3/7/2019
تقرير للمعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن يناقش:
الصراع على النفوذ الاقتصادي في سوريا بين روسيا وإيران
إيران أنفقت نحو 8 مليارات دولار سنويًا منذ عام 2012 في سوريا.. بينما أنفقت روسيا نحو 4.5 مليارات دولار منذ عام 2015
أوشكت الحرب الأهلية السورية على وضع أوزارها، وهي التي تداخلت فيها أطراف عديدة لتسيطر على المشهد، في مقدمتها روسيا، وإيران، الداعمان الرئيسيان لنظام الأسد على الأصعدة الاقتصادية، والسياسية، والدبلوماسية، والعسكرية. وعليه شرع العديد من المحللين والخبراء المعنيين من أكاديميين إلى واضعي السياسات إلى توقع عدم انسحاب القوتين من سوريا، في ضوء رغبتهما في إعادة الإعمار وتشكيل المرحلة الانتقالية بعد الحرب.
وفي هذا الإطار، صدر تقرير عن «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، «تشاتام هاوس»، بلندن يوم 8/3/2019، أعده «سنان حتاحت»، بعنوان، «روسيا وإيران.. النفوذ الاقتصادي في سوريا»؛ سعى من خلاله إلى البحث عن سبب وكيفية ترسيخ وتوسيع روسيا وإيران لنفوذهما الاقتصادي في سوريا كوسيلة لتحقيق مصالحهما الخاصة في مرحلة ما بعد الحرب.
ويُشير الباحث إلى أن كلتا الدولتين تتشاركان على نطاق واسع في نفس الأهداف الاستراتيجية الرئيسية الكامنة في تحقيق مشاركة اقتصادية قوية. غير أن ذلك لن يكون واقعًا ملموسًا إلا بـ«استقرار البلاد، واستخلاص التعويضات عن دعمهما للحكومة السورية خلال الحرب الأهلية، وتوطيد نفوذهما».
وتختلف الطرق التي تسعى بها الدولتان لتحقيق الاستقرار في سوريا. فالدعم الروسي؛ غالبا ما يكون مدفوعًا «بانخراطها في الجيوسياسية العالمية وهدفها الجوهري المُتمثل في الحفاظ على حليف بلا منازع في دمشق». وفي هذا الصدد أوضح «صامويل راماني»، من مركز «كارنيجي»، بواشنطن، أن «روسيا ترغب في إعادة سوريا إلى الأسواق المالية العالمية مجددًا؛ لكي يستطيع الأسد إحكام قبضته على السلطة والبدء في الحصول على الأموال اللازمة لإعادة الإعمار والمقدرة بـ400 مليار دولار»، لذا كانت روسيا من أولى الدول التي سعت إلى التودد إلى الأطراف الاقتصادية المُحتمل تعاونها لإعادة الإعمار، مثل اقتصادات البريكس، الصين والهند، جنبًا إلى جنب مع الدول الغربية ودول مجلس التعاون الخليجي. وأشار «حسن منيمنه» من «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، إلى أن «النظام السوري في طريقه إلى إعلان انتصاره بدعم من روسيا، والمطالبة بإعادة إشراكه في المجتمع الدولي باعتباره الحكومة الشرعية»، لذا فإن موسكو مهتمة بشكل كبير بدعم النظام على نحو يوصله لغايته، ويُعزز موقفه في الوقت الذي ستقل حاجة سوريا لهذا الدعم في المستقبل.
أما إيران، فتسعى إلى تحقيق السيطرة الكاملة والمباشرة من خلال الاحتفاظ بالتواجد العسكري والسياسي، وإقامة خطوط دفاعية تابعة لها في المنطقة، فضلا عن حصولها على تعويضات مالية؛ نظير ما قدمته سلفًا. وتُشير التقديرات إلى أنها أنفقت ما يقرب من 8 مليارات دولار سنويًا منذ عام 2012 في سوريا لتقديم الدعم العسكري والموارد، بينما أنفقت روسيا 2.5-4.5 مليارات دولار فقط منذ عام 2015. وعلاوة على ذلك، فإن الكلفة البشرية لها كانت أعلى بكثير من روسيا، إذ فقدت عددًا كبيرًا من قوات الحرس الثوري الإيراني في ساحة المعركة ومقاتلين بالوكالة. وعليه، ترغب إيران في استرداد هذه الخسائر من خلال الاستثمار المباشر في الدولة جنبًا إلى جنب مع تقديم قروض بفوائد مرتفعة للنظام». وبحسب تقرير رويترز الذي أعده «أنجوس ماكدول»، فإن «إيران منحت دمشق مساعدات مالية مباشرة، كما ساعدتها في إصلاح بنيتها التحتية، لكنها قدمت أيضًا تنازلات اقتصادية وفرصا للوصول إلى الأسواق، والتي قد توفر في نهاية المطاف بعض التعويضات عن استثماراتها في الحرب».
ويُمكن فهم أن نهج موسكو يتسم بـ«الاستقلالية والحياد»، حيث أكد «حتاحت»، أنه «عندما يتعلق الأمر بتقديم المساعدة في المشروعات وإعادة الإعمار، تسعى روسيا إلى تشجيع مشاركة المجتمع الدولي في الوقت الذي تعمل فيه على تعزيز قدرتها على التأثير المباشر على الأحداث». فيما تتبع أيضا السبل غير المباشرة للاستثمار من خلال تشجيع وتسهيل التدفقات الاستثمارية من الشركات والمؤسسات الروسية في جميع القطاعات، بدلاً من الاستثمار المباشر الذي تقوده الدولة والحكومة الروسية بنفسها.
وعلى النقيض، اعتمدت إيران في المقام الأول على الاستثمارات التي تقودها الدولة، نظرًا إلى رغبتها في الحفاظ على تواجدها الدائم في البلاد وتأكيد سيطرتها المباشرة عليها. وتحتوي مثل هذه الاستثمارات على قدر كبير من المساعدات المالية بدافع تحقيق الاستقرار للنظام واخضاعه لتلقي المساعدات الإيرانية مباشرة.
وكما يوضح «حتاحت»، فإن «دورا مهما في النهضة الاقتصادية السورية، يسمح لإيران بتعزيز تأثير وكلائها المحليين والحفاظ على سيطرتها على دمشق». ومن هنا، استثمرت مؤسسات الدولة الإيرانية مثل، الحرس الثوري في القطاعات الاقتصادية التي يمكن استغلالها كآليات تحكم، مثل شراء العقارات والاستثمار في الزراعة. علاوة على ذلك، فقد سعى الإيرانيون إلى اكتساب شعبية بين المجتمعات المحلية السورية من أجل إضفاء الشرعية على وجودهم من خلال توفير السلع والخدمات الأساسية، إما كمساعدات أو من خلال برامج دعم الأسعار، مثل تقديم مواد غذائية منخفضة التكاليف، أو بناء مراكز طبية.
وكنتاج للديناميكية الاقتصادية لطهران وموسكو، بدأ يظهر التنافس بينهما على الرغم من تعاونهما العسكري والسياسي في سوريا خلال السنوات الأربع الماضية. وظهر ذلك فى صورة توترات في قطاعي الطاقة والزراعة. وبرزت روسيا كرائدة من حيث تأمين حصتها في الاستثمارات والصفقات التجارية، ففي يناير 2018، على سبيل المثال، وقعت اتفاقية ثنائية مع دمشق، حصلت بموجبها على حقوق حصرية لاستخراج النفط والغاز من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة مباشرة. وتم إعطاء الأولوية والاهتمام للعديد من الاتفاقات التي تم التوصل إليها مسبقا في هذه المجالات عن تلك التي أبرمتها سوريا مع إيران كما هو الحال في قطاع تعدين الفوسفات، نظرًا إلى زيادة موثوقية الشركات الروسية.
تلك الهيمنة الروسية على هذه القطاعات الحيوية اقتصاديًا، أزعجت طهران التي شعرت بعدم الإنصاف بعد ما قدمته من عون خلال الحرب الأهلية. وفي سعيها لترسيخ نفوذها، سيطرت على قطاعات أقل ربحية، مثل الكهرباء والعقارات، واستثمرت بكثافة في شراء الأراضي في أحياء مدن دمشق وحلب ودير الزور التي تشترك على نطاق واسع في الانتماءات الآيديولوجية والطائفية مع النظام. والهدف من ذلك هو تطوير هذه المواقع إلى مناطق مخصصة للسياحة الدينية، مثل المناطق المحيطة بالمزارات الدينية الشيعية. على الرغم من أن هذا النهج يمكن أن يكون مُربحًا على المدى الطويل، إلا أنه يقدم بعض الفوائد المالية القصيرة الأجل للمستثمرين الإيرانيين.
غير أنه، ما بين السعي لزيادة النفوذ وتصاعد وتيرة التنافس الروسي-الإيراني وأثر ذلك على التحالف الثلاثي الأقطاب؛ يمكن توقع العديد من السيناريوهات في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية كالتالي:
أولاً: النظام الروسي هو الأقرب من نظام الأسد في المرحلة الانتقالية، فالهدف والاستراتيجية الروسية أكثر جاذبية من النهج الإيراني. وبالإشارة إلى الجانب الاقتصادي فإن تقديم موسكو عقودا مربحة يُكلف سوريا عبئا ماليا وسياسيا أقل من السماح لطهران بمزيد من التوسع الاقتصادي. ونتيجة لذلك، يؤكد «صامويل راماني»، من مؤسسة «كارنيجي للسلام الدولي»، أن برامج إعادة الإعمار التي تباشرها روسيا لا شك أنها تهدد بتوليد المزيد من التوترات مع الجانب الإيراني».
ثانيًا: تصاعد حدة التنافس بين الشريكين عسكريًا واقتصاديًا حول إعادة الإعمار، قد يدفع إلى صدامات بينهما مستقبلاً -وإن كان هذا الاحتمال يبدو ضعيفا- إلا أنه وارد عندما تتعارض مصالح الدولتين وعملياتهما العسكرية المشتركة. وفى حال تصاعدت التوترات، قد تنسحب إحداهما من سوريا مخلفة وراءها نظامًا داخليًا معرضًا لتهديدات أمنية خارجية وداخلية على حد سواء، خاصة إذا كانت روسيا هي من قد تتراجع عن استثماراتها الاقتصادية والعسكرية. وبتحقق سيناريو كانسحاب روسيا، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستحل محلها بالضرورة لتستغل تلك الفرصة سياسيًا لإعادة فرض نفسها مجددًا وتأكيد دورها، ناهيك عن أن هذا التراجع سيهدئ من المخاوف الغربية حيال الدور الروسي في منطقة الشرق الأوسط.
ثالثًا: أما إذا كان الانسحاب من نصيب طهران، فسيحدث هذا تأثيرا مباشرا على الصعيد الإقليمي، بحلول المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي محلها وستعيد علاقاتها مع دمشق، مقدمة التمويلات اللازمة لعملية إعادة الإعمار. ووفقًا لـ«جو معكرون»، من المركز «العربي للأبحاث ودراسة السياسات»، فإن هذا «قد يقوي من تأثير الدول الخليجية داخل سوريا في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية ويخلق حالة من التوازن أمام النفوذ الإيراني».
على العموم، فإنه على الرغم من أهمية ما تناوله التقرير من قضايا حول أدوار القوى الخارجية وأهدافها وما قد تلقي بظلالها على المستقبل السوري، إلا أن النقاش حول هذا الموضوع لم يقدم رؤى جديدة عما قُدم من قبل. ومع ذلك، يمكن الجزم أن الإشارة للدور الخليجي ومدى ديناميكيته في المراحل النهائية للحرب الأهلية السورية؛ كانت هي أكثر العناصر إثارة للاهتمام، خاصة أنها لا تحظى بالكثير من الاهتمام في الوقت الحالي. ومع ذلك، قد يشهد هذا الدور حالة من احتمالات التحول والتغير على المدى الطويل.