2/5/2022
استراتيجية «بريطانيا العالمية».. والتنافس الدولي
في مارس 2021، نُشرت «المراجعة المتكاملة للأمن والدفاع والتنمية والسياسة الخارجية»، للمملكة المتحدة، والتي حددت أهداف الحكومة لما وصفته بـ«بريطانيا العالمية في عصر تنافسي»، عن طريق 4 أهداف رئيسية هي: «دعم نظام دولي داعم للقيم الديمقراطية الليبرالية»، و«المساهمة في أمن هذا النظام»، و«المساعدة في بناء قدر أكبر من المرونة العالمية تجاه تأثيرات تغير المناخ، وانعدام الأمن الصحي، وتعزيز التنمية المستدامة»، و«تبني أجندة اقتصادية دولية تعزز القدرة التنافسية العالمية». وبعد مرور عام على إصدارها، أجرى المحللون تقييما للتقدم الذي تم إحرازه فيما يتعلق بهذه الأهداف، وسط تعامل لندن مع عدد كبير من القضايا، من صعود الصين، مرورا بالحرب في أوكرانيا، إلى اتفاقيات التجارة الحرة بعد «البريكست»
وفيما يتعلق بالهدف الأول، المتمثل في «دعم نظام ديمقراطي ليبرالي»، فإن رئاسة المملكة المتحدة لمجموعة السبع توفر فرصة لتقييم أدائها في هذا الصدد. وكما أوضح «روبن نيبليت»، من «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، فإن «الأولوية القصوى» للحكومة كانت «مساعدة الديمقراطيات الرائدة في تطوير جبهة أكثر توحيدًا في مواجهة انتشار الاستبداد بجميع أنحاء العالم»، لا سيما عبر استضافة قمة قادة مجموعة السبع في يونيو 2021.
ومع ذلك، لم تلق هذه القمة تفاعلا كبيرا. ورأى «نيبليت»، أنها مجرد «زخم مستمر، ولم تحفز العمل». وأثناء المؤتمر، أشار «جدعون راشمان»، في صحيفة «فاينانشيال تايمز»، إلى أن مجموعة السبع -بما في ذلك بريطانيا - «أبدت الكثير من الطموح»، لكنها تركت «أسئلة كثيرة حول ما إذا كان «التنفيذ سيتوافق مع خطابها». مشيرا بشكل خاص، إلى أن «المنافسة مع الصين»، كانت «موضوعًا أساسيًا»، لكل من المملكة المتحدة، ودول المجموعة الأخرى، مُبديا شكوكه حول قدرة التحالف على «تدشين حملة بنية تحتية دولية لمنافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية».
وفي المقابل، أدرك «نيبليت»، كيف أن رئاسة بريطانيا للمجموعة، «مهدت الطريق إلى مزيد من التنسيق الرسمي بين أعضائها والحوار الأمني الرباعي لأستراليا، والهند، واليابان، والولايات المتحدة، حيث استمرت هذه الجهود حتى عام 2022، حيث اتفقت واشنطن ولندن في مارس على التنسيق بشأن استراتيجيات كل منهما في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، لا سيما السعي إلى توثيق العلاقات مع الهند. ويبين هذا إحراز تقدم نحو الهدف المعلن للمراجعة المتكاملة؛ المتمثل في جعل المملكة المتحدة «شريكا أوروبيا يتمتع بوجود أوسع، وأكثر تكاملاً في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».
تتوافق هذه الإجراءات أيضًا مع توصيات عدد من الخبراء، الذين دعوا المملكة المتحدة إلى تطوير استراتيجية أكثر شمولاً داخل منطقة المحيطين. وعلى سبيل المثال، قيّم «ريتشارد ويتمان»، من «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، أن «توجه» بريطانيا نحو المحيطين الهندي والهادئ، هو «اعتراف بأنها بحاجة إلى استجابة أكثر منهجية لـ«صعود الصين». وبالمثل، أوضح «باتريك وينتور»، في صحيفة «الجارديان»، أن «صعود الصين يتطلب من بريطانيا تقديم استجابة أكثر تماسكًا»، من تلك التي قدمتها الحكومات السابقة.
وفيما يتعلق بالتركيز الاستراتيجي على منطقة المحيطين لا تزال هناك شكوك. وعلقت «فيرل نوينز»، من «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، أنه «من غير الواضح ما يستتبعه هدف دعم النظام الدولي القائم على وجود القواعد «بالمحيط الهادئ». وردًا على جهود التنسيق التي بذلتها الحكومة مؤخرًا مع الولايات المتحدة، قال «سكوت إدواردز»، و«روب ييتس»، في مجلة «ذا ديبلومات»، إن المملكة «لا تزال بحاجة إلى تحديد كيفية تحقيق أهدافها»، حيث إن جهودها ركزت فقط على «أهداف دفاعية محدودة نسبيًا»، مثل مبادرة الغواصة أوكوس مع أستراليا، والتي من المحتمل أن «تقويض الأهداف الأوسع للمراجعة المتكاملة». وبدلاً من ذلك، أشارا بضرورة تنفيذ «نهج أكثر شمولية»، يرتكز على «العلاقات الدبلوماسية وتطوير المرونة الإقليمية»، بالنظر إلى «الاستجابة الفاترة من صانعي السياسة في جنوب شرق آسيا»، إزاء الجهود الحالية في المشاركة الإقليمية.
ومع ذلك، فإن التركيز على الدفاع، وفقًا لـ«نيبليت»، ساعد الحكومة على الارتقاء إلى «العديد من الأهداف الرئيسية التي حددتها في المراجعة»، فيما يتعلق بإسهاماتها في أمن النظام الدولي الليبرالي، حيث سلط الباحث الضوء على التزامها في نوفمبر 2020، بتقديم مبلغ إضافي قدره 16.5 مليار جنيه إسترليني لميزانية الدفاع على مدى السنوات الأربع اللاحقة، ما دفع إنفاقها في هذا المجال يزيد على 2% من الناتج المحلي الإجمالي، و«جعلها، في الوقت الحالي، ثالث أكبر منفق على الدفاع في العالم بعد الولايات المتحدة، والصين».
علاوة على ذلك، أشار «نيبليت»، إلى أن تسليط «المراجعة المتكاملة» الضوء على روسيا، باعتبارها «التهديد الأكثر خطورة للأمن الأوروبي» كان «صحيحًا» من خلال وقوع غزو أوكرانيا في فبراير، مشيرا إلى دور المملكة المتحدة، باعتبارها «مزودًا رئيسيًا للمعلومات الاستخباراتية»، في «تحذير القادة المتشككين» في جميع أنحاء أوروبا من غزو وشيك. ومنذ ذلك الحين «ظلت في قلب استجابة الناتو» للعدوان الروسي، حيث أشاد الخبراء باستخدامها للمعلومات الاستخباراتية السرية في مواجهة العدوان، وكما أوضح «مالكولم تشالمرز»، من «المعهد الملكي للخدمات المتحدة»، فإنها «تعلمت من أزمة أوكرانيا عام 2014»، وهي الآن «نشطة» باستخدام معلوماتها الاستخباراتية للعب دور في تشكيل الأحداث الدولية المهمة». وبالإضافة إلى ذلك، واصلت - ضمن دورها في الناتو - توفير العديد من المعدات العسكرية لأوكرانيا لدعم جهودها الحربية. وأعلنت في السابع من أبريل 2022، أنها تعد حزمة مساعدات جديدة لكييف، بعد أن قدمت بالفعل ما يزيد على 4200 من الصواريخ المضادة للدبابات. ووفقًا لـ«نيبليت»، فقد «استفادت القوات الأوكرانية بوضوح في الأسابيع الأولى من الصراع»، من «تدريبات المملكة المتحدة على كيفية مواجهة وتحطيم عدو أكثر قوة».
وعلى الرغم من هذه المساعدات، فقد تم تقويض رؤية الحكومة لـ«بريطانيا العالمية»، بشكل واضح من خلال تعاملها مع أزمة اللاجئين من أوكرانيا، والتي تعرضت لانتقادات شديدة بسببها. وأوضحت «ماتيلدا مالينسون»، من مجلة «نيو ستيتسمان»، أن بريطانيا لديها «سياسة للتعامل مع اللاجئين دون المستوى»، مشيرة إلى مزاعم رئيس الوزراء خلال أحد النقاشات بمجلس العموم أن البلاد «استوعبت لاجئين أكثر ضعفًا، أكثر من أي بلد أوروبي آخر»؛ لكن في وقت لاحق «ثبت أن هذه المزاعم غير صحيحة» من حيث الأعداد الحقيقية والإحصاءات المعنية. وأوضح «فريدي هايوارد»، بالمجلة نفسها أوائل مارس 2022، أن وزارة الداخلية نفذت 300 طلب تأشيرة فقط للاجئين الأوكرانيين من إجمالي 8900 طلب، ما دفعه إلى استنتاج أن استجابة الحكومة للأزمة كانت «فوضوية».
وتسلط هذه الإخفاقات الضوء على مدى التزام الحكومة، بما وصفته «المراجعة المتكاملة» لسياستها بـشيء من «المرونة»، حيث وصف «نيبليت»، نهجها في هذا الصدد، بأنه «مشوش». واستشهد بنقاط التقدم الضئيلة من وراء محاولتها لعب دور نشط في الدبلوماسية الدولية من خلال رئاستها لمجموعة السبع، واستفادتها من موقعها كمضيف لقمة المناخ «كوب 26» في نوفمبر 2021، كما خلصت صحيفة «فايناشيال تايمز» إلى أنها «حققت المزيد مما كان متوقعا، ولكن أقل مما كان مرجوًا».
ويمكن الإشارة إلى أن انخراط بريطانيا في العالم، قد تضاءل في بعض النواحي والمجالات. وعلى سبيل المثال، خلال جائحة «كوفيد-19»، أكد «نيبليت»، أنها - إلى جانب البلدان المتقدمة الأخرى - «أعطت الأولوية لتأمين إمدادات اللقاحات لاحتياجاتها المحلية»، على حساب «أفقر البلدان حول العالم». كما تم تقويض هذا الهدف أيضا بسبب قرارها عام 2021، خفض إنفاقها على المساعدات الخارجية من 0.7 إلى 0.5% من الدخل المحلي الإجمالي، والذي يُقدر أنه سيؤدي إلى خفض ميزانيتها بنحو 4-5 مليارات جنيه إسترليني في السنوات الأربع المقبلة. ووفقًا لـ«كامل أحمد»، في صحيفة «الجارديان»، خلص «مكتب التدقيق الوطني البريطاني»، أن هذه التخفيضات تم فرضها بسرعة كبيرة لدرجة أن وزارة الخارجية لم يكن لديها «وقت كاف لرؤية مدى التأثيرات التي قد تلحق بها».
وانعكاسًا لهذا النهج، كان لهذه التخفيضات تأثير سلبي في مساهمة بريطانيا في مبادرات الصحة والتنمية العالمية. وشهدت «اليونيسف» خفضًا بنسبة 60% في حجم التمويل، التي كانت توفره المملكة المتحدة. ونتيجة لذلك، تلقت انتقادات من الولايات المتحدة. وعلق «خواكين كاسترو»، رئيس اللجنة الفرعية للتنمية الدولية التابعة لمجلس النواب الأمريكي، أن «التخفيضات سيكون لها آثار سلبية»، حيث ستقوض «الاستجابة العالمية الجماعية» للكوارث الإنسانية.
وفي سبيل تحقيقها الهدف النهائي للمراجعة المتكاملة، والمتمثل في تعزيز الأجندة الاقتصادية الوطنية خارجيًا؛ تمكنت المملكة المتحدة من تمديد اتفاقيات التجارية مع جميع الدول الـ63، التي سبق لها التعامل معها كعضو في الاتحاد الأوروبي. وبناءً على نجاحها في التفاوض على اتفاق جديد للتجارة الحرة مع أستراليا، تسعى الآن إلى المزيد من الصفقات، بما في ذلك مع الهند. وتعهدت مؤخرًا ببدء المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة مع دول مجلس التعاون الخليجي العام الحالي.
من ناحية أخرى، لا تزال الفوائد الاقتصادية لمغادرة الاتحاد الأوروبي مثيرة للجدل. ومع ذلك، أوضح «بيتر فوستر»، في صحيفة «الفاينانشيال تايمز»، أن الحكومة «فشلت في إظهار الفوائد الاقتصادية لصفقاتها التجارية بعد «البريكست»، وسط تقارير تفيد بأنها من المقرر أن تخطئ هدفها المتمثل في «ضمان تغطية 80% من جميع تجارتها باتفاقيات تجارية حرة» بحلول نهاية عام 2022. ووفقًا لـ«جيفري براون»، نائب رئيس «لجنة الحسابات العامة في مجلس العموم، كانت الحكومة، تكافح حقًا لمجرد الإشارة إلى تحقيقها مكاسب ملموسة للأعمال التجارية البريطانية أو المستهلكين أو قطاع الزراعة الخاص بنا». وتلخيصًا لأداء الحكومة حتى الآن، رأى «بيتر ريكيتس»، مستشار الأمن القومي البريطاني السابق، أن «الصفقات التجارية لم تثبت أنها البعد الأبرز والأكثر تقدمًا ضمن تنفيذ رؤية بريطانيا العالمية».
على العموم، بعد مرور عام على نشر الحكومة البريطانية للمراجعة المتكاملة لسياستها بشأن الأمن والدفاع والتنمية والسياسة الخارجية، كان سجلها في تحقيق هدفها المتمثل في ترسيخ مكانتها كقوة عالمية مختلطًا وفوضويًا. ورغم أنه في مجال الدبلوماسية الدولية، واصلت لعب دور مؤثر، من خلال رئاستها مجموعة السبع، واستضافتها لـ كوب 26، واستجابتها لغزو أوكرانيا؛ فقد فشلت في تحقيق بعض الأهداف التي كانت تأمل في تحقيقها من خلال بعض هذه المبادرات، فضلا عن تغيير سياستها الخاصة بالمساعدات الخارجية قد ألحقت أضرارًا بالغة بمكانتها، كونها دليلاً على عدم الاهتمام بالشؤون العالمية، والمشروعات الإنسانية. وعليه، لا تزال مكانة بريطانيا عالميًا يشوبها حالة من عدم اليقين، حيث يواصل صناع السياسة التفاوض بشأن تخفيف حدة تحديات خروجها من الاتحاد الأوروبي، والقضية الأوكرانية، والمنافسة العالمية، والتي تظل جميعها قضايا خلافية داخل هيكل التحالف الغربي الأوسع نطاقًا.