11/6/2022
رغم نجاته من حجب الثقة.. تساؤلات بشأن قدرة حكومة «جونسون» على البقاء
طوال فترة ولايته كرئيس لوزراء المملكة المتحدة واجه بوريس جونسون بشكل روتيني فضائح وتهديدات من قِبَل نواب حزبه المحافظين، لكنه نجا منها ولم يلحقه ضرر حتى الآن، وتركزت أبرز هذه الأحداث حتى الآن حول فضيحة «بارتي جيت» الشائنة، حيث تم توثيق استضافة المسؤولين في مقر الحكومة بداونينج ستريت حفلات في وقت كانت فيه التجمعات محظورة تمامًا؛ بسبب جائحة فيروس كورونا، وهو ما أدى إلى انتقاد دور جونسون في هذه الكارثة.
وعلى الرغم من تعرضه لعاصفة من الانتقادات والدعوات إلى استقالته بعد إصدار تقرير إدانة عن «بارتي جيت» من قِبَل موظفة حكومية كبيرة، فإن رئيس الوزراء ظل مصممًا على عدم التنحي، بل أصر على أن حكومته ستركز على مساعدة أوكرانيا في حربها ضد روسيا، والسعي لتحقيق التوازن بشأن أزمة غلاء المعيشة المتفاقمة محليًّا.
ومع ذلك، في صباح يوم الإثنين 6 يونيو 2022 أعلن السير جراهام برادي رئيس «لجنة 1922»، المجموعة البرلمانية للحزب في مجلس العموم، أن 54 نائبًا (ما يعادل 15% من نواب الحزب) تقدموا إليه بطلب لسحب الثقة من رئيس الوزراء، وتم إجراء التصويت في نفس اليوم، وكانت الهزيمة في هذا التصويت ستجبر رئيس الوزراء على الاستقالة، ومن ثم بدء عملية تشكيل حكومة جديدة.
وعلى الرغم من أن بوريس جونسون واجه منتقديه داخل حزبه بنتيجة التصويت البرلماني السري، واحتفظ بدعم 211 نائبًا محافظًا (كان مطلوبًا للفوز 180 صوتًا على الأقل)، فإن المراقبين الغربيين رأوا أن استياء 148 نائبًا من حزب المحافظين عبر التصويت لإقالته من منصبه دليل على أن الحكومة البريطانية الحالية قد تكون على وشك الرحيل.
وبالإشارة إلى هذه الفضائح وما سبقها فإن قدرة جونسون المستمرة على تحمُّل الضغط للاستقالة أو الإطاحة من منصبه من قِبَل نوابه قد حازت اهتمام المراقبين بشدة، فقد كتب توم ماك تاغ، من مجلة «ذي أتلاتنيك»، أن «أستاذ المراوغة نجح بطريقة ما في الهروب مرة أخرى».
وهناك من يرى طريقة نجاح جونسون في التصويت بحجب الثقة غير مقنعة، فقد لاحظت كارلا آدم وويليام بوث، من صحيفة واشنطن بوست، أن جونسون تخطى عقبة سياسية أخرى «بفارق ضئيل ملحوظ في عدد الأصوات مقارنة بفوزه الساحق في انتخابات عام 2019»، وعلى الرغم من أن جونسون نفسه أصر على أن نتيجة تصويت المحافظين كانت «مقنعة» و«حاسمة» لصالحه فإن «آدم» و«بوث» أشارا إلى أن «التمرد الواسع النشط» لا يزال قائمًا بين نواب حزب المحافظين المحبطين الذين ينظرون إلى رئيس الوزراء الحالي باعتباره «غير جدير بالمنصب»، ويرى كولم كوين، بمجلة فورين بوليسي، كذلك أن عدد النواب المحافظين الذين صوّتوا ضد استمرار قيادة جونسون «مثل مفاجأة، ويؤكد مدى تراجع عدد مؤيديه منذ فوزه المدوي في الانتخابات العامة في عام 2019».
ويبدو أن إصرار جونسون على أن حكومته يمكنها الآن «المُضي قُدمًا والتركيز» على القضايا «التي تهم الناس حقًّا» لن يقنع منتقديه، فقد كتب مارك لاندلر، من صحيفة «نيويورك تايمز»، أن «مكانة جونسون السياسية» قد «تحطمت»، وأن سمعته «قد تضررت، ربما بشكل يتعذر إصلاحه، ليبقى على صورته قائدا يتمتع بالثقة»، لافتا إلى أن فوزه كان «أحد أكثر اللحظات التي خدم فيها الحظ رجلا خلال التاريخ السياسي البريطاني الحديث».
وأشارت روينا ماسون، من صحيفة «الغارديان»، إلى أن التصويت بحجب الثقة عن جونسون كان «أسوأ تحرك بحق رئيس وزراء من قِبَل حزبه خلال الآونة الأخيرة»، وكانت إدانته قبل التصويت على سحب الثقة أكثر صراحة بشكل ملحوظ، وعلق وزير الخارجية السابق «جيريمي هانت»، أحد المحافظين البارزين الذين شجبوا قيادة جونسون، بأن أعضاء البرلمان من حزب المحافظين «يعلمون أننا لا نعطي الشعب البريطاني القيادة التي يستحقها.. سأصوت للتغيير»، وأضاف أن الحزب حاليا «على وشك خسارة الانتخابات العامة المقبلة».
ومع ذلك، يجب أن نتذكر أن غالبية نواب المحافظين صوتوا لصالح رئيس الوزراء، مع وزراء الحكومة جنبًا إلى جنب في إعلان نصر جونسون على منتقديه، وبعد ذلك حثوا النواب وحزب المحافظين على الانتقال إلى القضايا الملحة الأخرى.
وقبل التصويت بسحب الثقة رأت وزيرة الخارجية «ليز تروس» أن جونسون ربما سيحصل على تأييد نواب حزبه «بنسبة 100%»، بينما أكد وزير التعليم «نديم الزهاوي» أن ما حققه رئيس الوزراء بعد التصويت «يعد انتصارًا رائعًا»، في حين أشار وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا «جيمس كليفرلي» إلى أن النتيجة «تبعث على الارتياح والوضوح»، ومع كل ذلك أشارت وزيرة الثقافة البريطانية «نادين دوريس» إلى أن «الوقت قد حان للعودة إلى مهام إدارة الحكم».
بدوره، أوضح لاندلر كيفية استمرار مؤيدي رئيس الوزراء في الإصرار على أن فضيحة «بارتي جيت» لا تزال «تشتيتًا تافهًا في وقت تواجه فيه أوروبا أكبر حرب برية منذ الحرب العالمية الثانية»، وعن ذلك، ذكرت ماسون أن هناك «عددًا من وزراء الحكومة ومساعديهم قد صوّتوا ضد جونسون» وفي نفس الوقت «يرون أن من الأنسب دعمه في تلك الظروف الراهنة».
وبغض النظر عن الدعم المعتاد والمستمر من قِبَل وزراء الحكومة لرئيس الوزراء بدأ المحللون السياسيون التساؤل عن المدة التي ستستغرقها فترة ولاية جونسون وبقائه بمقر الحكومة البريطانية، وخاصة مع وجود إجماع عام واضح على أنه في نهاية المطاف سوف تتم إطاحته من منصبه على أساس صحيفة سوابقه ومخالفاته، وفي الواقع، بدا واضحًا أن هناك رؤساء وزراء سابقين، ينتمون إلى حزب المحافظين، واجهوا تصويتًا بحجب الثقة، وعلى أثره تركوا مناصبهم في ظروف غير مواتية، مثل تيريزا ماي وجون ميجور ومارجريت تاتشر، واستنادًا إلى تلك الحالات يؤكد ماك تاغ أن نتيجة التصويت «تمثل مجرد بداية معركة جونسون من أجل البقاء».
وبالمثل، كتب لاندلر أنه على الرغم من أن جونسون «لا يزال رئيسًا للوزراء» في الوقت الحالي فإن «فترة ولايته المتبقية يمكن وصفها بالوقت الضائع»، علاوة على ذلك فإن سيطرة جونسون على حزب المحافظين قد تم تقييدها نوعًا ما، حيث أوضح ستيفن بوش، بصحيفة فاينانشيال تايمز، أن نتيجة التصويت تعني أن جونسون الآن «ضعيف للغاية» من الناحية السياسية «لتأكيد قيادته لحزبه».
ومع ذلك، أكد أستاذ السياسة «تيم بيل»، بجامعة كوين ماري بلندن، أن جونسون لا يزال «بارعًا في فن المراوغة»، وهو ما يجعل منتقديه «لا يمكنهم استبعاد استمرار خوضه معارك أخرى من أجل البقاء»، وفي الواقع ربما ما يعزز موقفه في هذا الشأن، وفقا لما أكد «آدم» و«بوث»، هو «عدم وجود خليفة واضح له داخل حزبه»، لكن صحيفة واشنطن بوست أشارت إلى ما قاله وزير الخزانة «ريشي سوناك» من أن «الخطة البديلة لإزاحة جونسون، بعد تورطه في فضيحة (بارتي جيت) وغيرها هو خليفته المحتمل وزير الدفاع الحالي بن والاس»، بعدما أظهرت نتائج معهد «يوجوف» لقياس مؤشرات الرأي أن من بين 11 مرشحًا محتملًا لزعامة الحزب طرح الاستطلاع أسماءهم كان الأخير الأكثر شعبية، ولكن بنسبة 12% فحسب من الأصوات.
عموما، إن الآثار طويلة المدى لهذا التصويت يجب عدم تجاهلها إذا لم يترك جونسون منصبه قبل الانتخابات العامة المقبلة في المملكة المتحدة، المقرر إجراؤها في عام 2024، فلقد رفض جونسون أي اقتراح بالموافقة على انتخابات عامة مبكرة، وأصر على أنه سيركز مستقبلاً على «خدمة شعبه وتلبية احتياجاته حاليًا»، وأوضح «آدم» و«بوث» أن نجاة جونسون من التصويت على سحب الثقة يمكن أن يستمر على أثرها زعيمًا لحزب المحافظين، ومن ثم رئيسًا للوزراء، وبموجب القواعد الحالية لن يُسمح لنواب حزب المحافظين بإجراء اقتراع على الثقة مرة أخرى مدة عام، ومع ذلك كانت هناك تكهنات بأن البعض قد «يحاول تغيير القواعد لإجراء تصويت آخر في وقت قريب»، وبالمثل رأى كوين أن رئيس الوزراء «يجب أن يشعر بالقلق من مغبة حدوث تلك التغييرات أو وقوعه في أي أزمات أخرى قبل هذا التاريخ».
علاوة على ذلك، يرى «آدم» و«بوث» أن أرقام استطلاعات الرأي الخاصة باحتمالات الإطاحة بجونسون يمكن «إلقاؤها في سلة المهملات رغم الكشف عن الكثير من الأخطاء خلال الأشهر الأخيرة»، وكانت ردود الفعل واضحة عند سماع صيحات الاستهجان من قِبَل البعض عندما حضر رئيس الوزراء احتفال اليوبيل البلاتيني للملكة إليزابيث الثانية في كاتدرائية القديس بولس قبل أيام من إجراء التصويت على سحب الثقة، وأضاف رئيس قسم الاقتراع السياسي بمركز أوبنيوم ريسيرش «كريس كيرتس» أن حزب المحافظين يمر الآن بـ«أزمة وجودية عميقة» في وقت «يرى المواطنون حاليًا أسعار السلع بالمتاجر وفواتير الطاقة الخاصة بهم باتت تشهد ارتفاعًا غير مسبوق».
ورغم أن «جونسون» نجا من أكثر التحديات خطرا على منصبه كرئيس للوزراء، والتي كان نواب حزبه وراءها، فإنه يتضح من تحليل المعلقين السياسيين أنه ظهر ضعيفًا سياسيًا خلال تلك المعركة. ومع كل ذلك يمكن الجزم أن احتمالات نجاح التصويت بحجب الثقة في مجلس العموم بدت «ضعيفة» أيضًا. وفي السابع من يونيو كان هناك اقتراح بسحب الثقة دعَّمه زعيم الديمقراطيين الليبراليين «إد ديفي»، الذي لقي فشلاً في الحصول على تأييد يعادل 15% من نواب حزب المحافظين له. بدوره، أوضح «دان بلوم»، في صحيفة «ديلي ميرور»، أن «فرصة نقاش جدوى هذا الاقتراح كانت معدومة، فضلا عن التصويت ذاته»؛ بسبب نقص الدعم من خارج أحزاب المعارضة ذات الأقلية. وأشارت نائبة زعيم حزب العمال «أنجيلا راينر» إلى أن حزبها لا يزال يفكر في «جميع الخيارات» للإطاحة بجونسون. في حين أكد «جاك ميدمينت»، في صحيفة «ذي تليجراف»، أن «حزب العمال يعتقد أن بقاء جونسون في منصبه يعد أمرًا جيدًا لفرص (كير ستارمر) خلال الانتخابات العامة المقبلة».
وبناء عليه يبدو أن احتمالات إجراء انتخابات برلمانية فرعية مقبلة في وقت لاحق في يونيو 2022 تمثل أكبر تهديد لمصير جونسون. وأشار كل من «لاندلر» و«ستيفن كاسل»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، إلى أن النتائج غير المواتية لتلك الانتخابات «يمكن أن تكون بمثابة تحرك للإطاحة به، حتى إذا فقد حزب المحافظين واحدًا على الأقل من مقاعده الانتخابية». وكتب «هاري لامبرت»، في مجلة «نيو ستيتسمان»، أنه «من المرجح أن تجرى تلك الانتخابات بعد العطلة الصيفية، لكنه أوضح أيضًا أن قيادة لجنة عام 1922 «يمكنها اقتراح إجراء تصويت آخر بسحب الثقة متى شاءت».
في النهاية، على الرغم من أن بوريس جونسون نجا من أكثر التحديات خطرًا على منصبه كرئيس للوزراء والتي كان وراءها نواب حزبه فإنه يتضح من تحليل المعلقين السياسيين أنه ظهر ضعيفًا سياسيًّا خلال تلك المعركة، ومع إدراك حقيقة نجاته من العديد من العواصف السياسية الطاحنة والفضائح الأخيرة وتزايد الضغوط الخارجية عليه إثر ذلك، بدا واضحًا أن احتمالية الإطاحة به لا يمكن أن تحدث إلا من خلال هزيمته في صندوق الاقتراع خلال الانتخابات العامة المقبلة.