top of page

7/10/2021

ارتفاع أسعار النفط يخلق أزمة نقص الوقود في أوروبا

في نهاية سبتمبر 2021، ارتفعت أسعار خام «برنت» العالمية إلى أعلى مستوى لها منذ ثلاث سنوات، عند 80 دولارا للبرميل، في ذروة الارتفاع الحاد في أسعار صادرات الطاقة على مدار الشهر. ويعزى هذا الارتفاع إلى تعافي الاقتصاد العالمي من جائحة كورونا، وأيضا بسبب المنافسة المتزايدة بين الصين والهند والغرب للسيطرة على صادرات النفط اللازمة لدفع النمو الاقتصادي.

 

وحتى الآن، كان تأثير ذلك هو زيادة النمو الاقتصادي لمصدري النفط في «أوبك»، بما في ذلك دول الخليج. ومع ذلك، خلقت هذه الزيادة في الأسعار نقصًا في الوقود لدى أوروبا. وشهدت المملكة المتحدة انهيار العديد من شركات الطاقة الأصغر حجما، فضلاً عن الأزمة في الحصول على البنزين. وتسعى الدول الغربية، وأبرزها الولايات المتحدة، إلى إقناع المنظمة بزيادة إنتاجها من النفط الخام فوق 400 ألف برميل، بشكل إضافي، يوميا.

 

وبشكل كبير، تتناقض إحصاءات أسعار صادرات النفط الخام مع ما كانت عليه عندما انهارت أسعاره في ربيع عام 2020. وذكرت صحيفة «فاينانشال تايمز» في 28 سبتمبر 2021 أن خام برنت، وهو المعيار الدولي لأسعار الصادرات، ارتفع «بنسبة تصل إلى 0.9%» في ذلك اليوم وحده؛ وبالتالي ارتفع إلى قيمة «80.22 دولارا للبرميل»، قبل أن يستقر في نهاية المطاف عند 79.09 دولارا للبرميل. وإجمالا، ارتفعت أسعار خام برنت بنحو 60% طوال عام 2021.

 

علاوة على ذلك، ارتفعت أسعار الصادرات الأوروبية أيضا بنسبة 10% -وهو ما يعني أن هذا الرقم تضاعف منذ أغسطس 2021- وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة بالمثل بنسبة 10% لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ سبع سنوات. في حين أن المنافس الأمريكي لخام برنت، «غرب تكساس الوسيط»، وصل أيضا إلى أعلى سعر له منذ يوليو 2021، عند 76.67 دولارا للبرميل.

 

ومع ارتفاع أسعار صادرات النفط بشكل كبير وسط عجز بين العرض والطلب؛ بدأ خبراء الطاقة يشيرون إلى أن الأسعار قد ترتفع أكثر من ذلك، وتصل إلى مستويات غير مسبوقة. وتوقع بنك الاستثمار الأمريكي «جولدمان ساكس» أن يصل خام برنت إلى 90 دولارا للبرميل بحلول نهاية عام 2021. في حين اقترح «بنك أوف أمريكا» أن النفط الخام يمكن أن يرتفع إلى 100 دولار للبرميل خلال شتاء 2021-2022، إذا كان الطقس في أوروبا وأمريكا الشمالية باردا بشكل استثنائي، وارتفع طلب المستهلكين.

 

بالإضافة إلى ذلك، تظل تلك المؤشرات المذكورة آنفًا تؤكد صحة التوقعات بشأن مسألة ارتفاع الأسعار في المستقبل والتي صرحت بها «بلومبرغ»، حيث إن العقود الآجلة لخام برنت ستكون بقيمة 200 دولار للبرميل، وتم تداولها 1.300 مرة في 29 سبتمبر وحده على الرغم من أن هذا التقييم أعلى بكثير من السعر الحالي لصادرات النفط الخام. ولاحظ «بنك أوف أمريكا» أن المستثمرين «يمكن أن يستفيدوا من أي ارتفاع حاد في الأسعار هذا الشتاء أو الصيف المقبل».

 

وبالفعل، هناك مؤشرات على زيادة الأسعار في المستقبل وسط مستويات الطلب المتزايدة. وأشار «جون روجاس» من «سكاي نيوز» إلى أن اليابان بدأت تخفف القيود الخاصة بكوفيد-19؛ لكونها من المرجح أن تعزز الطلب على صادرات النفط العالمية. ويبدو أن السبب الرئيسي لحدوث هذا الارتفاع الآن هو المنافسة بين الصين والهند والغرب على تأمين صادرات النفط من المنتجين، حيث تتحمل بلدان مثل المملكة المتحدة تكلفة تخلفها عن السيطرة على أسواق النفط العالمية. كما أوضحت «كاثي بوسويتز» من وكالة «أسوشييتد برس» أن «ارتفاع التكاليف تزامن مع انتعاش قوي من الركود الناجم عن الوباء، مع قيام المزيد من المنازل والشركات بحرق جميع أشكال الوقود».

 

وفي سبتمبر 2021، أعلن «لي تشيانغ» رئيس مجلس الدولة الصيني أن بكين مستعدة لمواصلة استيراد النفط الخام على الرغم من الزيادات الأخيرة في الأسعار؛ من أجل التخزين قبل أن تصبح الأسعار غير مستدامة، كما أعلن «إدوارد مويا»، من شركة «اوندا» لتداول العملات، أنه «إذا كانت الصين على استعداد لدفع أي ثمن مقابل الطاقة فقد يؤدي ذلك إلى تكثيف أزمة الطاقة في أوروبا». ووصف «نعيم أسلم»، من شركة «ثينك ماركتس»، كيف إن «الهند ثاني أكبر مستورد للنفط الخام قد زادت أيضًا وارداتها من النفط إلى أعلى مستوى لها في ثلاثة أشهر، كما شرعت مصافيها في التخزين؛ لأنها تتوقع ارتفاع الطلب في المستقبل».

 

وفي مواجهة الاقتصادات الرائدة التي استمرت في استيراد النفط الخام حتى مع ارتفاع الأسعار، كان هناك تأثير كبير على الدول الأوروبية التي لم تتمكن من تأمين حصتها من الطاقة. وبالنسبة للغاز الأوروبي، أشارت شبكة «بي بي سي نيوز» إلى أن «الأسعار استمرت في الارتفاع مدة سبعة أيام متتالية على خلفية أزمة الطاقة في أوروبا». وكما ذُكر سابقًا، فإن المملكة المتحدة شعرت بهذه الضغوط بشدة، مع تهاوي العديد من شركات الطاقة الصغيرة بالفعل وسط مخاوف من أن «الشتاء قد يعمق الأزمة». وأوضحت صحيفة «الجارديان» أن ارتفاع الأسعار قد «دفع 12 شركة طاقة» إلى الخروج من العمل في عام 2021، ما وضع ضغطًا على خُطط جهاز تنظيم الطاقة «اوفيجم»، فيما سيكون لهذه الصعوبات أيضًا آثار جانبية كبيرة على المستهلكين. ووفقًا لشبكة «سكاي نيوز»، ارتفعت أسعار الغاز في المملكة المتحدة الآن بنسبة 520% عن نفس الفترة من عام 2020.

 

ووفقا لـ«جون روجاس»، فإن ارتفاع أسعار النفط العالمية هي أزمة أخرى تضاف إلى «مشاكل سلسلة التوريد في محطات الوقود البريطانية»، التي كان أحد أسبابها زيادة الضغط على تلك المحطات التي نفد وقودها جراء نقص سائقي الشاحنات المحملة بالوقود؛ ما أدى إلى عدم وصول مخزونات وفيرة منه إلى تلك المحطات. وتبعا لذلك، كانت هناك مقارنات في وسائل الإعلام مع ما يسمى «شتاء السخط» في 1978-1979، حيث أدت تخفيضات إنتاج أوبك إلى رفع أسعار النفط ومواجهة المملكة المتحدة مجموعة من المشاكل الاقتصادية، بما في ذلك التضخم المتفشي والإضراب الصناعي الواسع.

 

وفي حين أنه لا يزال سابقًا لأوانه إلى حد مثل هذه المقارنات، زعم «أندي بيكيت» في صحيفة «الجارديان» أن «بريطانيا ربما تدخل فترة طويلة من الأزمة تماثل أو حتى تتجاوز حالات الطوارئ في السبعينيات»، وقد تتخطى هذه المشكلة. وكما ذكر «روبرت ريني»، من بنك «ويستباك»، الأسترالي: «إننا لا ننظر فقط إلى لندن وأوروبا، ولكننا ننظر إلى أزمة طاقة عالمية محتملة في الشتاء».

 

ومع أن الطلب المتزايد على النفط هو علامة على التعافي الاقتصادي العالمي، فإن حالة النقص -المذكورة أعلاه- في المملكة المتحدة تسلط الضوء على كيفية إعاقة النمو الاقتصادي بشكل كبير؛ بسبب نقص العرض. وكما أوضح «ستيف شيفريس»، من جامعة «سيتي»، فإن مجموعة من «المشاكل الاقتصادية ظهرت أثناء الانتعاش؛ لأنه كان أسرع مما كان متوقعًا في جميع أنحاء العالم، وقد كافح منتجو السلع من أجل مواكبة اتجاه الأسعار العالمية إلى الارتفاع».

 

ومع ذلك، فإن الطلب المتزايد على صادرات النفط الخام جلب المزيد من الفائدة للمصدرين من دول الخليج. ووفقًا لـ«بلومبرج»، «أدى ارتفاع سعر خام برنت إلى 80 دولارًا للبرميل «إلى ارتفاع قياسي في الأسهم الخليجية»، حيث سجل مؤشر «مورجان ستانلي كابيتال إنترناشيونال» للأسواق الناشئة «MSCI» ارتفاعًا قياسيًا، خلال 11 شهرًا على التوالي، من المكاسب للشركات في السعودية والإمارات. ففي 28 سبتمبر2021، ارتفع سعر سهم «أرامكو»، السعودية بنسبة 3.6% محققًا أكبر مكاسبه على الإطلاق في يوم واحد منذ مارس 2020، بينما ارتفع سهم شركة «دانة غاز» الإماراتية بنسبة 4.5%.

 

وعلى الرغم من أن الأزمة المتمثلة في ارتفاع الأسعار وزيادة الطلب على النفط الخام في أوروبا تعتبر أمرا جيدا لمصدري النفط على المدى القصير، فإنها تبدو للعديد من الخبراء مؤشرا لانخفاض محتمل في النمو الاقتصادي على مستوى العالم في الأشهر المقبلة. ووفقًا لصحيفة «فاينانشيال تايمز»، فإن ارتفاع أسعار النفط والفحم والكربون والغاز الأوروبي هو «أوضح العلامات حتى الآن على أن العالم يتجه إلى أزمة طاقة من المحتمل أن تؤثر على النمو الاقتصادي»، وخاصة في ظل استمرار انتشار متحورات فيروس كورونا في آسيا وانخفاض التوقعات بشأن النمو الاقتصادي الصيني. وفي هذ الصدد، أوضح «ستيفن برينوك»، من شركة «بي في إم أويل أسوسيشن»، أن انخفاض التوقعات بشأن النمو الاقتصادي الصيني «يلقي بظلال قاتمة على مستوى الطلب على الواردات النفطية»، وبالتالي فإن حجم طلبها غير مؤكد في الوقت الراهن.

 

ومع ارتفاع أسعار النفط، تحول اهتمام الغرب الآن إلى منظمة «أوبك+»، وسط توقعات بأن منتجي النفط سيزيدون من حصص إنتاجهم ومستويات تصديرهم أكثر مما كان مخططًا للتخفيف من حدة الأزمة. وذكرت «رويترز» أن «أربعة مصادر من منظمة (أوبك) وحلفائها، بمجموعة «أوبك+»، تدرس تجاوز اتفاقها الحالي لزيادة الإنتاج 400 ألف برميل إضافية يوميا، وذلك على خلفية اقتراب النفط من أعلى مستوياته في ثلاث سنوات، والضغط من جانب المستهلكين لضخ مزيد من الإمدادات إلى السوق».

 

من ناحية أخرى، من المتوقع أن يزداد الضغط الأمريكي على أعضاء «أوبك» للقيام بتلك الزيادة في الأيام المقبلة. وأوضحت «هيليما كروفت»، من «رويال بنك أوف كندا»، أنه «مع ارتفاع أسعار النفط إلى أعلى مستوياتها منذ عدة سنوات ستتعرض أوبك لضغط مكثف بشكل متزايد من واشنطن لزيادة الإنتاج».

 

ومع ذلك، فإن التأثير الأمريكي على «أوبك+» يبدو محدودًا، وهو ما اتضح من فشل إدارة بايدن في حث أعضائها على زيادة الإنتاج في يوليو الماضي من أجل معالجة قضية ارتفاع أسعار الوقود في الولايات المتحدة، والتي تم اعتبارها في ذلك الوقت «تهديدًا للانتعاش الاقتصادي العالمي». وتوقعت «لويز ديكسون»، من شركة «ريستاد إنرجي»، أن أوبك ستتبع في النهاية «نهج الانتظار والترقب» لزيادة الإنتاج أكثر من المستوى المخطط له، وهو 400 ألف برميل إضافية يوميًا. وفي حالة عدم قيام «أوبك+» بزيادة حصص إنتاجها بأكثر من الحد المخطط له، أوضح «أليكس كيماني»، في موقع «أويل برايس»، أن «إدارة بايدن ستفرج عن بعض احتياطي النفط الاستراتيجي لتهدئة مخاوف الطلب التي تعتريها».

 

على العموم، بالنظر إلى الوضع الحالي لصادرات النفط العالمية وأزمة نقص الوقود، من الواضح أن الكثير من التوقعات سيعتمد على ما يتم الاتفاق عليه من قبل أعضاء «أوبك+». وفي حين أن أسعار خام برنت المرتفعة ستكون علامة على انتصار منتجي النفط على الصعوبات الاقتصادية التي مروا بها -ومازالوا- خلال فترة الوباء، فإن نقص الوقود لدى بعض البلدان سيكون بمثابة حافز لرفع مستوى الإنتاج اليومي لخام النفط خلال شهر نوفمبر 2021 ليتجاوز المستوى المطلوب المخطط له حاليًا. فيما سيتبين أيضًا في الأيام المقبلة ما إذا كانت الضغوط الأمريكية على أعضاء أوبك من أجل السماح بمزيد من الإنتاج، ستؤتي ثمارها أم لا.

{ انتهى  }
bottom of page