24/8/2022
تأثير التحقيق مع ترامب على مسار الانتخابات الرئاسية الأمريكية
كدأبه حين كان في السلطة، نادرًا ما غاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن عناوين الأخبار منذ تركه منصبه في يناير 2021، سواء كانت مشاكله القانونية طويلة الأمد أو التحقيق البارز الذي أجراه الكونجرس الأمريكي عن دوره في أحداث السادس من يناير 2021، عندما اقتحم أنصاره مبنى الكابيتول بواشنطن في محاولة لقلب نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020.
وفي خضم ذلك، تكمن حقيقة أن قاعدة الدعم القوية لترامب لم تتلاش على الرغم من هزيمته أمام جو بايدن، وهناك مزاعم عن التلاعب بالانتخابات وزعزعة قلب الحزب الجمهوري، حيث ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن "ما يقرب من ثلثي ترشيحات الحزب الجمهوري لمكاتب الولايات والمكاتب الفيدرالية التي تتمتع بسلطة على الانتخابات" تم شغلها من قِبَل مرشحين مؤيدين لترامب وهم ينكرون صراحة شرعية الانتخابات الأخيرة.
أحدث فضيحة، وهي الأكثر تأثيرًا حتى الآن، كانت مداهمة منتجع ترامب "مار إيه لاجو" في ولاية فلوريدا بواسطة عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، بهدف مصادرة وإعادة الوثائق والمعلومات السرية التي يُزعم أن ترامب أخذها بشكل غير قانوني من البيت الأبيض، وتشير قوة رد الفعل الناتج عن هذا من قِبَل كل من منتقدي ومؤيدي الرئيس السابق إلى كيف إن الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، في عام 2024، قد تتأرجح، مع بقاء ترامب المرشح المفضل لدى الناخبين الجمهوريين، وبالتالي وجود محاولة عودة محتملة إلى البيت الأبيض مع بايدن.
ولطالما كانت الفضائح التي تورط فيها دونالد ترامب داخل المكتب البيضاوي وخارجه مزيجًا من الغريب والشائن، من بينها الواقعة الأخيرة. وأشارت شبكة بي بي سي نيوز إلى أن هذا كان أول أمر تفتيش على الإطلاق يصدر بحق رئيس أمريكي سابق، في حين أوضح ماكينون وجرامر ويانغ، من مجلة فورين بوليسي، كيف "تم استرداد إحدى عشرة مجموعة من الوثائق السرية" من منتجع ترامب في فلوريدا، ولكن هذه كانت مجرد جزء من "مجموعة تبلغ حوالي عشرين صندوقًا من المستندات السرية والسرية للغاية". وفيما يتعلق بالأمن القومي، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن وثائق سرية للغاية "تتعلق بالأسلحة النووية" كانت من بين تلك التي اكتشفها عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي وأخذوها، وأضافت بي بي سي أن من بين الوثائق "ملفًا من الصور، ومذكرات مكتوبة بخط اليد، ومعلومات غير محددة عن رئيس فرنسا، وأمرًا تنفيذيًّا بالعفو عن حليف ترامب، روجر ستون".
وعلى الرغم من أن ديفيد سميث، من صحيفة الجارديان، قد أشار إلى كيفية قيام عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي "مرتدين ملابس مدنية والسماح لهم بالدخول من قبل الخدمة السرية دون احتكاك"، فقد كتبت سوزان جلاسر، في مجلة ذا نيويوركر، كيف إن ترامب كان "حريصًا على تصوير نفسه على أنه ضحية"، وبعد ذلك "تسبب في إثارة العديد من الادعاءات المثيرة للفتنة وغير الصحيحة في الغالب بشأن عملية البحث"، بل أصدر الرئيس السابق سريعًا بيانًا يزعم فيه أن منزله كان "تحت الحصار والمداهمة والاحتلال من قِبَل مجموعة كبيرة من عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي"، وتحدث عن "كيف إن شيئًا مثل هذا لم يحدث أبدًا لرئيس الولايات المتحدة".
وعلى الرغم من زعمه أنه بريء، فإن ترامب من المحتمل أن يواجه تهمًا جنائية خطيرة، بالإضافة إلى مزاعم عرقلة العدالة من خلال رفض تسليم الوثائق سابقًا، ويذكر ماكينون وجرامر ويانغ أن مذكرة التفتيش "تشير إلى أن الرئيس السابق يخضع للتحقيق بشبهة انتهاك ثلاثة قوانين منفصلة تتعلق بالتعامل مع المعلومات الحكومية الحساسة"، بما في ذلك قانون التجسس الأمريكي.
وقد أعرب المحللون عن قلقهم ولكنهم وافقوا أيضًا على أن هذه الفضيحة الكبرى لن تعرقل ترامب أو سيطرته على الحزب الجمهوري، وترى جلاسر أنه في حين أن مثل هذه الفضيحة وسلسلة من قضايا الادعاء قد تمثل "تهديدًا قانونيًّا خطيرًا" لمسؤول منتخب آخر، "من الصعب تخيل أي رئيس سابق آخر يحظى بمثل هذا المأزق القانوني مثل ترامب المنافس المفضل لقيادة حزبه إلى السلطة". وأشار لاري ساباتو، من مركز السياسة بجامعة فيرجينيا إلى أن هذه الأحداث دفعت الجمهوريون إلى "الالتفاف حول دونالد ترامب وليس العلم الأمريكي"، وبالتالي فإن هذه الفضيحة الأخيرة "عززته داخل الحزب".
وقد ذهب العديد من الجمهوريين الأمريكيين البارزين إلى أبعد من ذلك في خطابهم؛ إذ شبّه ريك سكوت، السيناتور الجمهوري عن فلوريدا، حكومة الولايات المتحدة بـ"الجستابو" لألمانيا النازية، وسعى وزير الخارجية السابق مايك بومبيو إلى إثارة حفيظة مؤيدي ترامب عندما كتب على تويتر أنه "إذا طاردوا رئيسًا سابقًا، فسوف يلاحقونكم".
وفي مواجهة ذلك، بقيت إدارة بايدن بشكل ملحوظ خارج التحقيق ضد ترامب على الرغم من أن المتحدث باسم ترامب زعم أن البيت الأبيض في وضع "السيطرة على الضرر" بعد "المداهمة الفاشلة"، وأفاد ماكينون وجرامر ويانغ بأنه بعيدًا عن ميريك جارلاند، المدعي العام الأمريكي، الذي وقع على عملية مكتب التحقيقات الفيدرالي، فإن مسؤولين آخرين في إدارة بايدن في البيت الأبيض "لم يتم إبلاغهم بالمداهمة مقدمًا"، وأكدت كارين جان بيير، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض أن البيت الأبيض "لم يتدخل"، و"لم يتم إطلاعه" و"لم يشارك" في تحقيق وزارة العدل بشأن حجب ترامب للوثائق. وأضاف البيت الأبيض أن بايدن "لن يعلق أو يناقش" القضايا القانونية لترامب "بأي شكل من الأشكال".
ويجري التحقيق مع ترامب من قِبَل وزارة العدل الأمريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي، بينما يحفز في الوقت نفسه قاعدة دعمه ويُظهِر استمرار سيطرته على السياسيين الجمهوريين في واشنطن، مما يثير التساؤل عما يعنيه هذا بالنسبة للانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة في عام 2024. وأشار ماكينون وجرامر ويانغ إلى كيف إن هذه المتغيرات الأخيرة "ستعمل على تحفيز قاعدة ترامب قبل ترشحه المحتمل للرئاسة"، بينما تقوض أيضًا "ثقتهم في مؤسسات الحكومة الفيدرالية". وبنفس القدر من الأهمية، أشار سميث إلى أنه "حتى الجمهوريون الذين نأوا بأنفسهم سابقًا عن ترامب شعروا بأنهم مضطرون إلى الانصياع والالتفاف حوله"، وكان مايك بنس، نائب الرئيس السابق ورون ديسانتيس، عضو مجلس الشيوخ عن فلوريدا، من بين أولئك الذين عبروا عن معارضتهم لتحقيق مكتب التحقيقات الفيدرالي.
بينما ارتأت ويندي شيلر، أستاذة العلوم السياسية، من جامعة براون في رود آيلاند، أن قادة الحزب الجمهوري "يستخدمون دونالد ترامب" لتأمين فوز كبير في الانتخابات النصفية القادمة للكونغرس الأمريكي، وبعد ذلك من غير المؤكد ما إذا كانوا "سيبقون على إخلاصهم له" حتى عام 2024، إذ تُظهر بيانات استطلاعات الرأي أن الرئيس السابق لا يزال المرشح الأوفر حظًّا من بين قاعدة تصويت الحزب لترشيح الرئيس التالي للحزب. وحافظ ترامب على دعم أساسي قوي داخل الحزب الجمهوري، ووفقًا لاستطلاع حديث أجرته شركة مورنينج كونسلت، فإن 57% من الناخبين الجمهوريين سيصوتون لصالح ترامب في انتخابات اليوم، بزيادة قدرها 4% منذ منتصف يوليو 2022.
وعن مستقبل ترامب السياسي، ومع ذلك، أكد بوب شروم، مدير مركز المستقبل السياسي بجامعة جنوب كاليفورنيا، أنه بينما لا يزال "القوة المهيمنة في الحزب الجمهوري"، فإنه "ليس مسيطرًا مثلما كان قبل عام"، ووصف ترشيحه بالانتخابات الرئاسية لعام 2024 بأنه خيار "ضعيف جدًّا"، مشيرا إلى أن حملة ترامب ستكون "وظيفة بدوام جزئي"؛ لأن الدفاعات القانونية للمرشح "ستحظى بدوام كامل ووقت أطول".
وعلى الرغم من أن سميث يرى أن الانتخابات الرئاسية لعام 2024 مازالت بعيدة، فإنه اعترف بأن "إعادة سباق بايدن ضد ترامب تظل السيناريو الأكثر ترجيحًا" للانتخابات المقبلة، مشيرًا إلى "الارتفاع الدراماتيكي لإدارة بايدن نفسه" في الأسابيع الماضية. ومع "استبعاد فوز الرئيس الحالي بولاية أخرى"؛ في ظل معدلات تأييد منخفضة وسط تضخم اقتصادي مرتفع وارتفاع أسعار الوقود للمستهلكين الأمريكيين، سجل سميث كيف أن "انتصارات عديدة" في الشهر الماضي، بما في ذلك تمرير حزمة اقتصادية هائلة تتضمن تشريعات رئيسية في الكونجرس الأمريكي، فضًلا عن خفض البطالة الأمريكية إلى 3.5%، وهو أدنى مستوى في نصف قرن؛ إلى زيادة احتمالية إعادة انتخاب بايدن. وأعلن إدوارد لوس من صحيفة فاينانشال تايمز عن "الانتصار غير المتوقع لجو بايدن"، مدعيًا أنه يستطيع "الآن التباهي بتشريع أقوى تم تسجيله في أقل من عامين مما حققه أوباما أو بيل كلينتون في ثمانية أعوام".
على الرغم من كل نجاحات بايدن في الأسابيع الأخيرة، خلص جلاسر إلى أنه قد طغت عليها تمامًا "الأزمة الأكبر" في الولايات المتحدة وهي أزمة "انهيار الحزب الجمهوري في عبادة الشخصية" والمتمركز حول ترامب.
في النهاية، يبدو أن ترامب، على الرغم من مواجهته عددًا لا يُحصى من المزاعم والمشاكل القانونية، يحتفظ بقبضة قوية على قاعدة الدعم والجناح السياسي للحزب الجمهوري في واشنطن. وعلى الرغم من أنه لا يزال هناك عامان حتى يعود الأمريكيون إلى صناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم المقبل، فإنه من المرجح أنهم سيختارون مرة أخرى بين جو بايدن البالغ من العمر 79 عامًا أو دونالد ترامب البالغ من العمر 76 عامًا. وحقيقة أن ترامب يمضي وسط حالة حوله من الجدل والانقسام يدل على تراجع السياسة الداخلية الأمريكية إلى مستويات جديدة متدنية، وأن مثل هذا المستوى من العداء السياسي في الولايات المتحدة، حتى أكثر مما كان في عام 2020، هو احتمال مقلق للغاية، مع تحذير ألبرتا وسط العديد من التحذيرات التي حذرت الولايات المتحدة من أنها "تتجه نحو نطاق من العنف السياسي لم نشهده منذ الحرب الأهلية".