24/9/2022
مستقبل الشراكة الخليجية مع الولايات المتحدة.. رؤية غربية
في أعقاب زيارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن" لمنطقة الشرق الأوسط في يوليو 2022؛ عكف الخبراء الغربيون على مناقشة نجاحات وإخفاقات الزيارة. وفي حين رأت "سنام وكيل"، من "المعهد الملكي للشؤون الدولية"، أنها أظهرت "استعدادًا لعمل تصحيح عملي للمسار" في المنطقة، من شأنه "أن يسمح مرة أخرى لواشنطن أن يكون لها تأثير بناء في القضايا المهمة"؛ كتب "جون هوفمان"، من "المركز العربي"، أن "بايدن" "فشل في خدمة المصالح الأمريكية"، وامتلك "شعورًا واضحًا باليأس" خلال عودته للتداخل مع المنطقة.
ومع ذلك، أدى الجدل حول إعادة تقييم الاستراتيجية الأمريكية الأوسع في الشرق الأوسط، وإعادة تحديد العلاقات مع الشركاء الإقليميين، إلى تهميش تقييمات وجهات نظر دول الخليج إلى حد كبير. وفي محاولة لسد هذه الفجوة؛ عقد "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية" ندوة بعنوان "فهم وجهات نظر دول الخليج بشأن الشراكة الاستراتيجية الأمريكية"، بهدف مناقشة التصورات الخليجية للوضع الحالي للشراكة مع واشنطن في مجال الدفاع والأمن، وكيف تشكل هذه التصورات عمليات صنع القرار، أدارها "حسن الحسن"، الباحث بالمعهد، وشارك فيها "برنارد هيكل"، من جامعة برينستون"، والشيخة "نجلاء القاسمي" سفيرة الإمارات السابقة لدى السويد وفنلندا.
في البداية، رأى "الحسن" أنه بينما كانت الشراكة الاستراتيجية الخليجية-الأمريكية تقوم في السابق على ديناميكية "الراعي-الحليف"، والتي من خلالها تستفيد دول الخليج من الدور الأمريكي "كضامن أمني" في المنطقة، وفي المقابل تستفيد واشنطن من الحصول على إمدادات ثابتة من النفط الخام والوصول إلى بقية الشرق الأوسط، يبدو أن بنود الشراكة "قد تغيرت" في السنوات الأخيرة، حيث "تراجعت" الولايات المتحدة عن دورها التقليدي.
ومع ذلك، فإن الاعتقاد بأن إدارة "بايدن" كانت متساهلة فيما يتعلق بأمن الشرق الأوسط لم يكن مقتصرًا على منطقة الخليج. واعترف "دون بيكون"، عضو الكونجرس عن ولاية نبراسكا، بأن الحديث عن "تركيز" الولايات المتحدة اهتمامها نحو منطقة "الإندو باسيفيك"، قاد الحلفاء في الشرق الأوسط "إلى تأمين أنفسهم" مع قوى عالمية وإقليمية أخرى.
وفي إطار تحليلهم لعوامل توتر العلاقات بين واشنطن ودول الخليج، أثار "هيكل" فكرة وجود تفاوت في اتساق السياسات بين الطرفين. وعلى عكس فكرة تمتع دول الخليج "بذكريات طويلة" مع السياسات القائمة حول "الاتجاهات الطويلة المدى"، أشار إلى أنه لا توجد تقريبًا "ذاكرة" لسياسة خارجية راسخة في السياسة الداخلية لواشنطن، مع إمكانية حدوث تغييرات جذرية بين الحكومات المنتخبة حديثا. ويتضح هذا بالنظر إلى السياسة الخارجية المتغيرة تجاه المنطقة بين إدارات أوباما وترامب وبايدن المتعاقبة.
وتماشيًا مع ذلك، بيّن "هيكل" أن قادة الخليج لديهم "وجهات نظر مختلفة للغاية"، بشأن أولويات السياسة الخارجية عن نظرائهم الأمريكيين، الذين يركزون حاليًا على الهدف القصير المدى المتمثل في تخفيف أزمة الطاقة العالمية من خلال مطالبة الدول الأعضاء في "أوبك" بزيادة إنتاج النفط والغاز، حيث رأى أن هذه الدول تعطي الأولوية للتنويع الاقتصادي بعيدًا عن الوقود الأحفوري، وهي العملية التي أوضح أن اكتمالها سوف يستغرق "عقودًا"، وأن مثل هذه الاختلافات في الأولويات "تخلق خلافا" بين الشريكين على المدى الطويل.
وفيما يتعلق بانسحاب "واشنطن" من المنطقة، أشار إلى أن منهج أوباما "الفكري" و"النظري" بالنسبة للسياسة الأمريكية يتمسك بوجهة نظر مفادها أن المصالح الأمريكية تتطلب "الابتعاد عن المنطقة"، وذلك على الرغم من توضيح "هيكل" أن سياسة الديمقراطيين الخاصة بالارتباط مع الفاعلين والدول المعادية خلفت وراءها "منطقة غير مستقرة"، بجانب الانتكاسة المتمثلة في التصور بتخلي واشنطن عن حلفائها، مشيرًا إلى كيف عاد "بايدن" إلى "طريقة أوباما" بمجرد توليه السلطة. واعتبر الباحث أن الاعتقاد بأن اتفاقًا مع إيران بشأن برنامجها النووي سيسمح لواشنطن بإكمال تمحورها حول آسيا ومواجهة المنافسة العالمية الصينية "غريب تمامًا"، مشيرا إلى أن استراتيجية "المعاملات" الإقليمية الخاصة بإدارة ترامب فشلت أيضًا في توفير الاستقرار للخليج، وخاصة فيما يتعلق برفض الجمهوريين التدخل عندما تعرضت منشآت النفط السعودية لهجوم إيراني عام 2019.
في ضوء هذه التناقضات، انتقد "هيكل" التوجه السائد للحكومات الأمريكية بأن العلاقة القائمة مع الخليج هي علاقة "مقايضة"، وليست "شراكة استراتيجية"، وهي وجهة النظر التي اعتبرها "خاطئة"، كما انتقد أيضًا عقدة "التفوق" التي تعاني منها واشنطن في السياسة الخارجية، وكيف أدى هذا باستمرار إلى رفض مخاوف دول الخليج.
بالإضافة إلى ذلك، ناقش الخبراء دور منطقة الخليج في المنافسة بين القوى العظمى على الصعيدين العالمي والإقليمي. وأوضح "الحسن" أن دول المنطقة "لا تريد الانحياز إلى أي طرف" في المنافسة القائمة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، وأنه "من الغريب نوعًا ما" أن يكون هناك توقعات من جانب كل من الأمريكيين والأوروبيين بأن دول الخليج سوف تتبع تلقائيًا قيادة الغرب، مشبهًا بـ"سيناريو الكابوس"، بالنسبة للمنطقة أن ينفتح الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة على إقامة علاقات سياسية مع إيران، مقابل اتفاق نووي على التهديد الأمني الذي تشكله روسيا على أوروبا الشرقية.
إلى جانب هذه المعايير المزدوجة، ذكر أيضًا أنه في "تحليل التكلفة والعائد" للأحداث، من غير الواضح ما الذي "ستستفيده" دول الخليج من تهميش الصين أو روسيا، ومن غير المحتمل أن تقوم واشنطن بإحداث تغيير في السياسة تجاه إيران أو الخليج في المقابل. لذلك، خلص إلى أن العلاقات حاليًا في مرحلة "المعاملات".
وفي ضوء أن الصين وروسيا قد ألمحتا إلى الإحجام عن المزيد من المشاركة السياسية والأمنية في الشرق الأوسط ما لم يتحمل اللاعبون الإقليميون "مسؤولية أكبر لإدارة النزاعات الإقليمية، والحد من التوترات"، وضمان "الدفاع عن أنفسهم"؛ قال "جيمس دورسي"، من مدرسة "إس راجاراتنام للدراسات الدولية"، إن هذا "لا يختلف عما تبحث عنه واشنطن في محاولاتها لإعادة تنظيم التزامها بالأمن في الخليج".
وتعدّ الاختلافات في السياسة تجاه إيران هي أيضًا عقبة رئيسية واضحة أمام تحسين العلاقات. ومع توضيح "الحسن" أن طهران "تتلكأ" في المفاوضات، تحدثت "القاسمي" عن أنه مع "عدم وجود إجماع" حول كيفية التعامل مع طهران، سواء في منطقة الخليج أو الشرق الأوسط الأوسع، كان هناك "أمل" أن تتمكن واشنطن من "خلق زعامة"، ومعالجة المخاوف الأمنية لدول الخليج. ومع ذلك، اعتبرت أن الإمارات وجيرانها الإقليميين "لم يروا" هذه الاستجابة من جانب واشنطن. ورأى "دورسي" أن دول المنطقة ترى أن الاتفاق في أحسن الأحوال سيبطئ تقدم إيران نحو أن تصبح قوة نووية"، ولن يوقف دعمها للفاعلين من غير الدول، مثل الحوثيين، وحزب الله.
علاوة على ذلك، أشارت "القاسمي" إلى أن برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني يمثل "مشكلة كبيرة" لكل من دول الخليج والشرق الأوسط الأوسع، مع تصدير أسلحة "بدائية" نسبيًا تصنعها طهران إلى جهات فاعلة غير حكومية، وتستخدم في "خلق أكبر قدر ممكن من الدمار". وعلى الرغم من سلسلة الهجمات الصاروخية ضد السعودية والإمارات العام الماضي، رأت أن واشنطن تبدو غير مهتمة بمعالجة هذا القلق الأمني الكبير.
متفقًا مع ذلك، حذر "بيكون" من أن سياسة "واشنطن" في الشرق الأوسط المتمثلة في "الإذعان المستمر لإيران سيكون لها "عواقب وخيمة" على الأمن الإقليمي، و"من المحتمل أن تؤدي إلى تجدد الهجمات على مصالح الولايات المتحدة وحلفائها". ووفقا لـ"تشارلز ليستر"، من "معهد الشرق الأوسط"، فإن "التصعيد الأخير" للهجمات من قبل الوكلاء الإيرانيين والولايات المتحدة في سوريا يعتبر دليلا على أنه "حتى إذا تم التوصل إلى اتفاق نووي جديد"، فإن فيالق الحرس الثوري الإيراني "ستواصل حملتها لتحدّي واشنطن في الشرق الأوسط".
ومن وجهة نظر "الحسن"، فإن الفشل في التوصل إلى كل من اتفاق نووي، واتفاق للحد من التسلح مع إيران، سيجعل دول الخليج تواجه "معضلة كورية جنوبية"، حيث تواجه الدول غير المسلحة نوويًا بشكل مباشر دولة معادية ومسلحة نوويًا لا يمكن التنبؤ بما تقوم به. ولهذا السبب، توقع أن تكون إحدى "نقاط الحديث الرئيسية" للشراكة الأمريكية-الخليجية توفير "مظلة نووية" أمريكية فوق منطقة الخليج لردع الهجمات الإيرانية.
ومع ذلك، حذر "هيكل" من هذا التصور، وقال إن توفير مظلة نووية تحمي الخليج لن يكون عمليًا، ويرجع ذلك إلى المسافة الجغرافية المحدودة بينها وبين إيران، مما يقلل الإطار الزمني لاعتراض الصواريخ المعادية، مضيفا أنه لن يفاجأ من البحث عن بديل دفاعي بدلا من اعتماد دول الخليج الحالي على صواريخ باتريوت الدفاعية الأمريكية الصنع. وبغضّ النظر عن التوصل إلى اتفاق نووي جديد من عدمه، فإن سياسة "الاحتواء" من قبل كل من الولايات المتحدة ودول الخليج ضرورية لدرء "الدافع الإمبريالي" لإيران لخلق "مجال نفوذ" في المنطقة.
إلى جانب هذه التحذيرات، أوضح "بريان كاتوليس"، من "معهد الشرق الأوسط"، أن "التحركات الدبلوماسية على الجبهة النووية تسير على خلفية مشهد إقليمي معقد" يتميز بـ"اتجاهات موازية لتصعيد التوترات الأمنية والسياسية حتى مع اتخاذ بعض الدول في المنطقة خطوات نحو الحد من التصعيد". وبشكل مماثل، شكك "دورسي" في "استدامة الحد من التوترات في الشرق الأوسط"، مشيرًا إلى "هشاشة التقدم البطيء في تجديد العلاقات بين السعودية وإيران، وبين تركيا ومصر"، وكذلك الخلافات بين دول الشرق الأوسط، بشأن أفغانستان وليبيا وسوريا، إلى جانب أمور أخرى.
ووفقا لتقييم المحللين الغربيين، فإن الولايات المتحدة يجب عليها فعل المزيد لإعادة تأكيد دعمها لأمن الخليج. وحث "بيكون" واشنطن على "التركيز على تعزيز تحالفاتها وعلاقاتها في الشرق الأوسط"، وإظهار كيف "يجب أن يعرف حلفاؤنا أن بإمكانهم الاعتماد على الولايات المتحدة". وأوضح "كاتوليس" اعتقاده بضرورة أن تسعى واشنطن إلى "تعزيز" الجهود التي تبذلها بعض دول الخليج للحد من التوترات مع طهران، مثل الإمارات والكويت اللتين أعادتا سفراءهما إلى إيران لأول مرة منذ عام 2016.
وفي مجال الأمن، أوضح "الحسن" أن "واشنطن" بصدد تحديث بنيتها التحتية الدفاعية والأمنية في الخليج، بما في ذلك نشر آليات ذكاء اصطناعي لمنع هجمات الطائرات الإيرانية بدون طيار، وكذلك إنشاء فرق عمل بحرية جديدة للتصدي لمحاولات التهريب الإيرانية السرية للأسلحة. وفيما إذا كانت هذه الإجراءات كافية لإقناع دول الخليج بالتزام الولايات المتحدة الطويل الأمد تجاه منطقة الخليج أو لا، علقت "القاسمي" بأن دول المنطقة "بحاجة إلى رؤية ذلك عمليًا، وليس مجرد كلمات دعم".
ومع توجيه "الحسن" سؤالا عما يمكن فعله "لتقليل التقلبات" في سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط، فضلاً عن ضمان "الاستمرارية"، و"الاتساق" في العلاقات مع دول الخليج، أشار "هيكل" إلى أن العلاقة التي تتمحور حول المؤسسات وليس الأفراد سوف تكون أكثر استدامة لكلا الطرفين، مع وجود قادة دبلوماسيين وعسكريين واستخباراتيين وتجاريين أكثر ملاءمة لتحديد مسار التعاون الطويل الأجل، مضيفا أنه من المهم أن يدرك صناع السياسة في واشنطن مدى أهمية "الاستقرار" في منطقة تعتبر "أساسية بالنسبة لاستقرار العالم". وعليه، خلص إلى ضرورة الفهم الأعمق للمصالح المشتركة لكلا الجانبين، وهو أمر يمكن تحقيقه من خلال "مواقف" أقل للسياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط.
على العموم، أكد الخبراء الغربيون في هذه الندوة أن منطقة الخليج لا تزال مهمة للمصالح الأمريكية. وخلص "كاتوليس" إلى أنه على الرغم من مواجهة "تحديات متعددة في العالم في الوقت الحالي"، يظل الشرق الأوسط "منطقة استراتيجية رئيسية في العالم"، بالنسبة لواشنطن، وأنه حتى إذا تم الانتهاء من مفاوضات ناجحة مع إيران بشأن برنامجها النووي، فعلى أمريكا أن "تدرك أن عملها قد بدأ للتوّ" في المنطقة، مع بذل "جهود متواصلة لتحقيق الأمن الشامل"، و"البيئة الدبلوماسية" اللازمة لخلق "التوازن الإقليمي الدائم"، الذي تسعى إليه.
ورغم اتفاق "هيكل" على أن العلاقات الأمريكية-الخليجية "يصعب إدارتها" في وضعها الحالي، فقد أصر "الحسن" على أن الجانبين مازالا "بحاجة إلى بعضهما البعض"، مع احتفاظ دول الخليج بالرغبة في الدفاع المدعوم من جانب الولايات المتحدة، في مقابل سعي الأخيرة إلى التعاون في القضايا الإقليمية وتخفيف الضغوط عن سوق الطاقة العالمية.