20/11/2021
إلى أين تتجه المواجهة بين إدارة بايدن و«أوبك بلس» حول أسعار النفط؟
مع استمرار تعافي الاقتصاد العالمي من جائحة فيروس كورونا، أدى اختلال التوازن بين العرض والطلب في قطاع الطاقة إلى زيادات سريعة في أسعار النفط الخام في أوروبا وأمريكا الشمالية، في أكتوبر 2021. تجاوز المتغير الوسيط لخام غرب تكساس الأمريكي 80 دولارًا للبرميل للمرة الأولى منذ سبع سنوات، وحذرت صحيفة فاينانشيال تايمز من أنه «على الرغم من عدم تعافي النشاط الاقتصادي بالكامل إلى مستويات ما قبل الوباء»، فإن «أسعار النفط قريبة إلى أعلى مستوياتها منذ سبع سنوات»، ما أثار مخاوف جدية بشأن التضخم بين عدد من الاقتصادات الكبرى في العالم.
في مواجهة ضغوط محلية كبيرة للتخفيف من ارتفاع تكاليف الوقود في الولايات المتحدة، شددت إدارة بايدن على خطابها الغاضب تجاه منظمة البلدان المصدرة للنفط والشراكات التابعة لها «أوبك بلس»، وحثت إدارة بايدن المنظمة على الموافقة على زيادة مستويات إنتاجها المشتركة إلى أكثر من 400 ألف برميل شهريًّا، والذي كان المستوى القياسي لأوبك لعدة أشهر، ومع ذلك، في اجتماعها الأخير في 4 نوفمبر 2021. قررت المجموعة الاستمرار في التزاماتها الحالية، ما ترك إدارة بايدن في موقف دولي متواضع ووضع غير مريح إزاء تخفيف ارتفاع أسعار الوقود المحلية، ووفقًا لستانلي ريد من صحيفة نيويورك تايمز، فإن أوبك بلس «تخلصت من الضغط» الذي مارسه عليها البيت الأبيض ببساطة.
لطالما أصرت إدارة بايدن على أن حصص الإنتاج المنخفضة لأوبك بلس أسهمت في زيادة أسعار الوقود، وقد ادعت قبل اجتماع أوبك بلس الأخير في 4 نوفمبر، أن أسعار الوقود في أمريكا الشمالية وبريطانيا وأوروبا الأخذة في الارتفاع هي «نتيجة لرفض روسيا أو دول أوبك لضخ المزيد من النفط»، وردًا على هذا الرفض الأخير، ادعى متحدث باسم مجلس الأمن القومي لبايدن ذلك أن «أوبك بلس تبدو غير راغبة في استخدام ما لديها من قدرة وسلطة الآن في هذه اللحظة الحاسمة من الانتعاش الاقتصادي العالمي للدول في شتى أنحاء العالم».
وفي أعقاب ذلك، خفف بايدن من حدة خطابه، في محاولة للتقليل من التوترات، وأصر على أنه لم يكن «يتوقع» من قادة أوبك بلس سواء المملكة العربية السعودية أو روسيا الإذعان للمطالب الأمريكية، ومع ذلك، فإن الرفض الثاني من جانب أوبك، لا يمكنه أن يقدم الكثير لتعزيز المكانة الدولية المتعثرة بالفعل للرئيس الأمريكي، وكما حلل خافيير بلاس من بلومبرج، إن «الجزء السهل» بالنسبة إلى بايدن كان «التهديد بالرد»، ولكن تقديم رد في الواقع سيكون «أصعب بكثير»، ووفقًا لبلاس، فإن هذه الحلقة تركت بايدن الآن في حاجة إلى أن تكون «أقواله مصاحبة لأفعال»، وذلك خشية أن «يخاطر بأن يبدو عاجزًا في صراعه مع التكتلات الاحتكارية للنفط».
من جانبها، كانت «أوبك بلس» حريصة على تأكيد الاستقرار النسبي لسوق النفط مقارنةً بسوق الغاز والفحم، والتي شهدت ارتفاعات حادة في الأسعار خلال الأشهر الأخيرة. فقد ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي، على سبيل المثال، بنسبة 618% في الاتحاد الأوروبي و127% في الولايات المتحدة. وبالمثل، في بيان رسمي صادر عن المنظمة، تم توضيح رغبة الأعضاء في «توفير الشفافية للسوق في الأوقات التي تعاني فيها أجزاء أخرى من مجمع الطاقة خارج حدود أسواق النفط من التقلب الشديد وعدم الاستقرار».
إن رفض أوبك زيادة الإنتاج بأكثر من 400 ألف برميل يوميا للشهر المقبل، والارتفاع المستمر في أسعار الوقود في الولايات المتحدة، أدى إلى اتجاه إدارة بايدن إلى استخدام واشنطن لاحتياطي النفط الاستراتيجي (SPR)، وهو مخزون يبلغ حاليًا أكثر من 600 مليون برميل من النفط الخام؛ وهو ما يكفي من النفط الخام ليحل محل كل النفط الذي تستورده الولايات المتحدة من «أوبك بلس» لأكثر من عام»، بحسب خافيير بلاس. ومع ذلك، فإن استخدام الاحتياطي في هذا السيناريو سيمثل تباينًا في السياسة الأمريكية السابقة، حيث لم يتم استخدام الاحتياطي في العشرين عامًا الماضية إلا بعد الانقطاعات الشديدة في الإمداد، مثلما حدث أثناء إعصار كاترينا واندلاع الحرب الأهلية في ليبيا 2011.
ومع ذلك، فإن استخدام احتياطي البترول الاستراتيجي ليس الحل الوحيد المتاح أمام إدارة بايدن. يمكن أن يصدر الرئيس الأمريكي حظرًا على صادرات النفط الأمريكية، أو حتى محاولة تمرير تشريع يسمح للحكومة الفيدرالية بمقاضاة «أوبك بلس» لقيامها بدور احتكاري. ومع ذلك، فإن العواقب السياسية لاتخاذ أي من هذين الخيارين ستكون أيضًا أكثر خطورة، ولا يحتمل أن تؤثر في أسعار الوقود على المدى القصير. كما علق بوب مكنالي، رئيس مجموعة رابيدان للطاقة ومستشار سابق لشؤون الطاقة في البيت الأبيض، «لا شيء يفعله يمكن أن يخفض أسعار البنزين على المدى القريب». وافق داميان كورفالين، رئيس أبحاث الطاقة في بنك «جولدمان ساكس»، على هذا الرأي، موضحًا أن طرح احتياطيات البترول الاستراتيجي غير الطارئة تقتصر على 30 مليون برميل.
ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة ليست وحدها في قلقها بشأن مستويات إنتاج النفط الخام في «أوبك بلس»، مع وجود مستهلكين دوليين رئيسيين آخرين، مثل اليابان والهند، والذين أعربوا عن رغبتهم في رؤية تسارع الإنتاج في ديسمبر. ومن جانبها أفادت مجلة «ورلد أويل» الأمريكية أنه في 31 أكتوبر 2021 اجتمع ممثلو الدول الثلاث «اليابان والهند والولايات المتحدة» لمناقشة مخاوفهم المشتركة بشأن ضرورة زيادة المعروض من الإنتاج؛ حيث إن «تسوتومو سوجيموري» رئيس اتحاد صناعة البترول في اليابان، أعرب بوضوح عن رؤية بلاده مشيرًا بقوله: «نأمل أن تتخذ الدول المنتجة للنفط، بما في ذلك أوبك، الخطوات المناسبة حتى لا تعيق مرحلة الانتعاش الكامل للاقتصاد العالمي».
وهناك عامل آخر قد يلعب دورًا في الإبقاء على حصة الإنتاج العالمية من دون زيادتها وهي بالتحديد رغبة الدول الغربية في فرض مزيد من الضغط على الاقتصادات المصدرة للنفط، مثل تلك الموجودة ضمن منظمة أوبك، للموافقة على مبادرات تغير المناخ كجزء من توصيات قمة المناخ التي انعقدت في جلاسكو الاسكتلندية. وعلى الجانب الآخر، أشارت العضوة المنتدبة والرئيسة العالمية لاستراتيجية السلع في «آر بي سي كابيتال ماركتس» إلى «الإحباط المتزايد» بين أعضاء أوبك «بسبب مطالبتها بزيادة إنتاجياتها من قبل القادة الغربيين» الذين هم، في نفس الوقت. الوقت، «يدعون أعضاء الأوبك أيضًا إلى التحول سريعًا إلى الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة».
واستنادًا على وجهة النظر المذكورة أعلاه، أفاد «ستانلي ريد» بصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أنه «مع زيادة الضغوط إزاء ظاهرة تغير المناخ، قد تفضل دول أوبك جني المزيد من الإيرادات، وتضخيم احتياطياتها المالية من أجل الاستثمار في مشروعات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها من الأعمال والمبادرات التي قد تحل محل النفط في نهاية المطاف». وبالمثل، أضافت «كارولين باين»، كبيرة اقتصاديي السلع الأساسية لدى «كابيتال إيكونوميكس»، أن «الأسعار التي باتت تزيد عن 80 دولارًا للبرميل هي، بالطبع، سبب آخر لعدم تعجل أوبك بلس لإضافة معروض إضافي من النفط الخام إلى السوق»، خاصة وأن «شركات الإنتاج الأمريكية» لم تظهر أدنى رغبة نحو زيادة حصتها الإنتاجية».
ولا شك أن أوبك بلس تحافظ على مستوى ثابت من إنتاجها للنفط الخام والمطروح في أسواق الطاقة الدولية، ولعل معارضة الولايات المتحدة لهذا المسار التي اتفقت عليه تلك المنظمة يقود إلى حالة من انعدام الثقة وعدم اليقين باستقرار تلك الأسواق. فقد كانت إدارة بايدن على خلاف مع أعضاء أوبك بلس لبعض الوقت بشأن حصص إنتاج المنظمة، كما أن التهديدات الأخيرة التي أصدرها الرئيس الأمريكي لم تؤد إلا إلى تكثيف زيادة التوتر والعداء بين كلا الطرفين. وحتى تاريخه، صمدت المنظمة أمام ضغوط كل من الولايات المتحدة والمستهلكين الرئيسيين الآخرين للحفاظ على مستواها الحالي من الإنتاج، خاصة في ظل استمرار الشعور بين الدول الأعضاء بأن صناعاتهم النفطية مساهمة، بشكل غير عادل، في اختلاق أزمة أسعار الوقود التي هي في الحقيقة نتيجة لمشاكل أخرى يعاني منها قطاعا الغاز والفحم في الوقت الراهن، وقد تفاقمت تلك المشكلات بسبب الجهود التي يقودها الغرب للابتعاد عن استخدام الهيدروكربونات.