26/4/2022
الشباب في استراتيجيات التنمية البحرينية
يقع الاهتمام بالشباب وتمكينهم في بؤرة المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، إيمانًا منه بالدور المحوري لهذه الفئة العمرية في تنمية البلاد وتقدمها، وما يعبر عنه تمكينها من حيوية للمجتمع، خاصة أن هذا التمكين بذاته يعد من أهم مؤشرات التنمية المستدامة. وقد جاءت هذه الرؤية امتدادًا لخبرته الشخصية، حين أولاه الأمير الراحل «عيسى بن سلمان» -طيب الله ثراه- في فترة مبكرة من شبابه واحدة من أخطر المسؤوليات في البلاد، وهي قيادة قوة دفاع البحرين، وحين تولى رئاسة المجلس الأعلى للشباب والرياضة لدى إنشائه عام 1975 لرسم السياسة العامة لبرامج الشباب والرياضة، وتحقيق التكامل في أوجه النشاط الشبابي لتكوين المواطن الصالح.
ولهذا جاء الاهتمام بدعم الشباب وتمكينه في مقدمة أولويات استراتيجيات التنمية البحرينية، وبرامج مؤسسات الدولة والمجتمع، خاصة وأن هذه الفئة العمرية تكون 55% من سكان المملكة، وتشكل معظم قوة عملها، وتمثل مرحلة التأهيل لقيادة كل المواقع في البلاد. وفي نفس العام الذي تولى فيه جلالة الملك المسؤولية، أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 17 ديسمبر 1999. اعتبار 12 أغسطس من كل عام يومًا عالميًا للشباب، تقديرًا لدورهم كشركاء أساسيين في التنمية، وإتاحة الفرصة لهم للتعبير عن أنفسهم، واهتماماتهم والمشكلات والتحديات التي تواجههم وإعدادهم للمشاركة في صناعة القرار. وقبل إصدار هذا القرار، جاء المبدأ «21»، من مبادئ «إعلان ريو» بشأن البيئة والتنمية 1992. ليؤكد أنه ينبغي تعبئة شباب العالم بقدراتهم الإبداعية، ومُثلهم وشجاعتهم من أجل مشاركة عالميًا لتحقيق التنمية المستدامة وضمان مستقبل أفضل.
وإذا كان الاهتمام بدعم الشباب البحريني وتمكينه مسؤولية تتولاها كل مؤسسات الدولة، إلا أن المُشرع البحريني أوجد لها جهازًا تنفيذيًا مختصًا، تمثل بداية في «المؤسسة العامة للشباب والرياضة»، التي أنشئت بموجب المرسوم بقانون رقم (5) لسنة 1983. والمعدل بالمرسوم بقانون رقم (33) لسنة 2010. والتي تتولى مسؤولية الإشراف على قطاع الشباب، والشؤون المتعلقة به، والمراكز الشبابية والأندية الرياضية والمنشآت والمشاريع ذات العلاقة. وفي عام 2015. أصدر جلالة الملك المرسوم رقم (27) لسنة 2015 بتعيين وزير لشؤون الشباب والرياضة، ثم صدر المرسوم بقانون رقم (35) لسنة 2015 بإلغاء المؤسسة العامة للشباب والرياضة على أن تباشر «وزارة شؤون الشباب والرياضة»، كل الاختصاصات المناطة بها.
وفي المؤسسة التشريعية، فإنه إلى جانب «لجنة شؤون الشباب» بمجلس الشورى، فإنه يوجد بمجلس النواب «اللجنة البرلمانية النوعية الدائمة للشباب والرياضة»، وتُعنى بشؤون الشباب والتواصل مع المؤسسات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني. وفي إدراك لأهمية هذه الفئة العمرية، أطلق البرلمان البحريني مبادرات توعية ونوعية داعمة لتمكين الشباب كـ«برنامج الثقافة البرلمانية»، الذي يستوعب سنويًا أكثر من 1000 شخص، و«برلمان الشباب»، الذي يقوم على إشراك الشباب في تجربة محاكاة برلمانية يعبرون من خلالها عن آرائهم بحرية ومسؤولية عبر قنوات شرعية، وفضلاً عن هذا التدريب البرلماني، فقد دشن «المجلس الأعلى للشباب والرياضة»، منذ 2006 نموذج محاكاة جلسات الأمم المتحدة لتعريف الشباب بآليات العمل في هذه المنظمة وفروعها، علاوة على ذلك، يحظى المجتمع المدني بوجود 22 جمعية شبابية، والتي بدأ تأسيسها عام 2002 وتحظى بدعم من وزارة العمل والتنمية الاجتماعية.
وقد تضافرت جهود هذه الجهات معًا للنهوض بالشباب البحريني ودعمه وتمكينه من خلال استراتيجيات تنموية، تعمل على تعزيز الهوية الوطنية والوحدة والانتماء لديهم، ضمن إطار عمل متكامل شامل ومنسق للتعامل مع مختلف الفرص المتاحة لهم والتحديات التي تواجههم، وتقدم إطار عمل وطني لتطوير مبادرات تنمية الشباب، وتحديد الأولويات الوطنية، وتوفير الدعم والموارد لتنفيذها، وتعزيز قدرتهم على المشاركة بصورة أكبر في المجتمع، وتتشابك هذه الاستراتيجيات مع التعليم والتوظيف والاقتصاد والثقافة والبيئة.
وجاء تمكين الشباب ودعمه في صلب «رؤية البحرين الاقتصادية 2030»، التي أطلقتها المملكة في 2008. وفي هذا العام انطلق «مؤتمر الشباب الدولي» في المنامة في نسخته الأولى كأحد أهم المبادرات الشبابية للمملكة، والذي ينعقد كل عام بمشاركة الآلاف من شباب دول العالم، ويتيح للشباب البحريني الاستفادة من الخبرات الدولية، والانفتاح على الثقافات المختلفة. وبعد انتهاء العالم من تحقيق الأهداف الإنمائية للأمم المتحدة في 2015. والتوجه إلى أهداف التنمية المستدامة، أخذت محاور النقاش في هذا المؤتمر تدور حول دور الشباب في تحقيق هذه الأهداف. ودعما لذلك، أنشأت «وزارة شؤون الشباب والرياضة»، «المركز العلمي البحريني لأهداف التنمية المستدامة»، وهو أول مركز من نوعه عالميًا يخدم الأهداف الـ17 للتنمية المستدامة، ويقدم برامج نوعية لتهيئة الشباب بصورة علمية للمشاركة في تحقيق هذه الأهداف، ويعتمد مبنى هذا المركز على الطاقة الشمسية في رمز لتوجه المنامة نحو الطاقة النظيفة.
وارتباطًا برؤية البحرين الاقتصادية 2030. أطلقت المملكة «مبادرة مدينة شباب 2030»، منذ 2009 كمشروع تنظمه وزارة شؤون الشباب والرياضة سنويًا، بالتعاون مع «صندوق العمل تمكين»، برعاية سمو الشيخ «ناصر بن حمد آل خليفة»، ممثل جلالة الملك للأعمال الإنسانية وشؤون الشباب، رئيس المجلس الأعلى للشباب والرياضة، والتي ترتكز على تأهيل وتطوير والارتقاء بالشباب البحريني، وبناء وتنمية طاقاته وقدراته، وتعزيز انتمائه الوطني ودعمه، في برامج احترافية مؤهلة لسوق العمل. وفيما استهدفت رؤية البحرين الاقتصادية، جعل المواطن البحريني خيارًا مفضلاً في سوق العمل لدى القطاع الخاص، فقد غدت «مدينة شباب 2030» من أبرز المشاريع التدريبية في قدرتها على صقل المواهب، وتزويد الشباب بكل الإمكانات التي تسهم في إطلاق قدراتهم الإبداعية بما يساعد في تكوين كوادر بحرينية مؤهلة للمشاركة بفاعلية في التنمية الشاملة للمملكة. وتقديرًا لدور الشباب في تنفيذ رؤية البحرين الاقتصادية 2030. أقر مجلس الوزراء، برئاسة صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس الوزراء الأمير «سلمان بن حمد»، اعتبار يوم 25 مارس من كل عام يومًا للشباب البحريني.
وتعزيزًا لقدرات الشباب، وإتاحة الفرص لهم للتعبير عن أنفسهم واكتشاف وصقل مواهبهم في مختلف المجالات، وفرت الحكومة نحو 36 مركزا شبابيا في أنحاء المملكة، من أجل تسهيل وإتاحة البرامج الشبابية بسهولة. وأصبحت هذه المراكز نقاط جذب يلتقي فيها الشباب وتتوافر بها كل مقومات ممارسة الأنشطة الرياضية والثقافية والترفيهية. ومع التقدم الكبير الذي أحرزته المملكة في دعم وتمكين هذه الفئة العمرية، أجمع وزراء الشباب والرياضة العرب، على اعتبار المنامة عاصمة للشباب العربي في 2015. كأول عاصمة عربية تحظى بهذا الشرف، في مبادرة تسعى إلى اقتفاء أثر التجربة البحرينية في النهوض بالشباب.
وفيما أطلقت الأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة 2030 في 2015. وجاء الهدف الثامن ينص على «تعزيز النمو الاقتصادي المطرد والشامل للجميع والمستدام، والعمالة الكاملة والمنتجة، وتوفير العمل اللائق للجميع»، فقد أطلقت المملكة في 2017 «جائزة الملك حمد لتمكين الشباب لتحقيق أهداف التنمية المستدامة»، كجائزة عالمية هي الأولى من نوعها، تعبيرًا عن إيمان جلالة الملك بقدرة الشباب على قيادة بلدانهم والعالم نحو مستقبل مشترك أفضل يسوده السلام والازدهار لجميع الناس على كوكب صحي ومتجدد. وتهتم الجائزة بمساعي الشباب ليكونوا مواطنين فاعلين ومنتجين، وكان يناير 2022 هو النسخة الرابعة لهذه الجائزة. وفي أكتوبر 2018 استضافت المملكة المهرجان الشبابي العالمي الأول لأهداف التنمية المستدامة برعاية ملكية، والذي يعد من أهم الفعاليات الشبابية على مستوى العالم، ومعبرًا عن مشاركة شباب العالم في تحقيق هذه الأهداف.
ويعزز مكانة البحرين الدولية في دعم وتمكين الشباب أيضًا إطلاقها «جائزة ناصر بن حمد للإبداع الشبابي»، والتي أكدت انتقال المملكة في هذا المجال من المحلية إلى العالمية، والتي تتيح فرصا للفئات العمرية من سن «14–30» من جميع الجنسيات في ستة مجالات: (العلوم، والتصميم المعماري، التصميم الجرافيكي، التصوير الفوتوغرافي، الرسم، الأفلام القصيرة). وتسعى الجائزة إلى استقطاب المواهب الشابة وتنميتها والحد من معوقات الإبداع، كما تعزز أيضًا هذا الدور الدولي بحصول وزارة الشباب والرياضة على حقوق تنفيذ «جائزة دوق ادنبرة العالمية»، التي تمنح للفئات العمرية من سن «14–25» عاما من ذوي الإمكانات الفردية، وحصولها على موافقة مجلس وزراء الشباب العرب على تنفيذ جامعة الدول العربية بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة البحرينية «مشروع سفراء الشباب العرب»، الذي يهدف إلى لفت أنظار العالم إلى الثروات الشبابية الغنية في العالم العربي.
وفي ترجمة فعلية على الاهتمام بالشباب، شهدت احتفالية مملكة البحرين باليوم العالمي للشباب عام 2021. إطلاق العديد من المبادرات التنموية الداعمة لتمكينهم، كـ«برنامج ولي العهد للمنح الدراسية العالمية»، و«برنامج رئيس مجلس الوزراء لتنمية الكوادر الوطنية»، ومتابعة تنفيذ البرنامج الوطني للتوظيف في نسخته الثانية منذ يناير 2021. واعتماد اللجنة العليا للتخطيط العمراني المخطط العام لمشروع المدينة الرياضية، فضلاً عن إقرار حزمة من التشريعات، كقانون تأسيس الأندية الرياضية على هيئة شركات تجارية، وقانون الاحتراف الرياضي، والبرنامج الوطني لتدريب الشباب «فرصة»، ونشر ثقافة ممارسة الرياضة بتنفيذ مبادرة إنشاء 100 ملعب في القرى والمدن، وتولي صندوق العمل حزمة متكاملة من المبادرات لإعداد وتأهيل الكوادر الشبابية ومواكبتها متطلبات الاقتصاد الرقمي وتقنيات الذكاء الاصطناعي واستثمار علوم الفضاء والطاقة النووية في الأغراض التنموية.
وأحرز شباب مملكة البحرين العديد من البطولات الفردية والجماعية، كفوز الشيخ «ناصر بن حمد»، بلقب بطولة إسبانيا للقدرة، وفوز المنتخب الوطني لكرة القدم بكأس خليجي 24 وبطولة غرب آسيا؛ كما أثبتوا، ذكورا وإناثا، جدارتهم في تحمل المسؤولية، وشغل المناصب التنفيذية والتشريعية والقضائية، وحضورهم المؤثر في القطاع الخاص، ما جعل المملكة تفوز بأربع فئات من «جائزة مجلس الشباب العربي للتنمية المتكاملة للشباب العربي المتميز» في جامعة الدول العربية لعام 2021. وتأتي المملكة الثانية عربيًا في مؤشر رأس المال البشري الصادر عن البنك الدولي لعام 2020. و42 عالميًا ضمن الدول ذات التنمية البشرية العالية جدًا وفق تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي 2020. وسط تقدير لمشاركة المرأة في العمل الحكومي بنسبة 53% والقطاع الخاص 35% ورواد الأعمال 45%، كما كان الشباب في الصفوف الأمامية ضمن الكوادر الطبية والتمريضية والإعلامية والتطوعية في فريق العمل لمواجهة جائحة كورونا.
ومع وضع النهوض بالشباب في مقدمة الأولويات الوطنية، ودعمه وتمكينه من تولي المسؤولية في كل القطاعات، وجه جلالة الملك بتسمية عام 2022 عام الشباب، فيما تقدم «وزارة شؤون الشباب والرياضة»، استراتيجية للارتقاء بالقطاع الشبابي في المملكة، من خلال زيادة حجم البرامج والمبادرات التي تقدم للشباب وتساهم في تمكينهم ليكونوا جزءًا من صناعة القرار، والعمل على مشروعات وطنية في مختلف المجالات وفق منهجية جديدة لقياس مرتكزات للعمل الشبابي. وفي كلمته بمناسبة اليوم البحريني للشباب في مارس 2022. أكد جلالة الملك مواصلة توجيه أصحاب الشأن والاختصاص في الحقل الشبابي للارتقاء بشؤونه وتطوير برامجه المخصصة للشباب من الجنسين والمشهود لهم بالتفوق الملحوظ على كل الأصعدة الوطنية والدولية. ويأتي هذا التوجيه، لتمكين الشباب من شغل المواقع القيادية في مختلف مجالات التنمية، من أجل الاستفادة من قدراتهم، وتوزيع أثر أفكارهم في كل القطاعات واستدامة نتائجها حاضرًا ومستقبلاً، لما لديهم من روح إيجابية وطموح وطاقة وأفكار ملهمة لحلول إبداعية تحقق النمو الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما أكد عليه وزير شؤون الشباب والرياضة البحريني لدى تدشينه برنامج مبعوثي التنمية في 10 دول عربية العام الماضي.
وفي باكورة احتفاء المملكة بعام 2022 كعام للشباب، فاز برنامج «صناعة النخبة»، الذي قامت على تنفيذه «وزارة شؤون الشباب والرياضة»، بجائزة «أفضل مشروع حكومي عربي لتمكين الشباب»، وذلك ضمن «جائزة التميز الحكومي العربي»، التي أقيمت تحت مظلة جامعة الدول العربية بالتعاون مع المنظمة العربية للتنمية الإدارية، وقد تمكن هذا البرنامج من اكتشاف مواطن القوة لدى الشباب البحريني، وعمل على تدعيمها، وتمكينهم عبر برامج نوعية، أسهمت في اكتساب وصقل وإبراز المواهب الشابة، وفضلاً عن ذلك فإن كل الاستراتيجيات التنموية التي احتوتها خطة التعافي الاقتصادي البحرينية قد جعلت من تمكينهم أحد محاورها الرئيسية، وهو ما ينعكس في خطط عمل الحكومة الفترة المقبلة.