27/9/2022
الحرب الروسية - الأوكرانية.. والسيناريوهات المحتملة
تغيُّر كبير طرأ على حرب أوكرانيا، فبعد أن تقدمت روسيا في جنوب وشرق البلاد خلال صيف عام 2022، تراجعت قواتها أمام هجوم أوكراني مضاد. وفي 21 سبتمبر، صرح الرئيس الروسي، «بوتين»، بـ«تعبئة جزئية لدعم احتياطيات قواته»، وهو ما وصفه «المجلس الأطلسي»، بأنه «خطوة محفوفة بالمخاطر»، فيما وصفه العديد من المراقبين بـ«مقامرة لإنقاذ حرب خاسرة»، كما أنها بمثابة دليل على أن الصراع سيبقى من دون حل قريب.
وبالفعل، بدأت «موسكو»، عملية ضم الأراضي الأوكرانية التي تحت سيطرتها، فضلًا عن تهديدها باستخدام محتمل للأسلحة النووية. وعليه، واصل المراقبون تحليلاتهم بشأن وضع نهاية للحرب. وأكد «توماس فريدمان»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، على أن هناك «ثلاثة سيناريوهات نحو النهاية»؛ هي «إحراز نصر أوكراني كامل»، أو «صفقة غير منصفة مع روسيا «تؤمن وقف إطلاق النار»، لكنها «تخاطر بتقسيم الحلفاء الغربيين وإثارة غضب الأوكرانيين»؛ أو «صفقة أقل ضررًا»، حيث يعود الوضع «إلى ما كان عليه قبل حرب بوتين في فبراير». وتمتد السيناريوهات المحتملة، حيث تظل حالات عدم اليقين الكامنة في مستقبل الحرب «قائمة».
ومن المتفق عليه أن احتمالات تحقيق نصر روسي متمثل في تنصيب حكومة موالية للكرملين في «كييف»، أو إلغاء الدولة الأوكرانية؛ باتت بعيدة الآن. واعتبر «دانيال فرايد»، السفير الأمريكي السابق لدى بولندا، إن التصعيد الروسي الأخير ناتج «عن يأس وليس ثقة». وأوضح «ماكس بيرجمان»، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، أن الهجوم الأوكراني في أوائل سبتمبر ترك روسيا «في موقف محفوف بالمخاطر». وأشار «إليوت كوهين»، من جامعة «جونز هوبكنز»، إلى كيفية «ضعف» الجيش الروسي، حيث ثبت أن قوته الجوية «ضعيفة»، وأن مخزوناته العسكرية أدنى من نظيراتها الغربية». وفي ظل هذا الوضع، أشار «فريدمان»، إلى إمكانية «انتصار أوكرانيا التام». وكتبت «آن أبلباوم»، في مجلة «ذي أتلانتك»، أن الوقت قد حان للاستعداد لانتصار أوكراني». وأشارت «كريستينا هوك»، من جامعة «كينيساو»، إلى كيفية ظهور أوكرانيا بصورة «أكثر من قادرة على هزيمة روسيا».
وعلى الرغم من النجاحات الأخيرة، لا تزال روسيا تحتل حوالي خُمس مساحة أوكرانيا، وأقامت دفاعات قوية في الجنوب. وكتب «فريدمان»، أنه «لا أحد يتوقع أن تكون أوكرانيا قادرًة على مواصلة مكاسبها في حال اجتياح بقية الجيش الروسي عبر الحدود».
ومع عدم قدرة أوكرانيا على تأمين نصر عسكري صريح، أشار «فريدمان»، إلى الحاجة إلى «تسوية تفاوضية». مع الاعتراف بأن احتمالية قبول “كييف” لاتفاقية سلام في ظل تحقيقها «نصرا»، تبدو «ضئيلة». وتمت الإشارة إلى رغبة العديد من البلدان الغربية في الوصول إلى اتفاق قبل الشتاء المقبل، بسبب تأثرها بارتفاع أسعار الطاقة. وأوضح «مايكل ماندلباوم»، من «كلية هوبكنز»، أن بوتين يمكن أن «يكشف الانقسامات في أوروبا»، إذا أعلن استعداده للتفاوض بشأن وقف إطلاق النار، واستئناف شحنات الغاز إلى أوروبا». وعليه، يمكن التوصل إلى اتفاق سلام «ضعيف» يفرضه على أوكرانيا، إلا أن بعض الدول الأوروبية»، ومناصري شعار «اجعل أمريكا عظيمة»، لن «يقبلوا مثل هذه التسوية مع موسكو».
ومع ذلك، فإن احتمالية التوصل إلى صفقة تفاوضية تبقى «محدودة». وحتى الآن لم يُظهر أي من الطرفين نية للدخول في مفاوضات. وبالنسبة إلى موسكو، أوضح «فريدمان»، أن بوتين قد يقبل نصرًا محدودًا، لتعويض ما مُني به من خسائر. وأشارت «ميليندا هارينج»، من «المجلس الأطلسي»، إلى أن التصعيد الأخير، دليل على أنه «مصمم على معاقبة أوكرانيا على مقاومتها».
لكن الرئيس الأوكراني، «زيلينسكي»، أوضح أن الحرب ستنتهي بتحرير جميع الأراضي، بما في ذلك شبه جزيرة القرم. وفي كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أصر على أن روسيا يجب أن تواجه «عقوبة عادلة» عبر محكمة حرب دولية، فيما ستكون مساءلة موسكو مستحيلة إذا تم التوصل إلى سلام تفاوضي.
وحتى في حالة تراجع الدعم السياسي الغربي لأوكرانيا؛ لا يوجد مؤشر قوي على أنها ستلجأ إلى تسوية. ووجد استطلاع للرأي صادر عن «معهد كييف الدولي»،أن 84% من الأوكرانيين يرفضون أي تنازلات إقليمية لصالح موسكو، و61 يدعمون استمرار القتال لإعادة جميع الأراضي. ومع ضغوط «زيلينسكي»، على «واشنطن»، للحصول على مزيد من المساعدة العسكرية، يظل هناك تأييد لتقديم المزيد من الدعم لكييف لمواصلة القتال. وأوضح «كوهين»، أن تقليص المساعدات الغربية الآن «سيعني تحقيق النصر لروسيا»، وأضاف «بريان ويتمور»، من «المجلس الأطلسي»، أن «واشنطن»، وحلفاءها يجب أن «يستغلوا الفرصة لنشر الوحدات الدفاعية الجديدة». وحث السفير «فرايد»، الغرب على «مواصلة ضغوطهم الاقتصادية على روسيا».
وفي حال اعتبر الغرب أن صفقة التفاوض المواتية للروس غير مقبولة، فقد أشار «فريدمان»، إلى «صفقة أقل لغطًا» مع «الشعب الروسي، وليس بوتين»، موضحًا أن هذا السيناريو سيتضمن وقف إطلاق النار على أساس حدود ما قبل الحرب، مشيرا إلى أن هذا من شأنه أن يجنب أوكرانيا «المزيد من الدمار»، بينما سيضطر «بوتين»، إلى «الاعتراف» بفشل حربه. وفي إشارة إلى أن هذا الاعتراف هو أمر «مستحيل»؛ فقد توقع «حركة احتجاج شعبية جماهيرية»، أو «انقلاب داخلي» للإطاحة بالرئيس الروسي.
وتبدو مثل هذه التنبؤات «بعيدة»، حيث لم يتم تحدي قوة «بوتين»، داخل الكرملين وروسيا محليًا بشكل كامل منذ أن بدأت العملية العسكرية. وبسبب سيطرة الحكومة على وسائل الإعلام، لم يتضاءل الدعم العام للحرب. وأشار «أندريه كوليسنيكوف»، من مؤسسة «كارنيغي للسلام الدولي»، إلى أن استطلاعات الرأي تُظهر أن 46% من الروس مازالوا يؤيدون «تأكيد» الحرب، بينما يدعمها30%، مقابل زيادة في أعداد الروس المناهضين للحرب».
من ناحية أخرى، فإن تقييم «فريدمان»، بأن تنحية «بوتين»، تعني أنه سيتحمل كل اللوم عن الحرب»، ويفتح الباب لروسيا «لتتعهد بأن تكون جارة جيدة إذا رفع الغرب العقوبات. واعترف الباحث أن الرئيس الروسي يمكن أن ينتهي به الأمر إلى «استبداله بقائد أسوأ»، قد يرى أن الحرب لم تصل إلى أقصاها بعد.
وعليه، يبدو أن تحقيق أي شكل من أشكال التسوية التفاوضية، غير مرجحة قريبا، لدرجة أن «فريدمان»، أوضح أن «الخطة البديلة»، أمام «بوتين»، هي «العودة بقواته إلى وطنه»، على الأقل. ويبدو هذا الأمر هو «الأكثر احتمالاً»، حيث أشار إلى أن تدابير التعبئة، وإجراء الاستفتاءات في الأراضي التي أحكمت موسكو السيطرة عليها، تعكس كيف أن «بوتين» يتطلع إلى هذه النتيجة فحسب».
ولا تزال التعبئة الجزئية لروسيا «غير واضحة». ووفق «بي بي سي»، فإن تصريحات «بوتين» في هذا الصدد «قصيرة»؛ لكن من المتوقع في مرحلة التعبئة الأولى استدعاء 300 ألف من القوة الاحتياطية التي تمتلك موسكو منها 25 مليونًا. وفي حين أشار وزير الدفاع الروسي «سيرجي شويغو»، أن موسكو تكبدت 5937 قتيلاً حتى الآن، أوضح الغرب أن هناك ما يصل إلى 80 ألف ضحية روسية في الحرب. لذلك، فإن روسيا «في حاجة ماسة إلى القوى البشرية». ويرى «بيرجمان»، أن أمر التعبئة، «ضروري»؛ للحفاظ على مواقع القوات، ومنع الانهيار والتراجع».
ومع ذلك، اتفق المحللون على أن التعبئة لن تُحدث فرقًا على المدى القصير. وأوضحت «هارينج»، أنها «لن تحدث أي فرق في ساحة المعركة حاليًا»، حيث سيلزم الأمر مزيدا من الوقت للتدريب وتجهيز المجندين الجدد. وأشار القائد الأعلى السابق للجيش الأمريكي، «فريدريك هودجز»، أنه سيكون هناك «دعم مدفعي روسي»، لمساعدتهم. وفي حين أن التعبئة ستعالج «نقص القوات»، فإنها «لن تغير الكثير من المشاكل التي واجهتها موسكو»، مثل عدم كفاية آليات التدريب والقيادة والمعدات.
ولا تعد التعبئة الشكل الوحيد للتصعيد. وأعلن الرئيس الروسي إجراء استفتاءات بشأن ضم بعض الأراضي الأوكرانية. وهذا «التصعيد الكبير»، كما وصفه كل من «جاي فولكونبريدج»، و«فيليكس لايت»، في وكالة «رويترز»، قد تمت إدانته من قبل الغرب». وعلى الرغم من أن «هارينج»، أوضحت أن خطورة هذه الخطوة تكمن في أنه يمكن لعمليات الضم أن توسع «المظلة النووية الروسية»، ما يعني أن الجهود الأوكرانية لاستعادتها بالقوة، يمكن أن تكون «الخطوة الأولى نحو ابتزاز نووي محتمل».
وفي الوقت الحالي، تصاعدت المخاوف بشأن الأبعاد النووية لهذا الصراع. وأكد «كوهين»، أن «بوتين»، بصدد «فترة خطيرة وعصيبة»؛ حيث يجد نفسه «مُحاصرًا». وانقسم المحللون حول ما إذا كان حاليًا مستعدًا لاستخدام أسلحة نووية تكتيكية ضد أوكرانيا. وخلال أحد خطاباته، أكد استعداده لرفع درجة التصعيد إلى مستويات لا يمكن تصورها، واتهم الغرب بالانخراط في «ابتزاز نووي»، وأصر على أن موسكو لديها «الكثير من الأسلحة للرد»، وأنه إذا كانت وحدة أراضي بلاده «مهددة»، فإنه سيكون على استعداد لاستخدام «جميع الوسائل المتاحة لحمايتها».
وأوضح «بيرجمان»، أنه إذا كان «بوتين»، «يعتبر المقاطعات الواقعة تحت سيطرته جزءًا من روسيا»، فيمكن «تصور أي رد نووي لمواجهة أي هجوم أوكراني لاستعادتها». وأوضح «ماثيو كرونيج»، من «المجلس الأطلسي»، أن الغرب «يجب أن يأخذ تهديدات موسكو النووية على محمل الجد»، حيث إنه «إذا واجه بوتين احتمالات حقيقية بخسارة الحرب، فمن المرجح أن يستخدم الأسلحة النووية». وعلق وكيل وزارة الدفاع الأمريكية لشؤون السياسة «كولين كال»، أنه إذا كانت «روسيا»، حقًا «مُحاصرًة» بالنجاحات العسكرية الأوكرانية، فقد ينتهي الأمر بها إلى اتخاذ إجراءات أكثر صرامة. وبينما أشار «بيرجمان»، إلى أن استخدام الأسلحة النووية «سيعزل روسيا» دوليًا؛ لكن يبدو أن رغبتها؛ إما في إخضاع أوكرانيا، أو معاقبتها تتجاوز الاعتبارات الجيوسياسية الأخرى.
وحول ما يمكن أن يفعله الغرب وأوكرانيا لمواجهة التهديد النووي. أفاد «كرونيج»، أنه يجب «مضاعفة» جهودهما لهزيمة روسيا، معتبرًا أن «بوتين»، تم ردعه بالفعل عن استخدام الأسلحة النووية بسبب التهديد برد مضاد من الناتو، والولايات المتحدة، وأن على الأخيرة «تعزيز» آليات الردع ضد الأسلحة النووية». وفي حال فشل ذلك، أكد ضرورة «توجيه ضربة عسكرية تقليدية محدودة للقوات الروسية التي قد تشن هذا الهجوم النووي».
ومع ذلك، شكك بعض المراقبين في إمكانية استخدام روسيا الأسلحة النووية. ووصف «ريان وايتمور»، من «المجلس الأطلسي»، كلمات بوتين التصعيدية، بأنها ليست إلا «محاولة لتخويف الغرب»، بناءً على «روايات يتم تداولها»، مفادها أن الرئيس الروسي يكون أكثر خطورة عندما يُحاصر». وبدلاً من ذلك، أشار إلى «أدلة تؤكد أنه عندما يُواجه بوتين بقوة، فإنه يتراجع شيئًا فشيئًا».
وعند النظر في مستقبل الحرب، أشار «فريدمان»، إلى أن هناك العديد من العوامل التي «لا يمكن لأحد التنبؤ بها». وشهدت الحرب بالفعل أمثلة على ذلك، على رأسها «الضربات الرئيسية» للهجوم الأوكراني، الذي استعاد مساحات شاسعة من الأراضي. وعلق «فيليبس أوبراين»، من جامعة «سانت أندروز»، بأن هذا التحول الاستراتيجي، أدى إلى تغيير نظرة العالم إلى الحرب، وأثار توقعات بانتصار أوكرانيا. كما يجب أيضا مراعاة حالة عدم اليقين بشأن الأبعاد الجيوسياسية للحرب. وبالنسبة إلى الروس، تم التأكد من انخفاض مستوى الدعم من الصين والهند في الأسابيع الأخيرة. وأشار «جون هيربست»، من «المجلس الأطلسي»، إلى كيف شعر «بوتين» بالقلق من انزعاج «شي جين بينغ»، من الإخفاقات الروسية، و«تأنيب» الرئيس الهندي، «ناريندرا مودي»، له حول مسألة إطالة أمد الحرب. كما علق الرئيس التركي، «أردوغان»، أنه يجب إعادة شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا.
وبالنسبة إلى الغرب، من الممكن أن تؤدي الانقسامات السياسية إلى تقويض الدعم لأوكرانيا. ومن المرجح أـن تزداد الانقسامات داخل أوروبا، بشأن مقاطعة صادرات الطاقة الروسية خلال الشتاء المقبل، كما أنه في حال ترشح الرئيس الأمريكي السابق «ترامب» لإعادة انتخابه في عام 2024، وفوزه، فإن سياسة واشنطن تجاه الحرب ستكون معقدة للغاية. وسبق أن وصف ترامب، «بوتين»، بأنه «عبقري»، وأعرب عن دعمه «لاتفاق» يتم التوصل إليه بين كييف وموسكو لإنهاء الحرب.
على العموم، هناك العديد من السبل والآليات التي يمكن أن تنتهجها حرب أوكرانيا، وكما وثق «فريدمان»، فإن “بعضها أفضل، وبعضها أسوأ»، ولكن لا أحد منها «سهل» على الإطلاق. ولا شك أن نجاحات أوكرانيا الأخيرة، والتعبئة والتصعيد الروسي اللاحق تعتبر عوامل تؤكد أنه من غير المرجح أن ينتهي الصراع قريبًا، خاصة مع عدم وجود مؤشر واضح نحو التهدئة أو التفاوض؛ لذلك، أصر «فرايد»، على أن «الكثير يعتمد على ما تفرضه ساحة المعركة.
وفي نهاية المطاف، فإن سيناريوهات استمرار أكبر حرب في أوروبا منذ عام 1945، لا تزال قاتمة، خاصة مع تصاعد أعمال القتال والتوتر على الرغم من معاناة طرفي الحرب من العديد من النكسات والإخفاقات.