top of page

31/8/2022

الخلفية السياسية لمشهد الطاقة الراهن

من‭ ‬الصعب‭ ‬تفسير‭ ‬مشهد‭ ‬الطاقة‭ ‬الراهن‭ ‬بمعزل‭ ‬عن‭ ‬التطورات‭ ‬السياسية،‭ ‬فمن‭ ‬المعلوم‭ ‬أن‭ ‬موارد‭ ‬الطاقة،‭ ‬وخاصة‭ ‬النفط‭ ‬والغاز،‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬السلع‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬ارتباطًا‭ ‬بالتطورات‭ ‬السياسية،‭ ‬وربما‭ ‬لا‭ ‬ينافسها‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬غير‭ ‬مبيعات‭ ‬الأسلحة،‭ ‬ولم‭ ‬يصل‭ ‬العالم‭ ‬بعد‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬التقدم‭ ‬الإنساني‭ ‬التي‭ ‬تجعله‭ ‬يضع‭ ‬الموارد‭ ‬الحيوية‭ ‬لحياة‭ ‬الإنسان‭ -‬منها‭ ‬موارد‭ ‬الطاقة‭- ‬في‭ ‬حيدة‭ ‬عن‭ ‬التطورات‭ ‬السياسية،‭ ‬ويؤَمِّن‭ ‬حصول‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬على‭ ‬حقه‭ ‬الطبيعي‭ ‬في‭ ‬الطاقة‭ ‬اللازمة‭ ‬لمعيشته،‭ ‬وعلى‭ ‬امتداد‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬شماله‭ ‬إلى‭ ‬جنوبه،‭ ‬ومن‭ ‬شرقه‭ ‬إلى‭ ‬غربه،‭ ‬نجد‭ ‬ذلك‭ ‬الارتباط‭ ‬القوي‭ ‬بين‭ ‬مشهد‭ ‬الطاقة‭ ‬الراهن‭ ‬وخلفيته‭ ‬السياسية‭. ‬ولأن‭ ‬تأمين‭ ‬الطاقة‭ ‬هو‭ ‬العمود‭ ‬الحيوي‭ ‬لصعود‭ ‬الصين‭ ‬الاقتصادي،‭ ‬فقد‭ ‬عملت‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬علاقاتها‭ ‬السياسية‭ ‬وتعزيزها‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬المحتمل‭ ‬أن‭ ‬تحصل‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬نفط‭ ‬وغاز،‭ ‬بل‭ ‬قامت‭ ‬بتنفيذ‭ ‬مشروعات‭ ‬بنية‭ ‬تحتية‭ ‬تسهل‭ ‬نقل‭ ‬هذا‭ ‬المورد‭ ‬كما‭ ‬رأينا‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬السودان،‭ ‬ولأنها‭ ‬فقيرة‭ ‬في‭ ‬موارد‭ ‬الطاقة‭ ‬الأحفورية،‭ ‬فما‭ ‬إن‭ ‬ظهر‭ ‬غاز‭ ‬شرق‭ ‬المتوسط،‭ ‬حتى‭ ‬أشعلت‭ ‬تركيا‭ ‬النزاع‭ ‬الإقليمي‭ ‬بشأن‭ ‬حقها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الغاز‭ ‬انطلاقًا‭ ‬من‭ ‬وضعها‭ ‬في‭ ‬قبرص،‭ ‬ولأن‭ ‬موارد‭ ‬الطاقة‭ ‬ركيزة‭ ‬أساسية‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الإيراني‭ -‬كما‭ ‬أنها‭ ‬كذلك‭ ‬للاقتصاد‭ ‬الروسي‭ ‬وفنزويلا‭ ‬أيضًا‭- ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الحرمان‭ ‬في‭ ‬تصدير‭ ‬هذه‭ ‬الموارد‭ ‬والانتفاع‭ ‬بإيراداتها‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬نظام‭ ‬العقوبات‭ ‬الأمريكية‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬النزاع‭ ‬حول‭ ‬برنامج‭ ‬إيران‭ ‬النووي‭ ‬هو‭ ‬حول‭ ‬الحدود‭ ‬الفاصلة‭ ‬بين‭ ‬برنامج‭ ‬الطاقة‭ ‬أو‭ ‬برنامج‭ ‬للتسلح‭ ‬النووي‭.‬

وقد‭ ‬كانت‭ ‬السياسة‭ ‬الأمريكية‭ ‬التقليدية‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬ضمان‭ ‬أمن‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وضمان‭ ‬مصادر‭ ‬النفط،‭ ‬وتدفقه‭ ‬إليها،‭ ‬وإلى‭ ‬حلفائها،‭ ‬ولكن‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬أخذ‭ ‬الصعود‭ ‬الصيني‭ ‬يلاحق‭ ‬مكانة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ويكاد‭ ‬يدركها،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصبحت‭ ‬الصين‭ ‬القوة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الثانية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بعد‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬وجيز،‭ ‬أدركت‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أنه‭ ‬بعد‭ ‬انهيار‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتي‭ ‬فإن‭ ‬خصمها‭ ‬الرئيسي‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬التركيز‭ ‬في‭ ‬مواجهته‭ ‬هو‭ ‬الصين،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬أخذت‭ ‬في‭ ‬التحول‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬تجاه‭ ‬الشرق‭ ‬الأقصى،‭ ‬وقد‭ ‬شجعها‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬انخفاض‭ ‬اعتمادها‭ ‬على‭ ‬نفط‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬زاد‭ ‬إنتاجها‭ ‬من‭ ‬النفط‭ ‬الصخري،‭ ‬حتى‭ ‬صارت‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬المنتجة‭ ‬النفطية‭ ‬الكبرى،‭ ‬والمصدرة،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬التحول‭ ‬تركت‭ ‬العراق‭ ‬لأزماته،‭ ‬وسلمت‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬أفغانستان‭ ‬إلى‭ ‬طالبان،‭ ‬وأفضى‭ ‬انسحابها‭ ‬إلى‭ ‬تمدد‭ ‬النفوذ‭ ‬الإيراني‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬اليمن‭ ‬إلى‭ ‬لبنان‭ ‬وسوريا،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬الفراغ‭ ‬الذي‭ ‬أحدثه‭ ‬هذا‭ ‬الانسحاب‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬فراغًا،‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬أعطت‭ ‬خصومها‭ ‬أوراق‭ ‬قوة‭ ‬بملئهم‭ ‬هذا‭ ‬الفراغ‭.‬

وحين‭ ‬أدركت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬حاجتها‭ ‬إلى‭ ‬نفط‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وغازه‭ ‬في‭ ‬صراعها‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا،‭ ‬وسعيها‭ ‬لتحرير‭ ‬أوروبا‭ ‬من‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬الروسي،‭ ‬وأن‭ ‬يكون‭ ‬البديل‭ ‬من‭ ‬نفط‭ ‬وغاز‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬وجدت‭ ‬الخريطة‭ ‬قد‭ ‬تغيرت،‭ ‬وفي‭ ‬كلمته‭ ‬في‭ ‬16‭ ‬يوليو،‭ ‬حين‭ ‬قَدِم‭ ‬‮"‬بايدن‮"‬‭ ‬للاجتماع‭ ‬بقادة‭ ‬المنطقة،‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لن‭ ‬تترك‭ ‬فراغًا‭ ‬تملؤه‭ ‬الصين‭ ‬أو‭ ‬روسيا‭ ‬أو‭ ‬إيران،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬الفراغ‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬فراغًا؛‭ ‬فقد‭ ‬غدت‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬المنتج‭ ‬والمصدر‭ ‬الرئيسي‭ ‬للنفط‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬متحالفة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬‮"‬أوبك‭ ‬بلس‮"‬‭ ‬مع‭ ‬روسيا،‭ ‬في‭ ‬جبهة‭ ‬تنظيم‭ ‬إنتاج‭ ‬وتصدير‭ ‬النفط‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬أسعاره،‭ ‬وقد‭ ‬رفضت‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬فك‭ ‬هذا‭ ‬الارتباط‭ ‬تلبية‭ ‬للرغبة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬ووجد‭ ‬أن‭ ‬إيران‭ ‬التي‭ ‬يدخل‭ ‬معها‭ ‬في‭ ‬مباحثات‭ ‬غير‭ ‬مباشرة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إحياء‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬متمددة‭ ‬حول‭ ‬شبه‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية،‭ ‬ووجد‭ ‬أن‭ ‬معظم‭ ‬صادرات‭ ‬النفط‭ ‬والغاز‭ ‬من‭ ‬المنطقة‭ ‬تتجه‭ ‬إلى‭ ‬الشرق‭ ‬الأقصى‭.‬

ولهذا‭ ‬نجد‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬أعقاب‭ ‬زيارة‭ ‬‮"‬بايدن‮"‬‭ ‬للمنطقة‭ ‬كان‭ ‬الاتصال‭ ‬الهاتفي‭ ‬بين‭ ‬‮"‬بوتين‮"‬‭ ‬وولي‭ ‬العهد‭ ‬السعودي‭ ‬‮"‬محمد‭ ‬بن‭ ‬سلمان‮"‬‭ ‬في‭ ‬21‭ ‬يوليو‭ ‬لبحث‭ ‬الوضع‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬النفط‭ ‬العالمي،‭ ‬والتشديد‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬استمرار‭ ‬تفاهمات‭ ‬واتفاقات‭ ‬‮"‬أوبك‭ ‬بلس‮"‬‭ ‬التي‭ ‬تقودها‭ ‬موسكو‭ ‬والرياض‭. ‬ومن‭ ‬طهران‭ ‬أشاد‭ ‬‮"‬بوتين‮"‬‭ ‬بموقف‭ ‬السعودية‭ ‬والإمارات‭ ‬من‭ ‬روسيا‭ ‬خلال‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬أن‭ ‬علاقة‭ ‬روسيا‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬لم‭ ‬ولن‭ ‬تكون‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬شركاء‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬الخليج،‭ ‬وأن‭ ‬روسيا‭ ‬تثمّن‭ ‬غاليًا‭ ‬مواقفهم،‭ ‬وأنها‭ ‬حريصة‭ ‬على‭ ‬استمرار‭ ‬التنسيق‭ ‬والتعاون‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬الذي‭ ‬يخدم‭ ‬مصالح‭ ‬الطرفين‭. ‬وفي‭ ‬24‭ ‬يوليو‭ ‬قام‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الروسي‭ ‬‮"‬سيرجي‭ ‬لافروف‮"‬‭ ‬بإلقاء‭ ‬خطاب‭ ‬بجامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬أشاد‭ ‬فيه‭ ‬بموقف‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬الأزمة‭ ‬الأوكرانية،‭ ‬وأكد‭ ‬عزم‭ ‬روسيا‭ ‬استمرار‭ ‬تطوير‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬مطمئنًا‭ ‬لها‭ ‬بشأن‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي،‭ ‬والتزام‭ ‬روسيا‭ ‬بتصدير‭ ‬الحبوب‭ ‬لها،‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬قام‭ ‬‮"‬لافروف‮"‬‭ ‬بزيارة‭ ‬السعودية‭ ‬وشارك‭ ‬في‭ ‬اجتماع‭ ‬وزراء‭ ‬خارجية‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي‭ ‬في‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬يونيو،‭ ‬وقبلها‭ ‬زار‭ ‬الجزائر‭ ‬وسلطنة‭ ‬عُمان‭ ‬في‭ ‬مايو‭. ‬بل‭ ‬إن‭ ‬روسيا‭ ‬قد‭ ‬سعت‭ ‬إلى‭ ‬جذب‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬إلى‭ ‬أطر‭ ‬قانونية‭ ‬دولية‭ ‬تقودها،‭ ‬أو‭ ‬لها‭ ‬فيها‭ ‬وضع‭ ‬مؤثر،‭ ‬مثل‭ ‬‮"‬بريكس‮"‬‭ ‬و"الاتحاد‭ ‬الأوراسي‮"‬‭ ‬و"منظمة‭ ‬شنغهاي‮"‬،‭ ‬فقد‭ ‬رحب‭ ‬‮"‬لافروف‮"‬‭ ‬بسعي‭ ‬مصر‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬مقعد‭ ‬شريك‭ ‬حوار‭ ‬في‭ ‬‮"‬منظمة‭ ‬شنغهاي‮"‬‭ ‬للتعاون،‭ ‬ومشاركتها‭ ‬في‭ ‬عمل‭ ‬‮"‬بريكس‮"‬،‭ ‬وفي‭ ‬العام‭ ‬الماضي‭ ‬حصلت‭ ‬مصر‭ ‬والإمارات‭ ‬على‭ ‬عضوية‭ ‬بنك‭ ‬‮"‬بريكس‮"‬‭ ‬للتنمية،‭ ‬ما‭ ‬يمهد‭ ‬لانضمامهما‭ ‬الكامل‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬المجموعة‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬روسيا‭ ‬والصين‭ ‬والهند‭ ‬والبرازيل‭ ‬وجنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وحصلت‭ ‬مصر‭ ‬والسعودية‭ ‬وقطر‭ ‬على‭ ‬مقعد‭ ‬شريك‭ ‬حوار‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬‮"‬شنغهاي‭ ‬للتعاون‮"‬‭ ‬التي‭ ‬تضم‭ ‬الصين‭ ‬وروسيا‭ ‬والهند‭ ‬وباكستان‭ ‬ودول‭ ‬آسيا‭ ‬الوسطى‭ ‬في‭ ‬سبتمبر‭ ‬الماضي،‭ ‬ورحبت‭ ‬روسيا‭ ‬باتفاقات‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬التي‭ ‬وقعتها‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الإمارات‭ ‬ومصر‭ ‬مع‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوراسي‭ ‬الذي‭ ‬يضم‭: (‬روسيا‭ ‬وكازاخستان،‭ ‬وبيلاروسيا‭ ‬وأرمينيا‭ ‬وقيرغيزستان،‭ ‬وطاجيكستان،‭ ‬وتركمانستان،‭ ‬ومولدوفا‭). ‬وبدأت‭ ‬موسكو‭ ‬مفاوضات‭ ‬جادة‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬للتعامل‭ ‬بالعملات‭ ‬الوطنية‭ ‬واعتماد‭ ‬بطاقة‭ ‬‮"‬مير‮"‬‭ ‬الروسية‭ ‬بعد‭ ‬تعليق‭ ‬‮"‬ماستر‭ ‬كارد‮"‬‭ ‬وفيزا‭ ‬خدماتهما‭ ‬البنكية‭ ‬في‭ ‬روسيا،‭ ‬وقد‭ ‬تبنت‭ ‬تركيا‭ ‬بالفعل‭ ‬التعامل‭ ‬بـ"مير‮"‬‭ ‬لتشجيع‭ ‬قدوم‭ ‬السياحة‭ ‬الروسية‭ ‬إليها‭. ‬وذكرت‭ ‬روسيا‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬التزامها‭ ‬بجميع‭ ‬الاتفاقات‭ ‬والمشروعات‭ ‬القائمة‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬مدركة‭ ‬أن‭ ‬انسحابها‭ ‬منها‭ ‬يخلق‭ ‬فراغًا‭ ‬بمنطق‭ ‬‮"‬بايدن‮"‬،‭ ‬قد‭ ‬تملؤه‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬قوة‭ ‬غربية‭ ‬أخرى،‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬التزامها‭ ‬بمشروع‭ ‬محطة‭ ‬‮"‬الضبعة‭ ‬النووية‮"‬‭ ‬لتوليد‭ ‬الكهرباء‭ ‬في‭ ‬مصر‭. ‬وفي‭ ‬سياق‭ ‬عدم‭ ‬ترك‭ ‬فراغ‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬أو‭ ‬قوة‭ ‬غربية‭ ‬أخرى،‭ ‬فرغم‭ ‬اختلاف‭ ‬طبيعة‭ ‬العلاقات‭ ‬الروسية‭ ‬بكل‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬وتركيا،‭ ‬فقد‭ ‬دعا‭ ‬‮"‬بوتين‮"‬‭ ‬إلى‭ ‬مأسسة‭ ‬علاقة‭ ‬ثلاثية‭ ‬بين‭ ‬موسكو‭ ‬وطهران‭ ‬وأنقرة‭ ‬بقمة‭ ‬تجمع‭ ‬زعماء‭ ‬الدول‭ ‬الثلاث‭ ‬في‭ ‬19‭ ‬يوليو،‭ ‬وترسيخ‭ ‬هذا‭ ‬الإطار‭ ‬الثلاثي‭ ‬وتوسيع‭ ‬دائرته،‭ ‬وأسفرت‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬عن‭ ‬إطلاق‭ ‬ممر‭ ‬الشمال‭ ‬الجنوب‭ ‬الذي‭ ‬يربط‭ ‬روسيا‭ ‬بالهند‭ ‬عبر‭ ‬إيران،‭ ‬وكانت‭ ‬إيران‭ ‬تسعى‭ ‬إليه‭ ‬منذ‭ ‬عهد‭ ‬‮"‬أحمدي‭ ‬نجاد‮"‬،‭ ‬وقد‭ ‬أصبح‭ ‬هذا‭ ‬الممر‭ ‬ضروريًّا‭ ‬في‭ ‬ضوء‭ ‬تزايد‭ ‬مبيعات‭ ‬الطاقة‭ ‬الروسية‭ ‬للهند،‭ ‬كما‭ ‬أسفرت‭ ‬هذه‭ ‬القمة‭ ‬عن‭ ‬توقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬التجارة‭ ‬الحرة‭ ‬بين‭ ‬إيران‭ ‬والاتحاد‭ ‬الأوراسي،‭ ‬وتوقيع‭ ‬اتفاقية‭ ‬نفطية‭ ‬بين‭ ‬شركة‭ ‬‮"‬غاز‭ ‬بروم‮"‬‭ ‬الروسية‭ ‬وشركة‭ ‬النفط‭ ‬الوطنية‭ ‬الإيرانية‭ ‬بقيمة‭ ‬40‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬وتشمل‭ ‬تطوير‭ ‬سبعة‭ ‬حقول‭ ‬نفطية‭ ‬باستثمار‭ ‬روسي‭ ‬رغم‭ ‬الحظر‭ ‬الغربي‭ ‬على‭ ‬إيران،‭ ‬منها‭ ‬حقل‭ ‬‮"‬أزاديجان‮"‬‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الإيرانية‭ ‬العراقية‭ ‬وحقل‭ ‬غاز‭ ‬‮"‬بارس‭ ‬شمال‮"‬‭ ‬و‮"‬بارس‭ ‬جنوب‮"‬‭ ‬و"كيش‮"‬،‭ ‬ويتيح‭ ‬الاتفاق‭ ‬مكاسب‭ ‬استراتيجية‭ ‬خاصة‭ ‬لروسيا،‭ ‬حيث‭ ‬تمكنها‭ ‬من‭ ‬إنشاء‭ ‬أقوى‭ ‬احتكار‭ ‬للغاز‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬تحت‭ ‬مظلة‭ ‬روسية،‭ ‬ويسمح‭ ‬بوجود‭ ‬روسي‭ ‬في‭ ‬جزيرة‭ ‬‮"‬كيش‮"‬‭ ‬وسط‭ ‬مياه‭ ‬الخليج،‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬موسكو‭ ‬من‭ ‬متابعة‭ ‬تحرك‭ ‬جميع‭ ‬القطع‭ ‬البحرية‭ ‬في‭ ‬الخليج،‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬سفن‭ ‬الأسطول‭ ‬الخامس‭ ‬الأمريكي‭. ‬وحققت‭ ‬روسيا‭ ‬أيضًا‭ ‬مكسبًا‭ ‬سياسيًّا‭ ‬آخر‭ ‬لدى‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬المعتادة‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬واردات‭ ‬القمح‭ ‬الأوكراني،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬اتفاق‭ ‬إسطنبول‭ ‬في‭ ‬22‭ ‬يوليو‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬وتركيا‭ ‬والأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬لفك‭ ‬الحصار‭ ‬عن‭ ‬صادرات‭ ‬الحبوب‭ ‬والأسمدة‭ ‬الأوكرانية‭ ‬من‭ ‬موانئ‭ ‬البحر‭ ‬الأسود،‭ ‬وتوفير‭ ‬ممرات‭ ‬آمنة‭ ‬لها،‭ ‬ومعها‭ ‬صادرات‭ ‬الحبوب‭ ‬الروسية‭. ‬وحين‭ ‬أجل‭ ‬‮"‬بايدن‮"‬‭ ‬بحث‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لدى‭ ‬زيارته‭ ‬للمنطقة‭ ‬مارست‭ ‬روسيا‭ ‬ضغوطًا‭ ‬على‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬الأشهر‭ ‬الأخيرة،‭ ‬وبدأت‭ ‬السلطات‭ ‬الروسية‭ ‬اتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬قانونية‭ ‬ضد‭ ‬منظمة‭ ‬‮"‬سختوت‭ ‬اليهودية‭ ‬للهجرة‮"‬،‭ ‬واستبعادها‭ ‬من‭ ‬سجل‭ ‬الدولة‭ ‬الموحد‭ ‬للكيانات‭ ‬القانونية‭ ‬غير‭ ‬الربحية‭ ‬المسجلة،‭ ‬و‮"‬سختوت‮"‬‭ ‬هي‭ ‬فرع‭ ‬الوكالة‭ ‬اليهودية‭ ‬الأم‭ ‬وتنشط‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الهجرة‭ ‬اليهودية‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل،‭ ‬وقد‭ ‬تأسست‭ ‬في‭ ‬1929،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬قامت‭ ‬بطارية‭ ‬روسية‭ ‬بإطلاق‭ ‬النار‭ ‬على‭ ‬طائرات‭ ‬إسرائيلية‭ ‬كانت‭ ‬تقوم‭ ‬بمهاجمة‭ ‬سوريا،‭ ‬كما‭ ‬قامت‭ ‬روسيا‭ ‬بتزويد‭ ‬سوريا‭ ‬بصواريخ‭ ‬إس300،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬قيام‭ ‬روسيا‭ ‬بدعم‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ومطالبتها‭ ‬بضرورة‭ ‬إقامة‭ ‬دولة‭ ‬فلسطينية،‭ ‬وتنديدها‭ ‬بالانتهاكات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بحق‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭. ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬روسيا‭ ‬وحدها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬زاد‭ ‬انخراطها‭ ‬في‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬ولكن‭ ‬الصين‭ ‬أيضًا،‭ ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬الصين‭ ‬هذا‭ ‬الانخراط‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬بشكل‭ ‬رئيسي،‭ ‬ثم‭ ‬توسعت‭ ‬لاحقًا‭ ‬نحو‭ ‬مستوى‭ ‬محدود‭ ‬من‭ ‬الانخراط‭ ‬العسكري،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬ضيقة،‭ ‬ولكنه‭ ‬يمثل‭ ‬خطوة‭ ‬في‭ ‬مسار‭ ‬طويل‭ ‬الأمد،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬أدى‭ ‬انسحاب‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬من‭ ‬المنطقة‭ ‬على‭ ‬مر‭ ‬السنوات‭ ‬من‭ ‬2008‭ ‬حتى‭ ‬2022،‭ ‬وسياساتها‭ ‬تجاه‭ ‬الإقليم‭ ‬منذ‭ ‬وصول‭ ‬‮"‬بايدن‮"‬‭ ‬في‭ ‬يناير‭ ‬2021،‭ ‬إلى‭ ‬تغيير‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والدول‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬نتيجة‭ ‬ما‭ ‬ظهر‭ ‬من‭ ‬تركيز‭ ‬واشنطن‭ ‬على‭ ‬مصالحها‭ ‬أولًا‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬مصالح‭ ‬هذه‭ ‬الدول،‭ ‬وقد‭ ‬ظهر‭ ‬ذلك‭ ‬أثناء‭ ‬المباحثات‭ ‬التي‭ ‬أفضت‭ ‬إلى‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬في‭ ‬2015‭ ‬والتي‭ ‬تم‭ ‬فيها‭ ‬تغييب‭ ‬دول‭ ‬الخليج،‭ ‬كما‭ ‬ظهر‭ ‬في‭ ‬المباحثات‭ ‬الحالية‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬هذا‭ ‬الاتفاق،‭ ‬وانسحاب‭ ‬واشنطن‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬وأفغانستان،‭ ‬ما‭ ‬أفقدها‭ ‬مصداقيتها‭ ‬والثقة‭ ‬في‭ ‬الاعتماد‭ ‬عليها،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬لجوء‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬إلى‭ ‬تنويع‭ ‬علاقاتها‭ ‬وتحالفاتها،‭ ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬زيارة‭ ‬‮"‬بايدن‮"‬‭ ‬للمنطقة‭ ‬قد‭ ‬توجهت‭ ‬إلى‭ ‬تعزيز‭ ‬العلاقات‭ ‬الأمريكية‭ ‬بدول‭ ‬المنطقة‭ ‬والتعاون‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬في‭ ‬الملفات‭ ‬الأمنية‭ ‬والتنسيق‭ ‬بشأن‭ ‬قضايا‭ ‬الأمن‭ ‬غير‭ ‬التقليدي‭ ‬فإن‭ ‬ما‭ ‬يعيد‭ ‬الثقة‭ ‬الأفعال‭ ‬وليس‭ ‬الأقوال،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬تقف‭ ‬أمامه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬علامات‭ ‬الاستفهام‭.

{ انتهى  }
bottom of page