top of page

24/3/2022

ما وراء الانقسام الغربي حول حظر الطيران فوق أوكرانيا

أدى التصعيد المستمر للعنف والوسائل التي استخدمتها روسيا أثناء غزوها لأوكرانيا؛ بما في ذلك القصف العشوائي، وتجاهل التمييز بين المقاتلين والمدنيين، إلى حث الدول الغربية على زيادة مساعدتها لكييف، وكذلك تثبيط قدرات «موسكو» على التقدم عسكريا. وكان المقترح الأبرز في هذا الشأن، إنشاء «منطقة حظر طيران»، من قبل «واشنطن»، وحلفائها في «الناتو»، إلا أن المخاطرة بحدوث مواجهة عسكرية مباشرة بين الغرب وروسيا، كانت سببا في رفض هذه الفكرة.

 

وفي الأيام التي أعقبت الغزو مباشرة، حث الرئيس الأوكراني، «زيلينسكي»، الولايات المتحدة على فرض «حظر طيران»، فوق «المدن الرئيسية» في البلاد. ودعا أعضاء «الناتو» إلى فرضه، بما فيها مخاطبة «مجلس العموم البريطاني». وفي 8 مارس 2022. تحدث عن ضرورة قيام الدول الغربية ببذل المزيد «لضمان سلامة سماء أوكرانيا». وفي 15 مارس، دعا البرلمان الكندي، إلى فرض حظر طيران ووقف «محاولة موسكو إبادة الشعب الأوكراني»، سائلا «كم عدد صواريخ كروز التي يجب أن تسقط على مدننا حتى يتحقق ذلك؟». وعند مخاطبة أعضاء «الكونجرس» الأمريكي، في 16 مارس، دعا إلى تفعيل هذا المقترح». وعلى الرغم من المناشدات المباشرة للمساعدة، إلا أن القادة الغربيين رفضوا حتى الآن هذه الفكرة، الأمر الذي انتقده الرئيس الأوكراني، باعتباره دليلا على «الضعف»، و«الانقسام الغربي».

 

ولفهم سبب رفض إنشاء منطقة حظر طيران، من المهم أن نفهم ما سيترتب على ذلك. وأوضحت «نانسي يوسف»، في صحيفة «وول ستريت جورنال»، أن هذا من شأنه «تقييد المجال الجوي» فوق بلد ما، وحظر الطائرات من «التحليق فوق منطقة محددة». و«بتطبيقه إلى أقصى حد، لن يتضمن حظر الطيران فحسب، بل سيشمل الصواريخ أيضًا». وأشارت «أولغا أوليكر»، و«مايكل حنا»، و«بريان فينوكين»، من «مجموعة الأزمات الدولية»، إلى أن هذا الإجراء يعني «إطلاق النار على الطائرات المعادية في حالة تحليقها»، وكذلك «الطائرات التي من المحتمل أن تهاجم وهي ما زالت على الأرض، والمطارات التي تقلع منها تلك الطائرات»، و«البنية التحتية الداعمة الأخرى».

 

وعلى الرغم من أن هذا الإجراء يتم على مستوى الحياة المدنية في الدول الغربية؛ لضمان الأمن في أوقات الأحداث الكبرى وحول المباني المهمة؛ إلا أن استخدامه في هذا السياق العسكري، أكثر تعقيدًا من الناحية الجيوسياسية. ولكي تكون مناطق الحظر، وسيلة ردع فعالة؛ تتطلب تسيير دوريات جوية مستمرة، وتوفير معدات مراقبة كافية، ودعم لوجستي كبير، فضلاً عن وجود رادع عسكري موثوق به، مثل الطائرات المقاتلة الهجومية والصواريخ المضادة للطائرات، والدفاعات المضادة للصواريخ؛ لإسقاط الدخلاء غير المصرح لهم.

 

ويأتي مقترح فرض حظر الطيران في أوكرانيا، استنادا إلى استخدامات سابقة في العديد من النزاعات من قبل «واشنطن»، وحلف «الناتو». وأوضحت «يوسف»، أن «مناطق حظر الطيران الحديثة، ظهرت لأول مرة في التسعينيات»، عندما أقامت الولايات المتحدة وحلفاؤها منطقتي حظر طيران على «العراق»، وعلى «البوسنة»، خلال حروب يوغوسلافيا. وفي الحالة الأولى، نفذت القوات أكثر من 300000 طلعة جوية للحفاظ على سلامة هذه المناطق بين عامي 1996 و2001. وفي عام 2011 فرض «الناتو»، منطقة حظر طيران فوق «ليبيا»، لمنع الضربات الجوية الانتقامية من قبل نظام القذافي ضد المتمردين.

 

ومن الأمثلة البارزة التي يمكن مقارنتها بالمثال الأوكراني، لمناقشة فرض حظر جوي غربي من دون تنفيذه، هي «سوريا» في السنوات الأولى من حربها الأهلية. ومع تصاعد الحرب الأهلية في البلاد واستخدام الطائرات لضرب قوات المعارضة، اقترحت «إدارة أوباما»، فرض حظر طيران لحماية المدنيين من الهجوم. وكما أوضحت «أوليكر»، و«حنا»، و«فينوكين»، فإنه «لم يتم تنفيذ هذه المقترحات»، حيث «لم يعتقد المسؤولون أن هذا الإجراء سيحمي المدنيين»، ورأوا أن ذلك «يتطلب من القوات الأمريكية» -كما صرح أوباما نفسه- «الاستيلاء عسكريًا على جزء كبير» من سوريا.

 

وعلى الرغم من وجود أوجه تشابه في الصورة العسكرية بين «سوريا»، و«أوكرانيا»، إلا أن الدعم الكبير الذي قدمه الغرب لإنشاء منطقة حظر طيران كاملة أو جزئية فوق الأراضي الأوكرانية اكتسب قوة منذ بدء الغزو الروسي. ومن بين المؤيدين للفكرة «جورج جولوان»، و«فيليب بريدلوف» القائدين السابقين لحلف «الناتو»، بالإضافة إلى النائب الجمهوري، «آدم كينزينجر»، والسناتور «روجر ويكر»، والديمقراطي «جو مانشين»، داخل الكونجرس الأمريكي.

 

وبالفعل، وقع مجموعة من المؤيدين لهذا الاقتراح، وعددهم 27 خبيرا في الشؤون الخارجية، رسالة إلى الرئيس الأمريكي، «بايدن»، يطالبون فيها «الناتو»، بـ«فرض منطقة حظر طيران محدودة فوق أوكرانيا»؛ لضمان أمن «ممرات للمساعدات الإنسانية». وأضافت الرسالة، أنه «بينما يجب أن يتم التوضيح لروسيا، أن الغرب لا «يسعى إلى مواجهة مباشرة مع قواتها»، يجب أن يكون الناتو حازمًا أيضًا «في عدم قبول هجماتها على المناطق المدنية». ومن بين هؤلاء «ستيفن بلانك»، من «معهد أبحاث السياسة الخارجية»، و«لاري دايموند»، من «معهد هوفر»، و«بولا دوبريانسكي»، وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية السابقة للشؤون العالمية بإدارة «بوش»، و«شيلبي مجيد»، من «المجلس الأطلسي»، و«هيرمان بيرشنر»، من «مجلس السياسة الخارجية الأمريكية».

 

وفي تأييد لهذا المقترح، كتب «توم إندرز»، من «المجلس الألماني للعلاقات الخارجية»، إن على الناتو «التزام أخلاقي وعملي لحماية الأجواء القريبة من حدوده»، وأن إنشاء منطقة حظر طيران فوق غرب أوكرانيا، «ليس ممكنًا فحسب؛ بل ضروريا». وإدراكًا منه أن هذا الإجراء، «لن يكون مكلفا فحسب»، ولكن أيضًا «ستعتبره موسكو بمثابة مواجهة»، فقد أوصى بدلا من ذلك، «بإغلاق المجال الجوي الأوكراني أمام المقاتلات الروسية بالقرب من الحدود الشرقية لحلف الناتو»، عبر وضع صواريخ مضادة للطائرات وطائرات مقاتلة بقواعد في بولندا، ورومانيا، والمجر، وسلوفاكيا. وبالمثل، رأى «فريدريك كيمبي»، من «المجلس الأطلسي»، أن «الخيار الوحيد المسؤول بالنسبة إلى الغرب، هو القيام بفرض «حظر جزئي فوق المناطق الواقعة في غرب أوكرانيا»، حيث اعتبره «ضرورة إنسانية».

 

ويحظى الاقتراح أيضًا بتأييد داخل الولايات المتحدة. وأظهر استطلاع للرأي أجرته «وكالة رويترز»، وشركة «إيبسوس» للأبحاث في أوائل مارس2022. أن 74% من الأمريكيين، يعتقدون أن «واشنطن»، و«الناتو»، يجب أن ينفذا منطقة حظر طيران في أوكرانيا. ومع ذلك، وجد استطلاع شركة «يوجوف»، في نفس الفترة، أن 28% فقط من البريطانيين يؤيدونها، بينما 39% يعارضون الفكرة.

 

وتعكس الإحصائية الأخيرة «انقسامًا واضحًا» داخل الرأي العام وتحليلات الخبراء، حول مخاطر تنفيذ «الناتو»، لمثل هذا الإجراء. وصرحت «أوليكر»، و«حنا»، و«فينوكين»، أنه «لكي نكون واضحين للغاية، فإن منطقة حظر طيران أمريكية فوق أوكرانيا ستستلزم مواجهة عسكرية مباشرة مع روسيا». ومرددين ما قالته «جين ساكي، السكرتيرة الصحفية لإدارة بايدن: «سيعني ذلك إسقاط الجيش الأمريكي الطائرات الروسية»، في خطوة ستكون «تصعيدية، ومن المحتمل أن تضعنا في صراع عسكري مع روسيا».

 

وقبل غزوه، حذر الرئيس الروسي من أنه في حال تدخل الغرب، فسيواجه عواقب «لم يرها في تاريخه بأكمله». وعلق «ستيفن كيل»، من «صندوق مارشال الألماني»، أنه إذا نفذ «بوتين» تهديده، «فقد تكون العواقب وخيمة بشكل كبير» على الغرب، حيث سيُنظر إليها «على أنه تدخّل مباشر في الصراع». وحذر «زاك بوشامب»، من موقع «فوكس»، من أن منطقة حظر الطيران تنطوي على «مخاطر كبيرة تؤدي إلى حرب نووية»، بين روسيا والغرب. وأشارت «كيلي جريكو»، من «المجلس الأطلسي»، إلى هذه الخطوة باعتبارها، «طريقا للتصعيد»، فضلاً عن أنها «من غير المرجح أن تكون فعالة» في دحض الهجمات الروسية على أوكرانيا.

 

ومع وضع هذه الأسباب في الاعتبار، استبعدت الدول الغربية فرض منطقة حظر طيران في أوكرانيا في الوقت الحالي. ورفض كل من رئيس وزراء المملكة المتحدة، «بوريس جونسون»، والرئيس الأمريكي، «جو بايدن»، هذا الحل. وأصر كذلك «ينس ستولتنبرغ»، الأمين العام لحلف الناتو على أن الحلف «ليس لديه نية للانتقال إلى أوكرانيا، لا على الأرض ولا في المجال الجوي».

 

وعسكريًا، رأى رئيس أركان الدفاع البريطاني، «توني راداكين»، أن منطقة حظر الطيران «لن تساعد» الأوكرانيين؛ لأن «معظم القصف يأتي من المدفعية، وليس من الطائرات». ورأي «أوليكر»، و«حنا»، و«فينوكين»، أنه «ليس من الواضح ما الذي يمكن أن يحققه هذا الإجراء بمفرده»؛ لأن روسيا «لم تستخدم بعد قوتها الجوية بشكل كامل في الحرب»، ومن غير الواضح في هذه المرحلة، ما إذا كان إخراج القوات الجوية الروسية من الصراع سيغير شكل التوازن العسكري العام بين أوكرانيا وروسيا».

 

ومن وجهة نظر مماثلة، أضاف «لورانس فريدمان»، من «كينجز كوليدج لندن»، أن هذه الخطوة ستكون بمثابة «إعلان حرب؛ لكن أيضًا» لحماية المدن الأوكرانية «بطريقة ما يجب أيضًا إنشاؤها»، وافترض «روبرت فارلي»، من «جامعة كنتاكي»، أن أولئك الذين يطالبون بالردع، إما «ليس لديهم فكرة عما يتحدثون عنه»، أو يزعمون المعرفة».

 

ومع استبعاد هذا الاقتراح في الوقت الحالي، يبقى السؤال هو كيف يمكن للغرب مساعدة أوكرانيا، من دون اللجوء إلى العمل العسكري المباشر. وعلق السناتور الجمهوري بمجلس الشيوخ، «روب بورتمان»، بأن «واشنطن»، طالبها الأوكرانيون مباشرة بمزيد من المساعدة العسكرية، خاصة فيما يتعلق بالطائرات، مضيفا «لا أعلم لماذا لم نقم بذلك».

 

وفي هذا الصدد، بحث «زيلينسكي»، مع «الناتو» إمكانية تلقي طائرات نفاثة لمحاربة الطائرات الروسية، على الرغم من أن اقتراحًا من قبل «الاتحاد الأوروبي»، بأن يبدأ الطيارون الأوكرانيون باستخدام طائرات قديمة، قد تلاشى بعد وقت قصير من إعلانه. وحقق الأوكرانيون نجاحات ملحوظة مع طائرات مسيرة تركية الصنع طراز «بيرقدار». ومع ذلك، أشارت صحيفة «فاينانشال تايمز»، إلى أن إعلان نجاحهم ضد المركبات الأرضية الروسية يتناقض مع جهود أنقرة «للتقليل من مبيعات الأسلحة إلى «كييف»؛ خوفًا من «إثارة الغضب الروسي».

 

على العموم، لا تزال احتمالية قيام حلف «الناتو»، بتثبيت منطقة حظر طيران في أوكرانيا، سواء فوق الدولة بأكملها، أو المناطق الواقعة في أقصى الغرب، محدودة في الوقت الحالي. ونظرًا إلى حالة عدم اليقين حول الحرب والصراع، ومع تحول طبيعة هذه الحرب بالفعل من حيث الشكل عدة مرات؛ لا يُمكن استبعاد العمل العسكري المستقبلي من قبل الغرب ضد الغزو الروسي، واتخاذ قرارات أكثر فعالية.

{ انتهى  }
bottom of page