «دونالد ترامب» قريبا. 
واعتبروا أنه من الأفضل أن تعمل أوروبا إلى جانب الولايات المتحدة، لكن في حال «تضرر المصالح والقيم الأوروبية، فإنه يتعين عليها أن تسير في مسار منفصل»، مؤكدين أن «الإدارة الأمريكية الحالية ابتعدت عن ثوابت السياسة الأمريكية السابقة»، والدليل على ذلك اعتراف ترامب بـ«الأحقية أحادية الجانب بمدينة القدس»، ونقل السفارة الأمريكية، وإظهاره «لامبالاة تجاه التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية، وقطع المساعدات المخصصة للاجئين الفلسطينيين، في مقامرة بأمن واستقرار عدد من الدول الواقعة على عتبة أوروبا». 
وبدورها، أشادت السلطة الفلسطينية بالمذكرة، مؤكدة، أن «تجربة أوروبا في اعتماد القانون الدولي، واحترام حقوق الغير أثبتت نجاعتها في إحقاق السلام والاستقرار بين الجيران والشركاء الأوروبيين، وأن هناك فرصة لاعتماد هذه المعايير في مبادرة أوروبية أمام مخاطر استبدال القانون الدولي وروح العمل الجماعي دوليا بالأحادية القطبية».
وكان «جاريد كوشنر» صهر الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، وأحد مستشاريه، قد أعلن أن واشنطن ستقدم خطتها للسلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين بعد الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، و«سيتعين على الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي تقديم تنازلات بشأنها».
ورغم عدم إعلان الإدارة الأمريكية عن مضمون الصفقة بشكل رسمي، إلا أن معالمها قد بدأت في التشكل، وهو ما قاله «هنري ستوري»، لموقع «فورين بريف»، من أنه «يوجد العديد من الإشارات الدالة على جوهر هذه الخطة على الرغم من السرية التي يستخدمها كوشنر». ووفقا لصحيفة «واشنطن بوست» فإن الخطة تتحدث عن حكم ذاتي، وتقوم على ربط عملية السلام بالجانب الاقتصادي، واعتراف الدول العربية بإسرائيل، كما لا تضمن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم، واحتفاظ إسرائيل بحق السيطرة الأمنية على الحدود مع الأردن»، وهو ما أكده وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي «جيلاد إردان» ترحيبًا بعدم إشارة الصفقة إلى دولة فلسطينية. ووفقا لصحيفة «هارتس» الإسرائيلية، تعرض الصفقة على الفلسطينيين ضاحية «أبو ديس» لتكون عاصمة للدولة الفلسطينية، بدلاً من القدس». 
ولا تتوقف النتائج الكارثية لصفقة القرن عند هذا الحد، حيث أعلن «نتنياهو» قبل أيام من الانتخابات الإسرائيلية التي فاز فيها عزمه ضم مستوطنات الضفة الغربية إلى إسرائيل. وقال فيما يمثل خطوة غير مسبوقة إن «جميع المستوطنات في المنطقة من دون استثناء، يجب أن تبقى تحت السيادة الإسرائيلية». ووفقا لصحيفة «فاينانشيال تايمز»، فإن «فوز» نتنياهو سيشجعه بالفعل على ضم جميع المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة»؛ في خطوة «تقضي على أي أمل باقٍ في قيام دولة فلسطينية مستقلة، وتقطّع أوصال الأجزاء الباقية من أراضي الضفة الغربية إلى كانتونات منفصلة». وكما يصف «هادي عمرو»، من «معهد بروكينجز»، فإن القيام بذلك، «يضع نهاية لحل الدولتين الذي جاءت به اتفاقيات أوسلو ودعمته الولايات المتحدة طوال ربع قرن». وأكد المحلل السياسي الأمريكي، «دانيال بايبس»، أن «صفقة القرن تمكن الدولة الفلسطينية من منطقتي «أ» و«ب» في الضفة الغربية، وأجزاء من المنطقة «ج» فقط، وتعطيها عاصمة قرب القدس، وليس فيها».
عزز من ذلك، أن التصريحات الأمريكية أكدت دعمها لأي خطوة إسرائيلية قد تتعلق بالضفة الغربية، واعتبر وزير الخارجية الأمريكي، «مايك بومبيو»، أن حديث «نتنياهو» حول فرض السيادة الإسرائيلية على مستوطنات الضفة الغربية، لن يؤذي خطة واشنطن المنتظرة للسلام، ما يمهد لابتلاع إسرائيل لأراضي الضفة. 
وعند تحليل السياق الذي يحاول فيه «كوشنر» التوصل إلى طرح هذه الصفقة، نجد أنه قد وضع نهجًا جديدًا لحل النزاع، لم يتم صياغته على أساس سياسي، بل على أساس اقتصادي؛ بما يعنى تحلل الإدارة الأمريكية من منظومة القانون الدولي. وبحسب بعض المحللين، فإن «كوشنر» يمثل سياسة الإملاءات، بدلاً من المفاوضات واحترام القانون الدولي والالتزام بقرارات الأمم المتحدة التي تنصلت منها إدارة ترامب. 
وتراهن الإدارة الأمريكية على الأزمات المالية التي تعانى منها السلطة الفلسطينية لتمرير صفقتها، ووقف المساعدات الأمريكية التي كانت تقدر بحوالي 750 مليون دولار سنويا، وإيقاف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، الأمر الذي أصبحت معه السلطة عاجزة عن دفع مرتبات الموظفين والإنفاق على التعليم والصحة والكهرباء والمياه. ولعل هذا الوضع هو ما تتطلع إليه واشنطن وتمهد له؛ ضمانا لتمرير صفقتها، وهو ما أكده «كوشنر»، بقوله: إن «الإدارة الأمريكية سعت إلى طرح مقترحات واقعية، وحل عادل في خطة السلام حتى تساعد على تحسين حياة الناس».
وعليه، جاء الرفض الأوروبي من خلال هذه المذكرة كاشفًا عن إجحاف الصفقة بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، وتناقضها مع جميع القرارات الدولية، خاصة أن الموقف الأوروبي بقي ثابتًا ولم يتغير من القضية، فهو مؤيد لإقامة دولة فلسطينية وفق «حل الدولتين»، ولتحقيق ذلك اشترك الاتحاد الأوروبي في عام 2001 في تشكيل «اللجنة الرباعية الدولية» المكونة منه ومن روسيا والولايات المتحدة والأمم المتحدة، التي أكدت أن «قرارات الشرعية الدولية هي الإطار المرجعي الوحيد لحل الصراع وإقامة الدولة الفلسطينية». 
وغالبا، ما تصطف المواقف الأوروبية بجانب الحق الفلسطيني، ومن ذلك، اتخاذ البرلمان الأوروبي قرارًا بالاعتراف بدولة فلسطين، ودعم حصولها على مقعد دولة مراقب في الأمم المتحدة، وحملات مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها المعروفة اختصارا بـ«BDS»، باعتبار أن الضفة الغربية والجولان ليستا جزءا من إسرائيل، فضلا عن حملات المقاطعة الأكاديمية. يضاف إلى ذلك إصدار الاتحاد الأوروبي قرارا «لم يعتبر فيه مناهضة الصهيونية وحملات مقاطعة إسرائيل ممارسات معادية للسامية». 
ومؤخرًا، أعلن الاتحاد في بيان رسمي رفض الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على هضبة الجولان السورية تماشيا مع قراري مجلس الأمن الدولي (242 و497)، وكذلك رفضه الاعتراف بقرار نقل السفارة الأمريكية للقدس وتأكيده على أن «حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في إطار اتفاق حل الدولتين، وأن تكون مدينة القدس الشرقية المحتلة عاصمة لدولة فلسطين». وتأتي المواقف الأوروبية الرافضة لسياسات ترامب؛ وفق رؤيتها لحل الصراع، التي تقوم على احترام قواعد النظام والقانون الدولي. 
ومع ذلك، فإن اقتصار هذه المواقف على التصريحات والبيانات جعل منها دورًا مكملاً لا يرتقي -وغالبًا- لا يسعى إلى منافسة الدور الأمريكي، ولا حتى لمستوى دوره الاقتصادي والتمويلي، ولا يتناسب مع حجم أوروبا وإمكانياتها السياسية والاقتصادية، ولا ارتباطاتها التاريخية في المنطقة. وباختصار «تقدم الولايات المتحدة دعمًا قويا لإسرائيل، بينما يحاول الاتحاد الأوروبي محو الفوضى التي تخلفها التجاوزات الإسرائيلية». 
ووفقا لعديد من المحللين، فإن ذلك يرجع إلى عدة عوائق تحد من قوة تأثير الاتحاد في تدخله بعملية السلام؛ منها «طبيعية النظام الإجرائي والهيكلي وآلية اتخاذ القرار في السياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد، إضافة لاختلاف وجهات النظر تجاه حل الصراع الفلسطيني، بين الدول الكبرى فيه مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا. كما أن محدودية القدرات العسكرية الأوروبية جعلتها غير قادرة على تحدي ومنافسة الموقف الأمريكي، كما أن إسرائيل تفضل رعاية الولايات المتحدة لعملية السلام بسبب عجز أوروبا عن تقديم ضمانات أمنية لها مثل التي تقدمها أمريكا، فضلا عن الآثار المترتبة على طبيعة علاقات الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة وحجم المصالح الاستراتيجية بينهما، الأمر الذي أدى إلى عدم تطور الرفض الأوروبي من هذه السياسات إلى موقف فعلي.
ومع ذلك، فلابد أن تعترف أوروبا بأن النهج القائل إن «الولايات المتحدة هي المنوطة بحل الصراع»، هو نهج محكومٌ عليه بالفشل. وقد بات من الجلي بعد عقدين من المفاوضات الثنائية برعاية أمريكية أن جهودها لحل الصراع عبثية وتُفضي إلى نتائج عكسية. ومن ثمّ، يجب على الاتحاد الأوروبي أن يمارس سياسة أكثر فاعلية. ولعل في تجارب (البوسنة وكوسوفو وتيمور الشرقية وجنوب إفريقيا) خير دليل. وفي الوقت الذي تُقرّ الدول الأوروبية بهذا الواقع وتتصرف على أساسه، فإنها سوف تجد القوة والشرعية لاقتراح سياسات خاصة بها تتماشى مع أهدافها للجوار الأوروبي، ومعاييرها الأخلاقية، وقوانينها، وهو ما أكدته المذكرة في نصها «جاء الوقت من أجل أن تقف أوروبا إلى جانب معاييرنا المبدئية للسلام».
وتشير المواقف المختلفة إلى إمكانية تطور دور العديد من الدول الأوروبية، من خلال دعم الخطوات الفلسطينية بالمؤسسات الدولية، والاعتراف بدولة فلسطين كأساس لعملية السلام. ويعتمد هذا على قدرة الفلسطينيين على وضع خطة ضمن إجراءات واضحة تؤهلها للتوجه إلى القانون والمؤسسات الدولية، خاصة أنه في ظل غياب الصيغة الفلسطينية الواضحة، فإن كل محددات السياسة الأوروبية الخارجية تجعل من فرص الاتحاد الأوروبي ضعيفة للتطوير من دوره السياسي أو لرعاية عملية السلام.
على العموم، إذا كانت سياسة أوروبا تهدف إلى إقامة دولتين لشعبين فلسطيني وإسرائيلي، فعليها أن تتبنى موقفا سياسيا يتجاوز الإدارة الأمريكية، خصوصا في عهد ترامب، لأن السلام لا يقوم على إهدار الحقوق التاريخية والقانونية، ولا يمكن للشعب الفلسطيني أن ينسى أرضه التي سلبت قهرًا. والحديث عن أي مخطط لا يتضمن العودة إلى حدود ما قبل 1967. ويقيم دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية لن يكتب له أن يرى النور. 

{ انتهى  }
bottom of page