20/4/2022
مملكة البحرين والاستثمار الأجنبي المباشر
من أبرز سمات السياسة الاقتصادية البحرينية تشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، والتي نظرت إليها كشريك على درجة عالية من الأهمية في صناعة تنمية البحرين وتقدمها، لما لها من دور إيجابي في رفد الاقتصاد بخبرة البلدان المتقدمة، والارتقاء بعناصر الإنتاج، والتشغيل، والتمويل، وتحفيز الاستثمارات المحلية، ولهذا وجدنا هذه الاستثمارات في قطاعات الاقتصاد الكبرى النفطية، وغير النفطية.
وحتى في الظروف التي كان الاقتصاد العالمي فيها يعاني ركودًا، نجحت السياسة الاقتصادية البحرينية في أن تجعل من المملكة قبلة لهذا الاستثمار. ففي عام 2020، حين حدث ركود عالمي نتيجة «جائحة كورونا»، وتراجع إجمالي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر عالميًا من 1.5 تريليون دولار في 2019، إلى 999 مليار دولار في 2020، بنسبة تراجع 35%؛ استقبلت المملكة -وفق تقرير «مناخ الاستثمار العالمي»، الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)- 1.007 مليار دولار في عام 2021. وبحسب تقرير «الخارجية الأمريكية»، فقد حافظت البحرين على توجه موات لممارسة الأنشطة التجارية، ونهج ملتزم بالحرية الاقتصادية في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث شهدت في هذا العام زيادة في تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 3.3%، لتبلغ قيمتها نحو 31.7 مليار دولار، أي بنسبة 92% من الناتج المحلي الإجمالي، لتكون الأعلى خليجيا، وتفوق المتوسط العالمي البالغ 49%، وقد تركز غالبيتها في قطاع الخدمات المالية، والصناعة، والنقل، والتعليم، والرعاية الصحية، والعقارات، والسياحة، وتقنية المعلومات والاتصالات.
وقبل «جائحة كورونا»، كانت السياسة الاقتصادية البحرينية تمضي في إصلاحات مالية لوضع الاقتصاد على طريق الاستقرار والتوازن المالي. وتضمنت هذه الإصلاحات توسيع نطاق إيرادات الموازنة العامة، وفرض ضريبة القيمة المضافة، وهو ما دفع وكالة «استاندرد آند بورز»، للتصنيف الائتماني لرفع تصنيف البحرين من مستقر إلى إيجابي، مما أضاف محفزًا جديدًا لقدوم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فضلا عن البنية التحتية القوية لتكنولوجيا المعلومات، والاتصالات المتطورة، ومشروعات البنية التحتية واسعة النطاق، ومناخ أعمال مرن يعتمد على الحرية الاقتصادية.
وتعزيزًا لقابلية الاقتصاد البحريني على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، يقوم «مجلس التنمية الاقتصادية»، بالتعاون مع «مصرف البحرين المركزي»، و«وزارة الصناعة والتجارة والسياحة»، بتنفيذ «مسح قياس ثقة المستثمرين في مناخ الأعمال»، والذي يرمي إلى توفير المعلومات اللازمة للمستثمرين وصانعي القرار وواضعي السياسات الاقتصادية، بما يضمن تهيئة المناخ المناسب لجذب واستقطاب مزيد من الاستثمارات، وتعزيز القدرة التنافسية لاستمرارية نمو قطاع الأعمال. ويتم إجراء هذا المسح على عينة تمثل المؤسسات التجارية بمختلف مستوياتها، من متناهية الصغر إلى الكبيرة، من المؤسسات المصنفة على أنها استثمارات أجنبية مباشرة إلى المؤسسات المحلية. وأظهرت مسوحات (2020 -2021)، رضا مجتمع الأعمال، بشأن الأداء الحقيقي لشركاته واستقرار أداء الأعمال.
وساعد توجه السياسة الاقتصادية البحرينية نحو تشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة، موقع المملكة في قلب الخليج العربي، الذي يسمح لها بالتصدير المباشر إلى دول مجلس التعاون، ودول الجوار والعالم العربي، وهو الموقع الذي يتيح للمستثمرين سهولة الوصول والدخول إلى الأسواق في الشرق الأوسط برًا وبحرًا وجوًا. ساعد في ذلك شبكة الطرق البرية، وخطوط النقل البحرية والجوية المتطورة. وعلى سبيل المثال، وعبر جسر الملك فهد، يستطيع المستثمر نقل منتجاته إلى السعودية أكبر اقتصادات المنطقة، كما أن ميناء خليفة بن سلمان، هو الأسرع في إجراءات التخليص الجمركي خليجيا. وتتيح الرحلات الجوية الوصول إلى دول المنطقة والعالم عبر مطار البحرين الدولي. وتمكن الخدمات اللوجستية سهولة الوصول للاقتصادات النامية والمزدهرة في الخليج في سوق تبلغ قيمته أكثر من 1.7 تريليون دولار، وبإجمالي نحو 54 مليون مستهلك. وتأتي البحرين في مقدمة دول العالم في مؤشر الارتباط العالمي 2020، من حيث التدفقات الدولية للتجارة، ورأس المال والمعلومات والأشخاص.
علاوة على ذلك، فإن «مجلس التنمية الاقتصادية»، يسهل إجراءات تأسيس وتشغيل الأعمال بخطوات سريعة ومباشرة، وعليه، جاءت المملكة وفقا لتقرير «البنك الدولي»، لعام 2020 ضمن أفضل 20 دولة عالميًا، «الأكثر تحسنًا في مؤشر سهولة ممارسة أنشطة الأعمال». ويقيس التقرير عددا من المؤشرات الحيوية المهمة، تشمل «سهولة بدء النشاط التجاري، وتسجيل الملكية، وفرص الحصول على الائتمان، وحماية حقوق المستثمرين، والتجارة عبر الحدود، والآليات القانونية والإدارية لمواجهة إشكاليات التعسر المالي».
هذا إلى جانب، ما يوفره مناخ الاستثمار في البحرين من أسعار تنافسية لخدمات البنية التحتية من كهرباء، ماء، غاز، اتصالات، بريد، وعدم فرض ضرائب على الشركات، وملكية أجنبية 100% للمشاريع، حيث تأتي المملكة في المرتبة 24 عالميًا في جودة الطرق، و20 عالميًا في جودة البنية التحتية، و19 عالميًا في جودة الخدمات العامة، كما أصبحت تتمتع بدرجة عالية من التنوع الاقتصادي، وغدت القطاعات غير النفطية تسهم في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 89%، والإيرادات غير النفطية تسهم في الإيرادات العامة بنحو 41%. في حين تبلغ القيمة السوقية لسوق المال البحريني 24.7 مليار دولار، وإجمالي أصول البنوك التجارية 94.3 مليار دولار.
وتتمتع المملكة بخدمات رعاية صحية متطورة بعدد مستشفيات يبلغ 25 مستشفى، ونظام تعليمي متطور يستوعب كل سكان البحرين في سن التعليم. وقد احتلت المملكة المرتبة الأولى عالميًا في 2021 في مؤشر «نسبة الالتحاق بالتعليم العالي»، حسب تقرير «الفجوة بين الجنسين»، والأولى عالميًا في مؤشر استخدام الإنترنت، ومؤشر تغطية الرعاية الصحية، ومؤشر سهولة دفع الضرائب. ووفقا لمؤشر «مدن المستقبل العالمية 2021»، الصادر عن «الفايننشيال تايمز»، صُنفت المنامة في المرتبة الخامسة عالميًا، وفي المرتبة الأولى بين المدن الصغيرة والمتوسطة الصديقة لاستراتيجيات الاستثمار الأجنبي المباشر، كما احتلت المرتبة السادسة عالميًا في مؤشر التنافسية من حيث التكلفة والملاءمة للأعمال التجارية، حيث تنخفض هذه التكلفة فيها بنسبة (20 – 30%)، مقارنة بالدول المجاورة.
وفي ضوء هذه المؤشرات القوية، والمشاريع المطروحة في خطة التعافي الاقتصادي في مختلف المجالات، تتطلع السياسة الاقتصادية البحرينية إلى استقطاب 2.5 مليار دولار استثمارات أجنبية مباشرة في 2023، وهو رقم واقعي في ضوء التدفقات السابقة، والتي زادت أثناء جائحة كورونا. وكانت المملكة قد استقطبت نحو 942 مليون دولار في 2019، وفي 2018 نحو 1.515 مليار دولار، وفي 2017 نحو 1.426 مليار دولار. ومع طرح استراتيجيات قطاعات الصناعة، والخدمات اللوجستية، والسياحة، والخدمات المالية، ومشروعات النقل، والرعاية الصحية، والتعليم، والبنية التحتية، فإن الترويج للاستثمار الأجنبي المباشر يستهدف توجيه الاستثمار إلى تنفيذ هذه الاستراتيجيات.
وترتفع ثقة المستثمر في الاقتصاد البحريني بفعل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة أثناء جائحة كورونا، من التكفل بدفع رواتب البحرينيين المؤمن عليهم في القطاع الخاص لمدة 3 شهور، ومضاعفة حجم صندوق السيولة ليصل إلى 200 مليون دينار، وإعفاء المنشآت والمرافق السياحية من دفع رسوم السياحة، والإعفاء من بعض الرسوم لدى هيئة تنظيم سوق العمل، والتكفل بدفع فواتير الكهرباء والماء لكافة المشتركين أفراد وشركات لفترة، ورفع قدرة الإقراض للبنوك، والإعفاء من دفع إيجار الأراضي الصناعية، وإعفاء الشركات الصناعية التي تصدر ما لا يقل عن 30% من منتجاتها من دفع إيجار الأراضي، وقد تم هذا رغم انخفاض أسعار النفط إلى أدنى مستوياته من 2004، فتراجع سعر برميل النفط من متوسط 64.4 دولارا في 2019، إلى 41.26 دولارا في 2020، وتراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 10.23% في عام 2020 مقارنة بعام 2019.
ويخدم هدف زيادة الاستثمار الأجنبي المباشر المتوقع لعام 2023 قطاعا مصرفيا وماليا قويا بعدد مؤسسات يبلغ 370، منها 94 مصرفا ما بين مصارف جملة وتجزئة، و270 مؤسسة مالية غير مصرفية، تتمثل في شركات الاستثمار، وشركات تأمين، وأسواق رأس مال، وتراخيص مخصصة، فيما بلغت الميزانية الموحدة للجهاز المصرفي (جملة وتجزئة إسلامية وتقليدية)، أكثر من 207 مليارات دولار، نسبة مصارف الجملة فيها 54.5% ومصارف التجزئة 45.5%.
وتوضح بيانات القطاعات «الأكثر استحواذا على الاستثمار الأجنبي المباشر» في 2020، أن هذه الاستثمارات اتجهت إلى قطاع الأنشطة المهنية، والعلمية، والفنية، وقطاع التشييد، وتجارة الجملة والتجزئة. وبحسب مصادر الاستثمار، جاءت «لوكسبورج»، في المقدمة بنسبة 65.6%، تليها «جزر كيمان»، ثم «الهند»، في إشارة إلى تنوع الجهود المبذولة في مناطق مختلفة في العالم، غير أن الاستثمارات الخليجية، خاصة من السعودية، والكويت، والإمارات، تعد الأعلى من حيث أرصدة الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وفي تفصيل لذلك، يستثمر في مملكة البحرين نحو 5 آلاف شركة سعودية، ويأتي المستثمر السعودي في المرتبة الثانية بعد البحريني في إصدار المؤسسات الفردية، ورأس المال السعودي المستثمر في البحرين عام 2020 يأتي في المرتبة الرابعة. وبلغت قيمة الاستثمارات السعودية في بورصة البحرين لعام 2022 نحو 432 مليون دينار. ويشكل المستثمرون السعوديون في البحرين ما نسبته 80% من حجم المشاريع العقارية باستثمارات تتجاوز 3.6 مليارات ريال، ويستحوذون على نحو 38% من الاستثمارات في المناطق الصناعية. ويمثل رصيد الاستثمارات السعودية في البحرين نحو 10% من إجمالي أرصدة الاستثمارات، مع وجود نحو 14 ألف مستثمر سعودي بقيمة نحو 3.9 مليارات دينار. وتعزيزا لذلك، قامت «وزارة الصناعة والتجارة والسياحة»، بإنشاء مركز المستثمر السعودي في 2017؛ لتسهيل إجراءات الاستثمار. ومنذ تأسيسه حتى سبتمبر 2021، أصدر أكثر من 1360 سجلا تجاريا، ومؤسسات فردية، وزيادة في رأس المال أكثر من 5%. وفي اجتماع مجلس التنسيق السعودي البحريني في ديسمبر 2021، رحب الجانب البحريني باستهداف الجهات والصناديق المعنية في السعودية استثمار 5 مليارات دولار في المشاريع التنموية في البحرين، وجاء هذا الإعلان مع الانتقال للمرحلة الثانية في تنفيذ مشروع جسر الملك حمد والسكة الحديدية بين المملكتين.
وبالنسبة للإمارات، تم الاتفاق على إنشاء «صندوق استثماري مشترك»، للاستثمار في الفرص والمشاريع الواعدة في كلا البلدين وخارجهما، فضلاً عن قيام المملكة بإنشاء مركز للمستثمر الإماراتي في البحرين لتسهيل وتسريع إجراءاتهم للأعمال التجارية، إضافة إلى ربط السجلات التجارية في البلدين للسماح للشركات المسجلة في الإمارات بممارسة أنشطتها التجارية في البحرين. ويزيد عدد المستثمرين الإماراتيين في البحرين عن 7300 مستثمر، فيما بلغ عدد التراخيص الممنوحة لهم للعمل في البحرين 1704 رخص، وعدد البنوك الإماراتية العاملة في البحرين ثلاثة بنوك. وقد تصدرت المملكة دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في استقطاب أعلى حصة من الاستثمارات السياحية في 2020، حيث ساهمت الاستثمارات الكبرى من المطورين العقاريين الذين يتخذون من الإمارات مقرًا لعملهم في تحقيق نمو قطاع السياحة، وخلق فرص عمل خلال أسوأ فترات القطاع السياحي عالميًا، حيث استقبلت نحو 492 مليون دولار استثمارات سياحية في 2020.
وبنهاية يونيو 2021، ارتفع رصيد الاستثمارات الأجنبية المباشرة في البحرين إلى 32.26 مليار دولار، بنسبة نمو 1.9% عن يونيو 2020. ومن إجمالي هذا الرصيد تحتل الاستثمارات الكويتية نسبة 29.9%، بقيمة 9.6 مليارات دولار، لتأتي السعودية في المرتبة الثانية بنسبة 29.6%، وبقيمة 9.5 مليارات دولار، والإمارات بنسبة 8%، وبقيمة نحو 2.6 مليار دولار. ويظهر في قائمة أكبر المستثمرين في البحرين، ليبيا، والهند، وجزر كيمان، وتركيا. واحتل القطاع المالي المركز الأول في استقطاب الاستثمارات المالية الأجنبية المباشرة بنسبة 58%. وجاء قطاع الصناعة في المرتبة الثانية بنسبة 14%، يليه قطاع التجارة، ثم المعلومات والاتصالات، ثم إمدادات الكهرباء والغاز.
على العموم، يحقق إنجاز هدف استقطاب 2.5 مليار دولار استثمارات أجنبية مباشرة في عام 2023، ومؤشرات هذا الإنجاز، الاتفاقات الأخيرة مع السعودية والإمارات، والإسهام بدرجات كبيرة في إنجاز المشروعات التي شملتها خطة التعافي الاقتصادي في مختلف مجالاتها، مع ما يترتب على ذلك من الارتقاء بمعدل نمو الاقتصاد البحريني، وزيادة فرص العمل الواعدة عالية الأجور، وجودة حياة المواطن البحريني.