21/12/2021
قراءة في تقرير لجنة شؤون الدفاع بمجلس العموم وعلاقته بأمن الخليج
مثّل انعدام الأمن البحري في الخطوط الملاحية الحيوية في العالم، مشكلة كبيرة لواضعي السياسات في الدول الغربية بشكل كبير، ومن ضمنها المملكة المتحدة. وقد انعكس ذلك، في تقرير نشرته «لجنة شؤون الدفاع» بمجلس العموم البريطاني، في 14 ديسمبر 2021، بعنوان «نحن بحاجة إلى قوات بحرية أكبر»؛ والذي بحث في تأثير سقف الإنفاق الخاص بالبحرية الملكية، على مشتريات القوات المسلحة وقدراتها، وذلك في ضوء بيئة الأمن البحري الآخذة في الاضطراب.
وفي هذا الصدد، حذر التقرير من أن «العِقد المقبل ينطوي على مخاطر كبيرة»، وأن «بيئة الأمن الدولي تزداد اضطرابًا»، نتيجة «ظهور خصوم أكثر قوة من الدول، والحروب الرمادية -غير واضحة المعالم- والمخاطر التكنولوجية». وبوضع هذه التهديدات في الاعتبار، فضلا عن حقيقة أن البحرية الملكية «يُطلب منها تولي مسؤوليات على نحو متزايد»، رأى التقرير أن «التقييم الواقعي للحكومة، لـلإمكانيات، مقارنة بالطموحات» مطلوب الآن.
بالإضافة إلى ذلك، نصح بأن زيادة الإنفاق الدفاعي مطلوبة؛ لمعالجة القضايا العديدة المرتبطة بقدرات البحرية الحالية والمستقبلية، والتي من بينها أن اعتماد قدرات القوات البحرية بشكل كبير على الحلفاء، وأن النطاق محدود للعمل السيادي، وعليه، أوصت لجنة شؤون الدفاع، بإعادة تقييم صادقة لمدى القدرة السيادية للبحرية الملكية، كما حثت الحكومة البريطانية على أن تكون أكثر نشاطًا على المستوى السياسي من أجل ضمان أن البحرية يمكن أن تعتمد على الدعم من الحلفاء .
وفي تحليلها، حددت اللجنة، روسيا والصين على أنهما الخصمان الأساسيان للمملكة المتحدة في البحر. وفي هذا السياق، علق أليكس بورتون, القائد السابق للقوات البحرية البريطانية، أمام لجنة الدفاع قائلا: إنه يجب أن يكون لدينا قوة رادعة ذات مصداقية في مواجهة هذه التهديدات الناشئة. ومع ذلك، أشار التقرير أيضًا، إلى القلق المتزايد بشأن ما يُسمى بعمليات المنطقة الرمادية، في إشارة إلى الأعمال العدائية، التي لا ترقى إلى مستوى الأعمال الحربية التقليدية، والتي عادة ما يقوم بها أعداء أقل مهارة عسكريا، مثل إيران.
وفي معالجة لقضية الوجود العسكري للمملكة المتحدة في الخليج العربي تحديدا، فإن المهمة الرئيسية للبحرية الملكية -بحسب التقرير- تتمثل في تأمين المضايق البحرية الأساسية لتدفق التجارة . وتعد بريطانيا إحدى القوى الغربية التي لها وجود عسكري بحري في منطقة الخليج، والمياه المحيطة بها، ولهذه القوات دور حيوي في صون المصالح الوطنية، وردع القرصنة والتدخل العدائي من جانب القوى الأخرى. وفي هذا الصدد، أشارت لجنة الدفاع على وجه الخصوص، إلى قيادة عناصر القوات البحرية البريطانية الموجودة في الخليج، والمكلفة بضمان تدفق التجارة في منطقة الخليج، من خلال التعاون مع التحالف الدولي لأمن وحماية الملاحة البحرية، بحسب ما أقر الإطار الأمني لهذا التحالف متعدد الأطراف، بقيادة الولايات المتحدة في عام 2019.
علاوة على ذلك، فإن انشغال المملكة المتحدة بضمان الحركة الآمنة للتجارة عبر مياه الخليج بشكل عام، ومضيق هرمز بشكل خاص، ليس بالأمر الغريب، ولا يمكن التقليل من أهمية حرية الملاحة عبر هذه المياه بالنسبة إلى صناعة الطاقة العالمية. وكما أوضحت أبورفا أيير, من مركز جلوبال ريسك انسايتس، فإن خليج عمان، ومضيق هرمز، يمثلان طرقًا للتجارة البحرية المزدهرة، والتي تعد ضرورية للبلدان المصدرة للنفط في المنطقة. ووفقًا لوكالة بلومبرج، تم نقل ما يقرب من 12 مليون برميل يوميا من الخام والمكثفات عبر مضيق هرمز في عام 2020.
ومع ذلك، وكما لاحظ كورنيليوس أدباهر، من مؤسسة كارنيجي، لا تزال التوترات في الخليج العربي وحوله مستمرة، مع هجمات منتظمة على البر والبحر. وبالمثل، سجلت شارلوت بريتون، وهوجو ديسيس، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، عددًا متزايدًا من حوادث العنف في البحر وحول مضيق هرمز. وفي الواقع، يرتبط جزء كبير من عدم الاستقرار في المنطقة بإيران، وبما وصفه بريتون، وديسيس، بأنه حرب الظل بين طهران وإسرائيل. وكما أوضح فرزين نديمي، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، فإن إيران أظهرت تركيزًا وجرأة متزايدة على العمليات البحرية خلال الأشهر الأخيرة؛ ما أثار قلقا متزايدا بين القوى العالمية.
وفي واقع الأمر، أدت هذه المخاوف إلى تطوير العديد من الهياكل الأمنية متعددة الأطراف، التي تهدف إلى ضمان حرية الملاحة، وتدفق التجارة عبر مياه الخليج، بما في ذلك التحالف الدولي لأمن الملاحة البحرية المذكور سابقًا. وتتعاون دول مجلس التعاون الخليجي ويؤكد ذكرها في تقرير لجنة الدفاع، أن المملكة المتحدة ستستمر في التعاون الوثيق مع دول الخليج، فيما يخص الأمن البحري.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أيضًا ملاحظة الأهمية المستمرة لوجود البحرية البريطانية في المنطقة. ووفقًا لما ذكره جورج أليسون، في صحيفة يو كيه ديفنس جورنال، فقد نفذت البحرية البريطانية مشاريع إعادة تطوير متتالية منذ عام 2014. بما يساعد على استيعاب فرقاطات من فئة 23، ومدمرات من الفئة 45 منذ عام 2020، بما يعتبر رصيدًا قيمًا للقدرات العسكرية لبريطانيا، وتُظهر لحلفائها التزامها بأمن المنطقة واستقرارها.
ولمزيد من التفصيل عن دور البحرية الملكية في الجهود الأمنية متعددة الأطراف؛ نصح تقرير لجنة الدفاع، بأنه يجب وضع الاتفاقات اللازمة مسبقًا لتحديد آلية التعاون في حالة حدوث نزاع. ووفقًا لشهادة الأدميرال فيليب جونز، قائد القوات البحرية من 2016-2019، طورت القوات البريطانية في المنطقة، حيث تم إنشاء منظومة تحدد الأصول المتاحة للمشاركة في أنواع مختلفة من الصراع؛ لتعزيز المهام بوضوح في هذه العمليات الدولية. وحددت هذه المنظومة قائمة بالاحتياجات والأصول والمرافق المختلفة المتاحة للاستخدام في أنواع مختلفة من العمليات قبل البدء في تنفيذها على أرض الواقع، على سبيل المثال تنسيق جهود مكافحة الإرهاب، أو في معالجة التهديدات المنبثقة من دولة معادية ما.
ولا شك أن الولايات المتحدة تواصل أيضًا حماستها المعهودة تجاه تفعيل جهود حماية الأمن البحري عبر عمليات التدريب العسكرية متعددة الأطراف في منطقة الخليج. ففي نوفمبر2021، شاركت البحرية الأمريكية في مناورة بحرية مشتركة مع قوات أخرى من دول خليجية. وفي حديثه أثناء هذه المناسبة، أكد قائد القيادة المركزية البحرية والقوات المشتركة، نائب الأدميرال، براد كوبر، أنه من المهم رؤية القوات الأمريكية تتدرب مع الشركاء الإقليميين من أجل تعزيز قدراتنا الأمنية البحرية المشتركة.
وبالمثل، أشار التقرير أيضا إلى أهمية استمرار التعاون بين بريطانيا، وسلطنة عمان في مجال الأمن البحري. ويعد هذا التعاون في هذا الصدد مهما بشكل خاص؛ لأنها تقع عند مصب الخليج العربي، وبالتالي فموقعها يتسم بالأهمية لتنفيذ الجهود المبذولة لمنع الأعمال العدائية ضد حركة الشحن والملاحة.
من ناحية أخرى، أشار التقرير إلى أن المملكة المتحدة تواصل تحسين كل الطرق والآليات التي تدير بها العمليات العسكرية البرمائية، بما في ذلك من خلال تطوير وتشكيل مجموعتي دعم أو مساندة ساحلية. إحدى تلك المجموعتين، ستتمركز (جنوبًا)، وسيكون مقرها في الدقم على الشاطئ الجنوبي الشرقي لسلطنة عُمان، وستبدأ عملها اعتبارًا من عام 2023. وقد أوضح التقرير أن هذا التشكيل سيعطي أولوية للحفاظ على الوجود العسكري المتقدم، والعمل على بناء القدرات المشتركة والتعاون مع القوات المحلية، وأنه سيكون لتك المجموعة هيكل مشابه لمجموعة الدعم الساحلية المتمركزة حاليًا (بالسواحل الشمالية)، والتي تتكون من قوات بحرية ملكية، وسفينة هجومية برمائية، وعدد 23فرقاطة من الفئة تايب 23 ومروحيات ويلدكات الاستطلاعية. وفي هذا الصدد، أشار كل من جوناثان بينثام، ونيك تشايلدز، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إلى أن مجموعتي الاستجابة أو المساندة الساحلية، هي جزء من مبادرة أوسع لتكييف القوات البرمائية في المملكة المتحدة للعمل بطريقة أكثر مرونة.
على العموم، ركز تقرير لجنة شؤون الدفاع، في المقام الأول على قضايا الإنفاق الدفاعي، والاعتبارات الأخرى المتعلقة بالميزانية في هذا الصدد، كما قدم بعض الأفكار والرؤى القيمة حول استراتيجية الأمن البحري البريطاني، بما في ذلك داخل منطقة الخليج.
وعلى الرغم من أن التقرير أوضح أن حكومة المملكة المتحدة تعتبر حاليًا منافسيها الرئيسيين في المجال البحري هما روسيا والصين، فإن هناك أيضًا مخاوف بشأن ما يسمى بتزايد خطورة المناطق الرمادية، وتمثلها الأنشطة التي تقوم بها دولة ما وتضر بدولة أخرى وتعتبر ظاهريا أعمال حرب، لكنها من الناحية القانونية ليست أعمالا حربية، وكذلك التهديدات التي تعرقل التدفق الحر للتجارة المنقولة بحرًا، ولعل تلك المخاوف تشير بوضوح أن الشرق الأوسط لا يزال راسخًا ضمن حسابات لندن الاستراتيجية.