23/8/2019
تقرير صادر عن «مجموعة الأزمات الدولية» في بروكسل يناقش:
«كي لا تتكرر شرارة الحرب العالمية الأولى 1914 في الشرق الأوسط»
صدر تقرير عن «مجموعة الأزمات الدولية»، ببروكسل، في الأول من أغسطس 2019، بعنوان، «كي لا تتكرر في الشرق الأوسط شرارة 1914»، تناول أوجه الشبه بين الأزمة التي يشهدها الخليج العربي حاليًا، ونشوب الحرب العالمية الأولى نتيجة لأعمال استفزازية غير متعمدة فيما بين الدول الإمبريالية الأوروبية، وقارن بين ما حدث في أوروبا عام 1914، حيث استطاعت حادثة صغيرة إشعال شرارة المواجهات العسكرية، والتي آلت بهم إلى ما وصف في ذلك الحين بـأسوأ صراع في تاريخ البشرية، وما يحدث بين إيران وأمريكا، حيث يُقدمون على مسار لا يؤول سوى إلى الحرب؛ في ظل الضغط على إيران ورفضها بالمقابل للاستسلام.
يقول التقرير بدأت توترات الخليج في التفاقم بقرار الرئيس دونالد ترامب عام 2018، الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني؛ المُوقع عام 2015. وكان انسحاب أمريكا بداية المرحلة الأولى مما عُرف بحملة «الضغط الأقصى»؛ التي تسعى من خلالها الإدارة الأمريكية إلى تقويض إيران دبلوماسيًا، واقتصاديًا وعسكريًا، وإرغامها على إعادة التفاوض على خطة أفضل لا تهدد أمن واستقرار المنطقة.
من الناحية الدبلوماسية، سعت أمريكا لمواجهة إيران عن طريق عدد من الخطوات، منها تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية، كما شارك ترامب في مؤتمر دولي في العاصمة البولندية (وارسو) مشكلاً تحالفا دوليا رسميا لمقاومة أنشطة إيران في الشرق الأوسط.
وعلى النقيض، زاد هذه المحاولات من المقاومة الإيرانية. وأوضح «مايك جيجليو»، في مجلة «ذا أتلانتيك»، الأمريكية، أنه «يبدو أن حملة الضغط التي اتبعتها واشنطن أدت إلى تصاعد القوة الإيرانية بدلاً من إخمادها». من ناحية أخرى، يقول الوزير، تتبع إيران مبدأ «الصبر الاستراتيجي»، فقد تغاضت عن جميع الضغوط الأمريكية وادعت الالتزام بخطة العمل الشاملة المشتركة أملا في أن يغادر ترامب منصبه خلال الانتخابات الرئاسية القادمة عام2020. ومع ذلك، بدأت مؤخرا في اتخاذ العديد من التدابير المضادة، بعد أن استنتجت أن مبدأ الصبر الاستراتيجي لن يستمر كثيرا في الوقت الذي أدت فيه خطوات حملة الضغط الخاصة بواشنطن إلى بعض النتائج من ضمنها دفع صادرات النفط الإيرانية إلى مستويات منخفضة جدا. ويرجع هذا الاستنتاج إلى عدم رغبة أوروبا أو عجزها عن إيجاد حلول فعالة للتحايل على العقوبات الأمريكية. نتيجة لذلك، بدأت في خرق التزاماتها تجاه الاتفاق النووي، ففي أوائل يوليو، أعلنت عن بدئها في تخصيب اليورانيوم بتركيز أعلى من 3.67% وهو ما اعتبره الكثيرون تهديدا موجها لواشنطن.
ويتابع التقرير إلى جانب ذلك، زادت من إثارة الفوضى في الشرق الأوسط، فهي مسؤولة عن احتمالات اندلاع أي حروب في المنطقة. وبصفة عامة، تجلى ذلك عبر خمس مسارح رئيسية في المنطقة، هي «الخليج، العراق، سوريا، اليمن، ولبنان». وتعتبر الخليج أكثرها تأثرا في الوقت الحاضر. ويعتبر مضيق هرمز أحد الملامح الرئيسية لزيادة التوتر بين الطرفين. وأدت هجماتها على طائرات المراقبة والشحن في المنطقة، بالإضافة إلى استيلائها على ناقلة النفط البريطانية «ستينا إمبيرو» خلال منتصف يوليو، إلى جعل أمريكا تتخذ تدابير مضادة، حيث دعت لتكوين تحالف دولي لحماية الشحن في الخليج، وقامت بتقديم المعونات اللوجستية للبلدان التي تستخدم الممرات المائية، خاصةً مضيق هرمز. وبالتالي كلما زاد تواجد السفن الغربية في المنطقة، زاد التوتر بين كلا الطرفين.
ومما يثير القلق أيضا، ظهور أطراف أخرى للصراع، أبرزها العراق. ويوضح «جنيف عبده»، من المؤسسة العربية «آرابيا فاونديشن»، أن العراق، أصبحت رُغما عنها، ساحة معركة أساسية لهذا النزاع المتصاعد بين طهران وواشنطن في ضوء أن طهران تستغل حلفاءها في المنطقة للرد على الضغوط الأمريكية التي وضعت الاقتصاد الإيراني في وضع سيئ وأشعلت الاضطرابات الداخلية». كما أن العديد من مليشيات الحشد الشعبي الشيعية ممولة من إيران لمهاجمة القوات الأمريكية في البلاد. وكان ترامب قد هدد أنه في حال حدوث ذلك، سيلجأ للقوة العسكرية في ظل تعارض مصالح الجماعات المدعومة من إيران مع حلفاء أمريكا الإقليميين.
وفي سوريا، تمنح الضربات الإسرائيلية التي تستهدف المواقع العسكرية لإيران ووكلائها مثل حزب الله الحق برد عسكري لا يحظى بالشرعية. حتى الآن، ولم تثر حملة إسرائيل أي رد فعل مباشر. ومع ذلك، قد يتغير هذا في بيئة إستراتيجية جديدة، حيث قد يدفع اليأس الإيراني الناجم عن استمرار حملة الضغط القصوى على القيام برد ضد إسرائيل، وجلب أمريكا إلى صراع؛ لحماية حليفتها. ويتماثل الوضع بشكل واضح في لبنان، حيث يبقى هناك احتمال تحريض حزب الله على القيام بعمل هجومي ضد إسرائيل، ربما انتقاما لهجماتها ضد مواقعه في سوريا، والتي من شأنها أن تُشجع بلا شك على تورط أمريكا وإيران.
وفي اليمن، يشترك حلفاء أمريكا الإقليميون في تحالف دعم الشرعية، ويواجهون المُتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. وعلى الرغم من استمرارية هذا الأمر منذ عام 2015، فقد شهدت المعركة تحولًا مؤخرًا، بقيام الحوثيين باستخدام ضربات باستخدام طائرات بدون طيار وصواريخ باليستية على أهداف مدنية. وفي حال ما تصاعد الصراع أكثر، فهناك مجال لاشتراك أمريكا وإيران بدعم حلفائهما، والذي ربما يدفع بالأمور من تصعيد عَرَضِي إلى الحرب.
ويؤكد التقرير، أنه على الرغم من حتمية ذلك المسار، إلا أنه لا يوجد طرف يسعى بجدية إلى الحرب مع الآخر. حيث تعترف إيران بضعفها الاقتصادي والعسكري والسياسي غير المتكافئ؛ مما قد يؤدي إلى هلاكها في حال نشوب نزاع مع الولايات المتحدة. وبالنسبة لترامب، تنبع معارضته من رغبته في الوفاء على ما تعهد بالقيام به طيلة فترة رئاسته؛ بإنهاء تشجيع أمريكا ومشاركتها في حروب خارجية باهظة الكلفة وغير ضرورية. ولعل هذا يبقى أقل أهمية. وكما حدث في العام 1914، تصاعدت الأمور بصرف النظر عن أهداف ومصالح الدول المعنية، مدفوعًا بغياب التواصل بين جميع الأطراف، وكذلك الحال تفتقر إيران وأمريكا إلى الروابط الدبلوماسية التي يُمكن من خلالها التفاوض على تدابير إزالة التصعيد. ولتجنب هذه النتيجة ينبغي إنشاء قنوات واضحة للتفاوض، وإن كانت الوساطة من طرف ثالث هي الأفضل؛ كونها ستشجع كلا الجانبين على العمل من أجل التوصل إلى حل بتشجيع من حليف متبادل.
ويتابع التقرير وحتى الآن، عملت طهران، غير المهتمة بالشروع في مفاوضات مباشرة مع واشنطن من خلال وسطاء، مثل ماكرون، رئيس فرنسا، والسناتور الجمهوري، راند بول، لمحاولة استكشاف خيارات للتراجع عن حافة الانهيار». ويتمتع كلاهما بتواصل مباشر مع ترامب وعلاقات طويلة الأمد مع النظام الإيراني. ومع ذلك، لم يثبت أي منهما حتى الآن قدرته على إحداث تغيير في سلوك أي من الجانبين؛ كما يُنظر إليهما على أنهما قريبان جدًا من واشنطن بالشكل الذي لا يجعلهما موضع ثقة إيران.
وكان من الواضح عدم تناول التقرير لدور سلطنة عمان ونجاحها في الماضي بشكل كبير في تسهيل المفاوضات بين إيران وأمريكا. وحسبما أكد «جوناثان شانزر»، من «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، أنه «لطالما كانت مسقط حلقة الوصل التي تحتضن أية مفاوضات بين الجانبين الأمريكي والإيراني مثلما حدث من استضافتها لمحادثات توقيع الاتفاق النووي»، وكذلك تجاهل احتمال ظهور روسيا كعنصر قادر على تشجيع الجانبين الأمريكي والإيراني على التراجع وعدم التصعيد. ويبقى واضحًا أن من مصلحة موسكو تجنب حدوث حرب مع إيران. وفي هذا الصدد، كتب «توماس بونومو»، في «موقع لوب لوج»، الأمريكي، أن «موسكو ترى أن إيران لديها أهمية جيوستراتيجية لا نظير لها تناهض هيمنة الولايات المتحدة على الشرق الأوسط، وتمتلك القدرة على التأثير بشكل أكبر على أسعار النفط والغاز العالمية بما يخدم المصالح الروسية. ولعل استقرار إيران ليس مهمًا فقط بالنسبة لروسيا والشرق الأوسط ولكن أيضًا لاستقرار القوقاز وأفغانستان على حد سواء».
وفي النهاية، على الرغم من تجاهل التقرير لبعض الطرق التي يمكن بها تجنب وقوع حرب بين إيران والولايات المتحدة، مثل استخدام الوسطاء، وإخفاقه في تقديم رؤية عميقة مناسبة للاعتبارات التي يمكن من خلالها أن تجلس الدولتان على طاولة الحوار؛ يدل على أنه على الرغم من أن الحرب يمكن أن تبدو حتمية في بعض الأحيان، إلا أن هناك مجالا أمام صناع السياسة في طهران وواشنطن لتجنب تكرار أخطاء الماضي ومنع نشوب حرب جديدة. ومع ذلك، يبقى التقرير قطعة موجزة وباعثة على التفكير يُمكن أن يستفيد منها المسؤولون.