3/3/2022
تداعيات انتشار القدرات الصاروخية في الشرق الأوسط
في آخر تطورات سلسلة التصعيدات الإقليمية الجديدة في الخليج، اعترضت الإمارات -بالاشتراك مع الولايات المتحدة- صاروخًا باليستيا، أطلقه الحوثيون عليها في 31 يناير2022. وجاء هذا في أعقاب هجومين آخرين شنتهما الجماعة المتمردة، المدعومة من إيران، ضد أهداف إماراتية يومي 17 و24 يناير 2022 على التوالي، وهو الأمر الذي أعاد قضية انتشار الصواريخ الباليستية في الشرق الأوسط مجددا إلى الواجهة.
ووفقا لـ«حسن البهتيمي»، من «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، فإن «الصواريخ المستخدمة في الهجمات الأخيرة ضد الإمارات، قد لعبت دورًا محوريا فترة طويلة، وهو دور لم يتم دراسته بشكل كاف في ديناميكيات الأمن بالشرق الأوسط». وبالنظر إلى التصعيد السريع خلال الأسابيع الماضية، فإن التقييم الشامل للاتجاهات والتحديات الحالية التي تواجه المنطقة، فيما يتعلق بهذه القضية، أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى، خصوصا في ظل وصول المفاوضات النووية الإيرانية في فيينا إلى مرحلة حاسمة.
وتشكل سرعة انتشار الصواريخ الباليستية في السنوات الأخيرة، «قلقا كبيرا» لعدد من المراقبين الغربيين للشرق الأوسط. ووفقًا لتقرير نشرته مؤسستي «إيران بروجكت»، و«شبكة القيادة الأوروبية»، فقد «انتشرت الصواريخ على نطاق واسع في المنطقة»، وهو أمر يزداد خطورة بوصفه «تحديًا أمنيًا». علاوة على ذلك، فإن الصواريخ تمثل الآن «جزءًا أساسيًا من استراتيجية الردع بالنسبة إلى العديد من الدول». وبالمثل، أكد «أنكيت باندا، من «مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي»، أن «الصواريخ الباليستية التقليدية الدقيقة» تنتشر بسرعة في جميع أنحاء العالم، وتنظر إليها القوى الإقليمية والدول الصغيرة على أنها «أساسية للقدرات العسكرية». وفي تسليط للضوء على مدى انتشارها في الشرق الأوسط، أوضح «البهتيمي»، أن هناك 11 دولة في المنطقة، تمتلك صواريخ باليستية، بمدى يزيد على 250 كيلومترًا، بالإضافة إلى جهتين فاعلتين غير حكوميتين، هما «حزب الله» و«الحوثيون». وبالتالي، فإن «ما يقرب من نصف دول المنطقة، يملك مثل هذه الأسلحة ذات القدرات البعيدة».
ولا يقتصر آثر سباقات التسلح المتعلقة بأنظمة الصواريخ الباليستية على زعزعة الاستقرار فقط. وخلص تقرير نشره «المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية»، أنها أيضًا «تخفض من احتمالية انخراط دول المنطقة في مواجهة عسكرية»؛ لأنها تقلل من احتمال وقوع خسائر في الأرواح بصفوف مستخدميها». وفي تقييم «البهتيمي»، يمكن تقسيم الجهات التي تمتلك صواريخ باليستية في المنطقة إلى مستويين من «القدرات والكفاءات». يتمثل الأول، في الدول التي تتمتع «بقدرات صاروخية متقدمة ومتنوعة»، فضلا عن قدرتها على «الاستفادة من تصميمات مطورة محليًا»، كإيران وإسرائيل.
وبالنسبة إلى إيران، فقد شكل برنامجها الصاروخي، قلقا خاصا، بسبب نطاق عمله وارتباطه بالسياسة الأشمل للبلاد، بما في ذلك شبكة الوكلاء، فضلا عن تطلعاتها النووية. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة وشركاؤها لمنعها من تطوير برامج الصواريخ الخاصة بها، فقد أشار «روبرت أينهورن»، من «معهد بروكينجز»، إلى أنها «تمكنت من الحصول على أكبر القوى الصاروخية وأكثرها تنوعًا» في المنطقة، كما أن ترسانتها من الصواريخ الباليستية، تشكل عنصرًا «لا يتجزأ ولا غنى عنه» من مكونات استراتيجيتها».
وفيما يتعلق بالمستوى الثاني، والذي توجد به الدول ذات «القدرة المحلية المحدودة»، حذر «البهتيمي»، من أن العديد من هذه الدول، تمتلك «قدرات معتبرة»، مشيرا إلى أن تركيا هي واحدة من الدول الأكثر تقدمًا في إطار هذا المستوى، وهي بصدد «تطوير عدة صواريخ باليستية محلية قصيرة المدى»، كما صنف دول الخليج، ضمن هذا المستوى، مشيرا إلى امتلاك السعودية لصواريخ باليستية صينية، بالإضافة إلى امتلاك البحرين وقطر والإمارات والكويت «لترسانات صواريخ باليستية صغيرة من صنع دول مختلفة»، من ضمنها الولايات المتحدة.
ومن بين دول مجلس التعاون الخليجي، يُعتقد أن برنامج الصواريخ السعودي هو «الأكثر تقدمًا». وأشار تقرير حديث لشبكة «سي إن إن»، إلى أن المملكة قادرة الآن على تصنيع صواريخها الباليستية المحلية. وبهذا الصدد، أوضح «باندا»، أن هذا التطور قد «يمثل أيضًا عنصرًا من استراتيجية تحوطية» ضد إيران، في ظل عدم اليقين المحيط بمفاوضاتها النووية الجارية.
وكما أُشير سابقًا، فإن استعداد إيران لتزويد وكلائها، مثل «حزب الله»، و«الحوثيين»، ببعض أنظمة الأسلحة المنتجة محليًا، يمثل خطرًا كبيرًا، سيؤدي إلى مزيد من انتشار الصواريخ الباليستية في المنطقة. ولتوضيح مدى القدرات التي يمتلكها كلا الكيانين؛ اعتبر «مشروع الدفاع الصاروخي»، التابع لـ«مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، أن حزب الله، هو «القوة غير النظامية الأكثر تسليحًا» في العالم، حيث يمتلك «كميات هائلة» من الصواريخ والقذائف خلال العقود العديدة الماضية من طهران.
علاوة على ذلك، أشار كل من «سيث جونز»، و«جاريد طومسون»، و«دانييل نجو»، و«بريان ماكسورلي»، و«جوزيف بيرموديز»، من «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية»، إلى أن «حزب الله، قام بلعب دور حاسم في توفير الأسلحة والتكنولوجيا وكل أنواع التدريب الأخرى للحوثيين، ما يؤكد قوته وقدرته على العمل بشكل مستقل كمورد أو مهرب للأسلحة في المنطقة». ولتكرار هجمات الحوثيين، استنتج «مايكل نايتس»، من «معهد واشنطن»، أن تلك الجماعة المتمردة، «طورت صناعات عسكرية صغيرة أثبتت مدى فاعليتها في كل من صنعاء وصعدة.
ونظرًا إلى ضخامة الحجم الحالي لبرامج التسلح في منطقة الخليج، فقد سلط العديد من المحللين الضوء على المخاطر الأمنية المتعلقة بهذا السباق، وضرورة التصدي له عبر التركيز على تعزيز مبادرات عدم الانتشار ونزع الأسلحة ذات الخطورة. وركزت معظم التعليقات على ضرورة اتباع نهج إقليمي متعدد الأطراف لمكافحة انتشار الأسلحة إلى الجهات غير النظامية؛ بسبب الإخفاقات والنتائج السلبية التي نتجت عن المساعي الأحادية في هذا الصدد. وعلى سبيل المثال، عند تقييم محاولات الولايات المتحدة لإبطاء أو عرقلة «وتيرة إدخال تكنولوجيا تصنيع الصواريخ داخل المنطقة»، أكد «جيفري لويس»، من «مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار»، أن «الضغوط الأمريكية لمواجهة هذا التحدي كانت «غير متسقة وغير متكافئة»، حيث إن المخاوف المتعلقة بقضية عدم انتشار الأسلحة ونزعها، غالبًا ما تتراجع في أولوياتها بالنسبة إلى الدول عن القضايا الجيوسياسية الإقليمية».
وفي المقابل، أكد تقرير مؤسستي «إيران بروجكت»، و«شبكة القيادة الأوروبية» - السابق ذكره - أن قضية انتشار الصواريخ في الخليج والشرق الأوسط، تتطلب «حلا على مستوى المنطقة»، للتخفيف من «التهديدات الراهنة والمتمثلة في حالة عدم الاستقرار لمنع التصعيدات العسكرية الإقليمية المحتملة». ومع ذلك، لا تزال هذه العملية تواجه عددًا من الحواجز والعوائق. ويرجع ذلك لما أشار إليه «البهتيمي»، بأنه «لا توجد حاليًا آليات أو معايير محددة على مستوى المنطقة للتحكم أو الحد من انتشار الصواريخ الباليستية أو صواريخ كروز متوسطة المدى»، ناهيك عن أن مجرد حشد أي دعم لمقترحات أو توصيات معنية بالحد من التسلح من المرجح أن يكون «تحديًا صعبًا» على أرض الواقع. ويعود ذلك جزئيًا إلى غياب الأطر الإقليمية الخاصة بمعايير وضوابط التعاون الأمني. وأشار «لويس» إلى أنه لم يكن «هناك مزيد من الجهود في مجال الحد من التسلح الإقليمي للبناء عليها واستغلالها لدعم مثل هذه المقترحات أو التوصيات».
وعلى الرغم من اعتراف التقرير السابق، بأن «الموقف المعلن» لإيران، هو أن «صواريخها وطائراتها المسيرة، غير قابلة للتفاوض»، لأنها «المصدر الرئيسي لردع أية تهديدات لأمنها»، فقد تقبل القيود المفروضة على برنامجها الصاروخي، إذا كان ذلك «بالتنسيق مع تنفيذ القيود ذاتها» على جهات فاعلة إقليمية بعينها. وخلص التقرير إلى أن «العودة الكاملة» إلى الاتفاق النووي ستكون «أكثر الطرق فعالية، والخطوة الحيوية الأولى المعنية بمعالجة قضايا الحد من التسلح الإقليمي في المنطقة». ووفقًا لـ«زاكاري كوهين»، من شبكة «سي إن إن»، ستتعزز مثل هذه العودة، الجهود المبذولة لتوسيع نطاق شروط وبنود الاتفاق النووي، ليشمل «قيودًا» على تكنولوجيا تصنيع الصواريخ، وهو ما يعتبر «هدفا مشتركا»، تريده كل من واشنطن وأوروبا على حد سواء.
ولوضع الأمور في سياقها، حذر «باندا»، من أن المحادثات في فيينا، «تواجه بالفعل رياحًا معاكسة كبرى في الوقت الراهن، وذلك من دون أن تكون برامج الصواريخ الباليستية الإيرانية على جدول أعمالها»، وعليه، ستكون هناك الكثير من الشكوك حول ما إذا كان توسيع نطاق تلك المحادثات، سيؤتي ثماره في هذه المرحلة. وبالمثل، اعترف «لويس»، بأن إيران «ليس من المرجح» أن تتخلى عن برنامجها الصاروخي، إذا حافظ منافسوها الإقليميون على ترساناتهم الصاروخية، كما هي أو زادوا من تطويرها، وهو أمر يمثل احتمالًا واضحًا إذا استمرت المفاوضات في التعثر.
وحول هذه النقطة، خلص «إراستو»، إلى أن «جهود الحوار الناشئة في الخليج، تقدم فرصا نادرة للتعاون الإقليمي، كما أنها تستحق دعم الجهات الفاعلة الخارجية». وفي حين أن تطوير عملية حوار أكثر رسمية بين الخليج وإيران سيكون «أمرًا طموحًا للغاية»، فقد أكد أنه «من الممكن رؤية أوجه تشابه تاريخية بين الجهود الحالية»، وما تم أثناء اتفاقية هلسنكي عام 1975، حيث وصلت أطراف الحرب الباردة إلى انفراجة حقيقية. وبالمثل، أوضح «البهتيمي»، أن الافتقار الحالي لتنمية البنية التحتية الإقليمية وسبل التكامل الاقتصادي، يجب أن «يشجع على مضاعفة الجهود من أجل استكشاف حلول مبتكرة وعملية لـ«البيئة الأمنية المعقدة» في المنطقة.
على العموم، سيستمر انتشار الصواريخ الباليستية في الشرق الأوسط في التأثير الضار على استقرار المنطقة، في ضوء قيام إيران بتزويد العديد من وكلائها بها، في سعيها إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة. وتعد أنظمة الأسلحة الصاروخية بمثابة مكونات مهمة لسياسات الدفاع الوطنية والبنية التحتية الأمنية للبلدان في جميع أنحاء المنطقة، لكن وسط التوترات الجيوسياسية الكبرى، يخشى العديد من المراقبين أن إساءة استخدامها ستزداد بمرور الوقت. وعليه، ظهرت دعوات إلى تجديد الجهود لإنشاء إطار أمني إقليمي يمكن من خلاله معالجة هذه القضية.
ومع ذلك، فإن نجاح أي مبادرة من هذا القبيل لا يزال يعتمد إلى حد لا بأس به على نتيجة مفاوضات إحياء محادثات العودة إلى الاتفاق النووي في فيينا، والتي لا تزال تخيم على نجاحها حالة من الشكوك.