22/12/2021
قراءة غربية في نتائج قمة مجلس التعاون الخليجي
عقد مجلس التعاون الخليجي قمته السنوية الثانية والأربعين في مدينة الرياض بالمملكة العربية السعودية، حيث اجتمع القادة والمسؤولون من الدول الأعضاء بالمجلس، وهي: السعودية والبحرين، والإمارات، والكويت، وقطر، وعمان؛ لبحث وتعزيز التكامل والترابط بينهم في المجالات الاقتصادية، والتجارية، والتعليمية، والثقافية. ووفقا لـ«جورجيو كافييرو»، من «معهد الشرق الأوسط»، فإن القمة تناولت قضايا عديدة، من بينها، «المشاكل المتعلقة بإيران»، وجائحة فيروس كورونا، ومستقبل أفغانستان المجهول، والصراع اليمني، فضلا عن «انعدام اليقين بشأن مدى التزام واشنطن الفعلي بأمن الشرق الأوسط في الوقت الحالي».
وفي تعقيبهم على الحدث، رأى المعلقون الغربيون أن القمة جددت التأكيد الجماعي لدول الخليج على ضرورة الحد من التوترات الإقليمية من خلال التواصل، وحل الخلافات بين الدول الأعضاء، فضلا عن إيلاء اهتمام أساسي للتعاون في مجالات؛ الاقتصاد، والصحة، والمناخ، بجانب المسائل الأمنية، أو العسكرية التقليدية. وفوق هذا وذاك، سلط المحللون الضوء على أن هذه القمة، قد وحدت صف دول الخليج بشكل كامل مجددا، لأول مرة منذ سنوات عديدة، وذلك بمشاركة قطر فيها. وذكر «كريستيان أولريشسن»، من معهد بيكر للسياسة العامة، أنها «ستُسجل كأول قمة خليجية طبيعية منذ خمس سنوات». وفي تأييد لهذا، أوضح «جيرالد فايرستاين»، من «معهد الشرق الأوسط»، أن اجتماعات الرياض «مثلت تغييرًا جذريًا في أسلوب ومضمون العلاقات الإقليمية».
وبالفعل، جرى تناول هذه الديناميكية في إطار التغير الجذري في المواقف الإقليمية لدول الخليج. وذكر كافييرو، أنه منذ قمة العلا في يناير2021، فإن دول الخليج، قد عملت بجد على حل خلافاتها الداخلية. وفي جزء من هذه التحول، قام ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان، بسلسلة من الزيارات لدول خليجية، وصفها المحللون بأنها من أهم الزيارات لتعزيز العلاقات بين السعودية ودول الخليج. وتضمنت هذه الزيارات زيارة لقطر، التي أظهرت، بحسب نيل كويليام من المعهد الملكي للشؤون الدولية، أنه قد تمت معالجة الأزمة بين دول الخليج إلى حد كبير بشكل أو بآخر.
وفيما يتعلق بالقمة، أشارت دينا إسفندياري من مجموعة الأزمات الدولية، إلى دخول مجلس التعاون الخليجي حقبة جديدة من البراجماتية. وذكرت سينزيا بيانكو من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أنه بالنسبة إلى الحكومات الأوروبية، فإن هذه القمة تهدف أولاً إلى توطيد الانفراج السياسي، الذي تم التوصل إليه في قمة العلا، فضلا عن أن القارة الأوروبية، تراقب عن كثب توجه دول الخليج نحو التعاون. في حين، رأى فيرستاين، أن إحدى اللحظات البارزة في القمة، كانت عندما أعلن الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، نايف الحجرف، أن أي هجوم على أحد أعضاء مجلس التعاون الخليجي، هو هجوم عليهم جميعًا، بما في ذلك قطر، مما يبرز وجود تحالف جديد بين الدول الأعضاء.
انطلاقا من هذا الإعلان الأمني المشترك، كان أحد الموضوعات الرئيسية التي نُوقشت داخل المنظمة، هو سياسات الدول الأعضاء تجاه إيران. وبينما اتهم مجلس التعاون الخليجي طهران بإثارة الفتنة الطائفية داخل أراضي دول المجلس، ودعم الإرهاب في البحرين؛ أكدت تصريحاتهم خلال القمة على أهمية المشاركة في أي مفاوضات مع إيران للحد من التوترات الإقليمية.
وخلال الأشهر الأخيرة، عززت كل من السعودية، والإمارات مبادراتهما الدبلوماسية مع إيران على أمل الحد من التوترات الإقليمية. وفي نوفمبر2021، دعا حلفاء الولايات المتحدة في الخليج إلى إعادة تبادل العلاقات مع طهران بشكل عاجل، بهدف الامتثال الكامل للاتفاق النووي لعام 2015، بين واشنطن وطهران. وفي أواخر نوفمبر 2021، تعهدت إيران ببدء فصل جديد في علاقاتها مع الإمارات، وفقًا لما ذكرته وكالة بلومبرج، عقب اجتماع لكبار المسؤولين في دبي، بينما حضرت السعودية وإيران سلسلة من جلسات الحوار التي عقدت في العراق خلال منتصف العام.
وفي توضيحه للتحول في مواقف دول الخليج تجاه الحوار مع إيران، أشار فيرستاين، إلى الديناميكيات الإقليمية المتغيرة، حيث تسعى دول الخليج الرائدة إلى خفض درجة توتر العلاقات الإقليمية من خلال الوصول إلى المنافسين الإقليميين، وهي الديناميكية، التي رأى أنها انعكست بالكامل على بيانات القمة. وعلى وجه الخصوص، فإنه خلال القمة ظل قادة الخليج قلقين بشأن برنامج إيران النووي وسياساتها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، كما كانوا واضحين بنفس القدر، من حيث أنهم يسعون إلى حل خلافاتهم معها من خلال الحوار، مضيفا أن، هذا النهج الجديد هو انفصال واضح عن موقف المواجهة التي اتسمت بها العلاقات الخليجية الإيرانية خلال سنوات من حملة الضغط الأقصى، التي فرضها ترامب.
من ناحية أخرى، أشارت بيانكو، إلى أن الأوروبيين مهتمون بتتبع إعادة تموضع الجهات الفاعلة في دول مجلس التعاون الخليجي في مواجهة إيران، وأن الاتحاد الأوروبي، بصفته منسقًا للمحادثات النووية الحالية، فقد زاد بشكل كبير من مستوى اتصالاته مع دول المجلس من خلال بقائه منخرطا وعلى اطلاع بالتقدم المحرز في هذه المحادثات. وعليه، أوضحت أن القادة الأوروبيين مسرورون؛ لأن الأصوات البراجماتية داخل دول مجلس التعاون تبدو سائدة.
وبصرف النظر عن هذه القضية الرئيسية، تناولت القمة أيضا مسائل الاقتصاد، وسياسات المناخ. وفي الشأن الاقتصادي، جدد قادة دول الخليج التزامهم بتعزيز التعاون الاقتصادي فيما بينهم، حيث تم الاتفاق على العديد من السياسات، مثل إنشاء هيئة خليجية مشتركة للسكك الحديدية، واتحاد جمركي مشترك. وفي إدراك لذلك، أشار أولريشسن إلى تركيز القمة الثانية والأربعين لمجلس التعاون على التنمية الاقتصادية والاجتماعية والمستدامة؛ على أنه لافت للنظر، مشيرًا إلى أن نبرة هذه القمة كانت أقل صعوبة في التعاطي مع المخاوف الأمنية والعسكرية، مقارنة بالمؤتمرات السابقة.
وعلى صعيد المناخ، تم إحراز تقدم أيضا. وأشارت بيانكو إلى أن دول الخليج ناقشت في الرياض طرقًا جديدة لتعزيز التعاون في سياسات المناخ الدولية، والطاقة المتجددة، وتنفيذ اقتصاد الكربون الدائري، فضلاً عن الأمن المائي والغذائي على المدى الطويل، فيما أكدت كذلك كيف أن أوروبا مازالت داعمة لمحاولات دول مجلس التعاون لإيجاد أرضية مشتركة، وزيادة التنسيق، فيما يتعلق بالقضايا المرتبطة بتغير المناخ، والبيئة، وتحول الطاقة وغيرها.
ومع تأكيد أهمية هذه النقاط في إعلان الرياض، الصادر في ختام القمة؛ أشار أولريشسن إلى الحاجة الملحة إلى التنسيق السياسي، والاقتصادي، والاستراتيجي، فيما بين دول الخليج والدول المجاورة، بالإضافة إلى الإشارة بشكل خاص إلى ضرورة تفعيل مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون، والذي جعلتها القيادة السعودية محور اهتمامها خلال فترة رئاستها لمجموعة العشرين عام 2020. وفي هذا الصدد، وصف إليوت أبرامز عضو مجلس العلاقات الخارجية إعلان الرياض بأنه شامل، حيث تناول العديد من القضايا، بما في ذلك التعاون الاقتصادي، والأمني، والدفاعي بين دول المجلس، وظاهرة تغير المناخ، وطرق مكافحة كوفيد-19.
وعلى نطاق أوسع، رأى أن ملامح التعاون بين دول مجلس التعاون الخليجي خلال عام 2022، ستوجه نحو التعافي الاقتصادي، والاجتماعي، والصحي من جائحة كوفيد-19. ولاحظ أن دول الخليج تبدو مصممة على الحفاظ على مصالحها الإقليمية وحمايتها في ظل الضغوط الناتجة عن التغيرات المناخية وتحول الطاقة، وخاصة أن هناك اعترافا من جانبها بأن كلتا القضيتين لديهما القدرة على التأثير على حياة ومعيشة المواطنين والمقيمين في جميع هذه الدول، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
وفي تحليله، خلص أولريشسن إلى أنه ربما لم يكن مفاجئًا أن يتم تناول تلك التحديات، لاسيما عند الوضع في الاعتبار ما وقع من أحداث خلال عام 2021، فضلا عن ترحيبه برؤية أعضاء مجلس التعاون الخليجي حول الحاجة إلى التركيز على القضايا ذات الاهتمام المشترك عند صنع السياسات، بعيدًا عن الانقسام والتشرذم، مثلما حدث في الماضي القريب. وقد انعكس الشعور بهذا التصميم من قبل الأمين العام لمجلس التعاون، الذي صرح في خطابه الختامي للقمة، بأن أعضاء المجلس قد اتفقوا على عدد من المبادئ والسياسات الرامية إلى تطوير مجالات التعاون الاستراتيجي، والتكامل التنموي الاقتصادي، كوسيلة لتحقيق تطلعات مواطني الخليج.
ومن خلال تركيز دول مجلس التعاون المتجدد على قضايا، مثل ضرورة الحد من التوترات الإقليمية من خلال المساعي الدبلوماسية وتعزيز الدوافع الاقتصادية؛ أكد فايرستاين أنه مع عدم رغبة دول المجلس في مواجهة التهديدات العسكرية التي تواجهها داخل المنطقة بنفس الطرق والدرجة كما كانت في السابق، حيث ستكون المنظمة أقل ارتباطًا بالمظلة الأمنية الأمريكية، وأكثر راحة وحرية في تأكيد مصالحها السياسية والاقتصادية بعيدًا عن الولايات المتحدة. وخلص إلى أن هذا الأمر قد يعني أن واشنطن ستجد فاعلين إقليميين آخرين أكثر استعدادًا، لحماية مصالحها القومية، في الوقت الذي تتابع فيه الاهتمام بمحورها الذي طال انتظاره بعيدًا عن التركيز على منطقة الشرق الأوسط.
على العموم، مثلت القمة الثانية والأربعون لدول مجلس التعاون الخليجي تغييرًا ملحوظًا عن مثيلاتها في السنوات السابقة في ظل تركيزها على التعاون الإقليمي بين أعضائها في مجموعة من التحديات، بما في ذلك الاقتصادية، والبيئية، بالإضافة إلى اتفاق أوسع حول ضرورة معالجة الخلافات مع كل المنافسين الإقليميين، مثل تركيا وإيران، وذلك لصالح الحفاظ على الأمن والاستقرار على المدى الطويل في منطقة الخليج والشرق الأوسط الأوسع.
وكما هو الحال دائمًا في الجغرافيا السياسية الدولية، يبقى أن يستمر هذا الحماس المتجدد نحو التعاون خلال الأعوام المقبلة، ولعل ما أثمرت عنه هذه القمة من نتائج تعتبر علامة واعدة على التعاون البناء والمشترك مع دول الخليج.