5/5/2022
أبعاد استراتيجية الدفاع الوطني الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط
في أغسطس 2021، قال «حسين إيبش»، من «معهد دول الخليج العربية»، إن «النقاش الذي تأخر كثيرا بشأن نطاق وفائدة التواجد العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط أصبح في الواجهة الآن، وقد عجّله الانسحاب المثير للجدل من أفغانستان». وامتد هذا النقاش حتى عام 2022، داخل الدوائر الأكاديمية وبين مقرري السياسات، حيث لا يزال أحد أكثر الموضوعات إثارة للجدل، هو معرفة ملامح استراتيجية الدفاع الأمريكية الجديدة، في ظل سعي واشنطن إلى إعطاء أولوية أكبر لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ووفقا للعديد من المراقبين، فإن تقرير «استراتيجية الدفاع الوطني» الجديدة، والذي ينشر كل أربعة أعوام يسلط الضوء على الخطط المستقبلية لإدارة بايدن في المنطقة. من ناحية أخرى، أشارت التحليلات الأخيرة إلى أن الانسحاب من المنطقة، سيتطلب تغييرًا في الطريقة التي يتم بها نشر القوات في المنطقة كجزء من استراتيجية أوسع لـ«الردع المتكامل».
وفي ضوء هذه الديناميكيات، قالت «ميليسا هورفاث»، و«جون ساتلي»، مخططا اللوجستيات في «القيادة المركزية الأمريكية»: إن «عام 2021 شهد إغلاق القواعد الأمريكية، ونقل الطائرات، وإعادة نشر القوات، وتقليل التواجد العسكري الشامل في المنطقة، وذلك بينما «تواصل إيران تعزيز برامجها النووية، وأنظمة الصواريخ الباليستية»، وتستخدم شبكة وكلائها لمهاجمة حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. لذا، فإنه مع انخفاض الموارد المتاحة للقادة الأمريكيين في المنطقة، «يجب اتخاذ المزيد من التدابير لمواجهة التهديدات العسكرية».
وبهذا الصدد، تجدر الإشارة إلى مفهوم «الردع المتكامل» للسياسة الدفاعية الأمريكية، والذي قال «فريدريك ويري»، و«ميشيل دن»، من «مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي»، إنه نهج للعلاقات الخارجية، «قد يلعب الجيش فيه دورًا داعمًا للدبلوماسية». ومن المرجح أن تكتسب هذه الاستراتيجية أهمية كبيرة في المشهد السياسي الأمريكي هذا العام، كما تؤكد عليها «استراتيجية الدفاع الوطني» الجديدة لوزارة الدفاع». ووفقًا لـ«هورفاث»، و«ساتلي»، فإنه من منظور عسكري، تعتمد «فكرة الردع المتكامل» على «شبكة من القدرات العسكرية والمدنية في مختلف القطاعات»، تعمل جنبًا إلى جنب مع الحلفاء والشركاء. وستكون استراتيجية الردع المتكامل «ضرورية» بالنسبة للقيادة المركزية الأمريكية لـ«كبح جماح إيران»، فضلاً عن «طمأنة شركاء أمريكا». وأوضحت «كريستين ماكفان»، من «سلاح الجو الأمريكي» والزميلة في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، أن عمليات الانتشار الأمريكية في الشرق الأوسط، يجب أن تتغير بالضرورة لتعكس تحول أولويات إدارة بايدن من مكافحة الإرهاب إلى «طمأنة الحلفاء وردع إيران، مع تقليل الاشتباك».
وبالنسبة لـ«هورفاث»، و«ساتلي»، فإن تطوير هذه الاستراتيجية بشكل فعال في الشرق الأوسط، سوف يتطلب إصلاحًا شاملاً للشبكات اللوجستية للجيش الأمريكي بالمنطقة، حيث أكدا أن القواعد العسكرية الأمريكية الحالية، «تطورت على مدى عقود كإرث لعمليتي درع الصحراء، وعاصفة الصحراء. وعلى هذا النحو، فهي الآن غير مهيأة لردع متكامل فعال ضد إيران». وبالمثل، وصف «بيكا واسر»، من «مركز نيو أمريكان سيكورتي»، و«آرون شتاين»، من «معهد أبحاث السياسة الخارجية»؛ ترتيبات القاعدة الأمريكية الحالية، بأنها «بقايا حروب عفى عليها الزمن، وأضحى حجمها وموقعها مسؤولية»، في مواجهة تهديد الصواريخ الباليستية الذي يشكله الإيرانيون».
ويعكس هذا القلق التعليقات التي أدلى بها الجنرال «كينيث ماكنزي»، قائد القيادة المركزية الأمريكية، في فبراير 2021، عندما أقر برغبة أمريكا في إنشاء قواعد «احتياطية» في المنطقة، يمكن تشغيلها وقت «المخاطر المتزايدة». وجاء ذلك في أعقاب تقارير في يناير 2021.
وفي تفصيل لذلك نصح «واسر»، و«ستاين» أيضًا, بأن على الولايات المتحدة «التفكير في تقليص حجمها إلى مجموعة من القواعد الأصغر الموزعة على جميع أرجاء المنطقة». والجدير بالذكر، أنه عندما أدلى «ماكنزي»، بتعليقاته حول إمكانية فتح قواعد جديدة، صرح بأن هذا سيكون «بدون إغلاق» الموجودة بالفعل. وعليه، حذر الباحثان «من التخلي التام عن القواعد الأكبر، مثل قاعدة »العُديد« في قطر؛ لأن القيام بذلك من شأنه أن يرقى إلى »التخلي عن استثمارات كبيرة في البنية التحتية«؛ بطريقة قد تضر بعلاقات الولايات المتحدة مع حلفائها»، حيث أشارا إلى أن هناك إمكانية للتعاون في هذه الأمر، وأن القواعد «غير المهمة للضرورات التشغيلية»، يمكن تسليمها إلى الدول المضيفة، بدلاً من التخلص منها تمامًا».
ووفقًا لـ«جون جامبريل»، من وكالة «أسوشيتيد برس»، فإن هذه القواعد الجديدة المقترحة، من المحتمل ألا يكون لديها «قوات متمركزة بشكل دائم»، مما يوفر للقادة الأمريكيين «مرونة» أكبر. ويأمل القادة العسكريون الأمريكيون أيضًا أن تسمح لهم هذه الترتيبات بدعم مفهوم «شبكة الاستدامة الغربية» في الشرق الأوسط، والذي وصفه «ماكنزي» عام 2020، بأنه «نظام لوجستي تم إنشاؤه حديثًا »يمتد من «موانئ البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط إلى الخليج العربي»، ويهدف إلى «التخفيف من التأثير المحتمل لإغلاق نقاط الاختناق في باب المندب ومضيق هرمز» في حال نشوب صراع إقليمي.
وبحسب «هورفاث»، و«ساتلي»، فإن هذا «النهج اللوجيستي القائم على العمليات العسكرية»، التي تتبناه واشنطن خلال تواجدها في المنطقة، قد يقدم مزايا معينة كجزء من «استراتيجية أوسع»، يمكن أن تردع «خصومها»، فضلاً عن «إرباكهم بشأن الوجود الأمريكي، وقدراته في المنطقة. وأشارت «ماكفان»، أيضًا أن التغييرات في تمركز القوة الأمريكية، يمكن أن تكون مصحوبة بتطوير قدرات الشركاء المحليين؛ «لتخفيف مخاوفهم»، بما في ذلك من خلال تحسين «آليات تبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون على المستويين الثنائي والمتعدد الأطراف». بالإضافة إلى ذلك، أوضحت أنه قد تكون هناك فرص لزيادة تكامل الاستراتيجيات الدفاعية للجهات الفاعلة الإقليمية.
لكن نهج إدارة «بايدن» تجاه التواجد العسكري الأمريكي في الخارج لا يخلو من الانتقاد؛ حيث أكد «مايك غالاغر»، النائب الجمهوري عن ولاية «ويسكونسن»، أن الاستراتيجية «تتجاهل الدروس المكتسبة حول ضرورة الحفاظ على مبدأ توازن القوى»، مشيرًا إلى أن «كل إدارة أمريكية جديدة تتشدق، بـ«كلمات رنانة» تتعلق بالشؤون الدفاعية، والتي تعمل بمثابة «ستار» من أجل «عدم الاستثمار في قطاع الدفاع، والاكتفاء بقوة عسكرية أمريكية لن تفي بالمتطلبات الأمنية العالمية». وبالمثل، أكد الجنرال المتقاعد «توماس سبوير»، مدير مركز الدفاع الوطني، التابع لـ«مؤسسة التراث»، أن «أكثر الوسائل المؤكدة لردع الصراعات، هي بناء قوة عسكرية كافية». وعليه، فإن خصوم واشنطن المحتملين «لن يعيروا اهتمامًا يذكر للعقوبات غير العسكرية»، وأن «القوة العسكرية البارزة والإرادة الواضحة لاستخدامها، هي وحدها التي لديها القدرة على إثارة الخوف لدى الخصم».
على العموم، فإنه على الرغم من استمرار الجدل حول وضع القوات الأمريكية بالخارج، فقد بدا واضحًا أن انتشار وحجم هذه القوات بدأ يتناقص، ومن المرجح أن يستمر هذا الأمر. وكما لاحظ «هورفاث»، و«ساتلي»، فإن هذه الاستراتيجية ستجعل القادة الأمريكيين في المنطقة «يفعلون المزيد من المهام بموارد أقل»، لاسيما مع تركيز جهودهم على احتواء إيران. غير أنه جراء تعديل النهج العسكري التي تعتمده واشنطن حيال المنطقة؛ ستكون هناك تداعيات عبر عدد من المجالات؛ من بينها أنها قد تكون أكثر تقبلاً لمزيد من التكامل والتعاون الدفاعي مع الشركاء المحليين، فضلاً عن كونها الآن أكثر تشجيعًا للجهود المبذولة لبناء هيكل أمني إقليمي موحد.
وتشير الاتجاهات والتحليلات الأخيرة حول الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، إلى أن واشنطن بدأت تفضل التحلي بمرونة أكبر في إدارة مستوى انتشارها المحتمل في المنطقة، وهذا سيؤدي إلى انخفاض الاعتماد على قواعدها العسكرية الرئيسية في المنطقة لصالح شبكة محتملة من المواقع الدفاعية الأصغر، التي قد لا تحتضن آليات انتشار للقوات أو المعدات الأمريكية بشكل كامل.