top of page

23/2/2022

التحديات الأمنية لتغير المناخ في الشرق الأوسط

جرى العرف على اعتبار قضية «تغير المناخ»، ليست مكونا رئيسيا في سياسات الأمن القومي للدول، إلا أن دراسة هذا المجال في السنوات الأخيرة دفعت الباحثين ومقرري السياسات إلى فهم كيف يسهم التدهور البيئي وندرة الموارد في تأجيج عدم الاستقرار الجيوسياسي. يقول «إمير باري»، الممثل السابق لبريطانيا لدى الأمم المتحدة، «لقد أصبح لتغير المناخ عواقب تتعلق بصميم جدول الأعمال الأمني»، كما أن «المنافسة الشديدة بالنسبة للغذاء والماء والطاقة» في «مناطق التوترات»، هي بالفعل قضايا وثيقة الصلة بالجانب الأمني.

 

وفي إدراك لأهمية هذه القضية، عقد «معهد الشرق الأوسط»، بواشنطن، و«المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، بلندن، ندوتين، الأولى بعنوان «تغير المناخ وتداعياته الأمنية في منطقة البحر الأبيض المتوسط»، والثانية بعنوان «تغير المناخ واستخدام الموارد الطبيعية كأسلحة»، على الترتيب؛ بهدف فهم تأثير تغير المناخ والعوامل البيئية على أمن الشرق الأوسط في السنوات المقبلة.

 

وفي حديثها، خلال ندوة «معهد الشرق الأوسط»، أشارت «يوليا جوجا»، مديرة «مبادرة فرونتير يوروب»، التابعة للمعهد، إلى أن الأمن المناخي هو «مفهوم جديد نسبيًا»، ولكن يتم إدراكه الآن على أنه «قضية أساسية» في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط. وخلال ندوة «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، أشارت «إيريكا بيبي»، محللة الأبحاث بالمعهد، إلى أن «العلاقة بين تغير المناخ والصراع معقدة، ومتشابكة مع العوامل» «الاقتصادية والسياسية والاجتماعية»، فيما أقر بهذه العلاقة أيضا «مركز أبحاث الكونجرس»، الذي قال في تقرير نُشر مؤخرًا: إن «تغيرات المناخ»، تُعقد من «الانقسامات الاجتماعية والأمور المتعلقة بالحكم».

 

وبشكل عام، حدد الباحثون آليتين أساسيتين يمكن للضغوط المناخية من خلالها التأثير على الأمن العالمي. وفي هذا الصدد، ميز «توماس ديكسون»، من «جامعة واترلو»، بين «صراعات الندرة البسيطة»، حيث تؤدي المنافسة على الموارد المحدودة إلى نزاعات بين الدول، و«صراعات الحرمان»، حيث تغذي الندرة الشديدة «الحرب الأهلية والتمرد». ولا يزال هذا التمييز مستخدمًا في المناقشات المتعلقة بالأمن البيئي حتى اليوم. وأوضح «مارك نيفيت»، من جامعة «سيراكيوز»، أن المخاطر المناخية يمكن تقسيمها إلى مخاطر مباشرة تتمثل في «الصراع على الموارد»، و«غير مباشرة تسهم في انعدام الأمن و«عدم الاستقرار السياسي»، مثل «انعدام الأمن الغذائي أو «المائي».

 

وفي مزيد من الربط بين «أزمة المناخ»، و«انعدام الأمن»، أوضحت «لورا بيركمان»، من «مركز لاهاي للدراسات الاستراتيجية»، أن «تزايد الظواهر الجوية المتطرفة الناتجة عن تغير المناخ»، فاقم مشكلات تتعلق بالندرة، مما جعل «الموارد الطبيعية أداة استراتيجية وتكتيكية جذابة بشكل كبير». وبالمثل، تحدثت «بيبي»، عن الكيفية التي خلقت بها أزمة المناخ في العالم، «فرصًا متزايدة» للجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية «لتوظيف هذه الموارد واستغلالها لصالحها كأسلحة».

 

وغالبًا ما يصف الباحثون تغير المناخ، بأنه «عامل مضاعف للتهديد». وأشار تقرير «مركز أبحاث الكونجرس»، إلى أن هذه العبارة قد تم استخدامها في عدد من تقييمات الأمن القومي الأمريكية المتعلقة بتغير المناخ؛ نظرًا لقدرتها على «مفاقمة التوترات الحالية في المناطق التي تواجه العديد من التحديات الأخرى». وخلص «باتريك شرودر»، و«تامي إيفانز»، من «المعهد الملكي للشؤون الدولية»، إلى أن تغير المناخ لديه «القدرة» على مفاقمة «الأوضاع الهشة وإضعاف الدول».

 

وفيما يتعلق بالشرق الأوسط، هناك قلق متزايد لدى المراقبين من أن المنطقة معرضة بشكل خاص للمخاطر المناخية، نظرا إلى طبيعتها الجغرافية وعدم الاستقرار السياسي الحالي. وحذر «محمد محمود»، مدير برنامج المناخ والماء بـ«معهد الشرق الأوسط»، من أن المنطقة شهدت «درجات حرارة متطرفة أكثر تواترًا»، وموجة كبيرة وملحوظة من «الظروف المناخية القاسية منذ خمسينيات القرن الماضي». في حين أوضح «أندريه كوفاتاريو»، من «مجموعة سياسة الطاقة غير الربحية»، أن هناك «أكثر من 650 حدثًا مناخيًا شديدًا» في البلدان حول البحر الأبيض المتوسط»، خلال الثلاثين عامًا الماضية وحدها»، وهو ما تجلى بشكل عام، «في تغير أنماط الطقس وما نتج عنه من تأثير سلبي مُزمن بشكل تدريجي».

 

وعلى وجه الخصوص، تم تسليط الضوء على تدهور الزراعة في الشرق الأوسط. وأكد «محمود»، كيف أن تغير المناخ يهدد «مناطق النشاط الزراعي»، التي كانت تاريخيا، بمثابة سلة للإمدادات الغذائية للمنطقة، مثل دلتا النيل. وأكد «كوفاتاريو»، على هذا من خلال توضيح أن «انخفاض توافر المياه وموجات الحرارة؛ يؤثر على الأمن الغذائي»، والذي بدوره «يدفع الهجرة الريفية ويزيدها»، مما يضع الحكومات تحت الضغط».

 

من ناحية أخرى، تم التشكيك في قدرة الجهات الإقليمية الفاعلة على مواجهة هذه التحديات بفاعلية. وأشار «علي أحمد»، من «معهد الشرق الأوسط»، إلى أن الظروف في بعض أجزاء المنطقة لا تساعد على تطوير مبادرات لمكافحة آثار تغير المناخ؛ لأنها تفتقر إلى «غطاء مالي قوي»، و«مؤسسات قوية» واللازمة للقيام بذلك. علاوة على ذلك، لفت الانتباه إلى حقيقة أن حالة عدم الاستقرار والنزاع الموجودة مسبقًا في الشرق الأوسط، كما هو الحال في سوريا وليبيا تعني أن تغير المناخ لا يُنظر إليه على أنه «مصدر قلق مباشر» من قبل صانعي السياسات، وفي بعض الحالات يمكن أن يعرقل جهود التعاون الدولي.

 

وتعكس التعليقات السابقة مجموعة متزايدة من الأبحاث التي تسلط الضوء على التهديد الأمني الذي يشكله تغير المناخ على منطقة الشرق الأوسط. ووصف تقرير «مركز أبحاث الكونجرس»، منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بأنها «من بين أكثر دول العالم تعرضًا للإجهاد المائي والأكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ». ولفت «ماركوس كينج»، من «مركز المناخ والأمن»، الانتباه إلى حقيقة أن المنطقة «معرضة لكل من فترات الجفاف الدورية والمنفصلة».

 

وخلص تقرير «المناخ والأمن العالمي» لعام 2021، الصادر عن «المجلس العسكري الدولي الخاص بالمناخ والأمن»، إلى أن «التأثيرات الناجمة عن المناخ»، و«الانهيارات اللاحقة لقطاع الإنتاج الزراعي؛ تُشكل تهديدات كبيرة للأمن البشري في المنطقة». وحذر التقرير من «نقص الغذاء والمياه، فضلًا عن احتمال تشريد الملايين» ومن ثم «زيادة الاحتكاك مع المجتمعات القائمة ومع السلطات». ومن المتوقع، أن تكون الهجرة الناجمة عن المناخ مصدرًا مهمًا لعدم الاستقرار الجيوسياسي في العقود المقبلة. وتشير بيانات «البنك الدولي»، إلى أنها «قد تجبر 216 مليون شخص في ست مناطق حول العالم على الانتقال داخل بلدانهم بحلول عام 2050»، كما أن شمال إفريقيا كانت منطقة معرضة للخطر بشكل خاص، حيث يمكن أن تشهد ما يصل إلى 19 مليون مهاجر داخلي بسبب المناخ بحلول عام 2050.

 

وبشأن استخدام الموارد الطبيعية كسلاح، لفت بعض المتحدثين الانتباه إلى العديد من دراسات الحالة ذات الصلة بتأثير تغير المناخ على الأمن الدولي. وفيما يتعلق باحتمالية «صراعات ندرة الموارد»، تم تحديد المياه كمورد رئيسي من المرجح أن يؤجج النزاعات بين الدول. وأشار «كينج»، إلى مفهوم «الهيمنة المائية»، حيث «قد تلجأ الدول إلى استخدام المياه كأداة سياسية أو وسيلة للتأثير»، مما يسلط الضوء على استخدام الصين لنهر «الميكونج»، للضغط على دول المصب عبر سلسلة من السدود التي أنشأتها على أعالي النهر، فيما أوضحت «سوزان شمير»، من معهد «ديلفت»، أن «التنمية الأحادية للموارد؛ يمكن أن تتسبب في نشوب صراع بين الدول».

 

وفي الواقع، هناك سوابق لمثل هذا السلوك في الشرق الأوسط. ففي سبعينيات القرن الماضي تسبب بناء «سد الطبقة» على نهر الفرات في سوريا في نزاع بين الأخيرة والعراق، ما أدى تقريبًا إلى حدوث مواجهات. وفي الآونة الأخيرة، أثار بناء سد النهضة سلسلة من الخلافات السياسية بين إثيوبيا والسودان ومصر، وهو ما تطلب وساطة لتسويتها.

 

وفي المقابل، لا تزال الأدلة على أن الخلافات حول الموارد المائية المشتركة يمكن أن تؤدي مباشرة إلى نزاع مسلح «محدود في النهاية». وأشار «كينج»، إلى أن «المياه كانت في كثير من الأحيان حافزًا للتعاون، وليس الصراع». وتشهد على ذلك التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط، مثل مخطط المياه مقابل الطاقة الكهربائية ما بين الأردن وإسرائيل. كما أوضح «بروس ريدل»، و«ناتان ساكس»، من «معهد بروكينجز»، أن قيام الأردن بتصدير الطاقة المتجددة إلى إسرائيل مقابل إمدادات المياه العذبة، هو «تحول دبلوماسي» بالنسبة «لمنطقة تواجه بعض أسوأ عواقب تغير المناخ على الإطلاق».

 

بالإضافة إلى ذلك، هناك أحكام في القانون الدولي الحالي معنية بمساعدة الدول في إدارة النزاعات المتعلقة بالموارد الطبيعية المشتركة. وسلطت «شمير»، الضوء على دور القانون البيئي الدولي في معالجة «مسألة منع، أو تخفيف حدة الصراعات حول الموارد الطبيعية». ومع ذلك، فقد لاحظت أن هذا القانون يحتاج إلى مزيد من التطوير؛ لأنه «لم يعد فعالًا كما كان يأمل الكثير منا». وأكد «نيفيت»، على هذا الرأي، وأشار إلى أن هناك «مجموعة من المشكلات المتعلقة بإنفاذ هذه الأحكام»، عندما يتعلق الأمر بالقانون البيئي الدولي، رغم وجود «الكثير من المعاهدات والمواثيق التي تكفل معالجة أية مشكلات».

 

ولا يزال الصراع المستمر في سوريا أحد أكثر الأمثلة التي يتم الاستشهاد بها كثيرًا لإيضاح كيف يمكن لتغير المناخ أن يؤدي إلى تفاقم الصراعات الأهلية. وأشار تقرير «مركز أبحاث الكونجرس»، إلى أنه قبل اندلاع الحرب الأهلية مباشرة، أدت «عقود من الإفراط في استخدام المياه الجوفية وتدهور الأراضي»، جنبًا إلى جنب مع ظاهرة الجفاف الذي استمرت من 2006-2010، إلى النزوح الداخلي للريفيين «الساخطين» الذين «شكلوا قاعدة شعبية معارضة للحكومة». وبالمثل، وجد «بيتر جليك»، من «معهد المحيط الهادئ لدراسات التنمية والبيئة والأمن»، أن «سوريا شهدت سنوات طوال من الجفاف الشديد»، ما أدى إلى «عاصفة كاملة من الصراع الأهلي، «المقترنة «بضغوط اقتصادية واجتماعية» أخرى.

 

وتوضيحًا للآثار المزعزعة للاستقرار جراء تداعيات تغير المناخ على أمن المنطقة، أوضح «بيتر شوارتزشتاين» من قناة «ناشيونال جيوغرافيك»، كيف أن الأضرار البيئية وندرة المياه في ريف العراق «دفعا المواطنين نحو التجنيد في صفوف داعش»، حيث أصيبوا باليأس بعد فقدان سبل عيشهم. وأشار تقرير مركز أبحاث الكونجرس»، إلى أن موجات الجفاف التي «قوضت سبل العيش في المناطق الريفية السنية»، «ربما ساعدت في تأجيج وتيرة التجنيد داخل تنظيم داعش».

 

ومع تطور أزمات ندرة المياه، حذر «كينج»، من أن استخدام الموارد الطبيعية كسلاح أثناء النزاعات من المرجح أن يزداد؛ نظرًا لأن خطر حجب أو تلويث إمدادات المياه يمكن استخدامه «كأداة للإرهاب النفسي». وأشار أيضًا إلى «استيلاء مقاتلي داعش على سد الموصل في العراق عام 2014، كمثال على ذلك، موضحا أن ذلك أعطى التنظيم، سيطرة فعلية على المنطقة المحيطة. ومن جانبه، أكد «كينج»، أن استخدام المياه كسلاح كان «ضروريًا لاستراتيجية القتال لدى داعش».

 

على العموم، توضح الحالات التي تم الاستشهاد بها مدى التهديد، الذي يشكله «تغير المناخ» على أمن الشرق الأوسط. وحذر الخبراء من أن «الصراعات ذات الصلة بندرة المياه»، قد تصبح سائدة خلال الفترة المقبلة، وتم تسليط الضوء على هذه الظاهرة، باعتبارها «عاملًا مضاعفًا للتهديدات»، التي تمثلها تلك الصراعات، نظرًا لقدرتها على تفاقم الانقسامات الاجتماعية الموجودة مسبقًا، بالإضافة إلى زيادة الحرمان الاقتصادي، مما يزيد من احتمالية حدوث اضطرابات ونزاعات داخل الدول، فضلاً عن دورها في دفع كثير من المواطنين إلى مواجهة مخاوف من قبل الجماعات المتطرفة حال تحكمها في مورد طبيعي ما.

 

 وعلى الرغم من أن العديد من دول الشرق الأوسط، بدأت بالفعل برامج طموحة لمعالجة تغير المناخ، فإن هذا الأمر يؤكد الحاجة إلى التعاون الدولي والإقليمي للتخفيف من مخاطر هذه الظاهرة في العقود القادمة.

{ انتهى  }
bottom of page