top of page

27/10/2021

الجغرافيا السياسية ومستقبل تحالف «أوبك بلس»

مع تزايد الطلب على صادرات الطاقة بشكل كبير، كنتيجة للتعافي  الاقتصادي العالمي من جائحة فيروس كورونا؛ تصدر تحالف «أوبك بلس» للدول المصدرة للنفط مرة أخرى دائرة الاهتمام خلال خريف عام 2021، حيث لا يزال هناك استمرار في الطلب العالمي على صادرات الطاقة، ناهيك عن أزمة نقص الوقود التي باتت تعاني منها الدول الأوروبية.

 

وفي ضوء ذلك، عقد «معهد دول الخليج العربي»، بواشنطن، ندوة عبر الإنترنت، بعنوان «الجغرافيا السياسية ومستقبل تحالف «أوبك بلس»؛ بهدف التعليق على الإجراءات الحالية والتوقعات المستقبلية بشأن مصير المنظمة، سواء فيما يتعلق بمواجهتها للصدمات التي خلفها فيروس كورونا، والتحول المتوقع للاعتماد على الطاقة النظيفة؛ أدارها «ويليام روبوك»، نائب الرئيس التنفيذي بالمعهد، وشارك فيها «لي تشين سيم»، من «جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا»، و«كارين يونغ»، من «معهد الشرق الأوسط»، و«كيت دوريان»، من «وكالة الطاقة الدولية».

 

في البداية، أكد «روبوك» الحاجة إلى «الانتباه إلى الضغوط»، التي يواجهها أعضاء «أوبك بلس» حاليًا، متسائلا عن أداء المنظمة خلال أزمة كورونا، ومدى «التماسك»، الذي أظهرته للتأكد من قدرتها على الاستمرار؟ وفي إجابتها، صرحت «سيم»، بأنها «فوجئت» بأن المنظمة، «بقيت صامدة في ظل هذه الأزمات الشديدة»، وأنه عند تشكيلها عام 2016 كانت لديها «شكوك» في استمرارها على المدى الطويل، لكنها الآن تُقر بأنها «حققت أداءً جيدًا على أرض الواقع ، وأن «أحد الأسباب الرئيسية وراء ذلك هو «مرونتها إزاء التهديد المتمثل في النفط الصخري»، الذي «دفع» كل الأعضاء للتعاون معًا، كما أن استمرار مشاركة روسيا فيها كان عاملا رئيسيا عند تقييم الوضع الحالي لهذا التحالف بشكل جدي.

 

من جانبها، لفتت يونغ، إلى إعلان إجراءات إغلاق جديدة في روسيا لمكافحة انتشار موجة أخرى لفيروس كورونا، مشيرة إلى أن الوباء لم ينته بعد، وبالتالي فإن الاقتصاد العالمي لا يزال في حالة من الاضطراب، قائلة: إننا مدينون «لأوبك بلس» وللسعودية بشكر بالغ على دور كل منهما خلال هذا الوقت الحرج من حالة عدم اليقين والتذبذب المتزايد والاضطرابات الطويلة الأمد التي طالت سلاسل التوريد باختلافها.

 

وحول مدى تماسك المنظمة في الحاضر والمستقبل؛ أقرت بأنه على الرغم من وجود لحظات توتر على مدى السنوات الماضية، فإن الهدف المشترك المتمثل في الحصول المنتظم على حصة أعضائها من الإيرادات النفطية، قد سمح لهم بالوصول إلى الكثير من نقاط التوافق المشتركة، عند الضرورة. ومع ذلك، أشارت أيضًا إلى كيفية مواجهة المنظمة صراعًا ثلاثيًا، متمثلاً أولاً، في قضية تحول الطاقة بعيدًا عن استخدام النفط الخام إلى الطاقة الخضراء، وثانيا، اضطراب وتهاوي مستوى الاستثمار في مشروعات الطاقة العالمية، وهو ما قد ينذر بحالة من الاضطراب في كيفية استهلاك الطاقة، وثالثا، كيف سيكون تأثير التحولات الجيوسياسية على منتجي النفط، مع وجود إمكانية لإثارة منافسة أكبر بين هؤلاء المنتجين في أسواق نفطية، مثل أوروبا وأمريكا الشمالية.

 

بعد ذلك، كررت دوريان تصريحات سيم السابقة، معترفة بأن تحالف أوبك بلس، فاجأ الكثيرين بمدى تماسكه، كما أنه على الرغم من التعاون بين أعضائه، لا ينبغي أن ننسى أن انضمام روسيا إلى التحالف جاء بعد منافسة شرسة على حصة السوق، حيث تم جلب موسكو بنجاح إلى هذا التحالف بعد فشل محاولات سابقة في إقناعها بالانضمام.

 

ومن وجهة نظرها، فإن هذا يعد خطوة إيجابية؛ لتشكيل التحالف بصورة أوسع نطاقًا. فيما أعربت عن وجهة نظر مفادها بأنه قد تكون هناك توترات في المستقبل بالنظر إلى اختلاف التوقعات بشأن مستويات الطلب العالمية.

 

وردا على سؤال روبوك، حول ما إذا كان من المرجح استمرار الزيادة الإضافية لحصص الإنتاج الشهرية الحالية «لأوبك بلس» البالغة 400 ألف برميل يوميًا، أو إذا كانت هناك أي تغييرات تلوح في الأفق؛ أصرت يونغ على أنه لا يوجد مجال لزيادة مستويات الإنتاج بصورة أكثر من ذلك، وخاصة عند الاعتراف بحقيقة أن العديد من البلدان تنتج بالفعل أقل من حصصها المعتادة في الوقت الراهن.

 

وفيما يتعلق بالتساؤل عما إذا كان هناك عجز في العرض حاليًا، في ضوء أن المحادثات حول أزمة الطاقة ونقص الوقود، قد اكتسبت زخمًا في أوروبا مؤخرًا؛ بينت أن هناك الكثير من العوامل التي تفسر سبب رؤيتنا لهذه الأزمة في الوقت الحالي، حيث إنها لا تتعلق فقط بنقص المعروض من النفط، ولا مسألة تحول الطاقة، ولكنها ترجع إلى نقص الاستثمار على المدى الطويل في قطاع الغاز وأنماط وموجات الطقس الفجائية غير المتوقعة، والتي أدت إلى تفاقم الوضع الحالي في أوروبا فيما يتعلق بأزمة الوقود، مرجعة أيضًا السبب الأكبر لهذه الأزمة، إلى الافتقار إلى الكثير من التماسك السياسي، مع غياب واضح للقيادة الأمريكية في هذا الصدد، وغياب الإجماع الحقيقي بين الدول المعنية حول سياسات الطاقة المتفق عليها، مثل فكرة تطبيق ضريبة الكربون، أو التمويل الميسر لمشروعات إنتاج الكهرباء النظيفة في الأسواق الناشئة.

 

واستمرارًا للمناقشة، سأل روبوك عن التصور الروسي إزاء إنتاج النفط الصخري الأمريكي، وما إذا كانت موسكو الآن أقل قلقًا بشأن احتمالية فقدان حصتها في السوق لصالح الأمريكيين؛ وفي ردها، وافقت سيم على هذا مشيرة إلى أن روسيا مسرورة تمامًا بحالة صناعة النفط الصخري الأمريكي، والصعوبات التي تواجه إنتاج وضخ هذا النفط في السوق، موضحة أن خروج روسيا من «أوبك بلس» بات أمرا غير مرجح في الوقت الحالي على الرغم من المنافسة الشديدة بين أعضائه، ولعل السبب في ذلك هو أن المنظمة هي الآن إحدى الطرق التي تعزز بها روسيا نفوذها الدولي، عبر المكاسب الجيوسياسية والمالية الرامية إلى دعمها إذا انخفضت أسعار النفط قليلاً.

 

وفي سؤال حول ما إذا كان الانخفاض في الإنتاج يمثل نذيرًا لتحول الاعتماد على الطاقة النظيفة؟؛ قللت دوريان من هذه التوقعات، مؤكدة أن الكثير من هذا الانخفاض بدأ بالفعل قبل وبعد انتشار تأثير فيروس كورونا على السوق العالمية، كما أوضحت أن الحصول على تمويل لمشروعات النفط والغاز يزداد صعوبة مع الوقت، وبالتالي، فإن تكاليف الإنتاج باتت تزداد ارتفاعًا، مشيرة إلى أن مشاكل الطاقة المتفاقمة سببها الإرث الناتج عن سوء الإدارة المتعلقة بالتنوع الاقتصادي والاعتماد الكلي على الإيرادات النفطية، وأن فشل مصدري النفط حاليًا في الوفاء بحصص الإنتاج الخاصة بهم، سيؤدي إلى تضررهم بشدة، إذا لم يتمكنوا من العثور على طرق لتنويع اقتصاداتهم.

 

وفيما يتعلق بعلاقة «أوبك بلس» بالدول الأخرى، والأهمية المتزايدة للصين في أسواق الطاقة العالمية؛ أشارت إلى أن الصين تعمل على بناء وتراكم احتياطياتها الاستراتيجية من النفط الخام لسنوات، ولكنها قامت بإطلاق بعضها مؤخرًا لدعم صناعاتها. وبشكل أكبر، وضعت هذه الاحتياطات لاختبار مدى قوة النظام الدولي في اعتماده على تلك الاحتياطات أكثر من كونها آلية قد تستخدمها لتوجيه دفة الأسعار العالمية مستقبلاً. وتتضمن هذه الخطوة رسالة ضمنية مفادها بأن الصين أكبر مشتري للنفط، ولكنها لديها القوة الآن للتأثير بشكل لا بأس به على السوق العالمية. وعند حديثها بشكل أوسع عن علاقات المنظمة مع الدول الأخرى؛ نصحت منتجي النفط، بأن يكونوا على دراية بأن المستهلك لديه عدة خيارات الآن، وعلى هذا النحو، سيحتاجون إلى أن يكونوا أكثر حرصًا وحساسية تجاه احتياجات المستهلكين.

 

وفي هذا الصدد، أكدت سيم، أن هناك حاليًا منافسة بين دول الخليج وروسيا للاستحواذ على الأسواق الناشئة، وأن هذا الاتجاه سيستمر، مشيرة إلى الجهود السعودية لشراء أسهم في مصافي التكرير الصينية.

 

وبالإشارة إلى الخلاف الحالي بين موسكو والاتحاد الأوروبي حول إمدادات الطاقة، أوضحت أن روسيا يجب أن تخفف من حدة أزمة نقص الوقود؛ لأن الأوروبيين لديهم بدائل عندما يتعلق الأمر بمتطلبات إمدادات الطاقة الخاصة بهم.

 

وحول عودة إيران المحتملة إلى السوق العالمي إذا تمكنت من التوصل إلى نسخة جديدة من اتفاقها النووي، مع واشنطن؛ أشارت يونغ إلى أنها غير مقتنعة بإمكانية التوصل إلى تلك النتيجة، قائلة: إن طهران ستستمر في إيصال النفط إلى الأسواق على الرغم من العقوبات التي تواجهها، وفي الغالب إلى الصين، وأن إدارة بايدن تخشى ملاحقة أو معاقبة بكين لشرائها النفط الإيراني؛ بسبب حاجتها إلى ضمان التعاون بشأن الكثير من القضايا الأهم. ووافقت دوريان على هذا الرأي، مؤكدة أنه إذا عادت إيران إلى سوق الطاقة العالمية، فلن تكون قبل النصف الأول من عام 2022.

 

وفيما يتعلق بمسألة تحول الطاقة واعتماد الدول على الطاقة النظيفة وتأثيراتها المحتملة على مستقبل «أوبك بلس»، أوضحت يونغ، أنه نظرًا إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية تعتبر ظاهرة تغير المناخ قضية أكثر إلحاحًا، فإن هناك اهتمامات جدية بشأن التنمية الاقتصادية، رغم الفروق الواضحة في الإمكانات والقدرات بين الاقتصادات المتقدمة والنامية، والتي ستتسع بشكل أكبر في السنوات القادمة. وعلق روبوك، بأن هناك خطرا قد يترك الملايين من الناس تعاني نقصًا في الوقود، إذا لم تتم إدارة مسألة تحول الطاقة بشكل جيد على الصعيد الدولي.

 

واستكمالا لحديثها، أشارت إلى أن شركات النفط الوطنية في الخليج تركز بشكل أكبر على الانخراط في أسواق الطاقة المتجددة، وأن تعزيز العلاقات الوثيقة مع الكثير من البلدان المهتمة بتلك الأسواق، سيكون له آثار سياسية إيجابية، كما أثارت إمكانية قيام دول الخليج بتطوير قدراتها من خلال التعاون المشترك لإنشاء شبكات الكهرباء الإقليمية وتعزيز قدرتها على تصدير الكهرباء عبر المنطقة، بما في ذلك التعاون مع دول مثل مصر والعراق، وبالتالي ستكون أكثر من مجرد مركز للطاقة، بين اقتصاديات الشرق الأوسط بأكملها. وفي هذا الصدد، حددت سيم عنصرين قد يعرقلا التفكير في التحول العالمي الفعلي للطاقة النظيفة، وهما إمكانية التنافس المكثف بين المؤسسات المختلفة حول عوائد أسواق انبعاثات الكربون، وكذلك قضية تخزين تلك النوعية من الطاقة النظيفة واحتمالات تذبذب أسعارها.

 

ومع ذلك، كان رأي دوريان، أن الهيدروكربونات النفطية من المرجح أن تستمر كمكون مهم في تعزيز قطاع الطاقة في المستقبل القريب حتى في أحلك الظروف، مشيرة إلى أن موارد الطاقة التقليدية ستستمر كما هي حتى عام 2030، وأن سوق الطاقة سيظل يعتمد على مستوى العرض والطلب من الإمدادات، وبالتالي، إذا كانت هناك محاولات لتطبيق هذا التحول بسرعة دون إعداد المستهلكين الراغبين في منتجاته، فسيكون هناك حتما رد فعل عنيف يصعب تقديره. وردًا على سؤال حول من هو الفائز والخاسر من مسألة التحول للطاقة النظيفة، أشارت إلى أن الشركات المدارة جيدًا، مثل أرامكو السعودية أصبحت بالفعل أصغر حجمًا، وتتصرف بكفاءة، مثل الشركات الدولية، وأفضل من الشركات التي تديرها الحكومات الوطنية، مما يجعلها في وضع أفضل لتحقيق النجاح المستمر حال وقوع هذا التحول.

 

أما ما يتعلق بمؤتمر تغير المناخ، المقرر عقده في جلاسكو نوفمبر 2021، أشارت يونغ إلى أن إجماع السياسات الدولية المتعلقة بمواجهة تلك الظاهرة لا يزال بعيد المنال، ولكن المؤتمر يهتم في المقام الأول بتطوير حالة التوافق في الآراء بين الأطراف المشاركة. ومن خلال مناقشة التوقعات الخاصة بدول الخليج، أشارت إلى أن لديهم مزايا استثنائية مقارنة بالمنتجين الآخرين، حيث يمكنهم أن يكون مركزًا للوقود النظيف نسبيًا، وأن هذا هو المستقبل الذي ننشده. وأضافت سيم، أن إحدى العقبات الكبرى أمام مفاوضات المناخ المستقبلية هي الاستخدام الطاغي حقًا للفحم في آسيا، وعلى الجانب الآخر، أوضحت دوريان أن حقيقة مشاركة الصين في هذا المؤتمر تبشر بالخير حول مفاوضاته المستقبلية، ولكن هناك أيضًا حاجة إلى وضع شروط ملزمة للمضي قدمًا لحماية المناخ؛ نظرًا إلى أن الأهداف الوطنية الحالية التي تتبناها الدول طوعية فقط.

 

على العموم، قدمت الندوة توضيحًا مستفيضًا للتحديات المستقبلية التي قد تواجه منظمة «أوبك بلس»، إلى جانب الاعتراف بأنها اجتازت حالة من عدم اليقين والتذبذب التي خلفها وباء فيروس كورونا، وأصبح واضحًا أن استمرار عضوية روسيا بالمنظمة يمثل عنصرًا مثيرًا للاهتمام يجب تقييم إيجابياته. ومع ذلك، كان الإجماع السائد هو أن التحالف بدا متماسكا أمام اضطرابات اقتصادية عالمية كبرى، ولعل هذا الأمر هو دليل قوي لإمكانية استمراره لضمان حماية مصالح الدول المعتمدة كليًا على إيرادات صادراتها النفطية.

 

ومع ذلك، كان هناك تأكيد أن النظرة المستقبلية للطاقة العالمية باتت مختلفة تمامًا عن الماضي، وأن قطاع الطاقة يواجه عددًا لا يحصى من التغييرات الهيكلية التي من المحتمل أن يكون لها تأثير لا بأس به على أعضاء «أوبك بلس».     

{ انتهى  }
bottom of page