top of page
1/8/2019

قراءة في تقرير عن المرأة والسلام والأمن والتهجير في الشرق الأوسط

أصدر مركز دراسات الشرق الأوسط التابع لكلية لندن للاقتصاد، تقريرًا في يوليو 2019 بقلم باحثتين بالمركز هما: زينب كايا، وهنا بوند، يتناول تهجير المرأة وأثره على السلام والأمن في الشرق الأوسط، وهو اتجاه لم يلق اهتمامًا كبيرًا داخل الأوساط الأكاديمية.
ويُسلط التقرير الضوء بشكل أساسي على الكشف عن تداعيات قضية تهجير المرأة، كما ينظر في سبب استمرار الإخفاق بشأن معالجة هذه الظاهرة، على الرغم من اعتماد القرار رقم 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن بالإجماع من مجلس الأمن عام 2000. وهو قرار يُلزِم جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة، إعداد خطة عمل وطنية لتفعيل القرار على المستوى الوطني لمواجهة تأثير النزاعات المسلحة على النساء، والاعتراف بدور المرأة كعنصر فاعل في حل النزاعات وبناء السلام، وخَلُصت الباحثتان إلى أن هذا الإخفاق يرجع إلى فشل دول الشرق الأوسط في تنفيذ هذا القرار، كما يُقدم التقرير توصيات لكيفية تنفيذه بصورة فعّالة في المستقبل. 
ويشير التقرير إلى أن القرار يتألف من أربع ركائز تُحدد إطار عمله: أولا: دور المرأة في منع النزاعات من خلال محادثات السلام والمفاوضات، ومناصبها بالأمم المتحدة والمجال الاجتماعي السياسي الواسع.
ثانيا: مشاركتها في عملية بناء السلام والحاجة إلى نزع السلاح ومواجهة العنف المتواصل، وتبنّي منظور السلام الشامل المستند إلى المساواة وحقوق الإنسان والأمن للجميع.
ثالثا: حماية حقوق السيدات والفتيات واحتياجاتهن أثناء النزاعات وما بعدها، ويشمل ذلك الإبلاغ عن حالات العنف الجنسي، وملاحقتها قضائيًّا، والتطبيق المحلي للقوانين والمعاهدات الإقليمية والدولية.
رابعا: تأمين احتياجاتها الخاصة من الخدمات الصحية والإرشاد النفسي أثناء إعادة توطينها، وتأهيلها، واندماجها في مرحلة ما بعد انتهاء النزاعات وإعادة الإعمار، ويشمل ذلك الناجيات من العنف.
ويهدف القرار، بحسب ما يشير التقرير، إلى حماية وتعزيز المرأة قبل وبعد فترات الصراع؛ إذ يساعدها على المشاركة في منع نشوب النزاعات وعمليات صنع السلام جنبًا إلى جنب مع توفير الآليات التي تمكنها من مواجهة العنف التي تتعرض له أثناء النزاعات والتهجير، فضلاً عن مناداته بضرورة تأمين الرعاية الصحية للاجئات الحوامل، وقد أوضح محللا السياسات الدولية، بول كيربي ولورا شبرد، في تقرير صدر في عام 2016 عن المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) «أن القرار يسعى إلى إعادة التشكيل الجذري لآليات القوة والتمكين، التي قد تمارسها المرأة، والتي تعزز عالمنا، وكذلك مبدأ الالتزام العالمي بالسلام والأمن الدائم».
وبيَّن التقرير أن الأمم المتحدة حثت أعضاءها على تبنّي مبادئ القرار الإرشادية وخطط العمل الوطنية وتوصياته، التي توجد ضمن برامج الأمم المتحدة لحماية المرأة والحفاظ على السلام والأمن، ولكن بعد مرور نحو 19 عامًا، لم يتم تنفيذ خطط العمل الوطنية الخاصة بالقرار سوى من 32% من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ومعظمها من الدول الأوروبية، بينما في الشرق الأوسط تبنى عدد قليل من الدول هذه الخطط، على الرغم من انتشار العنف السياسي في المنطقة.
وأشارت الباحثتان إلى أن «خطط العمل الوطنية الحالية في الشرق الأوسط المتعلقة بمعالجة ظاهرة التهجير المرتبط بالنزاعات وآثارها طويلة المدى على النوع الاجتماعي» يتم تنفيذها من الأردن، وهي الدولة الوحيدة التي تبنت خطط العمل الوطنية، في حين لم تنفذها دول أخرى، مثل العراق وفلسطين.
وأكدت الباحثتان أن خطط العمل الوطنية في الشرق الأوسط فشلت في تناول ومعالجة العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي والتمييز والاضطهاد، الذي تواجهه اللاجئات، وأوضحتا أنّ هذا غير مقصود، ولكنه امتداد لعدم تقدير صانعي السياسة في جميع أنحاء العالم مدى المعاناة، التي تواجهها المرأة قبل اندلاع أي نزاع وبعده.
وأوضحت زينة عوض من مركز الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية أنه «في الوقت، الذي تؤثر فيه صدمة الحرب والتهجير على جميع اللاجئات في جميع أنحاء لبنان وتركيا والعراق وجزيرة لسبوس اليونانية، برز العنف الجنسي كموضوع رئيسي ومتكرر يتعرضن له إبان هروبهن من البيئات المتخمة بالصراع». 
وربما يكون العنف والاتجار الجنسي أكثر أشكال العنف والتمييز، لكن النساء يواجهن عددًا من القضايا الأخرى، مثل: زيادة العنف المنزلي، والتحديات الصحية المتعلقة بالحمل والخصوبة، والزواج القسري للنساء والفتيات القاصرات، فقد أثبتت فاديا كيوان من جامعة القديس يوسف في لبنان أنه في الأردن ارتفعت نسبة زواج الأطفال المسجلين في مخيمات اللاجئين السوريين من 12% في عام 2011 إلى 18% في عام 2012 وإلى 25% بحلول عام 2013. وفي لبنان، كانت 23% من اللاجئات السوريات متزوجات قبل سن الـ18.
وأخفقت السياسات المتعلقة بخطط العمل الوطنية في الشرق الأوسط، بالقرار 1325 في التطرق إلى معالجة حجم الصعوبات الإنسانية، التي تواجهها اللاجئات. وربما يرجع السبب في ذلك إلى صياغة وتنفيذ حكومات المنطقة برامج عمل وطنية متعلقة بحماية المرأة والسلام والأمن، من وجهة نظر أمنية فقط تراعي اعتبارات أمنها القومي، وتميل تلك البرامج إلى أن تكون مؤلفة من تدابير قصيرة الأجل، بغية التقليل من حدة النزاعات القائمة وتداعياتها، مثل حماية المرأة من تجنيدها في صفوف المنظمات الإرهابية؛ التي تعتبر قضية أكثر إلحاحًا من اعتبارات ما بعد الصراع.
وفي البلدان التي لا تتوافر بها برامج عمل وطنية تغيب الرؤية الواضحة لمعالجة معاناة اللاجئات، وترى الباحثتان أنه من دون وجود خطة هيكلية متماسكة للتعامل مع أزمة النساء النازحات «يمكن للجهات الفاعلة السياسية تجاهل قضية النزوح والعودة، وفي هذه السياقات يتم إهمال احتياجات النساء والفتيات وتجاربهن وحقوقهن بشكل خاص؛ حيث يُنظر إليهن على أنهن ليست لهن صلة أو ذوات أهمية ضئيلة».
ويفيد التقرير بأن الإخفاقات في حماية المرأة والنساء النازحات لا تقع على عاتق الحكومات المحلية فحسب، ولكن أيضًا على مفهوم قرار المرأة والسلام والأمن التابع للأمم المتحدة، وهذا الأمر صحيح على المستوى المؤسسي؛ حيث يفتقر القرار إلى أي قدرة على تطبيق مبادئها على المستوى الدولي، كما أن الأمم المتحدة كمؤسسة لا يمكنها تطبيق أي من قراراتها أو مبادراتها بشكل مباشر، وبدلا من ذلك تُعوِّل على حسن نوايا الدول الأعضاء في الالتزام بمبادئها، وفيما لا تتوافر آلية للوم الدول المخالفة حال فشلها في القيام بذلك، تظل مسألة عدم تطبيق أجندة ومبادئ حماية المرأة والسلام والأمن على الصعيد المحلي، فيما يتعلق بالنساء النازحات، مثالا نموذجيا على عجز المؤسسات الدولية في عالم تسيطر عليه الدول ذات السيادة على مجريات العمل الإنساني وأوجه تمويله.
وتوضح الباحثتان أنه «في ضوء برامج المرأة والسلام والأمن (WPS)، يتم التعامل مع النساء المشردات وكذلك الفتيات عمومًا معًا كما لو كن في نصاب واحد، فعادة يتم تجاهل تجاربهن ومِحنهن المتنوعة في النزوح، بالإضافة إلى عدم الوضع في الاعتبار عند رعايتهن عوامل أخرى، مثل: وضعهن كمهاجرات (مثل النازحات داخليا أو اللاجئات)، أعمارهن، وحالتهن الزوجية، ومستوى تعليمهن، وعرقهن، وهويتهن، وظروف إعاقتهن، ووظائفهن، وتوجههن الجنسي وهوياتهن الجنسية، فضلا عن العوامل المتعلقة بظروف معيشتهم (على سبيل المثال ما إذا كانوا يعيشون في أسرة تُعيلها امرأة، أو في مكان داخل مخيم، أو في منطقة حضرية أو مناطق ريفية)، ومن ثم هناك إخفاقات في إطار برامج حماية المرأة والسلام والأمن (WPS) التابعة للأمم المتحدة نفسها، خاصة أنها لا تستطيع معالجة مشكلة العنف ضد المرأة في مناطق الصراع بشكل كامل.
بشكل عام، تُظهر الباحثتان اهتمامًا قليلا فيما يتعلق بالتعامل مع أفضل الطرق التي يمكن من خلالها التخفيف من وطأة ظروف وحالات النساء النازحات المتباينة، وفق إطار برامج المرأة والسلام والأمن (WPS)؛ وذلك من خلال تخصيص صفحتين فقط من التقرير المكوَّن من 25 صفحة للحلول المحتملة لتلك الظروف القاسية. 
ولعل الحلول التي يقدمها التقرير تكمن في العمل والتعاون المشترك بين المؤسسات القائمة في الشرق الأوسط على أرض الواقع، ومقدمي المساعدات الإنسانية، مثل المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، من أجل التركيز على تخفيف المعاناة، التي تتعرض لها اللاجئات، ويمكن القول إن هذا الحل يأتي ضمن أحد المقترحات الواقعية، التي من المحتمل أن تكون فعالة لزيادة نطاق المساعدة المقدمة إلى النساء اللاجئات المشردات. 
أما في ضوء التحديات اللوجستية المتعلقة بإدارة تدفق المساعدات والخدمات الضرورية، فإن الحل الأكثر وضوحًا في هذا الصدد هو الاقتراح بتقديم المزيد من التمويل لمبادرات وخطط العمل الوطنية، التي توجد ضمن برامج المرأة والسلام والأمن على المستوى المحلي في المنطقة، وقد فشلت الباحثتان في تقديم آلية مناسبة؛ لتحقيق هذا التمويل، الذي لا يمكن تلبيته من قِبَل العديد من الحكومات الإقليمية، مثل السلطة الفلسطينية، التي لديها موارد مالية محدودة للغاية.
وختاما، يُمكن القول إنه على الرغم من بعض نقاط الضعف الطفيفة، نجحت الباحثتان في صياغة تقرير مكتوب بصورة جيدة ويتسم بالشمولية بشأن قضية النساء النازحات في الشرق الأوسط، كما أثبتتا تمامًا أن الطرق والحلول، التي وردت في إطار عمل برامج المرأة والسلام والأمن (WPS) التابعة للأمم المتحدة، والذي تمثل برامج عمل وطنية، غير كافية حتى الآن في معالجة المعاناة، التي تواجهها النساء النازحات في المنطقة بصفة خاصة، والعالم بأسره بشكل عام، ويرجع هذا إلى نظام تلك البرامج نفسها، والتي لم تراع الظروف القاسية، التي تمر بها اللاجئات، فضلا عن عدم اعتبار صانعي السياسة قضية تشريد ونزوح النساء بشكل عام قضية ذات أولوية سياسية وأمنية. 

{ انتهى  }
bottom of page