top of page

1/9/2022

حول المساعي البريطانية لاتفاقية تجارة حرة بريطانية خليجية

منذ‭ ‬22‭ ‬يونيو‭ ‬الماضي‭ ‬انطلقت‭ ‬من‭ ‬الرياض‭ ‬جولة‭ ‬مفاوضات‭ ‬عقد‭ ‬اتفاقية‭ ‬تجارة‭ ‬حرة‭ ‬بين‭ ‬بريطانيا‭ ‬ومجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬من‭ ‬الاجتماع‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬وزراء‭ ‬تجارة‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬ووزيرة‭ ‬التجارة‭ ‬البريطانية،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬التمهيد‭ ‬لها‭ ‬أثناء‭ ‬زيارة‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬للمجلس‭ ‬لبريطانيا‭ ‬في‭ ‬أكتوبر‭ ‬2021،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬تداول‭ ‬هذه‭ ‬المبادرة‭ ‬في‭ ‬أوساط‭ ‬وزارة‭ ‬المالية‭ ‬البريطانية‭ ‬في‭ ‬2016،‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬بريطانيا‭ ‬تغادر‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وتأمل‭ ‬بريطانيا‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬إنجاز‭ ‬الاتفاق‭ ‬قبل‭ ‬نهاية‭ ‬العام‭ ‬الحالي‭.‬

وفيما‭ ‬يبلغ‭ ‬حجم‭ ‬التجارة‭ ‬المتبادلة‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬نحو‭ ‬33‭.‬1‭ ‬مليار‭ ‬جنيه‭ ‬استرليني‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021،‭ ‬ففي‭ ‬العام‭ ‬السابق‭ ‬على‭ ‬الجائحة‭ ‬2019‭ ‬بلغ‭ ‬حجم‭ ‬هذه‭ ‬التجارة‭ ‬نحو‭ ‬45‭ ‬مليار‭ ‬جنيه‭ ‬استرليني،‭ ‬أي‭ ‬نحو‭ ‬7‭%‬‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬تجارة‭ ‬بريطانيا‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وفيما‭ ‬يعد‭ ‬السوق‭ ‬الخليجي‭ ‬سابع‭ ‬أكبر‭ ‬الأسواق‭ ‬المستقبلة‭ ‬للصادرات‭ ‬البريطانية،‭ ‬يعد‭ ‬السوق‭ ‬البريطاني‭ ‬ثالث‭ ‬أكبر‭ ‬الأسواق‭ ‬المستقبلة‭ ‬للصادرات‭ ‬الخليجية‭.‬

وتريد‭ ‬بريطانيا‭ ‬البناء‭ ‬على‭ ‬السمعة‭ ‬الطيبة‭ ‬التي‭ ‬تتمتع‭ ‬بها‭ ‬منتجاتها‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬الخليجية‭ ‬لجهة‭ ‬الجودة،‭ ‬برغم‭ ‬طوفان‭ ‬السلع‭ ‬الآسيوية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬السوق‭ ‬لجهة‭ ‬انخفاض‭ ‬أسعارها،‭ ‬فيما‭ ‬يعد‭ ‬السوق‭ ‬الخليجي‭ ‬محل‭ ‬اهتمام‭ ‬الشركات‭ ‬البريطانية،‭ ‬بعدد‭ ‬سكان‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬50‭ ‬مليون‭ ‬نسمة،‭ ‬وناتج‭ ‬محلي‭ ‬إجمالي‭ ‬يزيد‭ ‬على‭ ‬1‭.‬7‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭.‬

كما‭ ‬تريد‭ ‬بريطانيا‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬الوفورات‭ ‬التي‭ ‬أخذ‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الخليجي‭ ‬يحققها‭ ‬بعد‭ ‬ارتفاع‭ ‬أسعار‭ ‬النفط،‭ ‬وتجاوز‭ ‬الموازنات‭ ‬العامة‭ ‬الخليجية‭ ‬مرحلة‭ ‬العجز،‭ ‬واستئنافها‭ ‬تنفيذ‭ ‬المشروعات‭ ‬التنموية‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تبغي‭ ‬من‭ ‬ورائها‭ ‬تحقيق‭ ‬رؤاها‭ ‬الاقتصادية‭ ‬2030،‭ ‬وفيما‭ ‬يبلغ‭ ‬حجم‭ ‬الاستثمارات‭ ‬المتبادلة‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭ ‬قرابة‭ ‬30‭ ‬مليار‭ ‬جنيه‭ ‬استرليني،‭ ‬فإن‭ ‬بريطانيا‭ ‬تجد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الرقم‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تضاعفه‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬فازت‭ ‬بعقود‭ ‬لتنفيذ‭ ‬هذه‭ ‬المشروعات،‭ ‬ولا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬سوق‭ ‬المال‭ ‬والأعمال‭ ‬البريطاني‭ ‬هو‭ ‬الأكثر‭ ‬جاذبية‭ ‬للمستثمر‭ ‬الخليجي‭ ‬بين‭ ‬نظرائه‭ ‬في‭ ‬أوروبا‭ ‬وآسيا‭.‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬وقعت‭ ‬بريطانيا‭ ‬في‭ ‬الآونة‭ ‬الأخيرة‭ ‬اتفاقات‭ ‬تجارة‭ ‬حرة‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬استراليا‭ ‬ونيوزيلندا‭ ‬واليابان‭ ‬وفيتنام،‭ ‬فهي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬تفاوض‭ ‬فيه‭ ‬المنظومة‭ ‬الخليجية‭ ‬لعقد‭ ‬اتفاق‭ ‬تجارة‭ ‬حرة،‭ ‬تمضي‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المفاوضات‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الهند‭ ‬وكندا‭ ‬والمكسيك‭.‬

ومن‭ ‬المتوقع‭ ‬طبقًا‭ ‬للتحليل‭ ‬الحكومي‭ ‬البريطاني‭ ‬أن‭ ‬تؤدي‭ ‬اتفاقية‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬البريطانية‭ ‬الخليجية‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬حجم‭ ‬التجارة‭ ‬بين‭ ‬الجانبين‭ ‬بنسبة‭ ‬16‭%‬‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬وإضافة‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬1‭.‬6‭ ‬مليار‭ ‬جنيه‭ ‬استرليني‭ ‬سنويًا‭ ‬إلى‭ ‬الاقتصاد‭ ‬البريطاني،‭ ‬والمساهمة‭ ‬بمبلغ‭ ‬إضافي‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬600‭ ‬مليون‭ ‬جنيه‭ ‬استرليني‭ ‬أو‭ ‬أكثر‭ ‬في‭ ‬الأجور‭ ‬السنوية‭ ‬للعاملين‭ ‬البريطانيين‭.‬

والأكثر‭ ‬استفادة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭ ‬هي‭ ‬الشركات‭ ‬البريطانية‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة‭ ‬التي‭ ‬تمثل‭ ‬صادراتها‭ ‬نحو‭ ‬85‭%‬‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الصادرات‭ ‬البريطانية‭ ‬لدول‭ ‬الخليج،‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬2020‭ ‬فإن‭ ‬نحو‭ ‬10700‭ ‬شركة‭ ‬بريطانية‭ ‬صغيرة‭ ‬ومتوسطة‭ ‬صدرت‭ ‬سلعًا‭ ‬إلى‭ ‬الإمارات،‭ ‬و5500‭ ‬صدرت‭ ‬إلى‭ ‬السعودية،‭ ‬و4100‭ ‬صدرت‭ ‬إلى‭ ‬قطر،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬للشركات‭ ‬البريطانية‭ ‬استثمارات‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬تبلغ‭ ‬قيمتها‭ ‬13‭.‬4‭ ‬مليار‭ ‬جنيه‭ ‬استرليني‭ ‬وللشركات‭ ‬الخليجية‭ ‬استثمارات‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬بنحو‭ ‬15‭.‬7‭ ‬مليار‭ ‬جنيه‭ ‬استرليني،‭ ‬فيما‭ ‬توجد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬500‭ ‬شركة‭ ‬خليجية‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬البريطاني‭ ‬توفر‭ ‬نحو‭ ‬25‭ ‬ألف‭ ‬فرصة‭ ‬عمل‭. ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬صادرات‭ ‬السلع،‭ ‬فإن‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬هي‭ ‬ثاني‭ ‬أكبر‭ ‬مصدر‭ ‬عالمي‭ ‬للخدمات،‭ ‬وبلغت‭ ‬صادراتها‭ ‬من‭ ‬الخدمات‭ ‬للسوق‭ ‬الخليجية‭ ‬12‭.‬1‭ ‬مليار‭ ‬جنيه‭ ‬استرليني‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭.‬

ولن‭ ‬يبدأ‭ ‬الطرفان‭ ‬بريطانيا‭ ‬ومجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬هذه‭ ‬المفاوضات‭ ‬من‭ ‬نقطة‭ ‬الصفر،‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬بريطانيا‭ ‬أثناء‭ ‬وجودها‭ ‬في‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬شريكة‭ ‬في‭ ‬المفاوضات‭ ‬بشأن‭ ‬اتفاقية‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬الخليجية‭ ‬الأوروبية‭ ‬التي‭ ‬تجمدت‭ ‬من‭ ‬2008،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬أشواطًا‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬عبورها،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬خروج‭ ‬بريطانيا‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬سيحررها‭ ‬من‭ ‬مشروطية‭ ‬هذا‭ ‬الاتحاد‭ ‬لعقد‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية،‭ ‬والنظر‭ ‬أساسًا‭ ‬إلى‭ ‬الاعتبارات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬التي‭ ‬تحقق‭ ‬مصلحتها،‭ ‬وتتجاوز‭ ‬الاعتبارات‭ ‬السياسية‭.‬

وبعد‭ ‬3‭ ‬عقود‭ ‬من‭ ‬المفاوضات‭ ‬الخليجية‭ ‬الأوروبية‭ ‬وصلت‭ ‬هذه‭ ‬المفاوضات‭ ‬إلى‭ ‬طريق‭ ‬مسدود،‭ ‬وظلت‭ ‬العلاقات‭ ‬التجارية‭ ‬الأوروبية‭ ‬الخليجية‭ ‬تسير‭ ‬وفق‭ ‬اتفاقية‭ ‬التعاون‭ ‬المبرمة‭ ‬في‭ ‬1988،‭ ‬وتريد‭ ‬بريطانيا‭ ‬من‭ ‬اتفاقات‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬الجديدة‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬اتفاق‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬مع‭ ‬المنظومة‭ ‬الخليجية‭ ‬التعويض‭ ‬عن‭ ‬الأضرار‭ ‬التي‭ ‬لحقتها‭ ‬نتيجة‭ ‬خروجها‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬حجم‭ ‬تجارتها‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬يبلغ‭ ‬نحو‭ ‬50‭%‬‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬تجارتها‭ ‬الخارجية،‭ ‬وأخذت‭ ‬هذه‭ ‬التجارة‭ ‬تواجه‭ ‬حواجز‭ ‬تجارية‭.‬

وفيما‭ ‬تحاول‭ ‬بريطانيا‭ ‬انتهاج‭ ‬السلوك‭ ‬البراجماتي‭ ‬الصيني‭ ‬الذي‭ ‬يفصل‭ ‬بين‭ ‬الاقتصاد‭ ‬والسياسة‭ ‬في‭ ‬معاملاته،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬النهج‭ ‬سوف‭ ‬يسهل‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬فرص‭ ‬التوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق،‭ ‬وخاصة‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬الأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬مطالب‭ ‬ورغبات‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬الست‭.‬

وفي‭ ‬الاجتماع‭ ‬الأول‭ ‬لسفراء‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬بشأن‭ ‬مفاوضات‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬في‭ ‬يوليو‭ ‬الماضي‭ ‬ترأس‭ ‬الشيخ‭ ‬فواز‭ ‬بن‭ ‬محمد‭ ‬آل‭ ‬خليفة‭ ‬سفير‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬الجانب‭ ‬الخليجي‭ ‬بحضور‭ ‬كبير‭ ‬المفاوضين‭ ‬البريطانيين‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬مناقشة‭ ‬المكاسب‭ ‬الاقتصادية‭ ‬المتوقعة‭ ‬لكلا‭ ‬الجانبين،‭ ‬لجهة‭ ‬التجارة‭ ‬والاستثمار‭ ‬ودعم‭ ‬المشروعات‭ ‬الصغيرة‭ ‬والمتوسطة‭ ‬والتعاون‭ ‬المشترك‭ ‬وتبادل‭ ‬الخبرات‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬التحول‭ ‬الرقمي‭ ‬والذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬والتعليم‭ ‬والخدمات‭ ‬المالية‭.‬

ولا‭ ‬تنظر‭ ‬دول‭ ‬المجلس‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭ ‬إلى‭ ‬التبادل‭ ‬السلعي‭ ‬فحسب،‭ ‬ولكنها‭ ‬تأمل‭ ‬أن‭ ‬تصل‭ ‬بالعلاقة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬إلى‭ ‬المستوى‭ ‬التالي‭ ‬في‭ ‬صناعات‭ ‬المستقبل،‭ ‬كالتجارة‭ ‬الرقمية‭ ‬والخدمات‭ ‬والنمو‭ ‬الأخضر،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬لشركات‭ ‬الخدمات‭ ‬المالية‭ ‬والرقمية،‭ ‬جنبًا‭ ‬إلى‭ ‬جنب‭ ‬مع‭ ‬مقدمي‭ ‬خدمات‭ ‬التعليم‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية،‭ ‬تعزيز‭ ‬مكانتها‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬تحظى‭ ‬بتقدير‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الجانب‭ ‬البريطاني‭.‬

وتنظر‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬النمو‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬الوفورات‭ ‬النفطية‭ ‬الخليجية‭ ‬باهتمام‭ ‬واسع،‭ ‬فقد‭ ‬أظهر‭ ‬تقرير‭ ‬الاستثمار‭ ‬العالمي‭ ‬2021‭ ‬أن‭ ‬حجم‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬المتدفقة‭ ‬على‭ ‬بريطانيا‭ ‬قد‭ ‬بلغ‭ ‬حوالي‭ ‬20‭ ‬مليار‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2020،‭ ‬بنسبة‭ ‬تراجع‭ ‬57‭%‬‭ ‬عن‭ ‬العام‭ ‬السابق‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬فيه‭ ‬هذه‭ ‬التدفقات‭ ‬45‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وتراجع‭ ‬شديد‭ ‬عن‭ ‬عام‭ ‬2016‭ ‬الذي‭ ‬بلغت‭ ‬فيه‭ ‬هذه‭ ‬التدفقات‭ ‬200‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬ويشير‭ ‬هذا‭ ‬إلى‭ ‬تراجع‭ ‬جاذبية‭ ‬السوق‭ ‬البريطانية‭ ‬للاستثمار‭ ‬الأجنبي،‭ ‬حيث‭ ‬تراجعت‭ ‬مكانة‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المؤشر‭ ‬من‭ ‬المرتبة‭ ‬الـ11‭ ‬عالميًا‭ ‬إلى‭ ‬المرتبة‭ ‬الـ16‭.‬

ولهذا‭ ‬تظهر‭ ‬أهمية‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬الباحثة‭ ‬عن‭ ‬تنمية‭ ‬استثماراتها‭ ‬الخارجية،‭ ‬وتنظر‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الاستثمار‭ ‬كأحد‭ ‬أهم‭ ‬مجالات‭ ‬تنويع‭ ‬مصادر‭ ‬الدخل،‭ ‬وفيما‭ ‬أعلنت‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬قطر‭ ‬والإمارات‭ ‬استثمارات‭ ‬بقيمة‭ ‬10‭ ‬مليارات‭ ‬جنيه‭ ‬استرليني‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬الدولتين‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الخمس‭ ‬القادمة،‭ ‬أعلنت‭ ‬السعودية‭ ‬استثمارات‭ ‬بقيمة‭ ‬64‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬تخوض‭ ‬فيه‭ ‬الحكومة‭ ‬البريطانية‭ ‬مفاوضات‭ ‬مع‭ ‬صندوق‭ ‬الاستثمارات‭ ‬العامة‭ ‬السعودي‭ ‬لاستثمار‭ ‬أمواله‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المشاريع‭ ‬البريطانية‭.‬

واستباقًا‭ ‬لتوقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬أخذت‭ ‬لندن‭ ‬تمنح‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المزايا‭ ‬للسياحة‭ ‬الوافدة‭ ‬من‭ ‬الخليج،‭ ‬التي‭ ‬يصل‭ ‬عددها‭ ‬إلى‭ ‬قرابة‭ ‬700‭ ‬ألف‭ ‬سائح‭ ‬سنويًا،‭ ‬ينفقون‭ ‬نحو‭ ‬مليار‭ ‬جنيه‭ ‬استرليني،‭ ‬فأعفت‭ ‬السياحة‭ ‬الخليجية‭ ‬الوافدة‭ ‬من‭ ‬تأشيرة‭ ‬الدخول‭ ‬ابتداءً‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬القادم،‭ ‬كما‭ ‬تستفيد‭ ‬هذه‭ ‬السياحة‭ ‬من‭ ‬رخصة‭ ‬السفر‭ ‬الإلكترونية،‭ ‬وهي‭ ‬استمارة‭ ‬إلكترونية‭ ‬يقوم‭ ‬المواطن‭ ‬الخليجي‭ ‬الراغب‭ ‬في‭ ‬السفر‭ ‬إلى‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬بملئها‭ ‬قبل‭ ‬يومين‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬وليس‭ ‬عليه‭ ‬أداء‭ ‬أي‭ ‬رسوم‭ ‬ولا‭ ‬تقديم‭ ‬جوازات‭ ‬سفر‭ ‬ولا‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬بصمته‭.‬

وهي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬مشروع‭ ‬لندن‭ ‬لجعل‭ ‬المرور‭ ‬عبر‭ ‬مطاراتها‭ ‬إلكترونيًا‭ ‬بنسبة‭ ‬100‭%‬،‭ ‬وإلى‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬استفادة‭ ‬المواطن‭ ‬الخليجي‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬في‭ ‬مطلع‭ ‬2023،‭ ‬يمكنه‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬التأشيرة‭ ‬الإلكترونية‭ ‬التي‭ ‬يمكنه‭ ‬الحصول‭ ‬عليها‭ ‬برسوم‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬30‭ ‬جنيها‭ ‬استرلينيا‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬عدم‭ ‬تطبيق‭ ‬بريطانيا‭ ‬أي‭ ‬تعرفة‭ ‬جمركية‭ ‬على‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬الخليج،‭ ‬اللذين‭ ‬يمثلان‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬من‭ ‬صادرات‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬يجعل‭ ‬متوسط‭ ‬التعرفة‭ ‬الجمركية‭ ‬البريطانية‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬صادرات‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬0‭.‬4‭%‬،‭ ‬ما‭ ‬يشجع‭ ‬هذه‭ ‬الصادرات‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬فإن‭ ‬متوسط‭ ‬التعرفة‭ ‬الجمركية‭ ‬على‭ ‬صادرات‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬يبلغ‭ ‬4‭.‬8‭%‬،‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬إزالتها‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية،‭ ‬ما‭ ‬يجعل‭ ‬المنتجات‭ ‬البريطانية‭ ‬أكثر‭ ‬تنافسية‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬الخليجي‭.‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬ليسا‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬بنود‭ ‬هذه‭ ‬الاتفاقية‭ ‬المتوقعة،‭ ‬فإن‭ ‬المصادر‭ ‬الأخرى‭ ‬للطاقة‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬مكانتها‭ ‬فيها‭ ‬ستكون‭ ‬مشمولة،‭ ‬مثل‭ ‬إزالة‭ ‬التعرفات‭ ‬على‭ ‬البنية‭ ‬التحتية‭ ‬للطاقة‭ ‬المتجددة،‭ ‬كتوربينات‭ ‬الرياح‭ ‬المصنوعة‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة،‭ ‬وزيادة‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬تكنولوجيا‭ ‬الطاقة‭ ‬النظيفة،‭ ‬وتحسين‭ ‬كفاءة‭ ‬الطاقة‭ ‬في‭ ‬المنازل‭ ‬والمباني‭ ‬والشركات،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬المتوقع‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬بإلغاء‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬على‭ ‬وارداتها‭ ‬من‭ ‬بريطانيا‭ ‬في‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬والمشروبات،‭ ‬ما‭ ‬يعزز‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬الخليجي‭.‬

وتستند‭ ‬بريطانيا‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬سرعة‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬عقد‭ ‬اتفاقية‭ ‬تجارة‭ ‬حرة‭ ‬مع‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬إلى‭ ‬علاقاتها‭ ‬التاريخية‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والعسكرية‭ ‬والأمنية‭ ‬والثقافية‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬هذا‭ ‬المجلس،‭ ‬وبعد‭ ‬خروجها‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬أصبحت‭ ‬متحررة‭ ‬من‭ ‬سياسات‭ ‬هذا‭ ‬الاتحاد،‭ ‬وأكثر‭ ‬رغبة‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬علاقاتها‭ ‬الثنائية‭ ‬معها‭.‬

كما‭ ‬أن‭ ‬علاقاتها‭ ‬الحميمة‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تدعم‭ ‬موقفها‭ ‬في‭ ‬المفاوضات‭ ‬التجارية‭ ‬مع‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬وخاصة‭ ‬بعد‭ ‬توجه‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬للانسحاب‭ ‬من‭ ‬الخليج‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬الشرق‭ ‬الأقصى،‭ ‬ولن‭ ‬تساعد‭ ‬اتفاقية‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬في‭ ‬توسيع‭ ‬التعاون‭ ‬الاقتصادي‭ ‬بين‭ ‬بريطانيا‭ ‬ومجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬فحسب،‭ ‬ولكنها‭ ‬تعزز‭ ‬مساعي‭ ‬لندن‭ ‬بتوسيع‭ ‬طرق‭ ‬تجارتها‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬الهندي‭ ‬–‭ ‬الهادي،‭ ‬ما‭ ‬يمكنها‭ ‬من‭ ‬عولمة‭ ‬طرقها‭ ‬التجارية‭.‬

وبعد‭ ‬خروج‭ ‬بريطانيا‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬تعددت‭ ‬علاقاتها‭ ‬العسكرية‭ ‬بدول‭ ‬الخليج،‭ ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬وسعت‭ ‬بريطانيا‭ ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬العسكري،‭ ‬‭ ‬وقد‭ ‬أجرت‭ ‬أكبر‭ ‬مناورات‭ ‬عسكرية‭ ‬مشتركة‭ ‬في‭ ‬سلطنة‭ ‬عُمان‭ ‬منذ‭ ‬عام‭ ‬2001،‭ ‬وأعلنت‭ ‬في‭ ‬2019‭ ‬افتتاح‭ ‬قاعدة‭ ‬بحرية‭ ‬في‭ ‬ميناء‭ ‬‮"‬الدقم‮"‬‭ ‬العماني‭ ‬واستثمرت‭ ‬فيها‭ ‬نحو‭ ‬30‭.‬5‭ ‬مليون‭ ‬دولار‭ ‬في‭ ‬2020،‭ ‬وبعد‭ ‬المناورات‭ ‬العسكرية‭ ‬المشتركة‭ ‬مع‭ ‬القوات‭ ‬العمانية‭ ‬في‭ ‬2021‭ ‬قررت‭ ‬نقل‭ ‬وجودها‭ ‬العسكري‭ ‬من‭ ‬كندا‭ ‬إلى‭ ‬عُمان‭ ‬في‭ ‬2023،‭ ‬ومع‭ ‬الفتور‭ ‬الذي‭ ‬انتاب‭ ‬العلاقات‭ ‬الخليجية‭ ‬الأمريكية‭ ‬بسبب‭ ‬الاختلاف‭ ‬حول‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬القضايا،‭ ‬فقد‭ ‬خلق‭ ‬هذا‭ ‬فراغًا،‭ ‬وجدت‭ ‬فيه‭ ‬بريطانيا‭ ‬مجالًا‭ ‬تعود‭ ‬فيه‭ ‬بقوة‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬العلاقات‭ ‬التجارية‭.‬

وما‭ ‬يميز‭ ‬محادثات‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬الجارية‭ ‬الآن‭ ‬بين‭ ‬بريطانيا‭ ‬ومجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬أنها‭ ‬ستبرم‭ ‬بين‭ ‬بريطانيا‭ ‬كدولة‭ ‬ومجلس‭ ‬التعاون‭ ‬ككتلة‭ ‬سياسية‭ ‬واقتصادية‭ ‬وليس‭ ‬دوله‭ ‬الست‭ ‬فرادى،‭ ‬والمجلس‭ ‬وصل‭ ‬حاليًا‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬الاتحاد‭ ‬الجمركي،‭ ‬ولا‭ ‬يتفاوض‭ ‬نيابة‭ ‬عن‭ ‬الدول‭ ‬الأعضاء،‭ ‬بل‭ ‬ينسق‭ ‬معها‭ ‬منفردة‭.‬

ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الاتفاق‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مشفوعًا‭ ‬بملاحق‭ ‬فردية،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬التفاوض‭ ‬على‭ ‬معايير‭ ‬أعلى‭ ‬مع‭ ‬دولة‭ ‬واحدة‭ ‬أسهل‭ ‬منه‭ ‬مع‭ ‬ست‭ ‬دول‭ ‬مجتمعة،‭ ‬ولمجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬سوابق‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن،‭ ‬كاتفاقية‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬بين‭ ‬المجلس‭ ‬ورابطة‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬الأوروبية‭ ‬في‭ ‬2009،‭ ‬واتفاقية‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬سنغافورة‭ ‬في‭ ‬2013‭.

{ انتهى  }
bottom of page