18/3/2022
غزو أوكرانيا وتداعياته على الأمن الغذائي في الشرق الأوسط
تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مخاوف أمنية طويلة الأمد فيما يتعلق بالأمن الغذائي. وفي سبتمبر 2021. وصف فريد بلحاج، وآيات سليمان، من البنك الدولي، انعدام الأمن الغذائي، بأنه تحدٍ متزايد للمنطقة. وفي أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي، تزايدت التوقعات بتفاقم هذه المشكلة بشكل كبير، نظرًا إلى أهمية هذين البلدين في الإمداد العالمي للقمح والمنتجات الغذائية الأساسية الأخرى.
وفي إدراك لذلك، علق جوزيف جلوبر، من المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، بأن الحرب في أوكرانيا، يمكن أن تعطل الإنتاج فعلاً، مشيرًا إلى أن القتال يدور في إحدى مناطق سلة الخبز في العالم، ما يثير قلقا خاصا. وأوضحت لي تشن سيم من جامعة خليفة، أن روسيا وأوكرانيا، يشكلان معًا حوالي 25% من سوق القمح العالمي، مشيرة إلى أن القتال في المنطقة له عواقب محتملة على المحاصيل والوصول إلى الموانئ ومحطات تخزين الحبوب، وأسعار الشحن والتأمين، وموسم الزراعة الربيعي.
ووفقًا لـ«مايكل تانتشوم»، من معهد الشرق الأوسط، فإن الحرب قد رفعت الأسعار إلى مستويات لا يمكن تحملها بين عشية وضحاها، بعد أن عطل القتال الصادرات من أوروبا الشرقية، والدليل على ذلك، هو وصول العقود الآجلة للقمح الأمريكي إلى أعلى مستوى لها منذ 14 عامًا في الثالث من مارس، أي بعد أسبوع من الحرب بين روسيا وأوكرانيا. وأشارت فيكتوريا كلسي، من وكالة رويترز، إلى أن روسيا تصّدر أيضًا مغذيات المحاصيل والغاز الطبيعي، وهي موارد حاسمة لإنتاج الأسمدة القائمة على النيتروجين، ما يشكل تهديدًا إضافيًا للأمن الغذائي العالمي.
وبالمثل، أشار باتريك توماس، في صحيفة وول ستريت جورنال، إلى أن الغزو الروسي لأوكرانيا، يمكن أن يؤدي إلى أزمة طويلة الأمد في الإمداد العالمي للأسمدة الزراعية، في ظل ارتفاع أسعار الغاز الذي يهدد بإغلاق المصانع في جميع أنحاء أوروبا. وسلط كل من كريستينا لو، وروبي جرامر، وأنيسة بيزشكي، في مجلة فورين بوليسي، الضوء على الانقطاع في الصادرات بسبب التخلي عن العلاقات التجارية طويلة الأمد، حيث تقوم الشركات بإخراج نفسها من البلاد وسط عقوبات غربية واسعة النطاق. وحذر تانشوم، من أن زيادة التصعيد ووقف جميع صادرات البحر الأسود سيؤدي إلى سحب الإمدادات الروسية من السوق، وهو الأمر الذي قد يكون له تأثير كارثي.
وفي ظل الوضع الحالي، أشار العديد من المحللين إلى مصر باعتبارها من بين أكثر البلدان عرضة للضرر جراء التطورات الأخيرة. وعلق تانتشوم، بأن ارتفاع كلفة واردات القمح لها في أعقاب الصراع، يشكل ضغوطا على اقتصادها. ويعد الإنتاج الزراعي المحلي في مصر غير قادر على توفير إمدادات كافية من الحبوب والزيوت النباتية لسكانها، ما جعلها أكبر مستورد للقمح في العالم، ومن بين أكبر 10 مستوردين لزيت عباد الشمس في العالم. وكما أوضح تانتشوم، فإن القاهرة تعتمد على كميات كبيرة من الواردات المدعومة بشدة لضمان إمدادات كافية وبأسعار معقولة. وبحسب بيانات وكالة «إيه بي كيه» للتحليلات، تمثل روسيا وأوكرانيا حوالي 85% من واردات القمح بالنسبة إليها.
ووفقًا لـ لو، وجرامر، وبيزشكي، كانت الأسواق العالمية بالفعل متوترة، بسبب الوباء والجفاف، ما زاد التضخم في جميع أنحاء العالم. وعلى وجه الخصوص، أدت الأزمة في أوكرانيا إلى تفاقم الضغوط التضخمية الحالية على الغذاء في الشرق الأوسط. وكما أوضح تانتشوم، فإنه حتى قبل الغزو الروسي، وصلت أسعار تلك الواردات إلى مستويات قياسية. وأفاد موقع المونيتور، أن واردات زيت عباد الشمس في الشرق الأوسط يمكن أن تتأثر قريبًا بالهجوم الروسي على أوكرانيا، كما يمكن أن تؤدي زيادة الأسعار إلى تأجيج الاضطرابات في المنطقة. وفعليًا، وصلت الأسعار الآن إلى أعلى مستوياتها منذ ارتفاعها الأخير في عامي 2008 و2012. وهي الفترة الزمنية التي شهدت اضطرابات كبيرة في بعض البلدان الأكثر تضررًا في الشرق الأوسط.
ورغم مشاكل الأمن الاقتصادي والغذائي التي تواجه العديد من دول الشرق الأوسط، فإن اكتناز الصين لإمدادات القمح العالمية، قد أضاف قيودًا إضافية على قدرة العديد من الحكومات لإيجاد حل لهذه المشكلة. وأشار شين واتانابي، وإيكو موناكاتا، في مجلة نيكاي آسيان ريفيو، أن الصين تمكنت من تخزين أكثر من نصف إمدادات الذرة والحبوب الأخرى، على الرغم من أنها تمثل أقل من 20% من سكان دول العالم.
وأوضح ألكسندر كارافايستيف، من مجلس الحبوب الدولي، أن الصين، لديها إعادة تركيز على الأمن الغذائي في العام أو العامين الماضيين. وتُظهر بيانات وزارة الزراعة الأمريكية، أن بكين لديها ما يقرب من 69% من احتياطيات الذرة في العالم في النصف الأول من محصول عام 2022. و60% من الأرز، و51% من القمح.
ولتوضيح حجم المنافسة العالمية على واردات الحبوب، استوردت الصين رقمًا قياسيًا، بلغ 164.5 مليون طن من الحبوب في عام 2021. بزيادة قدرها 18% عن العام السابق. وعند مواجهة مخاوفها الخاصة بالأمن الغذائي -بما في ذلك الانخفاض الهائل في مساحة الأراضي الصالحة للزراعة المتاحة، وتأثير حالة عدم الاستقرار الجيوسياسي- قد تستمر مستويات الاستيراد في الارتفاع في عام 2022.
من ناحية أخرى، حذر تانتشوم، من أن دول الشرق الأوسط لن تكون قادرة على العثور بسهولة على موردين بديلين لهذه السلع؛ نظرًا إلى استحواذ كل من روسيا وأوكرانيا على أسواق الحبوب العالمية، مشيرًا إلى أن الاقتصاد المصري أكثر ثباتًا ماليًا الآن، مما كان عليه في عام 2011. وذلك بفضل اكتشاف حقل ظهر للغاز والجهود الإصلاحية الاقتصادية عام 2016 التي أجريت بالتعاون مع صندوق النقد الدولي. كما أشارت ميريت مبروك، من معهد الشرق الأوسط، إلى أن القاهرة تعمل بهدوء على تنويع مصادر القمح خلال العام الماضي، بما في ذلك من الدول الأوروبية ونظيراتها الإفريقية المجاورة.
ومع وجود موارد اقتصادية أكبر تحت تصرفها، أكد تانتشوم، أن الهيئة العامة للسلع التموينية، بمصر كانت قادرة على المشاركة في جهود استباقية للتخفيف من معضلة الواردات الغذائية حتى قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية. وبدورها، سلطت سارة الصفتي، من وكالة رويترز، الضوء على كيف أن الحكومة الآن تفكر في استبدال دعم الخبز بمدفوعات نقدية للفقراء لحماية الموازنة من ارتفاع أسعار القمح العالمية. وأوضح كل من جوس ترومبيز، ونيجل هانت، من رويترز، أن مصر تخطط لبناء مزيد من صوامع الموانئ وقبول المزيد من مصادر التوريد في عطاءات ومناقصات الاستيراد لزيادة المنافسة. وفي الوقت الحالي، صرحت الحكومة بأن مخزوناتها من القمح هائلة بما يكفي لتستمر مدة 4 أشهر على الأقل.
على العموم، فإنه مع عدم وجود نهاية واضحة للعنف في أوكرانيا، من المقرر أن تستمر الاضطرابات الحالية في الإمدادات الغذائية العالمية على مدار العام، ومن المحتمل أن تواجه العديد من دول الشرق الأوسط تحديات اقتصادية كبرى نتيجة لذلك.
وإذا ما واجه موسم الزراعة الربيعي القادم في أوكرانيا عراقيل، فمن المرجح أن يكون المعروض من القمح محدودًا بشكل كبير على المدى الطويل، حتى لو أعيد تشغيل الموانئ. وإذا انخفضت صادرات الغاز الروسية ومغذيات المحاصيل، إما بشكل مباشر وإما غير مباشر نتيجة للعقوبات الغربية، فقد يتجاوز التضخم إمدادات القمح العالمية، ويبدأ في التأثير في المنتجات الزراعية المهمة الأخرى. وكما لاحظت عبير عطيفة، من برنامج الغذاء العالمي، قد تؤدي الحرب إلى زيادة حالة انعدام الأمن الغذائي، وبالتالي مزيد من الاضطرابات والعنف، ما يسلط الضوء على المخاطر النهائية لهذه الاضطرابات.