top of page

5/4/2022

قراءة في استراتيجيات مملكة البحريـن التـنمـويـة 2022 – 2026

أطلقت مملكة البحرين في الآونة الأخيرة عددًا من الاستراتيجيات التنموية القطاعية، في إطار رؤيتها الاقتصادية 2030؛ تستهدف وضع الاقتصاد البحريني على طريق التعافي من الآثار السلبية لجائحة كورونا، وتعميق تنويع مصادر الدخل، بما يكسب هذا الاقتصاد درجة عالية من المرونة في التعامل مع تقلبات أسعار النفط، وتحقيق أقصى استفادة من الفرص الواعدة لعدد من القطاعات، بما يرفع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، ويوفر للعمالة فرص عمل ذات أجور عالية، ويعزز مكانة البحرين الدولية، ويحسن تصنيفها الائتماني، وقابليتها لاستقبال مزيد من الاستثمارات الأجنبية.

 

يأتي في مقدمة هذه الاستراتيجيات، (استراتيجية السياحة 2022 – 2026)، وهي النسخة الثانية التي تأتي استكمالاً للنسخة الأولى «2015–2019». ففي ضوء الطبيعة الجزرية لمملكة البحرين، وموقعها وسط اقتصادات دول الخليج العربية الغنية، وتراث البحرين الثقافي، وانخفاض تكلفة المعيشة فيها، والأعراف والتقاليد الأصيلة المرحبة بالغريب؛ فإن هناك فرصا واعدة لهذا القطاع، فضلاً عن أن تنميته تقود تنمية قطاعات أخرى خدمية وإنتاجية، فكلما زاد عدد السياح، ومدة إقامتهم، وإنفاقهم، كلما انتعش دخل البلاد، وتحفزت إلى مزيد من التطوير. من ناحية أخرى، كان هذا القطاع من أكثر القطاعات تضررًا من جائحة كورونا، بتوقف حركة الطيران والإجراءات الاحترازية، على الرغم من أنه قبل الجائحة مباشرة، أمكنه تنفيذ استراتيجيته الأولى، برفع إسهامه في الناتج المحلي الإجمالي من 4.6% إلى 7%.

 

وتستهدف الاستراتيجية الجديدة، إبراز مكانة البحرين كمركز سياحي عالمي، وأن يبلغ هذا الإسهام 11.4% في 2026. ويتحقق هذا الرقم باستهداف وصول عدد الزائرين للمملكة إلى 14.1 مليون زائر، وأن يبلغ إنفاق الزائر 74.8 دينار، وأن يرتفع متوسط عدد الليالي السياحية إلى 3.5 أيام. ويترتب على ذلك أن يبلغ إنفاق السياحة الوافدة 2 مليار دينار. وتتحقق هذه المستهدفات عبر سياسات: (تسهيل الدخول، وتنويع وتطوير عناصر الجذب السياحي، وتعزيز مقومات الإقامة السياحية ومتطلباتها، والتسويق والترويج لمواهب البحرين السياحية في مجالات السياحة المختلفة الترفيهية والعلاجية والثقافية والرياضية وسياحة الأعمال والأنشطة البحرية وسياحة الإعلام والأفلام السينمائية). ويتم هذا التسويق في الأسواق العالمية الرئيسية المستهدف جذب السياح منها، بالاعتماد على شركة طيران الخليج، ووكلاء السفر والسياحة الموثوقين في الأسواق المستهدفة.

 

ولتنفيذ هذه الاستراتيجية، وقعت «هيئة البحرين للسياحة والمعارض»، 72 اتفاقية مع وكلاء السفر حول العالم، وأطلقت حملات ترويجية في 16 دولة، من بينها 9 أسواق سياحية تدخلها البحرين أول مرة. وفي السنة الأولى 2022، أطلقت الهيئة، برنامجا متكاملا يتضمن عددا من الفعاليات المحلية والإقليمية والدولية، من بينها مهرجان البحرين للطعام، ومهرجان ذهب المنامة، فضلاً عن «الفورمولا 1».

 

وينعكس تنفيذ هذه السياسات على قطاعات أخرى، في مقدمتها قطاع البناء والتشييد، الذي ينشط وراءه عددا كبيرا من المجالات، كالخدمات الهندسية، وصناعة وتجارة مواد البناء، والنقل وخدمات الأعمال. ويبرز هنا، مشروعات «مركز البحرين الدولي للمعارض والمؤتمرات في الصخير»، و«واجهة الغوص البحرية»، و«مشروع شاطئ الخليج البحرين»، و«الواجهة البحرية لساحل قلالي»، و«فندق ومنتجع مناتيس في جزر حوار»، و«منتجع جميرا خليج البحرين»، و«المدينة السياحية وتطوير بلاج الجزائر»، و«مشروع سعادة»، كما ينعكس هذا التنفيذ على قطاع الثقافة، حيث جرى تدشين مسرح الدانة، الذي تقام عليه العديد من الفعاليات الثقافية والترفيهية.

 

كما ينعكس هذا التنفيذ أيضا على تعزيز قدرة البحرين على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث احتل قطاع السياحة المرتبة الرابعة في استقبال هذه الاستثمارات، بعد قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والقطاع الصناعي، وقطاع النقل والخدمات اللوجيستية، واستحوذ على 10% من هذه الاستثمارات. وفي عام 2020 جاءت البحرين الأولى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في استقطاب الاستثمارات السياحية، بنحو 492 مليون دولار، كما احتلت نفس المرتبة في خلق الوظائف في القطاع السياحي، وعدد مشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاع. وساعد في تدفق هذه الاستثمارات عوامل عديدة على رأسها: معدل صفر ضرائب شركات، 100% ملكية أجنبية، انخفاض التكلفة التشغيلية، وجود قوة عمالة محلية ماهرة، والتوجه الحكومي إلى تعزيز كفاءة هذه العمالة. وإذا كان قطاع السياحة البحريني يوفر نحو 15 ألف وظيفة، فإن الاستراتيجية الجديدة تسعى إلى زيادة نسبة وجود العمالة البحرينية في هذه الوظائف عن النسبة الحالية، التي لا تزيد على 22% بالقضاء على ظاهرة عزوف هذه العمالة عن العمل في هذا القطاع، وتغيير نظرة المجتمع إلى نظرة مشجعة.

 

أما (استراتيجية قطاع الصناعة 2022 – 2026)، فهي ترتكز على دعم تحول هذا القطاع نحو الثورة الصناعية الرابعة، وتقليص الانبعاثات الكربونية، والحوكمة البيئية والاجتماعية، وتشجيع الاستثمار في البنية التحتية التكنولوجية، ورقمنة التصنيع، وزيادة كفاءة سلاسل الإمداد والتوريد عبر تكامل الصناعات الخليجية. ويشمل تنفيذ هذه الاستراتيجية مشروعات في قطاعي الألمونيوم والبتروكيماويات، والطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر والأزرق، بما يدعم التزام المملكة بالوصول إلى الحياد الكربوني بحلول 2060، إلى جانب الصناعات الغذائية والدوائية والإلكترونيات الدقيقة.

 

وفيما تتوجه «رؤية البحرين الاقتصادية 2030»، إلى قيام القطاع الخاص بالنشاط الاقتصادي، وأن دور الحكومة، هو ناظم ومنسق ومشرع ومسهل ومقيم للبنية التحتية؛ فإن محاور هذه الاستراتيجية الخمس تشمل: «تعزيز الصناعات الوطنية، الاستثمار في البنية التحتية، تحسين تجربة المستثمر، توجيه البحرينيين مهنيًا، وتحديث القوانين والتشريعات.

 

ويتضمن محور تعزيز الصناعات الوطنية عدة مبادرات في مقدمتها، «زيادة التشبيك بين الصناعات الصغيرة والمتوسطة والمصانع الكبرى، وزيادة كفاءة سلاسل التوريد، وتطوير علامة «صنع في البحرين»، بزيادة نسبة المكون المحلي والعمالة المحلية، وإطلاق جائزة التفوق الصناعي، ودعم التكامل بين الصناعات». ويستهدف محور توفير البنية التحتية؛ «زيادة رقعة المناطق الصناعية ضمن المشاريع الاستراتيجية الكبرى، كمنطقة الصناعات التحويلية ومنطقة التجارة الأمريكية، وتزويد البنية التحتية بالغاز والكهرباء والماء والصرف الصحي، وزيادة كفاءة التفتيش والرقابة باستخدام الأقمار الصناعية، وتشجيع المصانع على الاستثمار في الطاقة المتجددة والحلول الصديقة للبيئة، وتأسيس مركز الابتكار الصناعي لدعم التحول إلى تكنولوجيات الثورة الصناعية الرابعة». أما الثالث، تحسين تجربة المستثمرين، فيعمل على «إعادة هندسة إجراءات الخدمات الصناعية وتبسيطها، من خلال دمج بعض العمليات أو إلغائها، وإعداد دليل موحد لتسهيل الحصول على التراخيص، وإطلاق نظام إلكتروني موحد للخدمات الصناعية، وتسهيل إجراءات الدخول والإقامة للمستثمرين». ويركز الرابع على زيادة القدرات المهنية للعمالة البحرينية، بالتعاون مع المؤسسات التعليمية والتدريبية، وتدشين برامج تحفيز لتوظيف العمالة في القطاع الصناعي. ويلبي الخامس التطوير التشريعي، «احتياجات التكامل الخليجي عبر قوانين موحدة، وتطوير التشريعات القائمة لتلبي الاحتياجات الجديدة للقطاع الصناعي، واستحداث أحكام وقواعد منشأ خليجية، تعزز التكامل الصناعي، ومراجعة قانون إنشاء المناطق الصناعية، واستحداث تصنيف عمراني خاص بها».

 

وتستهدف الاستراتيجية الجديدة رفع نسبة البحرنة في القطاع الصناعي من 23% في 2019، إلى 25.3% في 2026، من إجمالي عمالة بلغ نحو 59 ألفا في 2019، و65 ألفا في 2026، كما تستهدف زيادة قيمة الناتج المحلي الإجمالي للصناعة من 1.865 مليار دينار في 2019 إلى 2.544 مليار دينار في 2026، ورفع نسبة مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة من 12.8% في 2019 إلى 14.5% في 2026، ورفع قيمة صادرات القطاع الصناعي من 2.168 مليار دينار في 2019 إلى 2.475 مليار دينار في 2026، ورفع نسبة صادرات القطاع الصناعي (استخراجي وتحويلي) من إجمالي الصادرات الوطنية من 70.1% في 2019 إلى 80.1 في 2026. ويخدم تنفيذ «استراتيجية قطاع الصناعة 2022–2026»، عددا من المشروعات الكبرى في البنية التحتية الصناعية، وهي «المنطقة التجارية الأمريكية»، و«منطقة فشت العظم»، و«منطقة الصناعات التحويلية في قطاع الألومونيوم»، و«تزويد شرق مدينة سلمان الصناعية وجنوب الحد الصناعية بالبنية التحتية»، ويزيد إجمالي تكلفة هذه المشروعات على 125 مليون دينار.

 

وتأتي (استراتيجية قطاع الاتصالات 2022–2026)، وهو القطاع الأسرع نموًا، تقود التحول الرقمي للاقتصاد البحريني، وتبني على النجاح الذي حققه وبرز أثناء جائحة كورونا من خلال نمو التجارة الإلكترونية والمدفوعات والخدمات الإلكترونية عن بعد، وتسعى إلى تحسين مكانة البحرين في مؤشر المشاركة الإلكترونية في تقرير الأمم المتحدة للحكومة الإلكترونية، منطلقة إلى تحقيق أربعة أهداف رئيسية هي: «تعزيز كفاءة الخدمات الحكومية عبر التحول الإلكتروني للخدمات- التوسع في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في إيجاد طرق مبتكرة في تقديم الخدمات الحكومية - رقمنة الوثائق والمستندات الحكومية والتحول الإلكتروني للمدفوعات - تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص في تطوير أداء الخدمات الحكومية.

 

وتتضمن الاستراتيجية أربع محاور رئيسية تشمل: «تطوير البنية التحتية للاتصالات- دعم الاقتصاد الرقمي- تعزيز الحوكمة الإلكترونية- تطوير القدرات الرقمية». وفيما تعزز هذه الاستراتيجية الأمن السيبراني البحريني، وتواجه الجرائم السيبرانية؛ فإنها تسعى إلى زيادة نسبة تغطية الشبكة الوطنية للنطاق العريض لجميع أنحاء المملكة بنسبة 100% بحلول 2026، وزيادة عدد الشركات الناشئة في قطاع تقنية المعلومات بنسبة 20%، ورفع نسبة الكوادر الوطنية في القطاع من 30% إلى 35%، وبناء القدرات البشرية الوطنية في الأمن السيبراني من خلال توعية وتدريب 20 ألف مواطن، وأتمتة ما لا يقل عن 200 خدمة حكومية. وتعزز كل هذه الأمور، التنافسية الدولية للاقتصاد البحريني، وتحسن مكانة المملكة في مؤشرات سهولة الأعمال، حيث سيكون لدى مختلف الجهات العامة والخاصة من خلال تطوير منصة البيانات المفتوحة، كل البيانات اللازمة التي تساعد في عملية صنع القرار.

 

أما قطاع الخدمات المالية الذي تميزت به مملكة البحرين إقليميًا وعالميًا، والذي كثيرًا ما نافس القطاع النفطي على المركز الأول من حيث المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي، فقد تمثلت أولوياته في (استراتيجيته 2022 – 2026) في خلق فرص عمل نوعية للمواطنين، وتطوير الأسواق المالية، وتطوير التشريعات والسياسات، وتطوير قطاع التأمين، وتطوير الخدمات المالية والتكنولوجيا المالية مستهدفًا زيادة حصة محفظة تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى 20% من محفظة التمويل المجمعة المحلية لبنوك التجزئة التجارية، وإدراج 5 شركات واعدة على سوق البحرين الاستثماري، وخفض التداول النقدي الورقي بنسبة 25%، ونمو سنوي لعدد التحويلات المالية الإلكترونية بما لا يقل عن 10%، ومساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي في حدود 20% والتطلع إلى زيادتها إلى 25%، ومساهمة قطاع التأمين 8%، وتوفير3 آلاف فرصة تدريبية للعمالة الوطنية.

 

والاستراتيجية الخامسة هي (استراتيجية قطاع الخدمات اللوجستية 2022– 2026) وتستهدف تعزيز مكانة البحرين التجارية، برفع كمية الشحن في الميناء إلى مليون حاوية، والنقل الجوي إلى مليون طن متري بحلول 2030، وزيادة عدد الوجهات الجوية إلى أكثر من 70 وجهة بحلول 2025، وجعل البحرين ضمن الأفضل ثلاثة إقليميًا وعشرين عالميًا، وزيادة المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 10% بحلول 2030.

 

ويتواكب مع تنفيذ هذه الاستراتيجيات الخمسة ويخدمها تنفيذ حزمة من المشاريع الكبرى بقيمة تتجاوز 30 مليار دولار أمريكي، في مجالات التنمية العمرانية والإسكان والبنية التحتية، والصحة والتعليم والمواصلات والسياحة والشباب والرياضة، فضلا عن أربع مبادرات لتطوير الخدمات الحكومية: «توثيق ونشر إجراءات الخدمات الحكومية على موقع بوابة الحكومة الإلكترونية- مبادرة تقييم المتسوق السري، لتقييم تجربة المواطنين والمقيمين في الحصول على الخدمات الحكومية عبر عملاء سريين مؤهلين لإجراء عملية التقييم- مبادرة تقييم الموظفين في المكاتب الأمامية المتصلة بالمواطنين والمقيمين- دراسة إعادة هندسة إجراءات بعض الخدمات الحكومية الأكثر عرضة للشكاوى».

 

على العموم، تشكل الاستراتيجيات الخمس والمشروعات الكبرى التي تم إعلانها ، والمبادرات الحكومية، معًا معالم خطة وبرنامج عمل الحكومة في الفترة القادمة، التزامًا بدورها الرئيسي كما رسمته رؤية البحرين الاقتصادية 2030، كناظم ومنسق ومشرع ومسهل لعمل القطاع الخاص الذي يتولى النشاط الاقتصادي، مستهدفة تحقيق الاستقرار المالي بحلول 2024، وتحقيق معدل نمو للناتج المحلي الإجمالي غير النفطي 5% سنويًا، واستقطاب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تضع المملكة على نفس المسار التكنولوجي لدول العالم المتقدمة، مستفيدة من إمكاناتها التي لم تستثمر بعد.

{ انتهى  }
bottom of page