top of page

25/5/2022

الثروة السمكية والأمن الغذائي العربي

من‭ ‬أهم‭ ‬أسس‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬لأي‭ ‬دولة‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الذات،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬التأثير‭ ‬المباشر‭ ‬للنزاعات‭ ‬السياسية‭ ‬والحروب‭ -‬التي‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬تعطيل‭ ‬تجارة‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭- ‬على‭ ‬نهج‭ ‬الاعتماد‭ ‬المتبادل؛‭ ‬وجب‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬السعي‭ ‬للاعتماد‭ ‬على‭ ‬الذات‭ ‬في‭ ‬إنتاج‭ ‬السلع‭ ‬الغذائية‭ ‬الرئيسية،‭ ‬وتنويع‭ ‬مصادر‭ ‬الدخل‭. ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬كلها‭ -‬فيما‭ ‬عدا‭ ‬السودان‭- ‬تفتقر‭ ‬إلى‭ ‬المراعي‭ ‬الطبيعية،‭ ‬فإن‭ ‬النمط‭ ‬الغذائي‭ ‬فيها،‭ ‬قد‭ ‬غلب‭ ‬عليه‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬اللحوم،‭ ‬وخاصة‭ ‬الحمراء‭ ‬في‭ ‬حصولها‭ ‬على‭ ‬البروتين‭ ‬الحيواني،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ،‭ ‬الاعتماد‭ ‬على‭ ‬الاستيراد‭ ‬في‭ ‬توفير‭ ‬هذا‭ ‬الغذاء،‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬هناك‭ ‬ضرورة‭ ‬لتأمين‭ ‬متطلبات‭ ‬تحقيق‭ ‬أمنها‭ ‬الغذائي‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬السلعة‭.‬

ومن‭ ‬المعلوم،‭ ‬أن‭ ‬حجم‭ ‬الثروة‭ ‬الحيوانية‭ ‬العربية‭ ‬يبلغ‭ ‬نحو‭ ‬390‭ ‬مليون‭ ‬رأس،‭ ‬يتركز‭ ‬إنتاجها‭ ‬في‭ ‬ثماني‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬فقط،‭ ‬يأتي‭ ‬على‭ ‬رأسها‭ ‬السودان‭ ‬الذي‭ ‬يستحوذ‭ ‬على‭ ‬31‭.‬4‭%‬،‭ ‬يليه‭ ‬الصومال،‭ ‬والجزائر،‭ ‬والمغرب،‭ ‬وموريتانيا،‭ ‬واليمن،‭ ‬والسعودية،‭ ‬ومصر‭. ‬وفيما‭ ‬تبلغ‭ ‬نسبة‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذاتي‭ ‬العربي‭ ‬نحو‭ ‬79‭%‬،‭ ‬أخذت‭ ‬الواردات‭ ‬من‭ ‬اللحوم‭ ‬الحمراء‭ ‬تزيد‭ ‬عبر‭ ‬السنوات‭ ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬10‭ ‬مليارات‭ ‬دولار‭ ‬سنويًا،‭ ‬أي‭ ‬بنسبة‭ ‬10‭%‬‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬الواردات‭ ‬الغذائية‭ ‬البالغ‭ ‬نحو‭ ‬100‭ ‬مليار‭ ‬دولار،‭ ‬كما‭ ‬تستورد‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬نحو‭ ‬75‭%‬‭ ‬من‭ ‬احتياجاتها‭ ‬من‭ ‬الأعلاف‭ ‬اللازمة‭ ‬لإنتاج‭ ‬اللحوم‭ ‬الحمراء‭ ‬والدواجن،‭ ‬ونحو‭ ‬30‭%‬‭ ‬من‭ ‬احتياجاتها‭ ‬من‭ ‬الدواجن‭.‬

وتدفع‭ ‬إشكاليات‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬مراعي‭ ‬طبيعية،‭ ‬وارتفاع‭ ‬تكلفة‭ ‬استيراد‭ ‬الأعلاف،‭ ‬وإمكانية‭ ‬إعادة‭ ‬تخصيص‭ ‬الأراضي‭ ‬المزروعة‭ ‬بالأعلاف‭ ‬لزراعة‭ ‬القمح،‭ ‬بما‭ ‬يرفع‭ ‬نسبة‭ ‬الاكتفاء‭ ‬الذاتي‭ ‬منه،‭ ‬إلى‭ ‬الاهتمام‭ ‬ببدائل‭ ‬توفر‭ ‬البروتين‭ ‬الحيواني‭ ‬اللازم‭ ‬لصحة‭ ‬الإنسان‭. ‬ويتوافر‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬كلها‭ ‬هذا‭ ‬البديل‭ ‬ممثلاً‭ ‬في‭ ‬ثرواتها‭ ‬السمكية،‭ ‬وخاصة‭ ‬أنها‭ ‬كلها‭ ‬تقع‭ ‬على‭ ‬بحار،‭ ‬وتملك‭ ‬عمقًا‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المنطقة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬الخالصة‭ ‬لكل‭ ‬منها،‭ ‬والتي‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬200كم‭ ‬من‭ ‬مياهها‭ ‬الإقليمية،‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬خط‭ ‬المنتصف،‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الاتساع‭ ‬المائي‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬بذلك،‭ ‬لتصبح‭ ‬الأسماك،‭ ‬سواء‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬صيدها‭ ‬أو‭ ‬يتم‭ ‬استزراعها‭ ‬مصدرا‭ ‬بديلا‭ ‬متميزا‭ ‬للبروتين‭ ‬الحيواني،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬الشواطئ‭ ‬العربية‭ ‬تمتد‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬22‭.‬7‭ ‬ألف‭ ‬كم،‭ ‬وتبلغ‭ ‬مساحة‭ ‬الجرف‭ ‬القاري‭ ‬الغني‭ ‬بالأسماك،‭ ‬نحو‭ ‬707‭ ‬آلاف‭ ‬كم2،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المسطحات‭ ‬المائية،‭ ‬من‭ ‬البحيرات‭ ‬والأنهار‭ ‬والمستنقعات‭ ‬والمجاري‭ ‬المائية‭ ‬الداخلية‭.‬

ويعتبر‭ ‬إنتاج‭ ‬الأسماك‭ ‬منخفض‭ ‬التكاليف‭ ‬اقتصاديًا،‭ ‬حيث‭ ‬تتغذى‭ ‬من‭ ‬البحار،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬الاستزراع‭ ‬السمكي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬في‭ ‬مناطق‭ ‬صحراوية،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يتعدى‭ ‬على‭ ‬أراضي‭ ‬مخصصة‭ ‬للزراعة،‭ ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬معلوم،‭ ‬فإن‭ ‬الأسماك‭ ‬تعد‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مصادر‭ ‬البروتين‭ ‬الحيواني،‭ ‬ومصدرا‭ ‬مهما‭ ‬للأحماض‭ ‬الأمينية‭ ‬والمعادن‭ ‬والفيتامينات،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬سهولتها‭ ‬في‭ ‬الهضم،‭ ‬كما‭ ‬يمكن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الاستغلال‭ ‬الأمثل‭ ‬لهذا‭ ‬القطاع‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬سد‭ ‬فجوة‭ ‬البروتين‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬لكن‭ ‬أيضا‭ ‬الإسهام‭ ‬في‭ ‬تعظيم‭ ‬الصادرات‭ ‬وتنمية‭ ‬الدخل‭ ‬القومي‭.‬

ومع‭ ‬القيود‭ ‬الطبيعية‭ ‬المفروضة‭ ‬على‭ ‬نمو‭ ‬القطاع‭ ‬الزراعي‭ ‬العربي،‭ ‬حيث‭ ‬تشكل‭ ‬المساحة‭ ‬المزروعة‭ -‬البالغة‭ ‬70‭ ‬مليون‭ ‬هكتار‭- ‬35‭%‬‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬الأراضي‭ ‬الكلية‭ ‬القابلة‭ ‬للزراعة،‭ ‬والبالغة‭ ‬نحو‭ ‬200‭ ‬مليون‭ ‬هكتار‭. ‬ومع‭ ‬تقلص‭ ‬هذه‭ ‬المساحة‭ ‬نتيجة‭ ‬التوسع‭ ‬العمراني‭ ‬وعوامل‭ ‬التصحر؛‭ ‬يصبح‭ ‬الاتجاه‭ ‬إلى‭ ‬البحر‭ ‬لتوفير‭ ‬الغذاء،‭ ‬اختيارًا‭ ‬حتميا،‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬التأخر‭ ‬فيه،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬توافر‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬ولوج‭ ‬هذا‭ ‬الاتجاه‭.‬

ويمكن‭ ‬تقسيم‭ ‬مناطق‭ ‬الصيد‭ ‬في‭ ‬الوطن‭ ‬العربي‭ ‬الواعدة‭ ‬بفرص‭ ‬الاستثمار‭ ‬إلى‭ ‬أربع‭ ‬مناطق،‭ ‬تشمل‭ ‬الأولى،‭ ‬منطقة‭ ‬‮«‬المحيط‭ ‬الأطلسي‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬سواحل‭ ‬المغرب‭ ‬وموريتانيا‭ ‬بطول‭ ‬يقارب‭ ‬4‭ ‬آلاف‭ ‬كم،‭ ‬ومساحة‭ ‬جرف‭ ‬قاري‭ ‬تقارب‭ ‬90‭ ‬ألف‭ ‬كم2،‭ ‬وتتميز‭ ‬بغناها‭ ‬من‭ ‬الأسماك،‭ ‬وتنتج‭ ‬نحو‭ ‬49‭%‬‭ ‬مما‭ ‬ينتجه‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬الأسماك،‭ ‬ويقدر‭ ‬مخزونها‭ ‬السمكي‭ ‬بنحو‭ ‬4‭.‬5‭ ‬ملايين‭ ‬طن،‭ ‬وتنتشر‭ ‬فيها‭ ‬أساطيل‭ ‬الصيد‭ ‬الأجنبية‭ ‬وأهمها‭ ‬الأسطول‭ ‬الأسباني‭. ‬والثانية‭ ‬هي‭ ‬منطقة‭ ‬‮«‬البحر‭ ‬المتوسط‮»‬،‭ ‬وتشمل‭ ‬سواحل‭ ‬سوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬وفلسطين‭ ‬ومصر‭ ‬وليبيا‭ ‬وتونس‭ ‬والجزائر‭ ‬والمغرب،‭ ‬بطول‭ ‬سواحل‭ ‬يقارب‭ ‬7‭ ‬آلاف‭ ‬كم،‭ ‬ومساحة‭ ‬جرف‭ ‬قاري‭ ‬202‭ ‬ألف‭ ‬كم2،‭ ‬وتنتج‭ ‬34‭%‬‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬الأسماك،‭ ‬بمخزون‭ ‬سمكي‭ ‬يبلغ‭ ‬نحو‭ ‬680‭ ‬ألف‭ ‬طن،‭ ‬وتعد‭ ‬مصر‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الإنتاج،‭ ‬تليها‭ ‬الجزائر،‭ ‬ثم‭ ‬تونس‭.‬

‮ ‬أما‭ ‬المنطقة‭ ‬الثالثة،‭ ‬فهي‭ ‬منطقة‭ ‬‮«‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬وبحر‭ ‬العرب‮»‬،‭ ‬وتشمل‭ ‬سواحل‭ ‬العراق،‭ ‬والسعودية،‭ ‬والكويت،‭ ‬والبحرين،‭ ‬والإمارات،‭ ‬وقطر،‭ ‬وعمان،‭ ‬واليمن،‭ ‬بمساحة‭ ‬جرف‭ ‬قاري‭ ‬176كم2‭. ‬وأولى‭ ‬الدول‭ ‬إنتاجًا‭ ‬فيها‭ ‬اليمن،‭ ‬ثم‭ ‬سلطنة‭ ‬عُمان‭. ‬والمنطقة‭ ‬الرابعة،‭ ‬منطقة‭ ‬‮«‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬والمحيط‭ ‬الهندي‮»‬،‭ ‬وتشمل‭ ‬سواحل‭ ‬مصر،‭ ‬والسودان،‭ ‬والصومال،‭ ‬والسعودية،‭ ‬واليمن،‭ ‬وجيبوتي،‭ ‬بطول‭ ‬سواحل‭ ‬6‭ ‬آلاف‭ ‬كم2،‭ ‬ومساحة‭ ‬جرف‭ ‬قاري‭ ‬177كم2،‭ ‬واحتلت‭ ‬اليمن‭ ‬والسعودية‭ ‬المرتبة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭. ‬ووفق‭ ‬هذا‭ ‬المعنى،‭ ‬تعد‭ ‬المنطقة‭ ‬الأولى‭ (‬المحيط‭ ‬الأطلسي‭)‬،‭ ‬هي‭ ‬الأكثر‭ ‬إنتاجًا،‭ ‬وفرصًا‭ ‬للاستثمار‭ ‬في‭ ‬الثروة‭ ‬السمكية‭ ‬في‭ ‬عالمنا‭ ‬العربي،‭ ‬يليها‭ ‬منطقة‭ (‬البحر‭ ‬المتوسط‭)‬،‭ ‬ثم‭ (‬الخليج‭ ‬العربي،‭ ‬ثم‭ (‬البحر‭ ‬الأحمر‭ ‬والمحيط‭ ‬الهندي‭)‬،‭ ‬بإجمالي‭ ‬إنتاج‭ ‬ارتفع‭ ‬من‭ ‬1‭.‬2‭ ‬مليون‭ ‬طن‭ ‬متوسط‭ ‬السنوات‭ ‬1997‭/‬2011‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬5‭ ‬ملايين‭ ‬طن‭ ‬حاليًا‭.‬

علاوة‭ ‬على‭ ‬ذلك،‭ ‬يحتل‭ ‬‮«‬الاستزراع‭ ‬السمكي‮»‬،‭ ‬مكانة‭ ‬بارزة‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬السمكي‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭. ‬وتبين‭ ‬إحصاءات‭ ‬‮«‬منظمة‭ ‬الأغذية‭ ‬والزراعة‮»‬،‭ ‬التابعة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬إنتاج‭ ‬عالمي‭ ‬للأسماك‭ ‬يبلغ‭ ‬نحو‭ ‬179‭ ‬مليون‭ ‬طن،‭ ‬جاء‭ ‬82‭ ‬مليون‭ ‬طن‭ ‬من‭ ‬الاستزراع‭ ‬السمكي‭ ‬بنسبة‭ ‬46‭%‬،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬96‭.‬4‭ ‬مليون‭ ‬طن‭ ‬صيد‭ ‬بحري‭ ‬بنسبة‭ ‬54‭%‬،‭ ‬وقد‭ ‬تربعت‭ ‬‮«‬الصين‮»‬‭ ‬على‭ ‬عرش‭ ‬الاستزراع‭ ‬السمكي،‭ ‬تليها‭ ‬على‭ ‬الترتيب‭ ‬الهند،‭ ‬وإندونيسيا،‭ ‬وفيتنام،‭ ‬وبنجلاديش،‭ ‬لتأتي‭ ‬‮«‬مصر‮»‬‭ ‬في‭ ‬المركز‭ ‬السادس‭ ‬عالميًا‭ ‬بمتوسط‭ ‬إنتاج‭ ‬سنوي‭ ‬يبلغ‭ ‬1‭.‬6‭ ‬مليون‭ ‬طن‭. ‬وفي‭ ‬إطار‭ ‬هذا‭ ‬الواقع،‭ ‬تتضاءل‭ ‬نسبة‭ ‬الإنتاج‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬الأسماك،‭ ‬سواء‭ ‬المصادة‭ ‬أو‭ ‬المزروعة،‭ ‬قياسًا‭ ‬إلى‭ ‬الإنتاج‭ ‬العالمي،‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬حاجة‭ ‬الوطن‭ ‬العربي،‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬الإمكانيات‭ ‬المادية‭ ‬المتوافرة‭ ‬التي‭ ‬تمكن‭ ‬من‭ ‬زيادة‭ ‬الإنتاج‭. ‬

ويأتي‭ ‬ضعف‭ ‬الإنتاج‭ ‬السمكي،‭ ‬نتيجة‭ ‬عدة‭ ‬عوامل‭ ‬من‭ ‬أهمها،‭ ‬الممارسات‭ ‬الخاطئة‭ ‬كالصيد‭ ‬الجائر،‭ ‬وصيد‭ ‬الزريعة‭ ‬وعدم‭ ‬احترام‭ ‬الراحة‭ ‬البيولوجية‭ ‬ومواسم‭ ‬التكاثر،‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬الصيد‭ ‬الساحلي،‭ ‬ونقص‭ ‬تسهيلات‭ ‬البنية‭ ‬الأساسية‭ ‬المساعدة،‭ ‬كالأرصفة‭ ‬وموانئ‭ ‬الصيد‭ ‬والورش،‭ ‬والثلاجات،‭ ‬وصناعة‭ ‬معدات‭ ‬الصيد،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تضاؤل‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬ممكنات‭ ‬الصيد‭ ‬في‭ ‬أعالي‭ ‬البحار‭ ‬التي‭ ‬تمتلكها‭ ‬الأساطيل‭ ‬الأجنبية‭ ‬العاملة‭ ‬قرب‭ ‬السواحل‭ ‬العربية،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬الأسطول‭ ‬الروسي‭ ‬والياباني‭ ‬والأسباني،‭ ‬وضعف‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الاستزراع‭ ‬السمكي‭ ‬برغم‭ ‬وجود‭ ‬استراتيجية‭ ‬عربية‭ ‬لتربية‭ ‬الأحياء‭ ‬المائية‭ ‬أعدتها‭ ‬‮«‬المنظمة‭ ‬العربية‭ ‬للتنمية‭ ‬الزراعية‮»‬‭. ‬وتبين‭ ‬الدراسات‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬قابلية‭ ‬لزيادة‭ ‬الإنتاج‭ ‬العربي‭ ‬من‭ ‬الأسماك‭ ‬البحرية،‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يقل‭ ‬عن‭ ‬2‭ ‬مليون‭ ‬طن‭ ‬سنويًا،‭ ‬أما‭ ‬آفاق‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬الاستزراع‭ ‬السمكي،‭ ‬فهي‭ ‬مرتبطة‭ ‬بالأعلاف،‭ ‬شأنها‭ ‬شأن‭ ‬تربية‭ ‬الدواجن‭.‬

ولتعظيم‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬المورد‭ ‬تعددت‭ ‬الفعاليات‭ ‬العربية،‭ ‬وأصدرت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬التوصيات،‭ ‬كتوجيه‭ ‬الاستثمارات‭ ‬العربية‭ ‬نحو‭ ‬القطاع‭ ‬السمكي،‭ ‬وتأسيس‭ ‬شركة‭ ‬عربية‭ ‬قابضة‭ ‬للأسماك‭ ‬والمساهمة‭ ‬في‭ ‬رأسمالها،‭ ‬وإنشاء‭ ‬‮«‬المجلس‭ ‬العربي‭ ‬للثروة‭ ‬السمكية‮»‬،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬جامعة‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬وإنشاء‭ ‬قاعدة‭ ‬بيانات‭ ‬عربية‭ ‬تشمل‭ ‬مختلف‭ ‬أنواع‭ ‬الثروة‭ ‬السمكية،‭ ‬وتأسيس‭ ‬شركة‭ ‬عربية‭ ‬لمراكز‭ ‬البحث‭ ‬العلمي‭ ‬المعنية‭. ‬وتفرض‭ ‬الظروف‭ ‬الحالية،‭ ‬التي‭ ‬يمر‭ ‬فيها‭ ‬وضع‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬العربي،‭ ‬ضرورة‭ ‬الالتفات‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬التوصيات‭.‬

وفي‭ ‬منطقة‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ -‬التي‭ ‬عرفت‭ ‬صيد‭ ‬الأسماك‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تعرف‭ ‬النفط‭- ‬وكثيرًا‭ ‬ما‭ ‬اعتمدت‭ ‬على‭ ‬الأسماك‭ ‬كغذاء‭ ‬مهم‭ ‬لوفرتها‭ ‬وكثرة‭ ‬السواحل‭ ‬واتساعها‭. ‬ومع‭ ‬قابلية‭ ‬قطاع‭ ‬الثروة‭ ‬السمكية‭ ‬للتطوير‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬تلبية‭ ‬احتياجات‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬للسكان،‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يحظ‭ ‬بعد‭ ‬بالاهتمام‭ ‬الكافي‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يتناسب‭ ‬وأهميته،‭ ‬حيث‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يسهم‭ ‬بنسبة‭ ‬يعتد‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬الناتج‭ ‬المحلي،‭ ‬ويكون‭ ‬بديلاً‭ ‬منافسًا‭ ‬وكاملاً‭ ‬عن‭ ‬اللحوم‭ ‬الحمراء،‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬استيرادها،‭ ‬أو‭ ‬استيراد‭ ‬الأعلاف‭ ‬اللازمة‭ ‬لإنتاجها‭.‬

وفي‭ ‬واقع‭ ‬الأمر،‭ ‬يعاني‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬في‭ ‬الخليج‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬المشاكل‭ ‬تقريبًا‭ ‬التي‭ ‬يعانيها‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭. ‬وبرغم‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الأمانة‭ ‬العامة‮»‬،‭ ‬لمجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬يتوفر‭ ‬لديها‭ ‬لجنة‭ ‬معنية‭ ‬بالثروة‭ ‬السمكية‭ ‬تجتمع‭ ‬بصفة‭ ‬منتظمة،‭ ‬وتصدر‭ ‬توصيات‭ ‬لتشجيع‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬فيما‭ ‬تتعدد‭ ‬فرص‭ ‬الاستثمار،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬الصيد،‭ ‬أو‭ ‬التصنيع،‭ ‬أو‭ ‬التسويق،‭ ‬أو‭ ‬الخدمات‭ ‬المساعدة؛‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الاستثمار‭ ‬والعمل‭ ‬الخليجي‭ ‬المشترك‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬القطاع‭ ‬مازال‭ ‬محدودًا‭.‬

ومما‭ ‬لاشك‭ ‬فيه،‭ ‬أن‭ ‬الصناديق‭ ‬والمؤسسات‭ ‬العربية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬دورًا‭ ‬مميزًا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشأن،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬توافر‭ ‬مناخ‭ ‬ملائم‭ ‬للاستثمار،‭ ‬كـ«الصندوق‭ ‬العربي‭ ‬للإنماء‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‮»‬،‭ ‬و«الشركة‭ ‬العربية‭ ‬للاستثمار‮»‬،‭ ‬و«المؤسسة‭ ‬العربية‭ ‬لضمان‭ ‬الاستثمار‮»‬،‭ ‬و«البنك‭ ‬الإسلامي‭ ‬للتنمية‮»‬،‭ ‬و‮«‬المصرف‭ ‬العربي‭ ‬للتنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‮»‬‭.‬

وفضلاً‭ ‬عن‭ ‬الفرص‭ ‬القائمة‭ ‬في‭ ‬الخليج،‭ ‬هناك‭ ‬فرص‭ ‬عربية‭ ‬واعدة‭ ‬للاستثمار‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬السمكي،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬موريتانيا‭ ‬والمغرب‭ ‬والصومال‭. ‬وتأكيدا‭ ‬لذلك،‭ ‬بادر‭ ‬القطاع‭ ‬الخاص‭ ‬الخليجي،‭ ‬بعقد‭ ‬المنتدى‭ ‬الخليجي‭ ‬الموريتاني‭ ‬للاستثمار‭ ‬بمبادرة‭ ‬‮«‬اتحاد‭ ‬الغرف‭ ‬التجارية‮»‬،‭ ‬لبحث‭ ‬آفاق‭ ‬الاستثمار‭ ‬الخليجي‭ ‬في‭ ‬موريتانيا‭ ‬وفرص‭ ‬هذا‭ ‬الاستثمار،‭ ‬كما‭ ‬التقى‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الموريتاني‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2021،‭ ‬أمين‭ ‬عام‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الخليجي،‭ ‬لبحث‭ ‬سبل‭ ‬تعزيز‭ ‬الاستثمارات‭ ‬الخليجية‭ ‬في‭ ‬الفرص‭ ‬الموريتانية‭. ‬

على‭ ‬العموم،‭ ‬أخذت‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬توجهها‭ ‬لتنويع‭ ‬مصادر‭ ‬الدخل‭ ‬وتعزيز‭ ‬القطاعات‭ ‬غير‭ ‬النفطية،‭ ‬تشجع‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الاستزراع‭ ‬السمكي،‭ ‬التي‭ ‬أخذت‭ ‬تنظر‭ ‬إليه‭ ‬أيضًا‭ ‬كأحد‭ ‬المفاتيح‭ ‬الرئيسية‭ ‬لحل‭ ‬إشكالية‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي،‭ ‬ولكن‭ ‬الظروف‭ ‬العالمية‭ ‬الراهنة‭ ‬للأمن‭ ‬الغذائي‭ ‬العربي‭ ‬والخليجي،‭ ‬تتطلب‭ ‬وضع‭ ‬قطاع‭ ‬الثروة‭ ‬السمكية‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬أجندة‭ ‬استراتيجية‭ ‬الأمن‭ ‬الغذائي،‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الخليجي‭ ‬أو‭ ‬العربي‭.

{ انتهى  }
bottom of page