17/10/2022
بعد قرار أوبك خفض الإنتاج.. رؤى متوازنة للعلاقات السعودية - الأمريكية
أثار قرار «أوبك بلس» في أكتوبر 2022، بخفض إنتاجها من النفط، بما يصل إلى مليوني برميل يوميًا اعتبارًا من أول نوفمبر، انتقادات واسعة من قبل المحللين والسياسيين الغربيين، وخاصة من الولايات المتحدة، التي اعتبرته ضد مصالحها السياسية والاقتصادية، ويلحق الضرر بفرص الحزب الديمقراطي في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في نوفمبر 2022، كما اعتبروه انحيازا إلى روسيا في حربها ضد أوكرانيا، وتأييدا من السعودية لمصالحها الاقتصادية والسياسية رغم شراكتها الأمنية طويلة الأمد مع «واشنطن»؛ وهى المزاعم التي نفتها «الرياض»، واعتبرتها تصريحات «لا تستند إلى الحقيقة والواقع».
ومن جانبها، قامت «السعودية»، بالرد وتفنيد كل هذه الادعاءات، مؤكدة أنها «لا تسيس النفط، ولا تراه إلا كسلعة تهدف إلى تحقيق الاستقرار»، وأن القرار اتُخذ بالإجماع من منظور اقتصادي مراعيًا توازن العرض والطلب في الأسواق، وأن خفض الإنتاج جاء من أجل كبح تقلبات سوق النفط، بدليل أن أسعاره انخفضت ولم ترتفع، مشيرة إلى أن «أوبك بلس» لا تعمل لفائدة الاقتصاد الأمريكي فقط، بل تعمل لصالح الاقتصاد العالمي، وترعى مصالحها ومصالح المستهلكين».
وعلى خلفية هذه الاتهامات، تناولت وسائل الإعلام الأمريكية في مقالاتها وتحليلاتها، تأثير القرار على الجانب الأمريكي من منظور أحادي فقط، من دون مراعاة لأسباب اتخاذه، والعوامل التي أدت إلى ذلك، وعلى سبيل المثال، أشار «ديريك بروير»، و«ديفيد شيبارد»، و«أندرو إنجلاند»، و«فيليسيا شوارتز»، في صحيفة «فاينانشيال تايمز»، إلى أن «أوبك»، ومستوردي النفط الغربيين كانوا متجهين إلى نوع من الاصطدام، وهو ما بدا واضحًا، بعد ثلاثة أشهر من زيارة الرئيس «جو بايدن»، إلى السعودية.
وعقب إعلان «أوبك بلس»، قرارها، تركزت الانتقادات على تأثيره في «تقويض الأسواق المالية الغربية»، و«تعزيزه للاقتصاد الروسي»، حيث اعتبروه بمثابة «لوم علني» لجهود تقارب «بايدن» مع دول الخليج. وأشار «روجر ديوان»، من شركة «ستاندرد أند بورز جلوبال كوموديتي إنسايتس»، إلى أن من شأنه «دفع أسعار الخام إلى أعلى» (الأسعار انخفضت). وعلقت صحيفة «فايناشيال تايمز»، بأنه يمثل «تهديدًا للاقتصاد العالمي»، بسبب التضخم، و«تزايدا لقلق المستهلكين بشأن أسعار الطاقة ونقص إمداداتها».
علاوة على ذلك، ذكر بعض المحللين، أن أعضاء «أوبك بلس»، يضعون مصالح روسيا الاقتصادية فوق المصالح الأمريكية. وكتب «ألكسندر لانجلوا»، من «المعهد الجمهوري الوطني للشؤون الدولية»، أن القرار يعكس «صفقة مقايضة بين موسكو والرياض ودول رئيسية أخرى منتجة للنفط». وأوضح كل من «بروير»، و«شيبارد»، و«إنجلاند»، و«شوارتز»، أنه بمثابة «تحالف نفطي مع موسكو».
وتبرز الدلالة الأكثر أهمية، أن «واشنطن»، كانت قد وجهت انتقادات إلى «الرياض»؛ قبل اتخاذ قرار خفض الإنتاج، بسبب موقفها من الحرب الأوكرانية، بزعم أنها في «تحالف» مع «موسكو» ضد «واشنطن»، وقد نفت السعودية هذه الادعاءات، مؤكدة أنها صوتت إلى جانب أوكرانيا في كل القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة وأن موقفها من هذه الأزمة مبني على مبادئ القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، واحترام سيادة الدول وسلامة أراضيها واستقلالها السياسي، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية. فيما حافظت على خطوط اتصال مع روسيا وأوكرانيا، لدعم جهود الوساطة، ووقف إطلاق النار، وحل الأزمة سياسيا، وتسوية النزاع من خلال المفاوضات، وقد نجحت وساطتها في عملية تبادل الأسرى بينهما.
ووفقا للعديد من المراقبين، فإن هذه التطورات تشير إلى التباين الواضح في المواقف بين «واشنطن»، و«الرياض»، وتثير الشكوك حول طبيعة الشراكة طويلة الأمد بين البلدين. وبينما وصف مستشار الأمن القومي الأمريكي، «جيك سوليفان»، قرار «أوبك بلس»، بأنه «قصير النظر»، وتوعد باللجوء إلى «أدوات وسلطات إضافية»، لتقليل «سيطرة الرياض على أسعار الطاقة»، الأمر الذي اُعتبر من قبل منظمة أوبك «تدخلاً في شؤونها وهو ما اعتبرته السعودية تدخلاً في شؤونها»؛ فقد دعا عدد من أعضاء «الكونجرس»، إلى اتخاذ إجراءات تمس المملكة؛ بما في ذلك «وقف بيع الأسلحة لها»، و«الدعوة إلى الانسحاب الأمريكي من المنطقة»، لكن ذلك في حال تنفيذه لا يخدم مصالح «واشنطن» بالدرجة الأولى، ولا يحفظ أمن واستقرار المنطقة التي هي من أهم المناطق الاستراتيجية بالنسبة إليها».
وعلى الرغم من أنه من غير المحتمل تنفيذ هذا الأمر على المدى القصير، فإن اعتراف «البيت الأبيض»، بأن «بايدن»، سيعيد «تقييم» علاقات بلاده مع «الرياض»، في ضوء الأحداث الجيوسياسية الأخيرة، يفرض بدوره تحولا في تلك العلاقات على المدى الطويل، ومن جانبها رحبت السعودية بالحوار ودعت إليه، معتبرة علاقاتها مع واشنطن استراتيجية، لكنها لا تقبل الإملاءات، وترفض أي تصرفات أو مساع تهدف إلى تحوير الأهداف السامية التي تعمل عليها لحماية الاقتصاد العالمي من تقلبات الأسواق البترولية إلى شأن سياسي بحت.
وبالفعل، قدم السناتور الديمقراطي، «ريتشارد بلومنتال»، والنائب الديمقراطي «رو خانا»، «تشريعًا إلى مجلسي الشيوخ والنواب من شأنه وقف جميع مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى السعودية»، فضلا عن «وقف مبيعات قطع الغيار والإصلاح، وخدمات الدعم اللوجستي، بالإضافة إلى تكنولوجيا الحرب». واستندا في حجتهما إلى النفوذ الذي يعتقدان أن واشنطن لا تزال تمتلكه مع السعودية، موضحين أنها تعتمد بشكل كبير على المساعدة الدفاعية الأمريكية»، وأنها «لا يمكنها أن تستغني عن واردات شركات الدفاع الأمريكية لتكوين شراكة مع روسيا، أو الصين قد تؤول بها إلى الحصول على أنظمة أدنى بكثير من الأمريكية، كما أن تلك الأنظمة لم يكن لها قابلية التشغيل البيني مع ترسانة أسلحتها الحالية».
وعلى الرغم من الدعوات للولايات المتحدة لتقليص أو تجميد علاقاتها مع السعودية، نلاحظ أنه لا تزال هناك دعوات أكثر عقلانية تطالب بالحفاظ على وجودها في المنطقة، على أساس المزايا الاستراتيجية المتاحة من وراء ذلك. وأوضح «ديفيد فليكينج»، من وكالة «بلومبرج»، أنه «في حالة سحب واشنطن وجودها العسكري من المنطقة»، فإن قوى أخرى «ستتدخل وتحمي تجارة النفط الخام، التي تبلغ قيمتها تريليون دولار»، وربما يكون المرشحون «الأكثر قابلية للقيام بهذا الدور هما الهند، والصين.
ومن منظور استراتيجي بحت، أشار «فليكينج»، إلى أنه في حالة اندلاع صراع مع الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ؛ فإن «القوة البحرية الأمريكية في الخليج والمحيط الهندي «ستوفر لواشنطن «خيارات استراتيجية؛ منها خفض تدفق نفط الشرق الأوسط إلى آسيا». وإذا سحبت الولايات المتحدة وجودها ردًا على الخلافات السياسية مع شركائها الخليجيين، فسوف تتخلى عن النفوذ الذي قد تمارسه ضد القوى العالمية الأخرى. وأوضح «بيتر بيكر»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، أنه سيتعين على «بايدن»، اتخاذ «خيارات بديلة»، سواء عبر «التمسك بسياسته المتمثلة في استمالة السعودية»، أو اتخاذ «إجراءات مضادة».
وفي حين أن «واشنطن»، يمكن أن تهدد بسحب قواتها ودفاعاتها من المنطقة -كما أشير- فإن البيت الأبيض لم يظهر حتى الآن أي نية للقيام بذلك، إدراكًا منه للمزايا الاستراتيجية الأوسع لوجوده في الشرق الأوسط. وأوضح «بيكر»، أن الإجراءات المضادة المحتملة من قبل الولايات المتحدة محدودة أيضًا، ولديها «مخاطرها»، و«نتائجها غير المؤكدة»، وأن خططها للإفراج عن ملايين براميل النفط الإضافية من الاحتياطي البترولي الاستراتيجي المحدود لديها، أمر «محفوف بالمخاطر»؛ لأن الاحتياطي «الآن عند أدنى مستوى له منذ أربعة عقود»، ما يعني خطورة سحب المزيد من الإمدادات الاحتياطية التي تحتاجها بلدان العالم عادة حينما تتعرض لخطر «نقص احتياطاتها في حالة الحرب أو الكوارث الطبيعية»، وليس ردًا على خلافات سياسية بحتة.
ومع ذلك، فإن الخطاب المتزايد حول انسحاب محتمل للولايات المتحدة من المنطقة قد فتح الباب أمام نقاشات حول طبيعة علاقة روسيا المستقبلية مع دول الخليج. وكتب «مارتن تشولوف»، في صحيفة «الجارديان»، أن العلاقات بين موسكو والرياض هي الآن «في ذروة مراحلها»؛ ووصف «أندرو وايس»، و«ياسمين ألكسندر»، من مؤسسة «كارنيجي للسلام الدولي»، العلاقة بينهما بأنها «مزدهرة»، ومبنية على «اعتبارات تجارية، وليس على تلبية متطلبات الأمن القومي»، كما أن هناك عنصرا آخر من المرجح أن يجعل «موسكو»، والخليج أكثر قربًا، وهو تحديد سقف أسعار لمبيعات صادرات الطاقة الروسية من جانب الدول الغربية. وكتب الباحثان، إن أعضاء أوبك الخليجيين، «قد يكون لديهم الكثير من الحوافز لتخريب هذا الأمر»؛ لأن هذا السقف من شأنه أن يتسبب في عدم استقرار السوق العالمية، وكذلك تقويض نفوذ أوبك+.
ورغم الانتقادات المتزايدة لأعضاء «أوبك»، وفي مقدمتها دول الخليج، بزعم تعاونها مع موسكو، تجدر الإشارة إلى أن بعض المحللين اعترفوا بأن قرار المجموعة، ليس مبنيًا على دوافع سياسية، وأن التصريحات الأمريكية لا تستند إلى الحقائق، وتحاول تصوير القرار خارج إطاره الاقتصادي، بل اعترفوا أيضًا بأحقية الموقف الخليجي، بناءً على رؤية شريك أمريكي بات أقل موثوقية، ورغبة في مزيد من الاستقلال الذاتي في علاقاته الدبلوماسية والاقتصادية العالمية.
وبهذا المعنى، أشار «ستيفن كوك»، من «مجلس العلاقات الخارجية»، إلى أن دول الخليج «مرت بعشرين عامًا ماضية تخللها الكثير من العجز والضعف الأمريكي»، كما أن واشنطن لم تعد «مصدر الأمن، والاستقرار في المنطقة كما كانت». وأضاف «بروير»، و«شيبارد»، و«إنجلاند»، و«شوارتز»، أن قرار أوبك، أعطى «ثقة جديدة»، للرياض، «بأنها تستطيع التحرر من الضغط الأمريكي، والعمل بما يخدم مصالحها الاقتصادية». وأشار «فليكينج»، إلى أنه «إذا بدت البلدان المصدرة للنفط في العالم عنيدة في علاقاتها مع واشنطن»، فذلك لأنها «تدرك أنها لن تحرك ساكنًا، وهي لا تريد تحمل مسؤولياتها المعتادة».
في غضون ذلك، رفض «جيسون جرينبلات»، المبعوث السابق للبيت الأبيض في الشرق الأوسط، التوقعات الغربية، بشأن انصياع دول الخليج وراء الإملاءات الأمريكية، مؤكدًا أن «الرياض»، و«أبو ظبي»، ليستا «دولتين تابعتين للولايات المتحدة». وعلق بأن الانتقادات الموجهة إليهما من أعضاء الكونجرس «مخادعة، وغير نزيهة، ومسيسة إلى حد كبير»؛ نظرًا إلى تجاهلها أن أعضاء أوبك لديهم أيضًا «مصالحهم واستراتيجياتهم الوطنية الخاصة»، كما أكد أيضًا عدم امتلاك واشنطن «الحق في إخبارهما بوضع خططهما جانبًا»، مشيرًا إلى أنه «لم تكن هناك حاجة إلى مبادرات تصالحية» من إدارة «بايدن»، لو كانت تعاملت مع علاقاتها مع السعودية بشكل أفضل عندما تولت مهامها الرئاسية عام 2021.
أما يتعلق بالمجال الجيوسياسي، فقد أكد «لانجلوا»، أن الرياض، كانت «تتسم بالواقعية عند دعمها لمصلحتها الذاتية بصورة عقلانية، وبشكل أكثر فاعلية بكثير من واشنطن». وأوضح «روبن ميلز»، الرئيس التنفيذي لشركة قمر للطاقة، أنه في حين أن القادة السعوديين السابقين «كانوا أكثر حساسية لمراعاة مشاعر الولايات المتحدة»، فإنه «من المحتمل أن يفعلوا نفس الشيء» في الوقت الراهن إذا ما اقتضت المصلحة ذلك».
علاوة على ذلك، تم انتقاد الإدارة الأمريكية بسبب تعاملها مع أزمة إمدادات النفط العالمية. وأفاد «جيمي ديمون»، من بنك «جي.بي مورجان تشيس»، أن «واشنطن»، «كان ينبغي أن تضخ المزيد من واردات النفط والغاز»، منذ اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، حيث كانت تتبنى دور «المنتج المتأرجح» في سوق النفط العالمية، وليس السعودية. وتجدر الإشارة، إلى أن المنتج المتأرجح يستطيع زيادة أو تقليل المعروض من السلع بأقل تكلفة داخلية إضافية، وبالتالي يمكنه التأثير في الأسعار وتحقيق التوازن في الأسواق. وأشارت «أمريتا سين»، من مؤسسة «إنرجي أسبكتس»، إلى أن التهديدات بالتداعيات الأمريكية على سوق الطاقة، لا تمثل خطرًا كبيرًا؛ لأن «أيام إنتاج ملايين البراميل يوميًا» في الولايات المتحدة «ولت»، وتتمتع دول أوبك «بحرية أكبر بكثير»؛ لأنها لا تحتاج إلى «الخوف من أية زيادة مفاجئة» في إنتاج الغاز الصخري الأمريكي وتصديره».
وكتب «جوناثان بانيكوف»، من «المجلس الأطلسي»، أن «المشكلة الأساسية، التي تعيق العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية هي «التوقعات الثنائية المتطلبة من كلا الجانبين»، حيث تفضل الأخيرة بشكل واضح شكلاً من أشكال «العلاقة» غير المقيدة مع روسيا والصين، في حين تحافظ واشنطن على تفضيلها «للشراكات الاستراتيجية طويلة الأمد» بشروطها الخاصة.
على العموم، فإنه على الرغم من الطابع الهجومي الذي ساد التناول الإعلامي الأمريكي بشأن قرار «أوبك بلس»، خفض الإنتاج، فقد رفضت «السعودية»، تحميلها المسؤولية، واختزال قرار المجموعة باتفاق يجمع السعودية وروسيا بمعزل عن بقية الدول الأعضاء الـ23، خاصة أنه قرار سيادي كان يقتضي من الولايات المتحدة احترامه.
وهنا يبقى، أن نرى ما إذا كان «بايدن»، سينصاع وراء بعض أصوات حزبه بالبحث عن تغييرات في العلاقات السياسية التي تربط واشنطن بالرياض، أم سيعمل على اقتفاء الحذر والتقارب مرة أخرى معها، خاصة أن هناك حاجة لواشنطن في التعاون والشراكة فيما يخص العديد من القضايا بين البلدين، وأهمها قضية إيران، وبرنامجها النووي والحد من تأثيرها في أمن الخليج، الذي هو أحد أهم الممرات المائية لحركة ناقلات النفط والتجارة العالمية، الأمر الذي يجعل من الأفضل احتواء التوتر الحاصل، وأن يجد البلدان حلولاً لخفض التوتر والتصعيد لخدمة مصالحهما في الأمن والاستقرار.