3/5/2022
النموذج البحريني في تعزيز حق العمل
الحق في العمل من أبرز حقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهو شديد الارتباط بحقوقه الأخرى، فلا يستطيع الإنسان ممارسة هذا الحق وهو ليس آمنا أو معتل الصحة، كما تتضاءل فرصه في هذه الممارسة حين لا يكون متعلمًا، وتنخفض إنتاجيته حين لا يكون مستقرًا في مسكن، وإلى هذا ذهب النموذج البحريني في تعزيز حق العمل، حيث اعتبره منهجًا رئيسيًا في توفير الحياة الكريمة، وعبرت عن ذلك كلمة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة خلال لقائه المفوضية السامية لحقوق الإنسان في 22 أبريل 2010، حيث قال: «البحرين تفتخر وتعتز بمواطنيها، وتحرص على توفير الحياة الكريمة لهم، فهم يستحقونها، من تعليم وصحة وسكن وعمل وقضاء مستقل نزيه ودور للمرأة البحرينية، كما تحرص على تعزيز الحقوق السياسية لكل فئات المجتمع، والسلطة التشريعية تمثل المواطنين وتتخذ قراراتها بحرية، وأن ذلك يعكس تقدم البحرين في مجال حقوق الإنسان، والترابط والألفة التي نعيشها في هذا المجتمع قيادة ومواطنين، كما أن البحرين فخورة بقوانينها العمالية التي أصبحت نموذجًا في المنطقة».
وأكد ميثاق العمل الوطني، الوثيقة السياسية المهيمنة على النهج التشريعي للمملكة، حق كل مواطن في العمل اللائق، وفي اختيار نوعه وفقًا للنظام العام والآداب، وأكد دور الدولة في توفير فرص العمل للمواطنين وعدالة شروطه ضمن برنامج التنمية الاقتصادية، بل إن النموذج البحريني في توفير حق العمل، لم ينظر إلى العمل كحق فقط، ولكن اعتبره واجبا وطنيا مرتبطا بالكرامة الإنسانية، فقد جاءت المادة (13) من الدستور لتؤكد أن الدولة «تكفل توفير فرص العمل للمواطنين وعدالة شروطه» وجاءت الفقرة (أ) من هذه المادة تنص على أن العمل واجب على كل مواطن تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام، ولكل مواطن الحق في العمل وفقًا للنظام العام والآداب، وتكفل الدولة فرص العمل للمواطنين وعدالة شروطه.
وبموجب القانون رقم (10) لسنة 2007 انضمت مملكة البحرين إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وصار هذا العهد جزءًا من التشريع الوطني، وجاءت المادة السادسة منه تنص في فقرتها الأولى على أن الدول الأطراف في هذا العهد تعترف بالحق في العمل الذي يشمل ما لكل شخص من حق في أن تتاح له إمكانية كسب رزقه من عمل يختاره أو يقبله بحرية، وتقوم باتخاذ تدابير مناسبة لصون هذا الحق، وجاءت الفقرة الثانية تنص أن تشمل التدابير التي تتخذها كل من الدول الأطراف لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق توفير برامج التوجيه والتدريب التقنية والمهنية، والأخذ بسياسات من شأنها تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية مطردة وعمالة كاملة ومنتجة في ظل شروط يتمتع فيها الفرد بالحريات السياسية والاقتصادية الأساسية، وفصلت الفقرة الثالثة من شروط العمل العادلة كالأجر المنصف، والأجر المتساوي عن العمل المتساوي، والعيش الكريم، وظروف العمل تكفل السلامة والصحة المهنية والإجازات والضمان الاجتماعي والتأمينات الاجتماعية.
وفضلاً عن ذلك، فإن النموذج البحريني لتعزيز حق العمل يلتزم بمعايير منظمة العمل الدولية، التي انضمت إليها المملكة في مايو 1977، وبالاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالحق في العمل التي وقعتها، ومنها اتفاقية إلغاء العمل الجبري التي وقعت عليها البحرين عام 1992، والاتفاقية الخاصة بالتأهيل المهني والعمالة للمعوقين عام 1999، واتفاقية منع التمييز في الاستخدام والمهنة عام 2000، واتفاقية حظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفورية للقضاء عليها عام 2001، واتفاقية السلامة والصحة المهنية وبيئة العمل عام 2009، واتفاقية الحد الأدنى لسن الاستخدام عام 2012.
في النموذج البحريني لتعزيز حق العمل، حرصت الحكومة من خلال برامج التنمية الاقتصادية المتتابعة على محاصرة البطالة، وجعلها في أضيق الحدود الآمنة، وأطلقت العديد من المبادرات والمشاريع الهادفة إلى توفير الفرص الوظيفية المناسبة للمواطنين وتوفير برامج التدريب الملبية لمتطلبات سوق العمل في القطاع الخاص، ودشنت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية مشروعات توظيف وتأهيل البحرينيين ومعارض التوظيف بشكل منتظم، وحفزت القطاع الخاص على احتضان الكفاءات البحرينية، وإعطائهم الفرصة لاكتساب الخبرة اللازمة.
ولجأت المملكة إلى إصلاح سوق العمل ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي، جنبًا إلى جنب مع إصلاح التعليم، لربط مخرجات العملية التعليمية باحتياجات سوق العمل، والبرامج التدريبية والمهنية التي تجعل العمالة البحرينية خيارًا مفضلاً في القطاع الخاص، وبموجب القانون رقم (57) لسنة 2006 أنشأت صندوق العمل «تمكين» الذي يعمل على خطوط تنموية متوازية ومترابطة: استنهاض المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، تنمية المهارات، ودعم ريادة الأعمال، وبموجب المرسوم رقم (33) لسنة 2015 تم توسيع اختصاصات «تمكين» ونقل إليها اختصاصات ومهام المجلس الأعلى للتدريب المهني، وفي خلال 3 سنوات فقط من 2019 – 2021 أمكن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية توظيف أكثر من 70 ألف مواطن ومحاصرة معدل البطالة عند مستوى 3.4% وهو ضمن الحدود الآمنة.
وفضلاً عن ذلك وفر النموذج البحريني تأمينًا للعمالة البحرينية ضد التعطل، بموجب القانون رقم (78) لسنة 2006، ويعطي هذا القانون الذي اسهمت منظمة العمل الدولية في إعداده إعانة تعطل للمواطنين في سن العمل الباحثين عن عمل لأول مرة، كما يمنح القانون تعويضًا عن التعطل لمن يعملون بعقود عمل نظامية، ولم يتركوا العمل إراديًا، وفي العام الماضي 2021 استفاد من تعويضات التعطل نحو 28 ألفا، ويغطي هذا التعويض نسبة 60% من أجر المؤمن عليه بمعدل شهري حده الأدنى 200 دينار.
ويعتبر النموذج البحريني رائدًا في مجال المساواة، فلا يوجد تمييز بين الأفراد على أساس الجنس أو اللون أو الدين أو المذهب أو غيره، كما حرص المشرع البحريني على إعمال المساواة بين الجنسين، وقد تضمن قانون الخدمة المدنية رقم 48 لسنة 2010 والقانون رقم 36 لسنة 2012 الخاص بالعمل في القطاع الأهلي، الكثير من البنود التي تدعم هذه المساواة، كالشفافية في إعلانات ديوان الخدمة المدنية عن فرص التوظيف، وإعمال مبدأ تكافؤ الفرص، فضلاً عن إدماج المعاقين في قوة العمل بمقتضى القانون رقم (47) لسنة 2006 بشأن رعاية وتأهيل وتشغيل الأشخاص ذوي الإعاقة، ويتعاون في تنفيذه المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني.
وقد استهدفت رؤية البحرين الاقتصادية 2030 الارتقاء بالمستوى المعيشي للأسرة البحرينية، وقد شهدت السنوات الخمس الأخيرة ارتفاعًا في متوسط الأجور في القطاعين العام والخاص، ففي حين بلغ متوسط رواتب البحرينيين في القطاع الخاص 690 دينارا شهريًا في 2016، بلغ 767 دينارا شهريًا عام 2021، وارتفعت نسبة من يتقاضون أكثر من 600 دينار شهريًا من إجمالي العمالة الوطنية في القطاع الخاص من 30% في 2016 إلى أكثر من 35% حاليًا.
وبينما يبلغ عدد المواطنين العاملين في القطاع الخاص نحو 95 ألفًا، فإن عدد المواطنين الذين يعملون بالقطاع العام يبلغ 48 ألفًا، وأصبح عدد النساء البحرينيات في القطاع العام يفوق الذكور (25428 موظفة مقابل 22573 موظفا) وبلغ متوسط أجور الذكور 876 دينارا شهريًا مقابل 774 دينارا شهريًا متوسط أجور الإناث، فيما تفوق عدد الذكور على الإناث في القطاع الخاص (61764 ذكورا مقابل 33033 إناثا) بلغ متوسط أجر الذكور 855 دينارا شهريًا في مقابل متوسط أجر للنساء 603 دنانير شهريًا، ويتمتع كل هؤلاء بتأمينات اجتماعية تكفل لهم معاشات تعاقدية، وفي العام الماضي بلغ عدد المتقاعدين نحو 34 ألفا في القطاع العام ونحو 39 ألفا في القطاع الخاص، ويشمل النظام التأمينات الاجتماعية أيضًا غير البحرينيين، وبلغ عددهم 424 ألفا في القطاع الخاص في عام 2021.
وأتاح النموذج البحريني للعامل الحق في التنظيم النقابي بموجب المادة 27 من الدستور التي اتاحت تكوين الجمعيات والنقابات على أسس وطنية ولأهداف مشروعة، وقانون النقابات العمالية رقم (33) لسنة 2002 المعدل بالقانون رقم (35) لسنة 2011، وأتاح القانون للنقابات أن تشكل اتحادًا فيما بينها، كما حرص المشرع البحريني على حرية العمل النقابي وعدم التدخل في شؤونه.
وفي النموذج البحريني لتعزيز حق العمل، لا تعاني البحرين من ظاهرة عمالة الأطفال، وتلتزم مملكة البحرين ببنود اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل التي انضمت إليها عام 1991 وبروتوكوليها الاختياريين (انضمت إليهما عام 2004)، كما حظر القانون رقم (36) لسنة 2012 تشغيل الأحداث تحت 16 عامًا.
كما كرس النموذج البحريني حق العامل في بيئة عمل آمنة واجراءات تتيح اشتراطات السلامة والصحة المهنية في المنشآت، وحماية العامل ووقايته من أخطار العمل، وخاصة المخاطر الميكانيكية والمخاطر الناجمة عن التعامل مع المواد الكيميائية والمخاطر الطبيعية، وعدم توافر وسائل الأمان أو الإنقاذ أو الإسعاف، وبمقتضى القرار الوزاري رقم (3) لسنة 2013 فإنه يحظر العمل تحت أشعة الشمس المباشرة في شهري يوليو وأغسطس، وتباشر وزارة العمل والتنمية الاجتماعية التفتيش للتأكد من توافر اشتراطات الصحة والسلامة المهنية وبيئة العمل المناسبة، وكذلك التفتيش على سلامة العمال للتأكد من استيفائها شروط السكن الإنساني اللائق.
وفيما قامت المملكة بإلغاء نظام الكفيل في وقت مبكر، فقد استحدثت عام 2017 نظام التصريح المرن، الذي يتيح للعامل الوافد أن يتقدم بشكل مستقل للحصول على تصريح شخصي للعمل من دون ارتباط بصاحب عمل معين مما يجنبه أي استغلال، كما يتيح له الحصول على كل أوجه الرعاية والحماية القانونية.
وفضلاً عن تنظيم قانون الخدمة المدنية، وقانون العمل في القطاع الأهلي، الجوانب الأخرى لشروط العمل اللائق، كعدد ساعات العمل والراحات الأسبوعية والإجازات السنوية والرسمية المدفوعة، تتبنى هيئة تنظيم سوق العمل فكر «المعاملة الواحدة» في إصدار تصريح العمل، وتقوم بتوعية الوافدين بحقوقهم وواجباتهم، وتوفر لهم دليلاً شاملاً لهذه الحقوق والواجبات، وفي 2019 أصدرت هيئة تنظيم سوق العمل قرارها رقم (1) بتطبيق نظام حماية الأجور، والذي يلزم كل صاحب عمل حصل على ترخيص من بنك البحرين المركزي الإفصاح لهيئة تنظيم سوق العمل عن المعلومات المتعلقة بنظام حماية الأجور، بما حد أو ألغى الشكاوى العمالية المتعلقة بتأخر أو تقاعس صاحب العمل عن سداد أجور العمالة الوافدة، وأصبح يستفيد من هذا النظام كل الشرائح والفئات العمالية، فيما استهدف التشريع الوطني تجريم الاتجار بالأشخاص، وأنشأ نيابة خاصة لهذه الجريمة، ولجنة عليا لمناهضتها، كما أنشأ مركزًا للإيواء لضحاياها يقدم خدمات متكاملة صحية وقانونية، كما تنسق الحكومة مع سفارات الدول للعمالة الوافدة لضمان حصول هذه العمالة على حقوقها، وهذه الإجراءات جعلت المملكة تحتل مرتبة متقدمة في التقارير السنوية للخارجية الأمريكية المعنية بمكافحة الاتجار بالبشر، وفي أثناء جائحة كورونا حظيت العمالة الوافدة بالرعاية الصحية والعلاج المجاني، ويسرت المملكة للراغبين منهم سبل المغادرة إلى بلادهم، كذلك تتمتع العمالة الوافدة بمزايا النظام التعليمي والصحي في المملكة، لذا غدت المنامة مكانًا مفضلاً للعيش فيه، وأشادت بذلك تقارير المنظمات الدولية المعنية بتنافسية مدن العالم كمكان مفضل للعيش فيه.