11/8/2022
دلالات إنشاء وزارة للـتنمية المستدامة
في تأكيد لالتزام مملكة البحرين بتحقيق أهداف التنمية المستدامة، تضمّن التعديل الوزاري الجديد في يونيو الماضي، استحداث أربع وزارات جديدة، هي: وزارة التنمية المستدامة، وعلى رأسها الوزيرة «نور بنت علي الخليف»، ووزارة السياحة، وعلى رأسها الوزيرة «فاطمة بنت جعفر»، ووزارة الشؤون القانونية على رأسها الوزير «يوسف بن عبدالحسين»، ووزارة البنية التحتية، وعلى رأسها نائب رئيس مجلس الوزراء، الشيخ «خالد بن عبدالله».
وعلى الرغم من أن التنمية بمفهومها الشامل والمستدام قد ظلت هي الشغل الشاغل لعمل كل مؤسسات الدولة والمجتمع في المملكة منذ استقلالها، واستطاعت بذلك أن تضع نفسها في فئة التنمية البشرية المرتفعة جدًّا في التقرير الأممي المعني بهذه التنمية، والذي يرتكز على 3 أعمدة رئيسية: هي الصحة والتعليم والدخل. وعلى الرغم أيضًا من أن (رؤية البحرين الاقتصادية 2030)، والتي انطلق تنفيذها من عام 2008، قد جعلت الاستدامة أحد أهم ركائزها، وتمكنت المملكة من إنجاز الأهداف الاجتماعية للألفية، والتي كان محددًا لبلوغها 2015 قبل هذا الموعد؛ إلا أنها بادرت وقبل ثماني سنوات على التاريخ المحدد دوليًّا لإنجاز أهداف التنمية المستدامة، بإنشاء وزارة لهذه التنمية، في سابقة فريدة، ليكون العمل على تحقيق هذه التنمية، هو كل ما يشغل الوزارة الجديدة، تقوم به مع كل مؤسسات الدولة، حتى يمكن قياس التقدم المحرز في تحقيق أهداف التنمية، ومتابعته، والوقوف على أهم معوقات التنفيذ، والعمل على تذليلها، ما يمكن المملكة من إنجاز الأهداف المحددة في موعدها وربما قبله.
علاوة على ذلك، فإن إنشاء الوزارة الجديدة يعزز من تصنيف المملكة كدولة تنموية، أرسى معالمها «ميثاق العمل الوطني» في 14 فبراير 2001، وتعززت هذه الدعائم في «دستور» عام 2002، ورؤيتها الاقتصادية 2030، وتضمين العمل على تحقيق هذه الرؤية في برامج الحكومة، التي كانت بمثابة خطط متوسطة الأجل لبلوغ أهداف هذه البرامج التي غدت منذ 2015 -أي منذ إطلاق الأهداف الأممية للتنمية المستدامة- تتضمن تحقيق هذه الأهداف، وفضلاً عن أن نحو 78% من أهداف التنمية المستدامة قد تم ربطها ببرنامج عمل الحكومة (2015 – 2018)، فقد كلف مجلس الوزراء كل وزارة وهيئة حكومية بمناظرة ما يخصها من أهداف وخطط وسياسات في برنامج عمل الحكومة (2019 – 2022) مع أهداف التنمية المستدامة.
وتعزيزا لذلك، أنشأ مجلس الوزراء بقراره رقم «21» في مارس 2015، «اللجنة الوطنية للمعلومات»، برئاسة وزير شؤون مجلس الوزراء وعضوية الوزارات والأجهزة الحكومية؛ بهدف متابعة أجندة التنمية المستدامة لما بعد 2015، وربطها ببرامج وخطط التنمية، ثم قرار مجلس الوزراء، بإنشاء قسم لرصد التقدم المحرز في تحقيق أهداف التنمية المستدامة ومؤشراتها في هيئة المعلومات والحكومة الإلكترونية. وفضلاً عن ذلك، كانت هناك «مبادرة الملتقى الحكومي»، كلقاء سنوي رفيع المستوى يجمع القادة وصناع القرار والموظفين التنفيذيين في الحكومة لمناقشة القضايا والتحديات الرئيسية والتوجهات المستقبلية، لتعزيز وتطوير كفاءة الإنتاج وجودة الأداء في إطار العمل الحكومي. وتعتبر مخرجات هذا الملتقى «ركيزة أساسية»، لبرنامج عمل الحكومة ودعم توجهات المرحلة المقبلة.
وقد واكب هذا العمل المؤسسي إطلاق المملكة عددًا من الجوائز المحلية المحفزة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، كجائزة الملك الحمد لتمكين الشباب لتحقيق أهداف التنمية المستدامة»، وجائزة الأمير خليفة بن سلمان للتنمية المستدامة، وجائزة الأميرة سبيكة لتقدم المرأة البحرينية.
وإذا كانت التنمية المستدامة تعني أن الأجيال الحالية تترك للأجيال المقبلة المقومات التي تمكنها من مواصلة التنمية، فإن إنشاء وزارة لهذا الغرض، يضع حقوق الأجيال المقبلة في مستوى معيشي كريم وبيئة وصحة وتعليم بأعلى مستويات الجودة، ومصادر دخل متنوعة متنامية، غير محملة بأعباء موروثة تعيقها عن مواصلة التنمية، في مقدمة اهتمامات هذه الوزارة، التي تشمل إضافة إلى الأمور البيئية والاجتماعية، الاهتمام بالتطور الاقتصادي واستغلال الموارد المتاحة.
من جانب آخر، فقد جاء الإعلان عن إنشاء الوزارة الجديدة بعد شهرين فقط من استعراض تقرير مملكة البحرين الطوعي الثاني، حول التقدم المُحرَز في تحقيق أهداف التنمية المستدامة في اجتماع رفيع المستوى بنيويورك، جمع قادة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وناقش جهود المملكة في تنفيذ الأجندة الحضرية الجديدة، في دلالة على اهتمام البحرين بضرورة وجود وزارة معنية، بتحقيق أهداف التنمية المستدامة وفق «رؤية البحرين 2030»، ومواجهة تحديات هذه التنمية، مثل استنزاف الموارد المائية، والتصحر، والانتقال إلى الاعتماد على الطاقة المتجددة، وتغيرات المناخ، والتلوث بأنواعه، وتدوير النفايات والتوازن البيئي، وغيرها، وهو ما يقتضي أن تكون لهذه الوزارة أذرع لدى الوزارات والهيئات الأخرى.
وتبرز الدلالة الأكثر أهمية أن إنشاء هذه الوزارة ووضع المرأة على قمتها، قد عزز مسيرة المرأة البحرينية، لجهة المشاركة في السلطة التنفيذية عند أعلى مستويات صنع القرار، وتعبيرًا عن الثقة في قدرتها على قيادة هذا العمل، والارتباط الوثيق بين أهداف التنمية المستدامة والخطة الوطنية لنهوض المرأة البحرينية، خاصة أن نجاح المرأة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، يعزز نجاحها في تحقيق أهداف الخطة الوطنية لنهوض المرأة في نسختها الجديدة لما بعد 2022، وفي ضوء أيضا أن المرأة تقود واحدة من أهم مرتكزات التنمية المستدامة، وهو هدف تحقيق الصحة الجيدة للجميع، كما أصبحت تقود في التشكيل الجديد إحدى الوزارات المنوط بها تنويع مصادر الدخل، وهي وزارة السياحة، في توجه إلى الاعتماد على مصادر أخرى أكثر استدامة.
كما يعكس إنشاء هذه الوزارة أيضًا رغبة وطنية في توطين أهداف التنمية المستدامة. فإذا كانت «رؤية البحرين الاقتصادية 2030»، قد عبّرت عن ذلك من قبل إطلاق الأهداف الأممية للتنمية المستدامة؛ فإن إنشاءها بعد سبع سنوات من إطلاق هذه الأهداف في 2015، يعني أن الوزارة الجديدة غير مؤقتة وغير مرتبطة فقط بالبرنامج الأممي؛ لأن العمل التنموي في المملكة قائم من قبل 2015 ومستمر لما بعد 2030، وأنها ستقوم بتفصيل أنماط خاصة بالمملكة، وتوليد أهداف فرعية من الأهداف الأممية تسهم في النهاية في تحقيق هذه الأهداف، كما ستقوم بالوقوف على الفجوات التنموية بين المناطق وبين القطاعات، وصولاً إلى ربط كل مواطن؛ بهدف من أهداف التنمية المستدامة، فالنمط الغذائي غير الصحي مثلاً يزيد من الأمراض غير السارية، ما يقتضي أن يكون عند المواطن وعي بالنمط الغذائي الصحي، كما أن الإفراط العام في استخدام الوقود غير المتجدد، ينهك الإنتاج المحلي النفطي ويحد من قدرة المملكة على تصدير النفط، مما يقتضي تشجيع استخدام وسائل النقل الجماعي.
وفي هذا الإطار، ستبني الوزارة الجديدة على ما تحقق من إنجازات على صعيد أهداف التنمية المستدامة. فالمملكة من خلال النمو الاقتصادي المتواصل استطاعت تجاوز كثير من الأهداف الأممية للتنمية المستدامة؛ أولها القضاء على الفقر، وتمتع جميع المواطنين برعاية صحية جيدة، وحصولهم على العلاج والأدوية مجانًا، وحصول جميع الأطفال على التطعيمات والتحصينات اللازمة؛ مما أدى إلى خفض وفيات الأمهات والأطفال إلى ما دون المستويات العالمية، وارتفاع العمر المتوقع عند الميلاد إلى نحو 77 عامًا.
ومن خلال إلزامية التعليم الأساسي ومجانية التعليم حتى نهاية المرحلة الثانوية، حققت المملكة هدف التعليم للجميع وانحسرت الأمية فيها إلى ما دون 2.5%، ووفرت السكن الصحي الملائم لأكثر من 36 ألف أسرة من محدودي الدخل، كما تقوم بتنفيذ إنشاء خمس مدن إسكانية جديدة مجهزة بالبنية التحتية والمرافق الحديثة بأفضل المعايير العالمية، كما امتلكت البحرين تجربة رائدة عالميًّا في تحقيق التوازن بين الجنسين ونهوض المرأة، وانخفض معدل البطالة فيها إلى ما دون 4%، كما تتخذ إجراءات استباقية لمواجهة آثار تغير المناخ.
وإذا كانت أهداف التنمية المستدامة الـ17 هي دعوة عالمية للعمل من أجل القضاء على الفقر وحماية كوكب الأرض وضمان تمتع جميع الناس بالسلام والازدهار، وهي دعوة يمكن صياغتها في خمس مكونات أساسية هي: الإنسان والكوكب والازدهار والسلام والشراكة، وأن تنفيذها يقتضي توسيع الشراكات المحلية والعالمية، فإنه سيقع على عاتق الوزارة الجديدة تعزيز هذه الشراكات، وفي مقدمتها دعم منظمات الأمم المتحدة لجهود مملكة البحرين لجهة تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني في تحقيق هذه الأهداف. ويخدم عمل الوزارة في هذا الشأن برنامج الدكتوراه في البيئة والتنمية المستدامة، الذي أطلقته جامعة البحرين، حيث يوفر الكوادر المؤهلة التي يمكن للوزارة الاعتماد عليها.
وإذا كان تحديث بوابة مملكة البحرين لأهداف التنمية المستدامة سيكون من اهتمامات الوزارة الجديدة، فإن إعداد التقارير الوطنية بشأن التقدم المحرز في كل هدف من الأهداف السبعة عشر، وتطوير السياسات الوطنية لجهة تحقيقها، سيكون أيضًا في دائرة عملها، مما يعني أنها، وإن كانت وليدة إلا أن اختصاصاتها كبيرة ومتداخلة مع عمل كل وزارة وهيئة في المملكة، خاصة وأن كل من الأهداف السبعة عشر له عدد من الغايات والوسائل؛ فهدف التعليم، هو ضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعليم مدى الحياة للجميع، وله سبع غايات وثلاث وسائل، كما أن للتعليم أثره على جميع أهداف التنمية المستدامة، ومدرج في غايات أخرى، في القضاء على الفقر، والصحة، والمساواة بين الجنسين، والعمل اللائق، والاستهلاك المسؤول، وتغير المناخ، والسلام والعدل والمؤسسات القوية.
كما أن عمل وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، يرتبط بتحقيق أهداف القضاء على الفقر والتعليم الجيد والمساواة بين الجنسين والعمل اللائق ونمو الاقتصاد، ما يؤكد ضرورة تكامل الجهود الوطنية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة الـ17 من خلال خطة عمل تقوم على وضعها الوزارة الجديدة، يساعدها بذلك ما تم من إدماج أهداف التنمية المستدامة في خطط وبرامج الوزارات، مما أسهم في تحقيق خطوات كبيرة على صعيد تحقيق هذه الأهداف، خاصة الحيوية منها والتي تعد من ركائز التنمية. وتشمل القطاعات الاقتصادية والسياسية والتعليمية والبيئية وتطوير سوق العمل، وإطلاق الحكومة العديد من السياسات والاستراتيجيات لتنويع الاقتصاد ورفع مستوى المعيشة وتحقيق التوازن الاقتصادي والاجتماعي. وكان من أبرز المشروعات في هذا الصدد إطلاق برنامج التوازن المالي وخطة التعافي الاقتصادي وكلاهما يرتكز على رؤية البحرين الاقتصادية 2030.
وإذا كان إنشاء وزارة مختصة للتنمية المستدامة هو شأن وطني انفردت به مملكة البحرين، ففي تقريره المنشور في أبريل في العام الماضي، صرح «صندوق النقد الدولي»، بأن تحقيق أهداف التنمية المستدامة قد أصبح يتطلب «جهدًا استثنائيًّا» من الجميع، وذلك للآثار الكبيرة لجائحة كوفيد – 19 وتداعياتها على تحقيق هذه الأهداف، حيث دفعت عالميًّا بنحو 100 مليون شخص للوقوع تحت خط الفقر المدقع في عام 2020 وحده. وحذرت «الأمم المتحدة»، من أن الفقر سيزداد في بعض المناطق إلى مستويات لم تشهدها منذ 30 عامًا، وأن الأزمة الراهنة ستؤدي إلى حدوث انحراف في مسار التقدم نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، واقترح الصندوق وضع إطار للبلدان النامية من أجل تقييم خيارات السياسات التي من شأنها زيادة النمو طويل الأجل، وتحقيق مزيد من الإيرادات وجذب الاستثمارات الخاصة للمساعدة في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة، ولهذا وللتعامل مع هذه الأوضاع الجديدة كان توجه المملكة إلى إنشاء وزارة التنمية المستدامة.