top of page
21/6/2019

«هواوي» والمنطقة العربية.. شراكة مربحة أم محفوفة بالمخاطر؟

ما هي الأهداف الـحـقـيـقية وراء حـمـلة ترامـب ضد شركة «هواوي» الصينية؟ 
22% من واردات الولايات المتحدة تأتي من الصين والعجز التجاري لأمريكا معها بلغ نحو 47%
شهدت الفترة الأخيرة تصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين مع إعلان البلدين فرض رسوم جمركية جديدة على بضائع الآخر. وتدخل مشكلة الإدارة الأمريكية مع شركة هواوي الصينية في إطار هذه الحرب، ويأتي هذا في الوقت الذي دخلت فيه العديد من دول المنطقة العربية في علاقات اقتصادية وطيدة مع هذه الشركة.
ويرجع التنافس بالأساس إلى خشية الولايات المتحدة من أن يؤدي استمرار الصعود الاقتصادي الصيني، إلى انتزاع مكانتها على قمة النظام العالمي. فإذا كان القرن العشرين -خاصة في نصفه الثاني- هو قرن أمريكي بامتياز؛ فإن بروز الصين كقوة اقتصادية، خاصة منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي، ومراكمة معدلات نمو زادت على10% سنويا، قد جعلها «مصنع العالم»، وجعل منتجاتها تغزو كل بلاده، وصارت أكبر قوة اقتصادية عالمية بعد الولايات المتحدة، وصاحبة أكبر احتياطي من العملات الأجنبية في العالم، وباتت القوى الكبرى عاجزة عن منافستها. 
وبحسب بيانات «منظمة التجارة العالمية» فإنه وفقا لتعادل القوة الشرائية للدولار الأمريكي، بلغ حجم إنتاج الصين 25.2 تريليون دولار عام 2018 متفوقًا على الاتحاد الأوروبي الذي يأتي ثانيا بـ21.9 تريليون دولار، والولايات المتحدة ثالثا بـ 20.4 تريليون دولار. وبحسب السعر الرسمي للدولار الأمريكي، بلغ حجم الناتج المحلي الإجمالي للصين 13.6 تريليون دولار في 2018. بينما حجم الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي 20.4 تريليون دولار، وبلغ حجم التجارة الخارجية الصينية 4.5 تريليونات دولار بزيادة 9.7% عن عام 2017؛ أي ما يعادل 25% من حجم التجارة العالمية البالغ 19.5 تريليون دولار. وأصبحت الصين أكبر مصدر للولايات المتحدة، فيما يأتي نحو 22% من واردات الأخيرة من الخارج من الصين، وبلغ العجز التجاري لأمريكا معها نحو 47% وذلك من إجمالي العجز التجاري الأمريكي الذي قارب 800 مليار دولار عام 2018.
وهناك عوامل كثيرة مكَّنت الصين من هذا الصعود، يأتي في مقدمتها، الإرادة السياسية، وقدرة الحكومة على تعبئة جهود وموارد الصينيين، واستثارة حماستهم نحو استعادة مجد حضارتهم القديمة، والاستقرار السياسي والأمني، وبعدها عن التوغل في مشاكل العالم السياسية. فضلا عن عوامل اقتصادية، منها، انخفاض الأجور، وكثافة العمالة وارتفاع الإنتاجية، وأجواء الانفتاح، وارتفاع العائد على الاستثمار، وهي الأمور التي جعلت مستثمري العالم، وفي مقدمتهم الأمريكان، يتكالبون على توجيه استثماراتهم لها، بالإضافة إلى استخدام بكين لقوتها الناعمة لتأمين احتياجاتها من الطاقة والمواد الأولية والأسواق، من خلال منتديات الصين المتعددة، كمنتدى «التعاون الصيني الخليجي»، و«التعاون الصيني العربي»، و«التعاون الصيني الإفريقي»، ومبادرة «الحزام والطريق».
ولعل خشية أمريكا من الصعود الصيني، وسحب مكانتها الدولية؛ جعلها في ظل إدارة أوباما تتجه إلى تحويل دفة اهتماماتها الرئيسية من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى، ثم جاء «ترامب»؛ ليخوض حربا تجارية معها، استهلها بفرض رسوم جمركية عالية على منتجاتها التي تدخل بلاده. ورغم ذلك حافظ الاقتصاد الصيني على معدل نمو تجاوز 6% في 2018. في الوقت الذي أضرت هذه السياسة بالاقتصاد العالمي كله مسببة حالة من الركود، كما أضرت بالمستثمر الأمريكي ذاته الذي تقوم شركاته بالتصدير للسوق الأمريكي. 
وفي إطار هذه الحرب التجارية، تأتي مشكلة أمريكا مع شركة هواوي الصينية، إحدى الكيانات العملاقة في مجال الاتصالات والإلكترونيات، والتي تحظى منتجاتها بشعبية كبيرة في أنحاء العالم، وبلغت مبيعاتها في الربع الثاني من عام 2017 نحو 54 مليون هاتف محمول عبر العالم، وفي أغسطس 2018 أصبحت ثاني أكبر بائع للهواتف الذكية في العالم بعد سامسونج. 
وفي الوقت الذي تتطلع فيه دول عالم، في ظل ما يطلق عليه بداية «الثورة الصناعية الرابعة» إلى إنشاء شبكات الجيل الخامس خلال السنوات القادمة؛ التي تتيح الربط بين التقنيات المختلفة عبر الفضاء الإلكتروني؛ ظهرت شركة هواوي الصينية واتجهت إلى أن تصبح مهيمنة في سوق معدات هذه الشبكات، بعد أن حصلت على العديد من العقود مع دول في أوروبا وآسيا وإفريقيا. وتزداد الأحداث تعقيدا، باتهام ترامب هذه الشركة المقربة من الحكومة الصينية، بأنها تُتيح لبكين ستارًا لتعمل من خلاله لأغراض تجسسية وربما أعمال تخريبية إلكترونية. وعليه، قام بإجراءين خلال شهر مايو2019 هما:
أولا: فرض حظر على المشتريات الحكومية لأجهزة وخدمات شبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية التي يُقدمها «خصوم واشنطن الأجانب»؛ وهو تعريف واسع يُستخدم ليشمل الصين. ثانيا: إدراج شركة هواوي والشركات التابعة لها في «قائمة الكيانات» الخاصة بالولايات المتحدة، وهو الأمر الذي من شأنه أن يحد من بيع أو نقل تكنولوجيات الولايات المتحدة إلى الشركة الصينية، ويستوجب من الكيانات الأمريكية التي ترغب في التعامل معها الحصول على ترخيص أولا، ما قد يؤدي إلى إنهاء أعمالها في أمريكا. 
ونتيجة لتحذيرات ترامب، حظر عدد من الدول الأخرى مثل «أستراليا ونيوزيلاندا واليابان» هواوي من تقديم خدمات شبكة الجيل الخامس بها، في حين رأت تحليلات أخرى أن هذه التحذيرات مبالغ فيها وتدخل في نطاق الحرب التجارية بين البلدين. 
التحليلات المؤيدة، ذهبت إلى أن الدافع هو الاعتقاد بأن الصين تسعى لاستخدام هواوي كواجهة للعمليات الإلكترونية وأغراض التجسس التي تقودها الحكومة. وفي تقرير متصل نشرته مجلة «فورين بوليسي» أكد أنه، «في ظل قيام شركة صينية ببناء الشبكة التي من خلالها تتدفق كميات هائلة من البيانات، تخشى أمريكا من استغلال وكالات الاستخبارات في بكين هذه التقنية في التجسس». وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» إن «الحكومة الصينية لن تجعل هناك أي استقلالية للشركات الخاصة إزاء الدولة، في الوقت الذي قد تُوضع فيه قوانين جديدة من شأنها أن تمنح بكين السُلطة للبحث عن أو حتى الاستيلاء على الشبكات التي ساعدت شركات مثل هواوي في تأسيسها وصيانتها».
ويذهب عدد من المحللين إلى أن الصين بالفعل تمتلك القدرة على إدارة واستغلال شركات خاصة بشكل أساسي لخدمة أهدافها. و«ترغب الحكومة الصينية في احتكار هواوي السوق وتدعمها في ذلك؛ لأنها ستمنحها شبكة استخباراتية عالمية متقدمة». ووفق تقرير مدوّنة «لوفير» الإلكترونية، «تخضع هواوي وغيرها من شركات الاتصالات السلكية واللاسلكية الأُخرى لقوانين وسياسات موسعة تتطلب منها تقديم المساعدة في عمل المخابرات». وأشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن «التشريعات الحديثة في الصين تُثبت تغلغل الحكومة في الشركات الخاصة، ومنها قانون «المعلومات الوطني» الذي تم إقراره عام 2017 والذي يتطلب من الشركات التعاون مع عمل الاستخبارات الوطنية؛ وهو الأمر الذي يُشير إلى أن أي معلومات تجمعها هواوي يتعين مشاركتها مع الحكومة الصينية. فيما تحتفظ هذه الشركات بعلاقات مع الحزب الشيوعي الصيني الذي وسع نطاق وجوده في المؤسسات الصينية.
أما التحليلات الرافضة لموقف ترامب واتهاماته لهواوي، فقد ذهبت إلى أنه لم تقدم أي حكومة دليلاً على وجود نشاط سيبراني صيني ضار عبر الشركة حتى الآن، على الرغم من وجودها في جميع أنحاء العالم منذ سنوات. على سبيل المثال، يؤكد تقرير صدر عام 2019 عن «مركز هواوي الأوروبي للأمن السيبراني» بالمملكة المُتحدة، أنه «على الرغم من أن الشبكة كانت عرضة للهجمات الإلكترونية، فإنه تبين أن أيا منها لم يكن نتيجة ضغط من قبل الحكومة الصينية. وبدلاً من ذلك، كانت الحكومة مسؤولة عن العيوب الهندسية التي تركت منتجات هواوي وخدماتها عُرضة للهجمات».
ويشير المتشككون في ادعاءات الولايات المتحدة إلى أن الرفض المتكرر للمسؤولين الأمريكيين لنشر أدلتهم التي تدين الشركة الصينية بالتجسس؛ يؤكد أن واشنطن تهاجم الشركة لدوافع سياسية. وذهب تقرير لموقع (فورين بريف) إلى «أن هناك دافعا خفيا وراء محاولة الولايات المتحدة عرقلة انتشار هواوي العالمي، حيث تحاول الصين ريادة استراتيجية التوسع التكنولوجي والترويج لبيع سلع وخدمات ذات جودة أعلى في محاولتها تعزيز إمكاناتها الاقتصادية، كما أن استراتيجية «صنع في الصين 2025»، تهدف إلى تطوير الخبرة في مجالات مثل الروبوتات والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحيوية، وهو ما يهدد بشكل مباشر التفوق التكنولوجي والهيمنة الحالية للولايات المتحدة». وتعد هواوي إحدى دعائم استراتيجية «صنع في الصين»؛ ما يوضح لماذا واجهت الشركة هذه المقاومة الأمريكية القوية».
وبصرف النظر عن ادعاءات أمريكا أنه لا يمكن الوثوق بشركة هواوي، حققت الشركة بالفعل نجاحات كبيرة في المنطقة العربية. فعلى سبيل المثال، وقعت السعودية عددا من مذكرات التفاهم معها خلال منتدى الاستثمار السعودي الصيني مارس 2019. بما في ذلك تطوير شبكة الجيل الخامس بالمملكة، ووسعت الإمارات من تعاونها معها. وفي المؤتمر العالمي للجوال في برشلونة العام الحالي، تم الإعلان عن خطة الشركة لبناء300 برج تغذية لشبكات الجيل الخامس (5G)في الفترة القادمة.
ومن الواضح، أنه من غير المحتمل أن يكون وجود الشركة في العالم العربي أمرًا يلحق الضرر في ضوء الافتقار إلى أدلة على استخدام الصين شبكات الجيل الخامس للقيام بهجمات إلكترونية أو أنشطة تجسس. وبالعكس فإنها في الوقت الحالي تمثل فائدة للمنطقة برمتها. ينبع هذا أساسًا من الفرص الاقتصادية التي توفرها عملية إنشاء شبكات الجيل الخامس، كما يمكن أن تسهم خدماتها في زيادة مستوى الإنتاجية من خلال تبسيط العمليات المرتبطة بالمعاملات المالية. بشكل أكثر واقعية، فإن هواوي قادرة على توفير فرص العمل والاستثمار في المنطقة. وفي السعودية على سبيل المثال، تفيد التقارير بأن هواوي مستعدة لاستثمار 20 مليون دولار سنويا في 3 مراكز بحثية محلية يُتوقع منها أن تشتري معدات محلية بقيمة 500 مليون دولار سنويا تضيف بدورها10 آلاف وظيفة محليا للسعوديين.
ومن الناحية السياسية، فإن التعاون مع الشركة بات أمرا مهما يتم من خلاله توسيع نطاق التعاون مع الحكومة الصينية، ومن خلالها، يتم جذب الصين إلى المنطقة من خلال خلق مزيد من الاستثمار الاقتصادي والسياسي، وهذا في حد ذاته يحمل بين طياته أولوية سياسية لكثير من الدول، ويفيد هذا الأمر في جعل بكين شريكا سياسيا أساسيا في ضوء انسحاب وتراجع الدور الأمريكي من منطقة الشرق الأوسط.
على العموم، على الرغم من انتقاد إدارة ترامب لشركة هواوي الصينية، وتوجيه الاتهامات لها؛ فإنه لم يحدث إلى الآن ما يحقق مصداقية تلك الاتهامات. وبدلاً من ذلك، تبدو الحملة عليها محاولة للتصدي لهيمنتها التكنولوجية العالمية ومنعها من المنافسة في ضوء تنامي القدرات الصينية التكنولوجية الناشئة، وذلك بالنظر إلى المصالح الأمريكية في عرقلة تقدم الشركة. وبالنسبة إلى المنطقة العربية ، يبدو أن التعاون معها يقدم مزايا اقتصادية وسياسية كبرى، خاصة أنها لم تشكل تهديدًا للدول التي لديها موطئ قدم بها.

{ انتهى  }
bottom of page