1/7/2022
الجهود الأوروبية لإحياء المفاوضات النووية.. وجهات نظر غربية
بعد شهور من المفاوضات، تم تعليق محادثات «فيينا»، بين الموقعين على الاتفاق «النووي الإيراني» لعام 2015 إلى «أجل غير مسمى». وعلى الرغم من أن سبب ذلك يعود إلى المطالب الروسية بتخفيف العقوبات على طهران؛ بسبب تعاملاتها التجارية معها؛ إلا أن المفاوضات تضمنت أمورا لم يتم حلها، مثل «الإطار الكامل لتخفيف العقوبات المخطط له بالنسبة إلى إيران»، و«الشروط التي يجب إلزام برنامجها النووي به»، و«وضع الحرس الثوري على القائمة الأمريكية للإرهاب»، بالإضافة إلى أسئلة أوسع تتعلق بالاستقرار الإقليمي، ودعمها لوكلائها في الشرق الأوسط.
وبالنسبة إلى معارضي الصفقة في الغرب وخارجه، كان وقف المحادثات «أمرًا حتميًا»، بسبب عدم رغبة طهران في المناقشات الجادة. لكن بالنسبة إلى مؤيديها، بدا هذا الانقطاع بمثابة «ضربة للجهود المبذولة لتجنب حصولها على سلاح نووي». وحذرت «إيلي جيرانمايه»، من «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»، من أن الصفقة معرضة لخطر الانهيار». ومع «تنامي حالة انعدام الثقة بين الغرب وإيران»، قد يؤدي ذلك إلى سوء تقديرهما للموقف والتهديد بمواجهة مسلحة».
وعلى الرغم من أنه تم إحراز تقدم «ضئيل» حتى توقف المحادثات في ربيع عام 2022؛ فقد نجح «جوزيب بوريل»، رئيس السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، في التوسط لعودة إيرانية وأمريكية إلى المفاوضات. وقد تم عقد هذه الجولة الجديدة في قطر أواخر يونيو 2022. ومع أن هذه ليست سوى الخطوة الأولى لاستئناف المفاوضات الكاملة؛ فقد تم تأكيد أنها «انتصار»، لجهود الدبلوماسية الأوروبية. وأقرت «كارين ديونغ»، في صحيفة «واشنطن بوست»، أنها جاءت نتيجة لـ«محاولة «بوريل»، لإيجاد طريقة لاستئناف المحادثات»، فضلا عن استخدام الدوحة «الدبلوماسية المكوكية»، لتسهيل العودة إلى الحوار. وأشاد «باتريك وينتور»، في صحيفة «الجارديان»، ببوريل، لأنه تجنب «الانهيار الكامل» للاتفاق. في حين أشارت «جيرانمايه»، إلى أن هذه الخطوة «يمكن أن تخلق الزخم الدبلوماسي اللازم للخروج من المأزق الحالي، وتجنب المزيد من التصعيد».
من جانبه، أوضح «بوريل»، أن الاجتماعات الأولية ستشمل الأمريكيين والإيرانيين فقط، وأن الهدف منها «كسر الجمود»، بشأن «القضايا العالقة»، التي تُركت من دون حل في فيينا. وعلى الرغم من أن «ديونغ»، أشارت إلى أنه بما أن الإيرانيين يواصلون «رفض الاتصال المباشر مع الولايات المتحدة»، فإن الأوروبيين سوف يستمرون في العمل كوسطاء»، موضحة أنه قبل تعليق المحادثات، «تم التوصل إلى اتفاق بشأن جميع القضايا تقريبًا»، بما في ذلك تخفيف العقوبات الأمريكية، والتخلص من اليورانيوم، وعودة المراقبة الدولية للمنشآت النووية الإيرانية.
ومع ذلك، أوضح المراقبون أن تصنيف واشنطن للحرس الثوري الإيراني في قائمة الإرهاب، لا يزال يمثل «حجر عثرة». ووصف «لورانس نورمان»، و«بينوا فوكون»، في صحيفة «وول ستريت جورنال»، هذا الوضع، بأنه يمثل «أهم بند في القضايا المتبقية». وعلى الرغم من أن «وينتور»، أكد أن «طهران»، قامت بمراجعة خاصة لمطالبها بإزالة الحرس الثوري من قائمة الإرهاب؛ فقد أوضح أنها تشعر بأن «واشنطن»، «لم تقدم بالمثل آلية يُمكن من خلالها تحديد الخطوات المستقبلية التي على الحرس الثوري تبنيها حتى ينتهي تصنيفه كمنظمة إرهابية». وأوضحت «جيرانمايه»، أنه من غير المرجح أن تتوصل واشنطن وطهران إلى اتفاق بشأن الخطوات التي تصر إدارة بايدن على أنها ضرورية لإزالة تصنيف الحرس الثوري».
علاوة على ذلك، فإن عجز «الولايات المتحدة»، عن طمأنة الدول الموقعة الأخرى على الاتفاق، بشأن عدم انسحابها مرة أخرى مستقبلًا، تم تسجيله على أنه تعقيد آخر يعيق التقدم. ومع ذلك، ذكر «كولم كوين»، في مجلة «فورين بوليسي»، أن واشنطن «بدت وكأنها تعطي بعض الأمل»، بعدما «رفعت الحظر عن سفر الإيرانيين لها ممن خدموا في الحرس الثوري، كجزء من الخدمة العسكرية الإجبارية».
وعلى الرغم من أن وزير الخارجية الإيراني، «حسين أمير عبد اللهيان»، قد أوضح أن الصفقة النهائية «في متناول اليد»، إلا أنه لا يزال هناك شك بين المحللين حول مدى التزام إيران بالسعي إلى اتفاق في ضوء تقدمها نحو حيازة سلاح نووي. ووصفت «ناهال طوسي»، و«ستيفاني ليختنشتاين»، في مجلة «بوليتيكو»، احتمال حدوث انفراجة، بـ«الضئيل». في حين أضاف «علي فايز»، من «مجموعة الأزمات الدولية»، أنه «لا يتوقع الكثير في المستقبل من هذه الجولة» من المحادثات. وأشارت صحيفة «واشنطن بوست»، إلى أن إدارة بايدن أعربت عن «القليل من التفاؤل»، بشأن احتمالية التوصل إلى صفقة». وتحدث «بوب مينينديز»، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في «مجلس الشيوخ»، بأنه «غير متفائل، ولا يرى الأمر مُبشرًا».
ووفقا للعديد من المحللين، فإنه على الرغم من تقديم الأمريكيين تنازلات، فقد أظهرت إيران القليل من الرغبة في العودة إلى الصفقة. وقال «ألكسندر بولتون»، من صحيفة «ذا هل»، إن «طهران لم تُظهر حتى الآن أي اهتمام جاد بقبول «اتفاقية جديدة». وعلقت «دانييل بليتكا»، من معهد «أمريكان إنتربرايز»، أنه في حين أن واشنطن قدمت العديد من التنازلات، فإن طهران لم «تظهر أي علامة على التحول». واستمرارًا، قالت «بليتكا»، إن الأخيرة تنظر إلى «الظروف الجيوسياسية» الحالية على أنها مواتية لها، مع الرأي القائل، بأنها «ستكون جزءًا من مجموعة تضم الصين وروسيا للقيام بأعمال تجارية معًا».
وتأكيدًا لهذا التحليل، تقدمت «إيران»، رسميًا -في الأيام التي أعقبت الموافقة على العودة إلى المحادثات النووية- للانضمام إلى مجموعة «البريكس»، للاقتصادات الناشئة، وهي مجموعة دول اتفقت على إنشاء كيان اقتصادي «مضاد» للكيانات الاقتصادية الغربية، وتضم في عضويتها روسيا والبرازيل والصين والهند.
من ناحية أخرى، تم تأكيد أن إيران ستطالب الآن بمزيد من التنازلات، مقابل الانضمام مرة أخرى إلى الاتفاق النووي. وعلق «أمير عبداللهيان»، أنه لن يتم التوصل إلى اتفاق، إلا «إذا كانت لدى الأطراف الأخرى الإرادة للقيام بذلك»، مشيرا إلى أن واشنطن سوف تحتاج إلى إظهار «نهج واقعي وعادل»، تجاه طهران.
علاوة على ذلك، تمت الإشارة إلى زيادة تخصيب إيران لليورانيوم، أيضًا كدليل على افتقارها للشفافية في هذا الشأن. وفي حين أن الاتفاق النووي لعام 2015، يقيد التخصيب عند درجة نقاء 3.67%؛ فقد أشارت «رويترز»، إلى أنها تقوم حاليًا بتخصيبه حتى 60%، مع العلم أن معدل التخصيب لـ90% هي الدرجة القادرة على صنع سلاح نووي. وأوضح «فرانسوا مورفي»، في «رويترز»، أنها بدأت في «تصعيد تخصيب اليورانيوم» من خلال إعداد أجهزة طرد مركزي متطورة جديدة في منشأة سرية تحت الأرض.
وفي إطار هذا الواقع، علق رئيس «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، «رافائيل غروسي»، بأن طهران «قريبة جًدا» من امتلاك ما يكفي من المواد النووية واليورانيوم المخصب لإنتاج رأس نووي». ومن جانبها، ردت إيران على هذا الانتقادات، بإزالة كاميرات المراقبة الرئيسية من المنشآت النووية. وهي خطوة أشار «وينتور»، إلى أنها تعني أن «الوكالة الدولية للطاقة الذرية، «فقدت تقريبا كل وسائل التواصل الفعالة مع المواقع النووية الإيرانية».
وفي المحصّلة النهائية، لا يزال هناك تشكك بين المحللين حول ما تسعى «طهران»، إلى تحقيقه من المفاوضات في كل من فيينا، والدوحة. وكما أوضح، «بن كاردن»، من لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي، فإن الشعور العام في واشنطن، هو «أنك لا تعرف ما يفكر فيه الإيرانيون»، وأنه «من غير الواضح ما إذا كانوا حتى «يريدون الاتفاق أم لا».
وعند تحليل سبب موافقة إيران الآن على العودة إلى المحادثات، استشهد المراقبون بالعوامل الاقتصادية الراهنة. ورغم تأكيدها أن صادرات النفط تضاعفت منذ أغسطس 2021، إلا أن «وينتور»، أشار إلى أنها لم تستفد من «المكاسب الاقتصادية المفاجئة» من حرب أوكرانيا على الرغم من كونها دولة مصدرة للنفط، وذلك بالنظر إلى الطريقة التي قوضت بها روسيا صادراتها، عبر عرض نفطها إلى الصين بسعر مخفض»، وبالتالي« إخراج إيران من الأسواق الرئيسية». وبينما ارتفعت صادرات النفط الروسي إلى الصين بنسبة 55% إلى ما يقرب من مليوني برميل يوميًا في عام 2022، انخفضت في المقابل الصادرات الإيرانية إلى بكين بنسبة 34%.
وفي الوقت الحالي، لا تزال الجهود الرامية، سواء لدعم أو رفض الاتفاق النووي الإيراني، «منقسمة». ومن بين أولئك الذين يوصون «بايدن»، بمواصلة جهود التفاوض مع طهران، حثت رسالة مفتوحة من «مجموعة من منظمات معنية بالسياسة الخارجية»، بما في ذلك «معهد كوينسي لفن الحكم»، و«منظمة أمريكيون من أجل السلام»، ومؤسسة «فورين بوليسي فور أمريكا»؛ البيت الأبيض على إظهار «القيادة والشجاعة السياسية» لتجنب «الدخول في حرب مع إيران المسلحة نوويًا». وحذر «وينتور»، من أن الفشل في التوصل إلى اتفاق يمكن أن «يشعل سباق تسلح نووي عبر الشرق الأوسط». وبالمثل، حذرت «جيرانمايه»، من أن كلا من واشنطن وطهران لا يملكان «خطة عملية لمعالجة تداعيات انهيار محادثات الاتفاق»، في الدوحة، وهو الأمر الذي يمكن «أن يؤدي إلى تصعيد عسكري» في المنطقة، و«مزيد من الاضطرابات في أسواق الطاقة العالمية.»
وحول ما يمكن أن يفعله الأمريكيون لتسهيل المحادثات، قدمت «جيرانمايه» بعض الاقتراحات، مشيرًا إلى أن كلا الجانبين يمكن أن «يتوصل إلى حلول مبتكرة». وبما أن هناك عناصر إيرانية متشددة «ليس لديهم الرغبة في إبرام اتفاق آخر، فقد أوضحت أن واشنطن وحلفاءها »يجب أن يقترحوا الآن حزمة من المبادرات الاقتصادية والسياسية» على طهران من أجل منحها حافزًا للعودة إلى الاتفاق، مثل «تعزيز» مجالات «أمن الطاقة والتعاون الاقتصادي الإقليمي المشترك. وفيما يتعلق بـ«انعدام الرغبة» من قبل إدارة بايدن للانخراط في «معركة سياسية داخلية بشأن الاتفاق النووي»، قبل الانتخابات الأمريكية النصفية، حثت «جيرانمايه»، الأوروبيين على «التعاون مباشرة» مع إدارة بايدن لإقناعها بالتعامل مع طهران مرة أخرى.
ومع ذلك، لا تزال هناك معارضة في الولايات المتحدة لتوقيع اتفاق نووي منقح مع إيران، في ضوء الكثير من القضايا العالقة التي نوقشت سابقًا في فيينا. وأشار «نورمان» و«فوكون»، إلى وجود «ضغوط دبلوماسية مكثفة من قبل الكونجرس على «بايدن» لعدم رفع العقوبات المفروضة، لاسيما تلك المتعلقة بالحرس الثوري. وفي مايو الماضي، صوت «مجلس الشيوخ»، بهدف منع إدارة بايدن من شطب الحرس الثوري من قائمة المنظمات الإرهابية، وعلقوا بأننا «لا نريد أن تعقد الولايات المتحدة اتفاقًا نوويًا مع إيران يتجاهل سلوكياتهم العدوانية السابقة ونواياهم الحالية».
على العموم، فإنه مع جهود الدبلوماسيين الأوروبيين، وعلى رأسهم «بوريل»، لإحياء المحادثات النووية المتوقفة، لا تزال التصورات حول نجاحها منخفضة في الوقت الراهن. كما أن تحفظ الأمريكيين على المخاطرة بحدوث عاصفة سياسية داخلية قبل الانتخابات النصفية، يجعل إحجام إيران عن الالتزام ببنود اتفاق عام 2015، والسعي إلى امتلاك سلاح نووي؛ «خطرا قائما»، يعرقل أي تقدم.
وفي حين أكد المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، «جون كيربي»، أن موقف البيت الأبيض لا يزال مفاده أن «الاتفاق النووي هو أفضل طريقة لمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية»؛ فإن فشلت جولة أخرى من المحادثات في الدوحة، فقد يعني المسمار الأخير في نعش أكثر من نصف عقد من الجهود الدبلوماسية الغربية الرامية إلى وقف طموحات إيران النووية، بالإضافة إلى عواقب وخيمة غير مؤكدة على أمن المنطقة مستقبلاً.