19/3/2022
لماذا تعثرت جهود الوساطة لتسوية الحرب الروسية - الأوكرانية؟.. وجهات نظر غربية
مع استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا والتصعيد المستمر للعنف من كلا الجانبين؛ استمرت الجهود الدولية للتوسط في وقف إطلاق النار، ومحاولة إنهاء الصراع، والتي لم تحقق «تقدما ملموسا»، حتى الآن.
وفي ظل تركيز «واشنطن»، اهتمامها على حشد الإدانات العالمية لروسيا، وتوجيه النظام العالمي ضدها، وبالتالي إدارة ظهرها للمفاوضات؛ حدد «ديفيد سانجر»، و«إريك شميت»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، ثلاث قنوات خلفية منفصلة؛ تهدف إلى تسهيل المفاوضات من أجل وقف إطلاق النار أو التسوية، وبالتحديد تلك التي يتولاها «قادة فرنسا، وإسرائيل، وتركيا»، وانضم إليهم المستشار الألماني، «أولاف شولتز» مؤخرا.
وفي حين أبدى عدد كبير من بلدان العالم، نية موحدة لوقف الحرب، ودعوة كلا الجانبين إلى طاولة المفاوضات، فمن المهم تأكيد أنه حتى الآن لم يُظهر «بوتين»، أي انحراف عن خطته الحالية لاستخدام العمل العسكري لإجبار أوكرانيا على الخضوع لمطالبه. وبينما رحب بقادة من دول مختلفة في موسكو لإجراء محادثات، وتحدث مع آخرين عبر الهاتف والفيديو، فإن المكالمات الدولية المباشرة معه لوقف هذه الحرب لم تؤت ثمارها حتى الآن.
وفي الأسابيع التي أعقبت الغزو، ظهرت إسرائيل كوسيط رئيسي بين موسكو وكييف، مستغلة امتلاك علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، وروسيا، وأوكرانيا، لتصبح أبرز قناة اتصال خارجية بينهم. ومنذ بدء الأعمال العدائية، قامت بعملية موازنة دقيقة بين مصالحها المتباينة في دعم موقف حليفها الأمريكي، وتجنب استعداء روسيا. وأوضح «جيرالد فيرستين»، من «معهد الشرق الأوسط» أن إسرائيل لم ترغب، مثل دول الشرق الأوسط الأخرى، في أن يتم «الضغط عليها لاختيار أحد الجانبين، سواء واشنطن، نظرًا إلى الشراكة التاريخية بينهما، أو موسكو في ظل العلاقات الاقتصادية والسياسية المتنامية معها». وبعد أن دعمت في النهاية قرارًا للأمم المتحدة يدين الغزو الروسي، أبدت «استعدادها للمساهمة في الجهود الدبلوماسية إذا طُلب ذلك». وبالفعل، سافر «بينيت»، إلى موسكو يوم 5 مارس للقاء «بوتين»، بعد مناقشات مسبقة مع القادة الأوروبيين.
ووفقًا لـ«نيري زيلبر»، من «عهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، فإن زيارة «بينيت»؛ التي كانت بهدف «التخفيف من العدوان، والحفاظ على المصالح الإسرائيلية في الشرق الأوسط، ومصالح الجالية اليهودية في أوكرانيا»؛ لم تحرز تقدمًا رغم الاستقبال الحار. وشكك «برنارد أفيشاي»، من كلية «دارتموث»، في قدرته على مساعدة الطرفين في التوصل إلى حل وسط، موضحًا أن استمرار إسرائيل في حالة «شبه محايدة بشأن الغزو»، يعني أنها لا يمكنها سوى «إعطاء زيلينسكي الفرصة للتعبير عن يأسه». وأشار «بينيت» إلى الفائدة المحدودة لمحاولة التواصل تلك، معترفا بأن فرص نجاحها «ليست كبيرة»، لكنه أكد أن حكومته لديها «التزام أخلاقي»، بمواصلة الجهود للتوصل إلى حل سلمي.
من جانب آخر، تحاول «تركيا»، التوسط في هذا الصراع، حيث تملك علاقة معقدة مع كل من روسيا، وأوكرانيا. وقد سجلت الطائرات المسيرة التي يستخدمها الأوكرانيون انتصارات ملحوظة ضد المركبات الروسية. وفي محاولاتها للعب دور الوسيط، دعا الرئيس «رجب طيب أردوجان»، إلى وقف إطلاق النار، وعرض استضافة مفاوضات بين «بوتين»، و«زيلينسكي». وتعاونت حكومته مع إسرائيل في العمل لتسهيل المفاوضات.
وكان التأثير الأبرز لهذه المحاولات يوم 10 مارس2022. حيث استضافت «أنقرة»، اجتماعا بين وزير الخارجية الروسي، «سيرجي لافروف»، ونظيره الأوكراني، «دميترو كوليبا»، في أعلى اجتماع بين مسؤولين من الجانبين منذ بدأ الغزو. وفي حين أن بدء المحادثات يعد تقدما مهما، إلا أن الوصول إلى حل، هو مسألة مختلفة تمامًا. وأشار «ألكسندر كلاكسون»، في موقع «مودرن دبلوماسي»، إلى أن هذه المحادثات «لم تحقق أي نتائج ذات مغزى».
وفي الغرب، دعت كل من «فرنسا»، و«ألمانيا»، إلى عقد المحادثات مع روسيا، بينما قطعت الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، الاتصال الدبلوماسي معها في أعقاب الغزو مباشرة. وتعهدت وزيرة الخارجية البريطانية، «ليز تروس»، بعدم التفاوض معها حتى يسحب «بوتين»، جميع قواته من أوكرانيا. وبالتالي، فمن المستبعد وجود أي محادثات بين كلتا الدولتين في ظل استمرار الغزو.
وفي ضوء غياب الدبلوماسية الأمريكية والبريطانية، واصل الرئيس الفرنسي، «ماكرون»، قيادة جهود الوساطة الأوروبية، والتي لم تنجح. وأفادت قناة «فرانس 24»، أنه في حين فشلت جهود «ماكرون» الدبلوماسية لمنع الحرب، فإنه «لن يستسلم»، مشيرة إلى «تقليد فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية المتمثل في شق طريقها الجيوسياسي الخاص»، وكذلك «رفضها اتباع الولايات المتحدة بشكل أعمى»، كأسباب لهذا الإيمان الراسخ بالدبلوماسية، وقدرتها على جلب روسيا إلى طاولة الحوار.
وعلق «بنجامين حداد»، من «المجلس الأطلسي»، بأن «ماكرون»، يُبقي القنوات الدبلوماسية مفتوحة للغرب، «في حال رغب بوتين وقف التصعيد والبحث عن مخرج من هذه الأزمة». وفي إدراك لتأكيدات موسكو الكاذبة في السابق، بشأن عدم التخطيط للغزو؛ أشار «حداد» إلى أن فرنسا «ليست واهمة إطلاقا»، فيما يتعلق بما إذا كان بوتين «سوف يفي بوعوده بشأن أي شيء يعد به». ودافع وزير الخارجية الفرنسي، «جان إيف لودريان»، عن ماكرون، واصفا إياه بأنه «ليس ساذجا» في تعاملاته مع بوتين، وأنه «يعرف أساليبه وشخصيته وطبيعته الساخرة».
وفي غضون ذلك، حاول المستشار الألماني، «أولاف شولتز»، أيضًا إبقاء الباب مفتوحًا للحوار الدبلوماسي مع موسكو، ودعم جهود الوساطة من الدول الأخرى. وأشار «بن كاسبيت»، في موقع «المونيتور»، إلى أن «شولتز»، كان «المحرض الحقيقي» لجهود إسرائيل للتوسط في النزاع، حيث زارها في 3 مارس 2022. وأقنعها بأن تكون وسيطا بين «بوتين»، و«زيلينسكي». كما التقى أيضًا بأردوجان في أنقرة، وأعلن وجود «اتفاق تام»، بين البلدين على ضرورة «وقف إطلاق النار في أقرب وقت ممكن».
بالإضافة إلى ذلك، أرسلت «ألمانيا»، المستشار السابق «جيرهارد شرودر»، الذي يعتبر صديقًا لبوتين، والذي وصفه «ماثيو كارنيتشنيج»، في مجلة «بوليتيكو»، بأنه «تعرض لانتقادات شديدة لرفضه قطع علاقاته الوثيقة مع موسكو - للقاء «بوتين» في أوائل مارس2022. بعد ذلك، التقى أيضًا مع «فلاديمير ميدينسكي»، كبير مفاوضي روسيا في المحادثات مع أوكرانيا، لإجراء «مناقشات طويلة»، كجزء من «مهمة شرودر غير المتوقعة للقيام بدبلوماسية مكوكية». ومع ذلك، فإن جهود شرودر لم تسفر إلا عن القليل.
ومع توقف الجهود الغربية، أشار المحللون إلى المستشارة الألمانية السابقة، «أنجيلا ميركل»، كجهد فردي للوصول إلى بوتين. واستشهدت صحيفة «التليجراف»، بالأكاديمي الروسي، «أندريه كورتونوف»، بأنه «أول من اقترح»، أن تعمل «ميركل» كوسيط بين الغرب وبوتين. وذلك في ظل تفاوضها معه بنجاح سابقًا، بشأن وقف إطلاق النار في شرق أوكرانيا عام 2015.
من ناحية أخرى أشار المراقبون الغربيون، إلى «الصين»، و«الهند»، باعتبارهما الفاعلين الأكثر احتمالاً لإقناع «بوتين» بوقف الحرب. ومع ذلك، نظرًا إلى العلاقات الاقتصادية والأمنية الوثيقة بين هذه الدول وموسكو؛ فمن غير المُنتظر اتخاذ إجراء دبلوماسي قوي من أي منهما. وسعت الصين، إلى النأي بنفسها عن اتخاذ أي إجراءات. وأوضح «ستيفن مايرز»، و«كريس باكلي»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، أنه «بعد استجابة أولية مشوشة؛ تضع بكين الآن اللبنات الأساسية لاستراتيجية حماية نفسها من أسوأ العواقب الاقتصادية والدبلوماسية التي قد تواجهها من وراء دعم موسكو ضمنيا». وأشار الباحثان أيضًا إلى أن الرئيس الصيني «شي جين بينج»، «يتواصل مع القادة الأوروبيين»، حيث أعرب خلال مؤتمر عبر الفيديو مع ماكرون وشولتز، يوم 8 مارس، عن أسفه «لإشعال نيران الحرب»، غير أن الجهود الدبلوماسية الصينية لم تسجل حتى الآن سوى «عروض مُبهمة للمساهمة في التفاوض على تسوية» من بكين.
وتواجه الصين المزيد من الضغوط الدولية للتوسط ووقف تجاوزات بوتين. وأعلن «جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، أن الوسيط الرئيسي «يجب أن يكون الصين»، ووافق «بيتر كوزنيك»، من مركز «ريبونسبل ستيت كرافت»، على أن «بينج»، هو «القائد الوحيد الذي بمقدوره ممارسة نفوذ حقيقي على بوتين». وفي تعليقه على كيفية رؤية 89% من الأمريكيين للصين كمنافس عالمي وأكثر من 70% من المواطنين في اليابان وكندا وألمانيا وهولندا والسويد لديهم وجهات نظر سلبية نحو بكين، أوضح «كوزنيك»، أن هذه الأزمة تتيح لبكين فرصة «لتحسين» سمعتها عالميا.
ومع ذلك، وسط مزاعم بأن الصين بدأت في تزويد روسيا بالأسلحة لاستخدامها في الغزو، حذرت واشنطن من أن بكين ستواجه عواقب من التحالف الغربي، إذا ساندت موسكو بشكل مباشر أو ساعدتها في تجنب العقوبات الدولية. وعقب اجتماع روما الذي جمع «جيك سوليفان»، مستشار الأمن القومي الأمريكي، و«يانغ جيتشي»، كبير مسؤولي السياسة الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني، أوضح «جوليان بورغر»، في صحيفة «الجارديان»، أن المسؤولين الأمريكيين، «خرجوا من الاجتماع متشائمين من تغيير الحكومة الصينية رأيها بشأن دعم موسكو».
وفيما يتعلق بدور «الهند» كوسيط، أشارت «هانا بيترسون»، في صحيفة «الجارديان»، إلى أنه بينما اقترح رئيس الوزراء الهندي، «ناريندرا مودي»، على «بوتين»، إجراء «محادثة مباشرة» مع نظيره الأوكراني، لحل الأزمة بأسرع ما يمكن، إلا أن الهند امتنعت أيضًا عن إدانات الأمم المتحدة لروسيا، لأنها تسعى أيضًا إلى الحد من الأضرار التي تلحق باقتصادها.
وعلى الرغم من كل التخمينات والتحليلات للدول التي من الممكن أن تؤثر في روسيا لوقف غزوها لأوكرانيا؛ تظل حقيقة أن بوتين لم يُظهر أي استعداد للدخول في مفاوضات جادة لإنهاء الصراع. ويحول هذا الواقع، دون الثقة بتصريحاته عن أي تسوية مستقبلية بالنسبة إلى الغرب، طالما ظلت قواته تحتل أوكرانيا. وعلقت «تراس»، أن الروس «لا يمكنهم التفاوض ومسدسهم موجه إلى رأس الأوكرانيين»، كما أن بريطانيا وحلفاءها، لا يمكنهم الوثوق بـ«جهود موسكو المزعومة للتفاوض»، بينما حكمت «ويندي شيرمان»، نائبة وزير الخارجية الأمريكي، أنه لا يوجد دليل على تغيير بوتين لموقفه، ويبقى «عازمًا على تدمير أوكرانيا».
وبدلاً من خفض التصعيد، يبدو أن المشاكل التي واجهتها روسيا في غزوها، قد أدت إلى قيامها بتصعيد العنف والدمار أكثر. وحتى التحول المتمثل في إنشاء ممرات إجلاء آمنة للاجئين الأوكرانيين، والتي وصفها «سانجر»، و«شميت»، بأنها «بارقة أمل»، تحولت إلى «فجر كاذب»، حيث تجاهلت القوات الروسية الاتفاقية، واستمرت في قصف المدن مع سقوط عدد لا يحصى من الضحايا المدنيين. ويسلط هذا التصعيد المستمر، الضوء أيضًا على ما أطلق عليه «سانجر»، و«شميت»، «نهاية مرعبة للحرب بين الناتو وروسيا.
وكتب «توم تاغ»، في مجلة «ذي أتلانتك»، عن مخاطر المزيد من التصعيد والحاجة الملحة لإدارة الأزمات لتلافي ذلك، حيث قال إن الغرب بحاجة إلى إدراك «مخاطر التحرك في وضع أسوأ مما هو قائم بالفعل»، وذلك في الوقت الذي يبدو فيه أن «الحل الدبلوماسي الواقعي الوحيد، هو نوع من إعادة تأكيد الوضع الذي كان قائمًا قبل الحرب، وتأكيدات دبلوماسية من الطرفين»، وهو الحل الذي أشار إليه «بوتين»، بأنه «بات غير نافع لأنه قضى عليه بغزوه»، والسؤال المهم المطروح الآن على القادة الغربيين، هو «كيفية ضمان هزيمة بوتين مع توفير طريق له للخروج من الأزمة».
على العموم، على الرغم من كل الجهود الدبلوماسية للوصول إلى نهاية لهذا الغزو، فمن الواضح أن الدافع لوقف الأعمال العدائية يكمن عند الرئيس الروسي، وطالما رغب في استمرار الحرب في شكلها الحالي، فإنها ستبقى كذلك. ومع مقاومة الأوكرانيين الشديدة ورفضهم الاستسلام للغزو، رأى «كلاكسون»، أن «الحل الدبلوماسي يبدو بعيد المنال حاليا».