top of page

9/10/2021

كورونا والتغير المناخي واتجاهات التحول في أسواق الطاقة

اتسمت أسواق الطاقة العالمية في الأشهر الـ18 الماضية بالاضطرابات وعدم الاستقرار. ومع تحول العالم بعيدا عن الوقود التقليدي، والسعي إلى خفض انبعاثات الكربون، تماشيا مع اتفاقية باريس للمناخ، لا يمكن التنبؤ بالمستقبل أيضا، حيث من المتوقع أن تنخفض الاستثمارات ومستويات الطلب على حد سواء. وفي يوليو2021. نشرت شركة «بريتيش بتروليوم» للطاقة، المراجعة الإحصائية السنوية السبعين للطاقة العالمية، والتي أكدت أن «وباء كوفيد-19»، أثر بشكل كبير في أسواق الطاقة، حيث انخفضت معدلات انبعاثات الكربون بوتيرة هي الأسرع منذ الحرب العالمية الثانية.

 

ولمناقشة المراجعة الإحصائية للطاقة العالمية، والتأثير المحتمل لنتائجها على الشرق الأوسط، عقد «معهد الشرق الأوسط»، بواشنطن، ندوة بعنوان «أسواق الطاقة في الشرق الأوسط»، أدارتها «كارين يونغ»، من برنامج الاقتصاد والطاقة بالمعهد، وشارك فيها «مايكل كوهين»، رئيس قسم تحليل النفط في شركة «بريتيش بتروليوم»، و«كارول نخلة»، من شركة «كريستول» للطاقة.

 

في البداية، شرح «كوهين» ما وصفته «يونغ» بـ«لحظة تحول أسواق الطاقة من الاعتماد على الوقود الأحفوري إلى موارد الطاقة المتجددة»، مؤكدا أن تحليل أحداث عام 2020. وبالأخص أزمة كورونا أدى إلى معرفة مدى قدرة استجابة «أوبك»، والقوى الكبرى في العالم لأي حالة من حالات عدم استقرار أسواق الطاقة، مشيرًا إلى وجود بعض التطورات نحو الحد من تأثيرات موارد الطاقة التقليدية والتحول إلى المتجددة؛ منها ما أشار إليه من أن «مستوى استهلاك الغاز الطبيعي في الشرق الأوسط نفسه زاد».

 

وبشكل عام، لم يكن متفائلا بشأن تحقيق أهداف خفض الانبعاثات على أساس ثابت مستقبلا. وعلى حد تعبيره، عندما «نتخلص من الفيروس ويبدأ الطلب على النفط في الانتعاش، فمن المرجح أن يكون هذا الانخفاض مؤقتا». وأنه «على الرغم من تباطؤ النمو الاقتصادي الصيني، ما زلنا نشهد معدلات هائلة من الانبعاثات الكربونية الناتجة عن استخدامها الطاقة غير النظيفة». وكانت المراجعة الإحصائية، قد ذكرت أن «الصين تعد تقريبا البلد الوحيد الذي زاد فيه استهلاك الطاقة التقليدية خلال عام 2020».

 

علاوة على ذلك، رأى «كوهين»، أن «الانكماش العام في الناتج المحلي الإجمالي»، الذي حدث في وقت واحد في العالم، يعود إلى أن أسعار عقود انبعاثات الكربون مكلفة للغاية». وبعبارة أخرى، «لا يزال النمو الاقتصادي والتنمية الدوليان يعتمدان على استخدام الوقود التقليدي». ومن المعلوم، أن انخفاض الانبعاثات العام الماضي كان مدفوعا بما اسماه بــ«توقف نقل الإمدادات النفطية أو على الأقل تباطؤ وتيرتها»، وهو الأمر الذي قال «نريد تجنبه في المستقبل». موضحًا أن هذا النوع من «الاضطراب الحاد»، في الاقتصاد العالمي، أمر ينبغي لصناع السياسات أن يسعوا إلى تجنبه في المستقبل.

 

وتوضح «المراجعة الإحصائية»، مدى عدم الاستقرار في قطاع الطاقة العالمي، بالنظر إلى متوسط أسعار النفط عام 2020. ووصوله إلى أدنى مستوياته منذ عام 2004. وانخفاض استهلاكه بمقدار 9.1 مليون برميل يوميًّا، وهو ما يمثل أدنى مستوى له منذ 2011». وكتب «سبنسر ديل»، من شركة «بريتيش بتروليوم» في يوليو2021. أن الاتجاه «الدراماتيكي نحو «انخفاض معدلات انبعاثات الكربون، الذي لوحظ العام الماضي، هو الذي يحتاج إليه العالم في المتوسط كل عام على مدار الثلاثين عامًا القادمة؛ ولكي نحقق أهداف اتفاق باريس للمناخ». ومع انعقاد قمة «كوب 26» حول تغير المناخ في نوفمبر 2021. من المحتمل أن الدول ستعيد تأكيد رغبتها في تغيير الاتجاهات في قطاع الطاقة العالمي بشكل دائم والاعتماد على موارد الطاقة المتجددة.

 

وبالعودة إلى المناقشة، أشار «كوهين» إلى الانخفاض العالمي في الطلب على النفط وبعض تداعياته على بلدان الشرق الأوسط. موضحًا أن «أكبر عنصر شهد انخفاض الطلب عليه كان وقود الطائرات»، في حين كان هناك ثبات في الطلب على مصادر الطاقة من «النفثا والإيثان والغاز النفطي المسال».

 

وفي تعليقه، على استجابة «أوبك+» للأزمة الصحية العالمية، لاحظ أن المنظمة كانت «قادرة على تحقيق انخفاض في العرض» استجابة لانخفاض الطلب، إلا أنه حذر من قدرة «أوبك» على تجاوز الأزمات المستقبلية، بالنظر إلى أن خطوة خفض العرض قد اتخذت «في مواجهة شيء كان من المفترض أن يكون وضعًا مؤقتًا». ونظرًا إلى إدراك أن الانخفاضات المستقبلية في الطلب من المرجح أن تكون هيكلية ودائمة، فمن الصعب التنبؤ بكيفية استجابة المنظمة للانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة. وبالنسبة إليه، فمن الصعب «تحديد ما إذا كانوا سيحافظون على حصتهم في السوق أو يضاعفون الإيرادات في المستقبل»، مشيرًا إلى كيف قرر مصدرو الغاز الطبيعي المسال الروس «التخلي عن بعض حصتهم في السوق» عام 2020. كخطوة «ديناميكية مؤقتة»، وبالتالي «لا يمكننا التأكيد أن هذا السلوك قد يتم محاكاته مُستقبلا».

 

واستكمالا للمناقشة، ركز «كوهين» على استهلاك الكهرباء وإنتاجها في الشرق الأوسط، موضحًا أن «ما يصل إلى70% من الكهرباء يتم إنتاجها باستهلاك الغاز من أجل تعظيم صادرات النفط»، مشيرًا إلى أنه على الرغم من الجهود التي تبذلها دول الخليج لتنويع مصادر إنتاج الطاقة لديها، فإن استخدامها للمصادر المتجددة لم يتم بمعدل مرضٍ داخل المنطقة ككل. وعلى وجه الخصوص، أشار إلى أن «أقل من 1% من الاعتماد على الطاقة الشمسية موجودة في الشرق الأوسط».

 

ومع ذلك، قدم بعض الملاحظات المشجعة للخطوات التي يجب اتخاذها في المستقبل، بما في ذلك كيف «يمكن أن تنمو مصادر الطاقة المتجددة بسرعة كبيرة على الرغم من مشكلات سلاسل الإمداد والتوريد والتمويل المناسب الخاصة بموارد الطاقة المتجددة». ومع ذلك، تظل المصادر غير المتجددة لإنتاج الكهرباء مثل الغاز الطبيعي، مكونًا مهمًا في العديد من البنى التحتية للطاقة في العديد من البلدان. وعليه، خلص «كوهين»، أنه «في عالم ينمو فيه الطلب على الطاقة، قد لا يكون النمو في مصادر الطاقة المتجددة كافيا»، وبالتالي «يجب أن تكون جميع الحلول مطروحة، وجميع الأطراف الفاعلة جزءًا من الحوار».

 

من جانبها، عرضت «نخلة» للوضع الحالي لقطاع الطاقة في الشرق الأوسط. موضحة أن هناك «أربعة جوانب مهمة فيما يتعلق بالشرق الأوسط.» يتعلق أولها بـ«قضية الغاز»، حيث إن الشرق الأوسط «كان متأخرًا عندما يتعلق الأمر بالغاز الطبيعي»، بالنظر إلى أن «النفط أكثر ربحية»، وأن التركيز الأكبر يجب أن ينصب على تطوير مخرجات الغاز الطبيعي داخل المنطقة، وهو نهج مدعوم جراء الدور الذي أداه هذا التطوير في خلق نوع من «المرونة الشديدة في مواجهة أزمة كورونا.

 

أما ثانيها، فهو «التداعيات الخطيرة لفيروس كورونا، بدلا من العقبات التي تواجه عملية التحول إلى الاعتماد على موارد الطاقة المتجددة في الوقت الراهن»، حيث أصرت على أن المنتجين يجب أن يكونوا «أكثر قوة» عند مواجهتهم «لصدمات هيكلية أشد وطأةً» في المستقبل، وأنه في ظل تراجع أسواق النفط العالمية، فإن «الاحتياطيات النفطية منخفضة الكلفة بمنطقة الشرق الأوسط هي القادرة على إنعاش هذه الأسواق»، مشددة على أن هناك حاجة إلى أن يقيم واضعو السياسات هذه التداعيات مع حجم «الاحتياجات الاقتصادية» لبلدانهم، بما في ذلك جهود التنويع الاقتصادي طويلة المدى. مع ملاحظة أنه على الرغم من هذه الجهود، «لا يزال نمو الناتج المحلي الإجمالي مرتبطًا بأسعار النفط وإيراداته»، ما قد يتسبب في مشاكل اقتصادية، حيث «ستشتد المنافسة بين المنتجين إذا ما استمرت أسواق النفط في التراجع والتقلص».

 

ويتعلق ثالثها، بأن «بلدان منطقة الشرق الأوسط بدأت مواجهة أزمة كوفيد-19 في بداية الأمر أثناء ذروة معاناتها وضعف اقتصادها من تهاوي أسعار النفط عالميًّا». موضحة أن اقتصادات هذه الدول «كانت لا تزال تحاول التعافي من انهيار أسعار النفط عام 2014 حتى الربع الأول من عام 2020. لكن الوباء زاد الطين بلة. واستشهدت «نخلة»، بتقرير «صندوق النقد الدولي»، الذي نُشر وقتها وحذر من نضوب «ثروات دول الخليج» المالية بحلول عام 2034». ورأت أن هذا يوضح الحاجة إلى «فهم المشكلات الهيكلية داخل المنطقة» عند مناقشة قضية التحول إلى الطاقة المتجددة.

 

وفي النهاية، لفتت الانتباه إلى الدور المحتمل لمنتجي النفط والغاز بمنطقة الشرق الأوسط من أجل تحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية، مشددة على حقيقة أنه «لن يكون هناك انقطاع في الطلب العالمي على مستخلصات النفط والغاز الطبيعي خلال العقود المقبلة»، وأنه «عندما يصل الطلب على النفط إلى ذروته، سيستمر العالم في استهلاكه». وبالتالي، أكدت أن «الطاقة منخفضة الكثافة الكربونية التي توفرها شركات النفط والغاز العالمية بالمنطقة، يمكن أن تتركها في وضع مثالي لتلبية هذا النوع من الطلب». وأخيرا، اقترحت أن يستمر توجيه هذه الإيرادات، نحو تسهيل تنويع أسواق الطاقة، وأن بعض المشروعات تُستخدم بالفعل «لتعزيز العمر الافتراضي لمواردها وأصولها القيمة»، مثل مشروع تطوير الهيدروجين الأزرق المستخلص من الوقود الأحفوري.

 

واتفقت «يونغ»، مع هذا الرأي، مشيرة إلى أن الغاز كان «بالتأكيد جزءًا من أجندة التنويع الاقتصادي لموارد الطاقة» في الشرق الأوسط، غير أنها تساءلت عن «كيفية تحفيز الحكومات على البدء في الاستثمار في مشروعات الطاقة المتجددة». ومن جانبه، أوضح «كوهين»، أن «تدخل القيادة السياسية الحكيمة، هو أمر ذو أهمية قصوى لرؤية تطور أي قطاع». ووافقت «نخلة» على ذلك، مشددة على «الحاجة إلى تقديم شروط تعاقدية ملائمة للمستثمرين في مجال الطاقة المتجددة». ومع ذلك، حذرت من أن مثل هذه الجهود من المرجح أن تصبح أكثر صعوبة بمرور الوقت لأن الانتقال إلى الاستعانة بمصادر الطاقة المتجددة سيجعل «المستثمرين أكثر انتقائية بشأن مشروعات الطاقة المتجددة التي يدعمونها».

 

وفي المقابل، تحدث «كوهين» عن اعتقاده أن موارد الطاقة الأقل كلفة من حيث إنتاجها وأسعارها ليست الكفيلة ببقاء دول ما في السوق وجني الأرباح من وراء ذلك، فهذه الحقيقة بدأت تتلاشى؛ حيث بدأ الكثير من المستهلكين في تقييم «معايير أخرى» أيضًا، فيما يتعلق بالاهتمام بـ«عوائد أسواق انبعاثات الكربون وإيرادات التجارة فيها». لذلك، شعر أن الاستغلال المستمر لموارد الطاقة غير المتجددة يجب أن يؤدي إلى التفكير مليًا في طرق تعمل على قلة الكثافة الكربونية نسبيًا التي تنبثق من موارد الطاقة التقليدية.

 

وفي سؤال حول الوضع الحالي لأسواق تصدير إمدادات الطاقة في الشرق الأوسط. أوضح «كوهين»، أنه نظرًا إلى أن روسيا «تركز بشكل متزايد على آسيا»، فمن المحتمل أن تكون هناك «زيادة تنافسية مع الدول الأوروبية للحصول على الغاز الطبيعي على المدى القصير. ومع ذلك، حذر من أنه من المتوقع أن يتراجع أداء أسواق النفط العالمية والصينية أيضًا إذا «ظلت الأخيرة ملتزمة بأهدافها بالتحول إلى الطاقة المتجددة». ونتيجة لذلك، توقع أن تكون هناك «منافسة كبرى في الأسواق الأخرى مثل أسواق انبعاثات الكربون»، وبالتحديد الموجودة في العالم النامي. ووافقت «يونغ» على ذلك، وأكدت أنه ستكون هناك «آثار مهمة على الملامح الجيوسياسية الإقليمية إذا اشتدت المنافسة بين أعضاء «أوبك+» على المدى القصير والطويل في تلك الأسواق.

 

على العموم، قدمت الندوة نظرة عامة مفصلة عن الوضع الحالي لأسواق الطاقة في الشرق الأوسط، وتأثير فيروس كورونا وانعكاساته على السياسات النفطية المستقبلية لكل الدول، والتحديات طويلة المدى المرتبطة بالتحول من الوقود الأحفوري إلى موارد الطاقة المتجددة.

 

وفي حين أن هناك بعض الإيجابيات التي قد تظهر جراء التحول إلى موارد الطاقة المتجددة، فإنه يجب توخي الحذر لأن هذا التحول هو تحدٍ مختلف بطبيعته، خاصة وأن المنافسة المتزايدة داخل الأسواق النفطية المتراجعة بالفعل يمكن أن يكون لها آثار جيوسياسية كبرى على أعضاء «أوبك+» ومنافسيها. وفي حين أن دول الخليج تحرص على المشاركة في جهود مكافحة تغير المناخ، كجزء من جهودها الخاصة لتنويع الطاقة، فإن الهيدروكربونات لا تزال عنصرا مهما من الدخل القومي لكل منها، ومن المرجح أن يظل هذا الحال سنوات عديدة قادمة. وعلى هذا النحو، فإن الاتجاهات الحالية والمتوقعة في أسواق الطاقة العالمية ذات أهمية هائلة في صياغة سياسات الطاقة الوطنية.

{ انتهى  }
bottom of page