14/10/2022
دلالات تراجع «تراس» عن خططها الضريبية.. وجهة نظر غربية
بعد أقل من شهر من توليها المسؤولية، تواجه حكومة المحافظين، برئاسة ليز تراس، عاصفة سياسية، بشأن التغييرات المقترحة لقوانين الضرائب في المملكة المتحدة. وكشفت الميزانية المصغرة، التي أعلن عنها وزير الخزانة كواسي كوارتنج، في نهاية سبتمبر 2022، عن خطط لإلغاء أعلى نسبة (45%) من ضريبة الدخل المدفوعة على الأرباح التي تزيد على 150 ألف جنيه إسترليني، الأمر الذي علق عليه صندوق النقد الدولي، بأنه من المرجح أن يزيد من عدم المساواة، في وقت يمثل أزمة بالنسبة إلى الملايين من ذوي الدخل المنخفض.
وعلى الرغم من ضغوط المعارضة عليها لإعادة النظر في خططها الضريبية، تراجعت الحكومة عن قرارها، مع إصرار كوارتنج على أنه تحدث إلى الناس، واستمع إليهم. ومع ذلك، اعتبر مارك لاندلر، وستيفن كاسل، في صحيفة نيويورك تايمز، الأمر تحولًا مهينًا، يترك أجندة تراس الاقتصادية في حالة يرثى لها، وسيطرتها على مقاليد الأمور غير مؤكدة.
وشجع وضع الحكومة الحرج، تساؤل المراقبين عن مستقبل تراس السياسي، واحتمالات استيلاء حزب العمال، بقيادة كير ستارمر، على السلطة في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها عام 2024 أو قبل ذلك. ونظرًا إلى أن حزب ستارمر، يتفوق في استطلاعات الرأي الأخيرة، فإنه يجب النظر في السياسات التي من المحتمل أن يتم سنها في حالة انتهاء فترة ولاية المحافظين التي استمرت 12 عامًا بالحكومة في الانتخابات العامة القادمة.
ووفقا لـ لاندلر، وكاسل، فإن التراجع عن قرار الخفض الضريبي -بما مجموعه 45 مليار جنيه إسترليني- أصبح يمثل عبئا سياسيا. ومع فزع الأسواق من هذا القرار، وإلغاء زيادة مخططة في ضريبة الشركات من 19 إلى 25، وانخفاض قيمة الجنيه البريطاني إلى مستوى قياسي مقابل الدولار؛ فقد تدخل بنك إنجلترا، للحفاظ على ظروف السوق في استجابة غير عادية للسياسة المالية الحكومية.
وعلى الصعيد السياسي، فإن تأكيد كوارتنج، أن الخطط الضريبية للحكومة سببت القليل من الاضطراب؛ قد فشل في التعبير عن الضرر الحقيقي الذي أحدثته القرارات، حيث انخفض معدل تأييد تراس، من -9 إلى -37 خلال فترة أسبوع واحد فقط، وعارض 55 من البريطانيين أداءها في القيادة. وتعكس المعدلات المنخفضة لتأييدها، مقارنة بسلفها، بوريس جونسون، أدنى رقم مسجل والذي يبلغ (-42). وأوضحت راشيل وولف، المستشارة السابقة لحزب المحافظين، أن تبني أجندة اقتصادية طموحة، من دون تفويض انتخابي للقيام بذلك، يعد كارثة سياسية، مع تأثير ذلك على تصور أن رئيسة الوزراء، تبدو غير مكترثة، بتكلفة أزمة المعيشة المستمرة التي تؤثر في الملايين في بريطانيا.
من ناحية أخرى، تواجه تراس، تمردًا، داخل حزبها أيضًا. ووفقًا لـ«لاندلر، وكاسل»، تم اتخاذ قرار التخفيضات الضريبية فقط من أجل تجنب تمرد شامل في مجلس العموم. ووصف مايكل جوف، وزير شؤون مجلس الوزراء السابق، الحكومة بأنها ليست محافظة، ورفض الميزانية المصغرة؛ لأنها تتطلب زيادة هائلة في الاقتراض الحكومي. في حين أشار النائب المحافظ، جورج فريمان، إلى ذلك باعتباره أزمة خطيرة مع بقاء مستقبل حزب المحافظين على المحك. واتهمت سويلا برافرمان، وزيرة الداخلية، بعض نواب حزب المحافظين بالقيام بانقلاب من خلال الضغط على الحكومة لعكس خططها الاقتصادية، وسجلت أيضًا خيبة أملها في تراس وكوارتنج، لامتثالهما لهذه المطالب.
وعلى الرغم من أن النائب المحافظ، مارك هاربر، قد دعا الحكومة إلى الانضباط، والنواب للحفاظ على وحدة الحزب، وحث وزير الخارجية جيمس كليفرلي، زملاءه للحفاظ على الآراء السياسية على طاولة مجلس الوزراء، في ظل إجبار رئيسين سابقين لوزراء حزب المحافظين على ترك منصبيهما من قِبل نواب برلمانيين؛ فإنه ليس من المفاجئ أن تلقى تراس، مصيرا مشابها لسلفيها؛ نتيجة قوة المعارضة للتخفيضات الضريبية. وعلقت وزيرة النقل السابقة، غرانت شابس، بأن رئيسة الوزراء، لديها فرصة لمراجعة رصيدها السياسي المتضائل، وحذرت من أن أعضاء مجلس النواب المحافظين، لن يدعموها، إذا ما استمرت نتيجة استطلاعات الرأي كما هي.
وبالفعل، أشارت التحليلات إلى ضعف سلطة رئيسة الوزراء وحكومتها؛ بسبب التراجع السياسي المبكر. وكتب لاندلر، وكاسل، أنه من خلال إظهار استعدادها للانصياع للضغط، قد تواجه الحكومة الآن موقفا صعبًا في إقناع المشرعين بالموافقة على خفض الإنفاق لتعويض انخفاض عائداتها الضريبية. وأدى رفض تراس، للحفاظ على مدفوعات المزايا، بما يتماشى مع التضخم، إلى مزيد من المعارضة الداخلية. وتعد بيني مورداونت، رئيسة مجلس العموم، وروبرت باكلاند، وزير شؤون ويلز، من بين أولئك الذين دعوا تراس إلى الالتزام بذلك.
وأشارت صحيفة نيويورك تايمز، إلى أن اعتبار رئيسة الوزراء نفسها، خيار خفض الضرائب، أحد حلولها الاقتصادية المميزة؛ وإلغائه بعد أيام من إعلانه، يثير المزيد من الشكوك حول قيادتها، وإدارتها المستقبلية. وأوضح لي كاين، مدير الاتصالات السابق في حكومة جونسون، أنه بعد أقل من شهر على رئاستها للوزراء، من غير المرجح أن تستعيد تراس مكانتها السابقة؛ حيث بدأت فترة ولايتها بموجة من السياسات التي لا تحظى بشعبية من دون التفكير في تداعياتها. وأثار لاندلر، وكاسل، أسئلة أيضا حول مستقبل كوارتينج، الذي واجه انتقادات كبرى، باعتباره المحرك الأساسي لهذا التحول الاقتصادي المخطط له.
من ناحية أخرى، يتزامن الانخفاض المستمر في معدلات التأييد لحزب المحافظين، مع ارتفاع شعبية حزب العمال، الذي يعد من قوى المعارضة الرئيسية منذ عام 2010، والذي سبق وخسر أربعة انتخابات عامة متتالية. وقبل الانتخابات الوطنية المقرر إجراؤها عام 2024، تبدو هذه الآن أقوى فرصة لحزب العمال لاستعادة السلطة بعد أكثر من عِقد من تولي المحافظين مقاليد الحكم. واتهم ستارمر، الحكومة الحالية، بأنها فقدت السيطرة على ضبط الاقتصاد، وأن الطريقة الوحيدة لإيقاف المحافظين عن المضي قدمًا في فرض تخفيضات ضريبية للأثرياء، والتي لا تكاد تتجاوز نسبتهم الـ1%؛ هي انتخاب حكومة عمالية في الانتخابات العامة القادمة.
علاوة على ذلك، أشارت إليزابيث بايبر، وأندرو ماكاسكيل، من وكالة رويترز، إلى أن حزب العمال بات يتمتع بأجواء جديدة من الثقة، بعد سنوات من الانقسامات بين فصائله، كما أن نسبة تأييده في استطلاعات الرأي قد ارتفعت. وأظهرت مؤسسة يوجوف لاستطلاع الرأي، أن قادة حزب العمال أصبحوا يتفوقون بفارق 33 نقطة على حزب المحافظين، وهو ما أشارت إليه جينيفر سكوت، من قناة سكاي نيوز، بأنه لم يحدث منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
من جانبه، علق جون كيرتس، خبير استطلاعات الرأي، أن حزب العمال في حالة إجراء انتخابات من المرجح جدًا أن يفوز بها، حيث يمكنه الحصول على الأغلبية، ويتجاوز أكثر من مائة مقعد بمجلس العموم، الأمر الذي من شأنه أن يوفر له أكبر انتصار انتخابي منذ عام 2001، وأنه مهما كانت مزايا الإصلاحات الاقتصادية للحكومة الحالية، فقد يؤدي التخبط الأخير إلى أضرار انتخابية خطيرة للمحافظين كحزب حاكم ولقائدته الجديدة.
ووفقا للعديد من المحللين، فإنه كثيرًا ما يُشار إلى أن دوائر الجدار الأحمر الانتخابية -مناطق كسبها حزب المحافظين في الانتخابات العامة الأخيرة 2019، وكانت عادة تصوّت لحزب العمال- والمشاعر القوية المطالبة بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ تعد أسبابا رئيسية، أسهمت في تقدم المحافظين. وعند تحديد مسار الانتخابات العامة المقبلة، فقد تحول الزخم السياسي بشكل كامل تجاه حزب العمال. وأظهر الاستطلاع الأخير لمؤسسة يوجوف، استحواذ ستارمر، على 61 من الدعم في الدوائر الانتخابية في وسط وشمال إنجلترا، وانخفاض دعم تراس، إلى 23 فقط. وأشار آدم فورست، في صحيفة ذي إندبندنت، إلى أن استطلاعات الرأي تصب في صالح حزب العمال خلال الأسبوعين الماضيين فقط، هو أحدث تأكيد للتأثير الكارثي للموازنة الحكومية المصغرة على أرصدتهم السياسية.
ومن جانب مشابه، أطلق عمدة مانشستر آندي بورنهام -الذي ينتمي إلى حزب العمال- على المؤتمر الأخير للحزب في ليفربول، بأنه استعداد لمؤتمر آخر قد يكون موضوعه تولي الحكومة الجديدة. ومع ذلك، حذرت وولف، من أن الناس قد يصوتون للحكومة، بدلاً من التصويت لصالح حزب المعارضة الرئيسي، في ظل أن هناك تصورًا سائدًا عن ستارمر، بأنه ليس لديه آراء، وأفكار خاصة لحلحلة الموقف.
وحول ما يمكن توقعه حال فوز حزب العمال في الانتخابات المقبلة، فإنه يمكن الإشارة إلى تصريحات ستارمر، برفض خطة الحكومة الاقتصادية الحالية، وتعهده بإلغائها، وإصراره على تقليل العبء الضريبي على الطبقة العاملة، ومعارضة الزيادات الضريبية على مدفوعات التأمين الوطني، وتبني خطط اقتصادية كبرى، وتعهده بتحويل المملكة المتحدة إلى قوة قادرة على خلق معدلات نمو قصوى من خلال خلق مليون وظيفة جديدة، وخفض فواتير الطاقة، ورفع مستويات المعيشة، وبذل المزيد لمعالجة تغير المناخ، والتخطيط لإنشاء شركة طاقة مملوكة للدولة، تكون مهمتها الترويج للأساليب الخضراء، وضمان استقلال الطاقة، من دون أدنى اعتماد على الغاز الطبيعي الروسي، أو الطاقة النووية التي تمولها الصين.
على العموم، أدت المحاولة الفاشلة لسن إصلاح ضريبي من قبل حكومة المحافظين الجديدة، بقيادة تراس، إلى رد فعل عنيف هدد سلطتها ومستقبلها السياسي، حيث أدت سياساتها الاقتصادية الأخيرة إلى وصف حكوماتها بأنها منحازة إلى الأثرياء، ولا تقف بجانب ذوي الدخل المنخفض، الأمر الذي زاد من احتمالات فوز حزب العمال، في الانتخابات المقبلة.
وعلى الرغم من أنه لا يزال هناك وقت أمام حزب العمال للتحضير للانتخابات العامة، لاسيما في ضوء التطورات السياسية التي يمكن أن تغير المشهد السياسي في البلاد؛ فإن الصدارة الكبيرة التي بات يستحوذ عليها في استطلاعات الرأي، تشير إلى تحول محتمل في الحكومة قبل أو خلال عام 2024.